27/2/2006

خلال شهرين فقط حدثت كل تلك الفواجع ولسنا ندري حقيقة ماذا تخبئ لنا الأيام القادمة , وماذا سيفعل فقراء مصر وقد تكالبت عليهم المصائب لتحاصرهم من كل جانب , فمع بداية عام 2006 تم اختيار وزراء جدد كل خبراتهم السياسية أنهم رجال أموال …! فلم يكن غريبا أن تكشف الكوارث المتتالية عن عجز هؤلاء الوزراء في إدارتها …

ويبدو أن كارثة غرق العبارة السلام ” 98 ” وسقوط مئات من الضحايا لم تكن كافية للكشف عن هذا العجز حتى فوجئنا وقد أصبحنا وجها لوجه أمام الموت المتمثل في فيروس أنفلونزا الطيور ” N1 – H5 ” والذي تسلل من خلال إهمال الحكومة وغفلتها ليقضي علي أقوات الناس وحياتهم أيضا , ولولا إعلان منظمة الصحة العالمية عن وجود حالات مصابة بأنفلونزا الطيور في مصر ما أعلنت الحكومة عن وجوده حتى ولو أصيب الآلاف بالمرض القاتل , فقد انتشر المرض في تركيا ثم انتقل إلي فلسطين وأصبح يطرق بوابة مصر الشرقية وقامت منظمة الصحة العالمية بمخاطبة الحكومة وتحذيرها لمواجهة الخطر هذا … فماذا فعلت حكومة نظيف وكيف استعدت لهذا الخطر القادم …؟‍

وزارة الصحة والزراعة والبيئة والإعلام لم يحركوا ساكنا … لم يحاولوا أن ينشروا برامج لتوعية المواطنين من أنفلونزا الطيور وكيف يتعاملون معها واكتفت الحكومة بإصدار أوامر باستيراد مصل ” TAMFIY” من الخارج وتجاهلت وضع أي خطة لمواجهة المرض , فجميع الأجهزة المعنية غير مدربة علي سيناريو التعامل مع الوباء ولا توجد خطط طوارئ أو فرق إنقاذ مدربة أو ملابس وكمامات وقفازات واقية ,

حتى أن الأطباء البيطريين المشاركين في عملية المقاومة لم يتم تحصينهم بالرغم من تأكيد المتخصصين أن المصاب بالأنفلونزا العادية يكون معرضا بسهولة للإصابة بأنفلونزا الطيور أما الشخص العادي فينتقل إليه المرض من خلال الطيور الحاملة للفيروس , الأخطر من ذلك أنه لا يوجد أي تنسيق بين مصلحة الطب البيطري ووزارة الصحة مما أدي إلي اتساع فجوة المكافحة خاصة وأن ملايين المصريين يقومون بتربية الطيور فوق أسطح المنازل فضلا عن المزارع الخاصة , والمدهش أن مديرية الطب البيطري بالجيزة قامت بشراء الملابس الواقية قبل التحرك للمواقع الموبوءة بساعة واحدة مساء يوم الجمعة حيث انتقلت 10 سيارات من مديرية الطب البيطري تحمل 15 طبيبا غير محصنين بأي أمصال ,

والغريب في الأمر أنه خلال ثلاثة أيام فقط من إعلان الحكومة رسميا عن ظهور حالات مصابة بأنفلونزا الطيور تفشي هذا المرض الخطير في أرجاء مصر كلها مما يؤكد أن إعلان الحكومة عن وجود 7 حالات مصابة فقط كان ذرا للرماد في العيون وأن الحقيقة كانت أخطر من ذلك ..

والعجيب في الأمر أن الحكومة لم تقم بإعدام الطيور الموجودة في محيط 2 كيلو متر من الإصابة المكتشفة كما تحتم إجراءات الوقاية .. وكانت النتيجة حتمية أن أصيب الناس بالذعر فور إعلان الحكومة عن وجود المرض في مصر .. .. اختلط الحابل بالنابل , وفقدت مصر خلال عدة أيام ثروتها الداجنة والتي تقدر ب 20 مليار جنيها وأصبح مصير ما يقرب من 2 مليون أسرة مجهولا بعد فقدان عائل الأسرة مصدر دخله المتعلق بصناعة الدواجن ,

