24/1/2006

ولأنها رمز الأصالة والشموخ …. كان عليها أن تموت في صمت وبلا أنين , هكذا تساقطت أشجار النخيل في حقول مصر متدثرة بحزنها النبيل , ماتت واقفة كشواهد القبور بعد أن نخرها السوس الأحمر معلنة في مشهدها الأخير عن إهمالنا وعجزنا عن حماية أعز ما لدينا , وكأن الوهن الذي أصابها قد انتقل منا إليها بعد أن أصبحنا في هذا الزمن كخيالات المآتة …!

تحكي لنا وقائع الحقول أن بها 12 مليون شجرة نخيل تنتج ما يزيد عن 680 ألف طن بلح سنويا وتتراوح القيمة الإنتاجية لشجرة النخيل الواحدة ما بين 300 إلي 1300 جنيها وذلك حسب نوع البلح وجودته , وأن مصر في المرتبة الرابعة بين دول العالم المنتجة للتمور , غير أن هذه الثروة القومية تواجه خطرا داهما يتمثل في تهديد سوسة النخيل الحمراء أو السوسة الآسيوية مما يعني أن هذه الثروة علي وشك الضياع ,

ويرجع ظهور هذا الخطر إلي عام 1992 عندما أهدت دولة الإمارات العربية مجموعة من الأشجار المصابة لمنطقة القصاصين بمحافظة الإسماعيلية ومنها امتد المرض إلي محافظة الشرقية ومحافظة الجيزة وظهر مؤخرا بالوادي الأسيوطي بمحافظة أسيوط وإذا سارت الأمور كما هي عليه فإن السوسة الحمراء ستطول نخيل مصر كله , خاصة وأن عدد الأشجار المصابة يزيد عن 90 ألف شجرة علي حسب تقديرات وزارة الزراعة البعيدة كل البعد عن الحجم الحقيقي للكارثة …!

ولأن شر البلية ما يضحك فإن وزارة الزراعة فشلت في مقاومة هذا المرض منذ عام 1992 وحتى الآن لأنها لم تنجح في الحصول علي موافقة وزارة المالية علي تخصيص ميزانية لمكافحة الحشرة سوي في بداية شهر يناير من العام الحالي 2006 ,وقدر هذا التخصيص بنحو مليون جنيه فقط بالرغم من أن تكلفة المقاومة تزيد عن خمسة ملايين جنيها سنويا ..! الغريب في الأمر أن ثمن الشجرة الواحدة يصل إلي ألف جنيها أي أن ثمن أشجار النخيل في مصر يقدر بما يزيد عن 12 مليار جنيها , ويبدو أن وزارة المالية ظنت ” وبعد الظن إثم ” أن هذه الثروة المهددة بالخطر ليست في بر مصر ولكنها في بلد أخر …!

أما وزير الزراعة السابق فقد تذكر في أيامه الأخيرة بالوزارة أنه يجب عليه أن يغسل يديه من تلك الجريمة فأصدر القرار رقم 1498 في 5 ديسمبر من عام 2005 والذي نص فيه علي أن يتحمل مزارعي النخيل قيمة 50% من تكاليف أعمال مكافحة سوسة النخيل وتشمل تلك التكاليف المبيدات المستخدمة في الرش الوقائي والعلاج علي أن تكون عمليات الاقتلاع والإزالة في حالات أشجار النخيل التي يصعب علاجها علي نفقة الوزارة …!

أما الآدهي والأمر فإن كل محاولات العلاج والوقاية التي قامت بها وزارة الزراعة باءت جميعها بالفشل …! يقول حمدي محمد والذي يملك حقلا به 70 نخلة مصابة بالسوس الأحمر لباحثي أولاد الأرض لحقوق الإنسان ” بدأت مشكلة السوسة في حقلي في شهر أبريل عام 2004 ومن يومها وإلي الآن لم يتم القضاء عليها مما دفعني إلي اقتلاع 20 نخله مصابة والبقية في طريقها إلي نفس المصير , ولقد قمت بالاتصال بوزارة الزراعة ومراكز البحوث الزراعية وقمت باستخدام العلاجات التي أوصوا بها , وكانت النتيجة أن تفاقمت الإصابة عما كانت عليه …!

