31/3/2008

لاشك ان ازمة رغيف الخبز المدعم والارتفاع المتسارع للمواد الغذائية وخاصة بعد تصريحات بعض المسؤلين في مصر بانه انتهي عصر الغذاء الرخيص يجب ان تثير اهتمام المنظمات الحقوقية في ظل تفشي البطالة وتدني مرتبات واجور الغالبية العظمي من الشعب المصري الامر الذي يهدد الحق في الغذاء في مصر ويعد انتهاكا للمادة 11 من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية الذي صادقت عليه مصر في بداية الثمانينات من القرن الماضي

فبلا غذاء كافٍ ليس بوسع الأفراد النهوض بأعباء العمل، ولا يسع الآباء رعاية الأطفال، ولا يصبح في مقدور الأطفال مزاولة الدراسة أو تعلّم مهارات القراءة والكتابة. كذلك، فأن قائمة الحقوق المدنية والسياسية تفرغ من كل معنى بالنسبة لكل من يكرس طاقاته اليومية لسد الرمق ومجرد البقاء على قيد الحياة.

ولذا، فإن الحق في الغذاء يعبر جميع مجالات الحقوق الأخرى التي تشكل أركان حقوق الإنسان الأساسية. (1 )وعلى الصعيد العملي، يقتضي الحق في الغذاء تهيئة غير ذلك من العوامل، وتتضمن:- تهيئة فرص كافية لإدرار الدخل، ولا سيما العمل بأجر؛- الوصول إلي الأراضي والمياه والموارد المالية؛- تطبيق نظم للسوق تتسم بالكفاءة والإنصاف، وتغطيتها بشبكات الضمان الإجتماعي؛- ضمان سلامة الأغذية وحماية المستهلك.

– إن حق الإنسان في الغذاء الكافي معترف به في العديد من الصكوك بموجب القانون الدولي. والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية يعنى بصورة أشمل من أي صك آخر بهذا الحق. فطبقاً للمادة 11-1 من هذا العهد، تقر الدول الأطراف “بحق كل شخص في مستوى معيشي كاف لـه ولأسرته يوفر ما يفي بحاجتهم من الغـذاء، والكساء، والمأوى وبحقه في تحسين متواصل لظروفه المعيشية”، بينما تعترف، طبقاً للمادة 11-2، بأن تدابير أكثر استعجالاً وإلحاحاً قد تلزم لتأمين “الحق الأساسي في التحرر من الجوع وسوء التغذية”. وحق الإنسان في الغذاء الكافي يتسم بأهمية حاسمة بالنسبة للتمتع بجميع الحقوق. فهو ينطبق على كل فرد ومن ثم فإن الإشارة في المادة 11-1 إلى “لنفسه ولأسرته” لا تعني أي تقييد لانطباق هذا الحق على الأفراد أو على ربات الأسر.

. والمعنى الدقيق لكلمة “كفاية” يتحدد إلى مدى بعيد بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والمناخية والإيكولوجية وغيرها من الأوضاع السائدة، في حين أن “الاستدامة” تنطوي على مفهوم توفر الغذاء وإمكان الحصول عليه في الأجل الطويل. (2 )

إمكانية الحصول على الغذاء تشمل الإمكانية الاقتصادية والمادية على حد سواء:
فالإمكانية الاقتصادية تعني أن التكاليف المالية الشخصية أو الأسرية التي ترتبط بالحصول على الأغذية من أجل تأمين نظام غذائي كاف يلزم أن تكون بالمستوى الذي لا يهدد الوفاء بالاحتياجات الأساسية الأخرى. والإمكانية الاقتصادية لتأمين الغذاء تنطبق على أي نمط من أنماط الحصول على الأغذية أو أهلية الحصول عليها وبها يقاس مدى ما يتحقق من التمتع بالحق في الغذاء الكافي. والمجموعات الضعيفة اجتماعياً مثل الأشخاص الذين لا يملكون أراضٍ أو غيرهم من قطاعات السكان التي تعاني من الفقر الشديد قد تحتاج إلى عناية توفرها برامج خاصة.