فقد تم إغلاق 22 ألف مزرعة للدواجن وتسريح العاملين بها وتم وقف تصدير 750 مليون دجاجة كانت تصدرها مصر سنويا بما يؤكد أن الاقتصاد القومي سيخسر 30 مليون دولار من صادرات الدواجن سنويا , وتسببت الأزمة في إغلاق ما يقرب من 100 ألف محل دواجن في القاهرة وحدها وتوقف 60 مجزرا آليا ونصف آلي وتشريد العاملين بها وتوقفت مئات من مصانع الأعلاف وتم تسريح عمالها , وأغلقت محلات الأعلاف بالتبعية , وحل الركود علي صناعة الأدوية البيطرية مما عرضها لخسائر كبيرة لم يتم حتى الآن حصرها وتدهورت الحالة المعيشية للفلاحين بعد حرمانهم من عائد تربية الطيور في البيوت والذي كان يمثل ما يقرب من 30% من دخل الأسرة الريفية ,

وقد أدت إبادة الثروة الداجنة في مصر والتي تمثل 75 % من استهلاك اللحوم في مصر إلي فجوة غذائية ليس من السهل تعويضها خاصة إذا علمنا أن إنتاج اللحوم الحمراء يصل إلي 900 ألف طن سنويا بما يمثل 41.4% من إجمالي اللحوم بينما يبلغ إنتاج اللحوم البيضاء نحو 1.2 مليون طن سنويا تمثل نحو 58.6% من إجمالي إنتاج اللحوم هذا بخلاف 269 ألف طن من البيض في حين أن الإنتاج المحلي من الأسماك يصل إلي 802 ألف طن سنويا , وهذا يعني أن فقراء مصر قد فقدوا ربما مصدرهم الوحيد للبروتين بعد ارتفاع سعر اللحوم الحمراء والأسماك مما يؤكد أن نصيب الفرد في مصر من البروتين لن يصل إلي 19 جراما يوميا في حين حددت منظمة الصحة العالمية أن الحد الأدنى لا يجب أن يقل عن 24 جراما يوميا .. هذه بعض آثار تلك الكارثة .

ولكي نعرف مدي إهمال الحكومة المصرية في مواجهة هذا الوباء علينا أن نلقي نظرة سريعة علي تاريخ هذا المرض وما قامت به الدول الأخري من إجراءات للوقاية , فقد اكتشف العلماء مرض أنفلونزا الطيور في بدايات القرن الماضي في مناطق جنوب شرق آسيا ولكن لم يتم التأكد من انتقاله للإنسان إلا في عام 1997 حيث أصيب 18 شخصا بفيروس أنفلونزا الطيور من نوع ” N1 – H5 ” في هونج كونج , وتوفي منهم 6 أشخاص , وفي عام 1999 تم اكتشاف إصابة شخصين في هونج كونج , وفي عام 2003 بدأت تنتشر الحالات في العديد من دول آسيا كما ظهرت إصابة 83 شخصا في هولندا بفيروس ” H7 N7 ” وحدثت حالة وفاة واحدة , وفي عام 2004 انتشر فيروس ” H5 N1 ” بين الدجاج في كمبوديا وتايلاند وفيتنام وكوريا الجنوبية واليابان والصين , وبلغ عدد الوفيات حوالي 87 حالة وفاة ,

وقد اتخذت هذه الدول تدابير وقائية لمنع انتشار المرض بشكل وبائي ووصوله إلي الإنسان إلا أن هذه التدابير لم تنجح في القضاء عليه حتى أن تقديرات البنك الدولي أكدت أن خسائر العالم بسبب مرض أنفلونزا الطيور قد تصل إلي 800 مليار دولار وقد قامت كل دولة بعدة إجراءات لمحاربة المرض , فقامت الصين بطبع 300 ألف نسخة من كراسات الوقاية علي شكل أسئلة وأجوبة عن أنفلونزا الطيور وتم إرسالها للإدارات المحلية والمواطنين للرجوع إليها ” الغريب في الأمر أن الحكومة المصرية لم تقم بأي عمل تنويري ودعائي للوقاية من هذا المرض الخطير قبل أن تعلن عن وجوده رسميا بالرغم من تحذير منظمة الصحة العالمية قبل ذلك بشهور ” .

أما في الصين فقد حددت وزارة الزراعة الصينية عدة إجراءات فورية للسيطرة علي المرض عن طريق إنشاء شبكات متكاملة للسيطرة عليه ومراقبة الطيور , وتم إنشاء 300 محطة مراقبة تابعة للوزارة و 147 نقطة مراقبة للمرض علي طول الحدود , كما تم إنشاء مختبرات وطنية لتشخيص المرض ,

