20/10/2005

ربما لا تدرك رائحة الماء الآسن إلا عندما تخرج منه , وقد دحرجتنا الحكومات المتعاقبة من خلال سياستها الخاطئة التي تعتمد علي سياسة السوق وتبتعد كل البعد عن العدل الاجتماعي إلي هذا المستنقع حتى أصبح الهواء الفاسد هو السائد أما الهواء النقي فقد أصبح استثناء , هكذا سقط 48% من الشعب المصري تحت خط الفقر … وخطوة … خطوة … دفعتنا الحاجة إلي أن نرفض ما كان معيبا … وأن ننسي في دوامة متطلبات الحياة اليومية ماكنا نسميه كرامة … وكبرياء …! .

أصبح عاديا في حياتنا أن ينتظر الناس صدقات المحسنين والمتفضلين حتى أن البعض اقترح أن يتم إقامة موائد رحمن دائمة طوال العام …! .

وفي مدارس الريف المصري يقبع عشرات الآلاف من التلاميذ غير القادرين علي دفع مصاريف المدرسة في انتظار تلك اليد المتفضلة الكريمة التي ستدفع لهم تلك المصاريف فتعرضوا لأبشع أنواع الاستغلال حين استخدمهم المرشحون لمجلس الشعب كرشاوى انتخابية

فقد قام الكثير من المرشحين بدفع مصاريف المدارس للتلاميذ غير القادرين مع إلزام أسرهم بانتخابهم , أما وزيرة الشئون الاجتماعية فقد قررت أن تصرف 20 جنيها لكل طالب غير قادر علي دفع المصاريف واشترطت لصرف تلك الإعانة أن يقدم ولي أمر التلميذ ” شهادة فقر ” تصوروا … شهادة فقر …!؟

أي إذلال … وأي مهانة … وكيف يستطيع الطفل أن يرفع قامته بين زملائه , وكيف يمكن أن يصبح هذا الطفل المنكسر حين يكبر رجلا ” وقد تعود منذ نعومة أظافره علي الاستجداء , كان من الممكن أن يقوم الأخصائي الاجتماعي في كل مدرسة بحصر حالات التلاميذ غير القادرين علي سداد المصاريف وأن يتم إعفاؤهم من جانب وزارة التعليم بشكل يحفظ للطفل كرامته بين أقرانه غير أن وزير التعليم الذي انخفضت ميزانيته من 17.7 مليار جنيها إلي 15 مليار جنيها لم يجد وسيلة لسداد هذا العجز غير الاستجداء ولو علي حساب كرامة هؤلاء الأطفال , أما المبلغ المطلوب من كل تلميذ فيتراوح ما بين 30 و 50 جنيها فبئس ما هو مطلوب وما أغلي الثمن ..!

وقد تتضح الصورة وتصبح أكثر تجسيدا حين نتأمل ما يحدث منذ سنوات من تسول جماعي يمتد بطول مصر وعرضها لبناء مستشفي سرطان الأطفال , حملة تسول في كل وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة , وعلي المحطات الأرضية والتليفزيونية … حتى “أصبحت فضيحة مصر ” بجلاجل ” في أنحاء العالم , وكأن مصر بتاريخها وما تملكه من إمكانيات أصبحت غير قادرة علي بناء مستشفي لأطفالها … أي خزي هذا … وأي عار , والأدهي أن من يقومون بتلك الحملة يقومون بعرض الأطفال المرضي لاستعطاف القلوب الرحيمة … فأي فرق بينهم وبين من يستلقي علي الرصيف لعرض عاهته … أي امتهان هذا لآدمية الإنسان …!

والحقيقة أننا لا نعرف حتى الآن ما إذا كانت دعاية تلك الحملة في الصحف والمجلات والتليفزيون مدفوعة الأجر أم غير مدفوعة … فإذا كانت مدفوعة فهذا ما لا يمكن التسامح معه … لأن حجم الدعاية كان كفيلا ببناء الكثير من المستشفيات وليس واحدا فقط …؟

أما المصيبة الكبري هي صمت الحكومة عما يحدث وبل مباركتها ولم يصدر قرارا بإيقاف تلك المهزلة , وهو الأمر الذي يؤكد أن الاتجاه السائد لدي الحكومة هو إسقاط الفقراء والمهمشين من حساباتها وأن ما نسميه نحن بالعدل الاجتماعي أصبح من المومياوات التي لا مكان لها غير المتاحف , إن ظاهرة التسول في المجتمع المصري تحولت من سلوك فردي إلي سلوك جماعي تمارسه الدولة ذاتها وهو الأمر الذي يقتطع الكثير من مكانة مصر وتاريخها .

” من جانبنا … فإن أولاد الأرض لحقوق الإنسان تري أن حق التعليم والعلاج من الحقوق الأصيلة للإنسان التي نصت عليها المواثيق الدولية وأيضا الدستور المصري وأن الإخلال بهذه الحقوق يعد عملا يضع مرتكبيه ومن تسببوا فيه تحت طائلة القانون , فإذا كانت السياسات الخاطئة التي إنتهجتها الحكومات المتعاقبة قد أدت إلي سقوط الإنسان المصري إلي سفح الهرم الاجتماعي فإن أولاد الأرض لحقوق الإنسان تطالب باستقالة الحكومة الحالية مع تقديم اعتذار رسمي للشعب المصري عما اقترفته في حقه من جرائم تندي لها جبين البشرية .