10/4/2008
تصدر المنظمة المصرية لحقوق الإنسان اليوم الخميس 10/4/2008 تقريرها النوعي “مصر…الاختناق الاقتصادي يفجر أحداث المحلة” الذي يتناول بالرصد والتوثيق نتائج بعثة تقصي الحقائق التابعة للمنظمة والتي أوفدتها إلى مدينة المحلة ، كما يتضمن التقرير خلفية عن ما شهدته محافظات مصر يوم 6 أبريل ، وتحليلاً موسعاً لأسباب ودوافع تصاعد الأحداث في المحلة ، والنتائج التي توصلت إليها بعثة تقصي الحقائق ، وينتهي التقرير بجملة من التوصيات . ويستهل التقرير مقدمته بالضمانات الدستورية والقانونية التي كفلت حق الإضراب والتظاهر السلمي، وحملة الاعتقالات التي شهدتها محافظات مصر يوم 6 أبريل ، إذ بلغ عدد المعتقلين حوالي 68 معتقل في عدة محافظات من بينها (بور سعيد – القاهرة – كفر الشيخ – الإسكندرية – المنصورة – المحلة)، وتم عرض 34 معتقل على النيابات العامة في قضايا مختلفة ، وكان آخر المعتقلين حتى أمس 9 أبريل 2008 أ.جورج إسحاق القيادي بحركة كفاية والمنسق العام السابق للحركة والذي اعتقلته أجهزة الأمن من منزله ، واقتادته داخل سيارة مدنية إلى جهة غير معلومة. ويؤكد التقرير أن الصورة كانت أكثر قسوة في مدينة المحلة التي كانت محور الأحداث ، حيث شهدت موجة غضب شعبي عارمة ، وقد تعاملت قوات الأمن بقسوة مع المتظاهرين مستخدمة القنابل المسيلة للدموع، فضلاً عن عمليات الاعتقال العشوائي والاحتجاز التعسفي لعدد كبير من المواطنين بلغ حوالي 257 مواطن وأخلي سبيل من هو حدث ، كل ذلك دفع المواطنين إلى رد الفعل على النحو الذي كشفت عنه الأحداث ، مما أدى إلى إصابة العديد من المواطنين بل وذهب ضحية التصاعد من جانب قوات الأمن أحمد حسين أبو العزم (20 عاماً) و الطفل أحمد علي مبروك (15 عامًا ) ، والذي توفي أثناء وقوفه بشرفة منزلة بشارع كمال متولي متفرع من ميدان الشون لمشاهدة الأحداث، حيث أصيب بطلق ناري مجهول المصدر بمنطقة الرأس أدت لسقوطه من شرفة المنزل، وعلى الفور قامت أسرته بنقله إلى مستشفى المحلة العام في حوالي الساعة الثانية عشر فجر يوم 8/4/2008 في حالة خطيرة، وتوفي المذكور عقب دخوله المستشفى متأثرا بإصابته ، وتجري النيابة العامة تحقيقاتها لبيان مصدر الطلقات التي أصابت المذكور وأدت إلى وفاته. وأعزى التقرير أسباب ودوافع تصاعد موجة الغضب الشعبي في مدينة المحلة إلى أسباب اقتصادية بالأساس، حيث سوء الأحوال المعيشية، وارتفاع مستوى الأسعار مقابل تدني مستويات الأجور ، وارتفاع معدلات البطالة والفقر، فهناك أكثر من 5 ملايين عاطل خاصة من خريجي الجامعات والمعاهد العليا والمتوسطة، فطبقاً للأرقام الرسمية فإن عدد العاطلين في مصر زاد من 112 ألفاً و535 عاطلاً عام 1950 ليصل إلى 5 ملايين عاطل في بداية العام الحالي، أي أن عدد العاطلين زاد بنسبة 4000% خلال الـ 54 عاما الأخيرة فيما لو صحت هذه الأرقام والإحصائيات، أما بالنسبة للفقر ، فتشير تقارير البنك الدولي إلى أن أكثر من 60% من المصريين يعيشون على أقل من دولارين ، ونحو 25% يعيشون تحت خط الفقر. يضاف إلى ذلك النتائج العكسية المترتبة على عمليات الخصخصة، بدءاً من مشكلة سعر الصرف والانخفاض المتوالي لقيمة الجنيه المصري أمام الدولار والعملات الأجنبية الأخرى، مروراً باستمرار انخفاض معدل الادخار المحلي، وزيادة العجز في الموازنة العامة بصورة مطردة، وارتفاع الدين المحلي لأرقام فلكية تهدد الاقتصاد الوطني، وانتهاء بالارتفاع المستمر في أسعار معظم السلع وخاصة السلع الأساسية، مثل المواد الغذائية والتموينية. ويضاف إلى الدوافع الاقتصادية ، غياب الديمقراطية واحتكار السلطة ، وتراجع عملية الإصلاح السياسي والاقتصادي.واحتكار السلطة يعني التخلي عن مبدأ التداول السلمي للسلطة، وتقييد حرية وحركة الأحزاب والقوى السياسية المختلفة وكذلك مؤسسات المجتمع المدني ، وقمع الحريات العامة، ودفع الشعب إلي التخلي عن المشاركة السياسية، وتزوير الانتخابات التشريعية، وهيمنة السلطة التنفيذية على باقي السلطات ، وغياب الرقابة الشعبية ، بل واختفاء دولة القانون والمؤسسات لتحل محلها السلطة المطلقة للأفراد ، ومن بين العوامل السياسية الأخرى استمرار فرض حالة الطوارىء لدرجة أن قانون الطوارىء رقم 162 لسنة 1958 قد أضحى بمثابة الدستور الحقيقي للبلاد . وفي نهاية تقريرها ، تؤكد المنظمة المصرية أن التوجهات الأمنية بالتصدي للتظاهر السلمي وحملة الاعتقالات مؤشر خطير على الحق في التجمع السلمي وحرية الرأي والتعبير والحرية والأمان الشخصي المكفولة بمقتضى الدستور والمواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان ، وفي ذات الوقت تؤكد المنظمة أن تصاعد الأحداث في مدينة المحلة يكشف عن عمق الأزمة الاقتصادية بالبلاد وحالة الاحتقان التي يشهدها المجتمع المصري ، وعليه تطالب المنظمة بحملة من التوصيات ، يمكن بيانها على هذا النحو: 1- فيما يخص الحق في التجمع والتظاهر السلمي 1.