ويفند حمدي محمد مزاعم وزارة الزراعة وتقاريرها التي تشير أن عدد الأشجار المصابة يصل إلي 90 ألف نخلة قائلا ” هذه التقارير ليس لها أساس من الصحة بدليل أن عدد الأشجار المصابة في حقول المرازيق وحدها يزيد عن 200 ألف نخلة مما يؤكد أن عدد النخيل المصاب علي مستوي مصر يقدر بالملايين وليس بالآلاف مما يعني أن ثروة مصر من هذه الأشجار قد أصبحت في قلب الخطر “.

أما محمد حمزة من بلدة المرازيق أيضا فيقول ” لقد ظهرت سوسة النخيل في البداية في بعض القري المجاورة مثل سقارة وأبو ربوان والشوبك الغربي ,

وأن خطورة المشكلة تكمن في أن الأهالي يعتمدون اعتمادا كبيرا علي إنتاج النخيل . فهناك ما يزيد عن 30 ألف أسرة تعيش علي أشجار النخيل ومنتجاته سواء من صنع بلح العجوة أو صنع الأقفاص من الجريد والمقاطف من الخوص وكذلك صنع ” الكرينة ” التي تستخدم في تنجيد المقاعد وأيضا المكانس اليدوية والحبال التي تصنع من ليف النخيل ” .

ويقول أمين عبد المحسن أمين لباحثي أولاد الأرض لحقوق الإنسان ” أعمل تاجرا لأقفاص الجريد والمقاطف الخوص وعندي مزرعة من أشجار النخيل بها أشجار مصابة وخاصة الأشجار الصغيرة التي تتراوح عمرها بين عام إلي ثمانية أعوام والتي تصل نسبة الإصابة بينها إلي 100% , ومأساتي في أنني انتظرت عشر سنوات حتى يثمر النخيل فإذا بالسوسة تأتي لتقضي علي أحلامي وتصيب في مزرعتى وحدها أكثر من 200 نخلة , وبالرغم من أن هذا المرض لا يقل عن أي وباء فإن وزارة الزراعة لم تساعد أحدا في مقاومته , بل إن المقاومة تتم بالجهود الفردية وتصل تكلفة علاج النخلة الواحدة إلي نحو 50 جنيها ” .

ويؤكد الخبراء في علم الحشرات وناخرات الأخشاب أن دورة الحياة التي تمر بها حشرة سوس النخيل تبدأ حين تهاجم أشجار النخيل وتقوم بوضع البيض في أماكن الجروح وأماكن نزع الفسائل والنسيج الناعم في آباط الأوراق وتضع الحشرة الواحدة من 200 إلي 300 بيضة تفقس بعد ثلاثة إلي سبعة أيام وذلك حسب درجة الحرارة لتخرج منها اليرقات التي تحفر بدورها أنفاقا داخل نسيج جذع النخلة وعند اكتمال نمو اليرقات تتجه للخارج لعمل شرا نق في آباط الأوراق وعندها تتحول إلي طور العذراء , أما المدة الزمنية لدورة الحياة فإن طور اليرقة يستغرق نحو شهرين وطور العذراء يستغرق ما بين 15 – 20 يوما وبعدها تخرج الحشرة الكاملة لتعيد دورة الحياة , ويعد طور اليرقات هو الطور الخطر والضار بالنخيل حيث تقوم اليرقات بعمل الأنفاق داخل جذع النخلة مما يؤدي في النهاية إلي موتها ” .

” من جانبنا …. فإن أولاد الأرض لحقوق الإنسان تطالب رئيس الحكومة بالإلزام الفوري لوزارة الزراعة بعمل حملة قومية لإنقاذ ثروة مصر من النخيل علي أن تقدم وزارة المالية الدعم الكافي لتلك الحملة حتى يمكن إنقاذ ما يمكن إنقاذه …!