وفي حين أن الأطراف في العهد هي الدول دون سواها وهي بالتالي المسؤولة في النهاية عن الامتثال للعهد، فإن كل أفراد المجتمع – الأفراد والأسر والمجتمعات المحلية والمنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني وكذلك قطاع الأعمال التجارية الخاص – يتحملون مسؤوليات في مجال إعمال الحق في الغذاء الكافي. وينبغي أن تهيىء الدولة بيئة تسهل تنفيذ هذه المسؤوليات. وينبغي أن يواصل قطاع الأعمال التجارية الخاص – الوطني والدولي – أنشطته في إطار مدونة لقواعد السلوك تؤدي إلى احترام الحق في الغذاء الكافي ويتفق عليها بالاشتراك بين الحكومة والمجتمع المدني.

والحق في الغذاء المناسب، مثل أي حق إنساني آخر، يفرض ثلاثة أنواع أو مستويات من الالتزامات على عاتق الدول هي: الالتزامات بالاحترام، والحماية، وبالإعمال. والالتزام بالإعمال بدوره يشمل الالتزام بالتسهيل والالتزام بالتوفير. والالتزام باحترام السبيل المتوفر للحصول على الغذاء المناسب يستلزم من الدول ألا تتخذ أي تدابير تسفر عن الحؤول دونه. والالتزام بالحماية يستلزم أن تتخذ الدولة تدابير لضمان عدم قيام أفراد أو شركات بحرمان الأفراد من الحصول على الغذاء المناسب. والالتزام بالوفاء (تسهيل) يعني أنه يجب أن تشارك الدولة بصورة نشطة في الأنشطة المقصود منها أن تعزز وصول الناس إلى موارد ووسائل ضمان مقومات عيشهم، بما في ذلك الأمن الغذائي، واستخدام تلك الموارد والوسائل. وأخيراً، وكلما عجز فرد أو جماعة، لأسباب خارجة عن نطاق إرادة هذه وذاك، عن التمتع بالحق في الغذاء المناسب بالوسائل المتاحة للفرد أو الجماعة، يقع على عاتق الدول الالتزام بأن تفي (توفر) بذلك الحق مباشرة. سبل الانتصاف والمساءلة

ينبغي أن يكون بإمكان من يقع من الأشخاص أو المجموعات ضحية لانتهاك الحق في غذاء كافٍ الوصول إلى سبل انتصاف قضائية فعالة أو غيرها من سبل الانتصاف الملائمة على المستويين الوطني والدولي معاً. ويحق لجميع ضحايا مثل هذه الانتهاكات الحصول على تعويض مناسب قد يتخذ شكل إعادة الحالة إلى ما كانت عليه، أو التعويض أو الترضية أو تقديم ضمانات بعدم التكرار. ويتعين على أمناء المظالم ولجان حقوق الإنسان على المستوى الوطني أن يعالجوا انتهاكات الحق في الغذاء.

ومن شأن إدراج صكوك دولية تعترف بالحق في الغذاء في النظام القانوني المحلي، أو الاعتراف بتطبيقها، أن يعزز بصورة ملحوظة نطاق وفعالية تدابير الانتصاف وينبغي تشجيعه في جميع الحالات. وعندئذ يمكن إسناد صلاحيات إلى المحاكم للفصل في انتهاكات المضمون الأساسي للحق في الغذاء بالرجوع مباشرة إلى الالتزامات المنصوص عليها في العهد. وإن القضاة وغيرهم من ممارسي المهنة القضائية مدعوون إلى إيلاء انتهاكات الحق في الغذاء المزيد من الاهتمام عند ممارستهم لمهامهم. ويتعين على الدول الأطراف أن تحترم وتحمي عمل مناصري حقوق الإنسان وغيرهم من أفراد في المجتمع المدني الذين يقدمون المساعدة إلى المجموعات الضعيفة لتحقيق تمتعها بالحق في الغذاء الكافي

وتحدث انتهاكات للعهد عندما تقصر الدولة عن الوفاء، على أقل تقدير، بالحد الأساسي الأدنى المطلوب ليكون الفرد متحررا من الجوع. ولدى تحديد أي فعل أو إغفال لفعل يعدّ انتهاكا للحق في الغذاء، من الأهمية بمكان التمييز بين عجز الدولة الطرف عن الوفاء بالتزاماتها وعدم استعدادها لذلك. وإذا ادعت دولة طرف أن القيود المفروضة على الموارد تجعل من المستحيل عليها أن توفر الغذاء للعاجزين عن توفيره بأنفسهم، يجب أن تثبت الدولة أنها بذلت قصارى الجهد من أجل استخدام كل الموارد الموجودة تحت تصرفها في سبيل الوفاء، على سبيل الأولية، بهذه الالتزامات الدنيا. وهذا أمر مترتب على المادة 2-1 من العهد التي تلزم الدولة باتخاذ ما يلزم من خطوات “بأقصى ما تسمح به مواردها المتاحة”، حسبما سبق للجنة أن أشارت إليه في تعليقها العام 3، الفقرة 10. وبالتالي، فإن الدولة التي تدعي بأنها عاجزة عن الوفاء بالتزاماتها لأسباب خارجة عن إرادتها تتحمل عبء إثبات ذلك وإثبات أنها التمست، بلا جدوى، الحصول على الدعم الدولي لضمان توافر الغذاء الكافي وإمكانية الحصول عليه.