قيام الحكومة المصرية باتخاذ خطوات جادة وفعالة للعمل على استصدار مشروع بقانون لإلغاء قانون ( 10 ) لسنة 1914 والقانون رقم ( 14 ) لسنة 1923 واستبدالهما بقانون آخر لتنظيم حق التظاهر وفق المعايير الدستورية والدولية، وكذلك العمل على تنقيح البنية التشريعية المصرية بما يتفق مع الدستور المصري و المواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان. 2.تخويل الحق لأي مجموعة أو منظمة أو حزب في التظاهر و ذلك وفقا للقواعد المتعارف عليها وهي : 3.اتخاذ جميع الخطوات اللازمة للتحقق من عدم منع الأشخاص في مصر من ممارسة حقهم في التجمع السلمي، وحمايتهم من الاعتداء والاعتقال التعسفي على أيدي قوات الأمن بسبب سعيهم لممارسة هذا الحق الذي يكفله الدستور المصري والعهود و المواثيق الدولية. 4.ضمان تلقي الشرطة و قوات الأمن المصرية التدريب المهني المناسب للنهوض بمسؤولياتهم الأمنية، بما في ذلك المعايير الدولية لتنفيذ القوانين الواردة في مدونة الأمم المتحدة لسلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون، ومبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية. 5.ضرورة إصدار وزارة الداخلية تعليمات واضحة و مشددة لقوات الأمن التي تتعامل مع المظاهرات بعدم استخدام القوة في فض المظاهرات و بالتحديد استخدام الهراوات و العصي المكهربة أو إطلاق الرصاص سواء الحي أو المطاطي أو الرش. وكذلك التحقيق الفوري في التجاوزات التي قامت بها قوات الأمن ضد المتظاهرين و إحالة المتسببين في تلك التجاوزات إلى المحاكمة. كما تطالب المنظمة المصرية النائب العام و وزير الداخلية بالآتي: 1.استعجال تقرير الطب الشرعي النهائي الخاص بواقعة وفاة الطفل أحمد علي مبروك والشاب أحمد حسين أبو العزم والعمل على تقديم من يثبت إدانته إلى المحاكمة الجنائية . 2- فيما يخص الحرية والأمان الشخصي تؤكد المنظمة المصرية أن حملة الاعتقالات في محافظات مصر ومدينة المحلة تعتبر انتهاكاً للحق في الحرية والأمان الشخصي المكفول بمقتضى الدستور المصري والمواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان ،إذ نصت المادة 41 من الدستور على أن “الحرية الشخصية حق طبيعي وهى مصونة لا تمس وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق أو صيانة أمن المجتمع ويصدر هذا الأمر من القاضي المختص أو النيابة العامة وذلك وفقا لأحكام القانون”. لذلك تطالب المنظمة بالآتي: 1.الإفراج الفوري عن المعتقلين و عن كافة المتهمين في جميع القضايا بمحافظات مصر ومدينة المحلة، ومن بينهم جورج إسحاق وإسراء عبد الفتاح إعمالاً لصحيح القانون ونصوص الدستور المصري وتأكيد الاحترام لقيم ومبادئ حقوق الإنسان. وفي ضوء تصاعد الأحداث في مدنية المحلة وبقية محافظات مصر ، تؤكد المنظمة المصرية أنه ينبغي على الحكومة الإسراع في برنامج الإصلاح الاقتصادي والسياسي ، وذلك عبر تبني استراتيجية تقوم على العناصر التالية :
أما على المستوى السياسي ، فنجد أن المدخل الصحيح والوحيد للتغيير الشامل، هو تحقيق الديمقراطية وتوفير الحريات العامة وضمان حقوق الإنسان وذلك عبر :
ونهاية ، فإن الإصلاح الذي ينبغي على الحكومة المصرية البدء فوراً في تنفيذه من الضروري أن يكون نابع من إرادة المواطنين وتلبية لاحتياجاتهم الحقيقية ، وهو إصلاح شامل وعلى المستويين السياسي والاقتصادي ، فلا إصلاح سياسي دون إصلاح اقتصادي والعكس صحيح، فالبيئة المعادية للديمقراطية والمكرسة للحكم الواحد والكابتة للحريات واللاغية لدور المؤسسات الرقابية التشريعية والقضائية ووسائل التعبير والإعلام وخاصة في مجال الرقابة والنقد، ولدور الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني ، تشكل مناخاً مناسباً لاستشراء الفساد بصوره المختلفة ولغيره من الأنشطة الاقتصادية غير الصحية.وفي ذات الوقت ينبغي على الحكومة التحاور بشأن استراتيجية الإصلاح الشامل مع القوى السياسية والحزبية الوطنية المختلفة لتحديد الأولويات، وآليات التنفيذ، والمدى الزمني اللازم لذلك ، لما يعود بالخير على هذا الوطن وأبنائه . |