17/10/2005

وأيا كانت ما تفرزه انتخابات مجلس الشعب القادمة فإن هناك حقيقة ثابتة … أن الشعب المصري هو الخاسر الوحيد , تلك الحقيقة التي تؤكدها كل القري في الريف المصري …. بعد أن أصبحت غابات متحركة من الأسمنت تزحف بضراوة علي مساحات الأمل ومع صباح كل يوم تدق الأعمدة الخرسانية في قلب مصر تنحسر المساحات الخضراء أمام الزحف الأسمنتي القادم ويبقي السؤال يتردد في الآفاق فلا يرتد غير الصدى … إلي متي ستحتمل تلك الرقعة الصغيرة الخضراء كل هذا الاعتداء الهمجي بغير انقطاع .

تقول الإحصائيات الرسمية أن شهر الانتخابات الرئاسية شهد ما يقرب من 25 ألف حالة تعد جديدة علي الأرض الزراعية وهو ما يعطي مؤشرا خطيرا عما يمكن أن يحدث من تعديات خلال موسم الانتخابات البرلمانية

فقد استغل هواة التعديات وسماسرة الأراضي انشغال الأجهزة التنفيذية والأمنية في الانتخابات الرئاسية من اقتطاع أكثر من ألف فدان من أجود الأراضي الزراعية

وقد تفاوتت نسبة التعدي من محافظة إلي أخرى ,
ففي محافظة الغربية وصلت حالات التعدي إلي 4 آلاف حالة
وفي محافظة البحيرة أكثر من 2200 حالة
وفي القليوبية 1200 حالة
وفي الدقهلية 800 حالة وفي دمياط 600 حالة , وبالتأكيد فإن هذه الأرقام ستزيد في الأيام القادمة مع موسم انتخابات مجلس الشعب , فهو كما يسمونه موسم البناء علي الأراضي الزراعية , ينتظره لصوص الأراضي ومحترفو المتاجرة فيها وراغبو البناء والمقاولون وتجار الطوب والأسمنت والحديد , اللعبة معروفة

فالمرشحون يقومون بالضغط علي الأجهزة التنفيذية للسكوت عن حالات التعدي كنوع من أنواع الرشاوى للناخبين في المعركة الانتخابية

الغريب في الأمر أنه في الوقت الذي وعدت فيه الحكومة باستصلاح ما يزيد عن ثلاثة ملايين فدانا لزيادة الرقعة الزراعية نجدها تغمض عينها عن التعدي علي الأرض الزراعية فالتعديات تحدث والشرطة ترفض الإزالة لظروف الانتخابات

وما أن تنتهي الانتخابات حتى يصبح البناء أمرا واقعا , ويدخل الملف دوامة القضاء الذي ينتهي في الغالب إلي البراءة نتيجة عدم وضوح الأعمال المرتكبة ” التبوير – التشوين – البناء ” مما فتح الباب أمام المعتدين بالصورة التي نراها وذلك بسبب أسلوب الترضيات الانتخابية وإرجاء الإزالات وتدخلات المرشحين لدي المسئولين وعجز السلطات عن المواجهة , فالقانون ضعيف وغير رادع والألاعيب كثيرة .

وبالتأكيد فإن المشكلة أكبر من مجرد المواجهة الأمنية للتعديات لأنها وليدة إهمال لعقود طويلة , فالحكومات المتعاقبة لم تنتبه إلي توفير المساكن البسيطة للشباب

وكانت سياستها تتجه إلي الإسكان الفاخر ولم تجد القري العناية بالزيادة السكانية لفترات طويلة إضافة إلي أن كردون عام 1985 لم يعد يتحمل الزيادة السكانية الضخمة

الغريب في الأمر أن معظم المحافظات التي لها ظهير صحراوي لم تحاول أن تشجع الشباب علي البناء في الصحراء المتاخمة للقري واقتصر دورها علي الإزالة …. مع أن الإزالة بعد البناء لا تعيد الأرض الزراعية إلي طبيعتها .

وقد تبدو الصورة أكثر فتامة حين نعرف أن مراحل التعدي علي الأرض الزراعية تنقسم إلي ثلاثة مراحل وهي التبوير – والتشوين – ثم البناء وأنه من حق الجهات التنفيذية والمرشدين الزارعين إيقاف التعدي منذ المرحلة الأولي ” التبوير ” وتحرير مخالفة لمرتكبها وإلزامه بإعادة الأرض إلي أصلها … غير أن ما يحدث الآن أن تلك الجهات تظل صامتة وساكنة حتى يتم البناء فإذا ما حررت مخالفة وتم إزالة البناء فإن الأرض لا يمكن زراعتها من جديد بعد ما تم تدنيسها بالرمل والزلط والأسمنت والحديد أي أن المحصلة النهائية هي خسارتنا لقطعة أرض زراعية لن تأتى أبدا بالثمار .

ومن الألاعيب التي يستخدمها المعتدون علي الأرض الزراعية هي البناء ليلا أو في أيام العطلات ” مساء الخميس و يوم الجمعة ” وهو الأمر الذي يتطلب من وزير الزراعة أن يصدر قرارا يلزم المرشدين الزراعيين بالعمل ليلا ونهارا وفي أيام العطلات حتى لو إستلزم الأمر العمل بنظام النوبات مع منح المرشدين أجرا إضافيا مجزيا يتناسب ما يبذلونه من جهد للحفاظ علي الأرض الزراعية …

” من جانبنا …. فإن أولاد الأرض لحقوق الإنسان تحذر من استمرار مواسم اغتيال الأرض الزراعية خاصة وأن إنتخابات مجلس الشعب علي الأبواب وهو الأمر الذي يستلزم من كل المحافظات ومديريات الزراعة بها عمل غرفة عمليات لمراقبة القري , وذلك بتكثيف المتابعة الميدانية من خلال المرشدين الزراعيين ومن خلال خطة مرور دقيقة يتم تطبيقها بحزم .

” كما تطالب أولاد الأرض لحقوق الإنسان بالتحقيق الفوري مع المسئولين بالأجهزة التنفيذية المتقاعسين عن أداء دورهم في الحفاظ علي الرقعة الزراعية وتوقيع الجزاء الرادع عليهم .