26/8/2006
يبدوا أن المصالح الحكومية لا تجد غضاضة فى أن تجامل بعضها بعضا ولو على حساب حقوق ومصائر البشر , ويبدو أيضا أن اللوائح لدينا لا تكيل بمكيالين فقط بل بعشرة مكاييل أحيانا ونكاد نجزم أن هذا ما يحدث الان فى الغالب .
ففي عزبة قولة الخيري التابعة لقرية فيشا مركز الرحمانية بمحافظة البحيرة تتعرض الآن 270 أسرة لخطر التشرد والضياع والسجن أيضا , وذلك بعد أن قامت هيئة ” الجباية ” الأوقاف سابقا بفرض إتاوة على الفلاحين المعدمين وأقامت عليهم قضايا تبديد بعد أن عجزوا عن سداد الإيجار الذي حددته على منازلهم , والغريب فى الأمر أن الإصلاح الزراعي كان قد منح كل فلاح معدم 90مترا ليقيم عليها منزله وذلك فى منتصف الستينات , حتى وصلت المساحة الكلية التي خصصت لهذا الغرض إلى خمسة أفدنة منها ما يقرب من فدان ونصف أقيمت عليها المقابر, وحول هذه المقابر وفى قلبها أقام الفلاحون مساكنهم , غير أنه فى عام 1973 تحولت تبعية هذه المساحة من الإصلاح الزراعي إلى هيئة الأوقاف .. لماذا .. ومن وراء قرار التحويل .. لسنا ندرى على وجه اليقين ..
غير أنه من المؤكد أن هيئة الأوقاف ومنذ ذلك التاريخ بدأت تفرض إتاوتها بالتدريج , فقدرت إيجار ال90مترا فى البداية بخمسة جنيهات فى السنة ثم زادت إلى عشر فعشرين جنيها ومنذ عام 1998 وصل الإيجار لتلك المساحة لأكثر من 300جنيها فى العام الواحد , وبالقطع فقد عجز الفلاحون عن تسديد هذه المبالغ وتراكمت عليهم الديون خلال تسع سنوات حتى تجاوزت خمسه آلاف جنيها على الفلاح الواحد , فقامت هيئة الأوقاف برفع قضايا تبديد عليهم وتم الزج ببعضهم فى السجن مثل فاطمة فوزي دمسيس ” الأرملة ” والتي تعول طفلين , وأيضا عبده عبد المنصف الطباخ الأجير المعدم , وقد يبدو للوهلة الأولى أن الإيجار الذي حددته هيئة الأوقاف ليس كبيرا ومن السهل تسديده , غير أن التقدير فى مثل هذه الأمور يصبح نسبيا وما تراه أنت هينا يصبح على الآخرين عسيرا وقاسيا ويعجزون عن تحقيقه الواقع يؤكد أن عسرانه محمد عبده الطباخ والتي تبلغ من العمر 49عاما ولديها ابن وحيد هي أرملة منذ 7سنوات ولا تملك غير معاش 70جنيها شهريا , وعامرية إبراهيم حسنين والتي تبلغ من العمر 49عاما أيضا هي أم لثلاثة أبناء فى مراحل التعليم المختلفة وتوفى زوجها منذ عشر سنوات ولا تملك غير معاش 70جنيها شهريا ,
ولا يختلف الحال مع عطية إبراهيم عطية الذي لديه ثلاثة أبناء وسعيد إبراهيم بكر والذي يعول أربعة أبناء ويوسف السيد محمد الراسخ وإمبابى رفاعي إبراهيم وإبراهيم أحمد إدريس وكلهم يعولون أبناء فى المدارس وجميعهم يعتمدون على معاش يترواح ما بين 70إلى 80جنيها شهريا , 270أسرة لا يمتلك عائل كل منها أرضا والسليم جسديا منهم فقط من يعمل فى أرض الغير باليومية , هذا هو حال الناس فى عزبة قولة الخيري التابعة لقرية فيشا بمحافظة البحيرة , ناس سقطوا تحت خط الفقر ولم يسقطوا من ذاكرة هيئة الأوقاف التي أبت إلا أن تزيد حياتهم تعاسة وأن تهدد أخر ما تبقى لهم من جدران تستر عوراتهم ..