وفي تايلاند تم تشكيل جبهة موحدة لمكافحة أنفلونزا الطيور علي غرار الجبهة التي أنشئت لمكافحة مرض الالتهاب الرئوي ” سارس ” أما أندونيسيا فقد أعلنت أنها لا تنوي مواجهة المرض بقتل جماعي للدواجن كما حدث في العديد من دول جنوب شرق أسيا مما دفع بمنظمة الصحة العالمية إلي دعوة الحكومة الأندونيسية إلي التخلص من الطيور المصابة مؤكدة أن اللقاحات وغيرها من الإجراءات لا تنفع , وحينما انتقل المرض إلي أوروبا حذرت رومانيا من كارثة بسبب أن دلتا نهر الدانوب تعتبر مركزا رئيسيا للطيور المهاجرة الآتية من روسيا والدول الاسكندنافية في حين خفضت إيطاليا من حدة إمكانية انتقال المرض إلي الإنسان ,

وتم عقد عدة مؤتمرات بين دول أوروبا ومنظمة الصحة العالمية وحددوا 15 نوع من الطيور تشكل خطرا في نقل الفيروس ومنها البط النهري والبري والزقزاق الشمالي والأوز والنورس و الطريف أن بلغاريا منعت سرب حمام يعمل في سيرك من العودة بعد جولة في تركيا التي ثبت وصول الفيروس إليها , وقد قامت كل دول العالم التي انتشر المرض فيها بشراء كميات كبيرة من دواء ” تاميفلو ” الذي تنتجه مجموعة ” روش ” كما قام مواطنو العديد من تلك الدول بشراء أقنعة واقية وارتدائها في الشوارع , كما حثت سلطات الاتحاد الأوروبي تركيا علي توفير لقاحات الأنفلونزا العادية للمسنين والأطفال علي الرغم من أنه لا يعطي سوي وقاية جزئية ضد الإصابة بفيروس ” N1 – H5 ” كما أعلنت حكومة هونج كونج عن خطة طوارئ تشمل تدريب الأجهزة الطبية علي مواجهة حدوث وباء أنفلونزا بشرية بسبب هذا الفيروس الذي ليس له علاج حقيقي حتى الآن وفي تقرير لمنظمة الأغذية والزراعة ” الفاو ” أعلنت أن مرض أنفلونزا الطيور يعد كارثة إزاء سبل المعيشة وحالة الأمن الغذائي بالنسبة لملايين البشر ,

وأشارت المنظمة إلي أنه في آسيا ومنذ اندلاع الفيروس في نهاية عام 2003 قد تم إعدام ما يزيد عن 300 مليون طائر من الدواجن المستأنسة , ويقدر حجم الخسائر الاقتصادية التي تكبدتها بعض البلدان الأسيوية بنحو 10 مليار دولار , وأن تفشي المرض في مصر بعد نيجريا يدعو إلي القلق إزاء إمكانية وصول أنفلونزا الطيور إلي بلدان إفريقية أخري , وأكدت المنظمة علي ضرورة إعلام الناس بأهمية النظافة لاسيما غسل اليدين بعد ملامسة الدواجن , وكذلك شطف الأحذية قبل ترك مزرعة الدواجن , وعدم خلط الدواجن مع الأنواع الأخري مثل البط , وتوصي منظمة ” الفاو ” بألا تدخل ضمن سلسلة الغذاء التجاري إلا الدواجن السليمة والتي خضعت للفحص والتفتيش .

وفي ظل هذا الذعر يبدو الوباء قريبا , أصحاب المزارع أعلنوا إفلاسهم و وعمال المزارع لا يجدون قوت يومهم , وجماهير الشعب الفقراء أصبحوا بين سندان لقمة العيش ومطرقة الموت …

” كما تؤكد أولاد الأرض لحقوق الإنسان أن الخسائر الاقتصادية التي لحقت بمن يقومون بصناعة الدواجن والعاملين بها تحتم علي الحكومة بالقيام بالتعويض الفوري لأصحاب المزارع وجدولة ديونهم بالبنوك وكذلك أصحاب مصانع الأدوية البيطرية وأصحاب مصانع الأعلاف . كما يتم تعويض أصحاب محلات بيع الدواجن ومحلات بيع الأدوية البيطرية ومحلات بيع الأعلاف ,

كما يجب إلحاق عمال المزارع ومصانع الأعلاف بوظائف أخري حرصا علي أسرهم من التشرد والضياع , كما تطالب أولاد الأرض لحقوق الإنسان وزارة التضامن الاجتماعي باستيراد اللحوم الكافية لسد الفجوة الغذائية التي حدثت من إبادة الثروة الداجنة حرصا علي الفقراء من جشع التجار والجزارين ….

” كما تطالب أولاد الأرض لحقوق الإنسان بمحاكمة حكومة نظيف المسئولة عن تلك الكارثة والتي أدى إهمالها وتقصيرها إلي إبادة الثروة الداجنة وتعريض حياة المصريين للخطر ….