أن الحق في الغذاء الكافي يرتبط ارتباطاً لا انفصام فيه بالكرامة المتأصلة في الإنسان، وهو حق لا غنى عنه للتمتّع بحقوق الإنسان الأخرى المكرسة في الشرعة الدولية لحقوق الإنسان. ولا يمكن أيضاً فصل هذا الحق عن العدالة الاجتماعية، وهو يستلزم انتهاج السياسات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية الملائمة على الصعيدين الوطني والدولي الموجهة نحو القضاء على الفقر وإعمال كافة حقوق الإنسان للجميع.

. وجذور مشكلة الجوع وسوء التغذية لا تكمن أساساً في الافتقار إلى الأغذية بل إنها تكمن في حرمان قطاعات كبيرة من السكان في العالم من سبيل الحصول على الغذاء وذلك لأسباب منها الفقر.وذكرتقريرالامم المتحدة للنمية البشرية لعام 2007 أن 14 مليون مصري يعيشون تحت خط الفقر، بينهم أربعة ملايين لا يجدون قوت يومهم، لتبقي مصر في المركز 111 بين دول العالم الأكثر فقرًا. أن أغلب الفقراء في مصر يعيشون في محافظات الوجه القبلي، حيث تبلغ نسبة الفقراء فيها حوالي 35.2% من إجمالي عدد السكان، (3)تنخفض نسبة الفقراء بالوجه البحري لتصل إلى 13.1%. “أن نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر عند مستوي إنفاق دولار واحد في اليوم تبلغ 3.1%، بينما تبلغ نسبة مستوي إنفاق دولارين في اليوم 43.9%. وصنف التقرير أسيوط بوصفها أفقر محافظات مصر، حيث يبلغ عدد الفقراء بها 58.1% من عدد السكان، منهم 24.8% لا يجدون قوت يومهم، فيما تحتل محافظة بني سويف المركز الثاني، حيث يبلغ عدد الفقراء بها 53.2%، منهم 20.2% لا يجدون قوت يومهم. وتأتي محافظة سوهاج في المركز الثالث بنسبة 45.5%، منهم 17.2% لا يجدون قوت يومهم”. ويذكر التقرير أن اللحوم والأسماك لا تدخل ضمن قائمة الفقراء التي يتناولها حوالي 51.2% من الفقراء، إلا حسب الظروف، بينما لا يشتري 33% منهم الفواكه، لعدم قدرتهم، بينما يكتفي 58.8% منهم بوجبتين فقط في اليوم، فيما يعتمد 61% من الفقراء في طعامهم على البقوليات (الفول والعدس).وأشار في المقابل إلى تضخم ثروات الطبقة الغنية في مصر التي يمثل أعضاؤها 20% فقط من المصريين، والذين يمتلكون 80% من الثروات، بينما يمتلك الـ 80% الباقين من مجموع الشعب المصري 20% فقط من الثروات. وذكر التقرير أن هناك 1% فقط من أعضاء الطبقة الغنية يمتلكون 50% من حجم ثروات هذه الطبقة، بينما يشترك الـ 99% الباقون في ملكية الـ 50% الباقية

ان ازمة رغيف الخبز ومعاناة المواطنين في الحصول عليه بالسعر المدعم والارتفاع المطرد في اسعار المواد الغذائية يشكل انتهاكا صارخا للحق في الغذاء في مصر الامر الذي ينبغي معه تكاتف منظمات المجتمع المدني والدولة والقطاع الخاص من اجل تفعيل هذا الحق وتحقيق مقتضيات الامن الغذائي وهو احد اهم حقوق الانسان الاساسية .

  1. مداولة الحق في الغذاء (روما 17 /10 /2003 )
  2. تفسير المادة 11 (جامعة مينسوتا 1999)
  3. تقرير التنمية البشرية للامم المتحدة 2007

المرصد المدني لحقوق الانسان