تقول عسرانة محمد عبده الطباخ والتي حضرت مع وفد من أهل قرية قولة الخيري إلى أولاد الأرض لحقوق الإنسان ” ماذا أفعل وأنا مهددة بالسجن فى أي وقت بعد أن عجزت عن تسديد الإيجار لهيئة الأوقاف ولدى ابن وحيد ولا أمتلك سوى معاش 70 جنيها شهريا , لقد قلت لهم حرام عليكم , ماذا تأخذون منى وأنا أعيش على الكفاف , ولم يشفع لي هذا عند محصل هيئة الأوقاف فكل فترة يأتي إلى مهددا وبصحبته أحد الخفراء لابتزازي وفى أخر مرة دفعت مائة جنيها بالإضافة إلى عشرين جنيها ثمن مشروبات من المقهى لهما , وأتضح لي أنه لم يسدد سوى ثمانين جنيها ورضخت لذلك حتى يتم تأجيل تنفيذ حكم التبديد لعدم سدادي 2500جنيها لهيئة الأوقاف ولست أدرى على من أصرف المعاش الشهري على ابني أم على المحصل والخفير ..؟!
ويقول عطية إبراهيم عطية ” وصلت المتأخرات على إلى 5400جنيها والغريب أنني طلبت تقسيط هذا المبلغ غير أن هيئة الأوقاف رفضت , أما الأغرب فان هناك خمسة قرى وهى المسعدة والحسينية والمنشية الكبرى والمنشية الصغرى والعامرية حالتهم مثل حالتنا تماما غير أن هيئة الأوقاف حددت أيجار المتر فى تلك القرى ب10قروش أما نحن فبخمسة وعشرين قرشا , قلت لهم لماذا لا تحاسبونا مثل تلك القرى أم أن تحديد الإيجار أيضا فيه ” خيار وفاقوس ” غير أنه أتضح لي أن لا حياة لمن تنادى , وواقع الحال الآن إما أن أدفع أو أسجن .. وما من بديل ” .
ويضيف سعيد إبراهيم بكر قائلا ” ويبدو أن المصالح الحكومية تجامل بعضها بعضا على حساب الناس , فحين ذهبت إلى إدارة الكهرباء لإدخال التيار الكهربي إلى بيتي اشترطوا أن أحضر لهم مخالصة من هيئة الأوقاف وشهادة بأنني سددت الإيجار المتأخر عنى , ولست أدرى ما دخل إدارة الكهرباء بهيئة الأوقاف .. أم أنه تحالف الأقوياء على الضعفاء من أمثالنا , وكانت النتيجة أن كثير من البيوت لم يتم توصيل الكهرباء لها حتى الان ” .
ويقول إمبابى رفاعي إبراهيم ” لقد وعدنا محمد البنا عضو مجلس الشعب عن دائرة المحمودية أثناء الحملة الانتخابية بأنه سيقوم بحل تلك المشكلة مع هيئة الأوقاف , ومنذ أن فاز فى الانتخابات لم نر وجهه حتى الان , وأصبح لزاما على أن أدفع 4 ألاف جنيها إلى الهيئة أو أدخل السجن , وبالله عليكم كيف أسدد هذا الدين وأنا أبلغ من العمر 63عاما ولا أمتلك سوى 80جنيها معاشا شهريا ..؟! ”
أما يوسف السيد محمد الراسخ فيقول ” لدى ثلاثة أبناء كلهم فى المدارس والمعاش الشهري 70جنيها , والمتأخرات المستحقة على أكثر من ثلاثة ألاف جنيها وكانت النتيجة أنني عجزت عن السداد , وأصبح كل من فى القرية مهدد بالسجن بعد صدور أحكام التبديد علينا , وأصبحنا عرضة للاتبزاز من محصل هيئة الأوقاف والخفير الذي يصاحبه , وصرنا فريسة لهما أو ” سبوبة ” وإما أن ندفع لهما لتأجيل تنفيذ أحكام التبديد ياإما السداد أو السجن … فما هو الحل ..؟! ”
- من جانبنا .. فان أولاد الأرض تطالب رئيس الحكومة بوقف تنفيذ أحكام التبديد الصادرة ضد أهالي قولة الخيري وأن تتم مراجعة الإيجارات المحددة بحيث يصبح إيجارا المتر 10قروش أسوة بالقرى الأخرى , وأن يتم تسوية الإيجارات المتأخرة على هذا الأساس وتقسيط تلك المستحقات أو إلغالها نهائيا كنوع من أنواع المشاركة الوجدانية والتضامن الاجتماعي والإنساني لمواطنين يعيشون تحت خط الفقر .. كما تطالب أولاد الأرض رئيس الحكومة بمراجعة الخط العام لهيئة الأوقاف والتي تحولت من هيئة للأعمال الخيرية إلى هيئة للجباية والمعاناة الإنسانية ..!