21/10/2006
يقينا … فإن موت شريهان محمد ممدوح وسعاد طارق الصعيدي متأثرتان بالتسمم البكتيري في الدم من بين 210 مصابا بمحافظة الدقهلية ما هو إلا حلقة من حلقات الإهمال الحكومي … تلك الحكومة التي تري أن فقراء مصر عبء ثقيل عليها ويجب التخلص منهم , فإذا كانت حالة التسمم الجماعي في أكثر من عشرة قري وعزب وهي سرسو وخلف وكفر أبو شوارب وزيدان وشادوه وجميزة بلجاي وكفر بلجاي وسلكا وأوبش الحجر بمركز المنصورة وبعض القري بمركزي طلخا وشربين والتي تم تشخيصها بأنها نتيجة الإصابة بميكروب السلامونيلا وذلك لتلوث مياه الشرب بعد اختلاطها بمياه الصرف الصحي وما صاحب ذلك من ضجة إعلامية قد تعطي انطباعا كاذبا عن ذعر الحكومة وحرصها علي صحة الشعب المصري – فإننا في المقابل نؤكد أن تلك الحكومة لا تحرك ساكنا إلا بعد وقوع الكارثة وما أقامت ولا تقيم وزنا لأجراس الإنذار التي أطلقها بعض العلماء المصريين المخلصين منذ أكثر من عام – والأغرب أن يخرج هذا التحذير من كلية العلوم بجامعة المنصورة من خلال تقرير غاية في الخطورة عن تلوث مياه الشرب – يومها – تعرض الأساتذة الأجلاء لهجوم شرس من الأجهزة التنفيذية علي أساس أنهم يشيعون الخوف والرعب بين المواطنين – وأن مياه الشرب بمحافظة الدقهلية – بالتحديد – أكثر نقاء من المياه المعدنية – وتم إهالة التراب علي التقرير الخطير … وكأن شيئا لم يكن …
فقد كشف هذا التقرير عن إصابة أكثر من 100 ألف مواطن مصري سنويا بالسرطان بالإضافة إلي 35 ألف يصابون سنويا بالفشل الكلوي والكبدي من بينهم 17 ألف طفل نتيجة تلوث مياه الشرب وأشار التقرير عن وجود 330 مصنعا تقوم بصرف نفايات في النيل بواقع 4.5 مليون متر مكعب سنويا بالإضافة إلي المخلفات الصلبة التي تلقي في النيل أيضا ويبلغ حجمها 14 مليون متر مكعب سنويا , الأخطر من ذلك أن هناك 1500 قرية في الصعيد تصب مياه الصرف الصحي مباشرة ودون معالجة في مياه النهر , وقد أكد الدكتور جاد المولي أستاذ الفسيولوجي بطب المنصورة أن هناك العديد من مصادر تلوث المياه ومنها المخلفات الحيوانية والمصارف والمواتير والعائمات مشيرا أن المياه تدخل بنسبة 70% من وزن الأطفال ونسبة 50% من وزن البالغين وأن أي خلل في مكونات المياه يؤدي إلي الوفاة حيث يصل التلوث إلي الإنسان من خلال النبات والأغذية التي تدخل في تكوينها المياه …
في حين أكد الدكتور مجدي خليفة أستاذ الكيمياء التحليلية أن 30% من استخدامات الزراعة مثل الأسمدة والمبيدات تتسرب إلي مياه الصرف وتصل إلي النيل وتنتقل منه إلي النبات والحيوان ….
وفي دراسة تم إعدادها في عام 2003 / 2004 علي عينات مختلفة من المياه قبل المعالجة وبعدها أثبتت وجود أمونيا وعناصر ثقيلة وإن كانت بنسب متفاوتة وأشارت إلي أن استخدام الكلور في المعالجة بالمحطات يؤدي إلي أكسدة الأمونيا التي توجد بمياه الشرب قبل المعالجة رغم أن القرار 108 يحظر وجود أمونيا بمياه الشرب وأكدت الدراسة علي ارتفاع نسبة العناصر الثقيلة خاصة الرصاص بالعديد من المحطات وحذرت من خطورته لما له من تأثير ضار علي خلايا الإنسان خاصة خلايا الأطفال وأشارت أيضا إلي ارتفاع نسبة الهيدروكربونات الحلقية ” الصرف الصناعي ” والتي يمثل بعضها ضررا بالغا علي الصحة , كما أكدت النتائج أنه بالرغم من التحذير من استخدام المبيدات في مصر فإن العينات التي تم تحليلها أثبتت وجود مادة د..د. تي بنسبة أكبر 250 مرة عن النسبة المسموح بها وكذلك وجود مادة الأيزوسيانيد وثمانية أنواع من المبيدات الحشرية القاتلة , وأن مصادر التلوث لا تتوقف عند إلقاء المخلفات الصناعية والزراعية والصرف الصحي في النيل بل إن مواسير المياه نفسها تعد ناقلة للتلوث وأن محطات مياه الشرب لا يوجد بها معامل علي مستوي عال للكشف عن البكتريا والفيروسات وقد نفت الدراسة أن تكون الطحالب هي سبب تغير طعم ورائحة مياه الشرب لأن الطحالب لا تعطي هذا الأثر إلي عندما تكون مزدهرة وهو الأمر الذي لم تثبته الدراسة .
وفي دراسة أجراها المركز القومي للبحوث علي مياه الشرب أكدت أن مواتير رفع المياه التي يلجأ إليها المواطنون لرفع الضغط حتى تصل المياه إلي الأدوار العليا تؤدي إلي انجراف أعداد هائلة من كائنات طفيلية ملتصقة بجدران المواسير مع مياه الشرب وأشارت الدراسة أن ضغط الهواء يعمل علي تزايد تفاعل الكلور مع مواسير الرصاص والبلاستيك مما يمثل خطورة حقيقية علي صحة الإنسان خاصة وأن هذه العوامل تؤدي إلي تكاثر أجيال من البكتريا وظهور طفيل يدعي ” كربوسبورديم ” الذي يصيب الإنسان بنزلات معوية حادة ويسري في الدم منتقلا إلي المخ ليحدث به خللا وتلفا ملحوظا ” وهي نفس الأعراض التي ظهرت علي المصابين بالدقهلية مؤخرا ” وهذا يعني أن إلصاق التهمة بالطلمبات الحبشية وبأنها سبب الوباء الأخير ” كما تدعي الجهات الحكومية ” هو أمر بعيد تماما عن الحقيقة … خاصة وأن هذه الطلمبات يستخدمها الأهالي منذ أمد بعيد ولم تسبب يوما في انتشار مثل هذا المرض الخطير وأكدت الدراسة علي ضرورة تفعيل المشروع الياباني الذي تم عرضه علي الحكومة لمعالجة المياه وإصلاح المواسير حتى لا تتفاقم المشكلة .
أما تقرير التنمية البشرية لعام 2004 فقد أشار إلي أن التحاليل المعملية لمياه الشرب أثبتت أن 758 عينة مياه من إجمالي العينات التي تم تحليلها غير مطابقة للمواصفات بنسبة تصل إلي 5.5% في حين بلغت نسبة العينات المأخوذة من الطرود والغير مطابقة للمواصفات إلي 12.41% وهو ما يعني مخالفة هذه العينات للاشتراطات الخاصة التي حددها قرار وزير الصحة رقم 108 لعام 1995 .
ويؤكد تقرير التنمية البشرية الصادر عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة أن 6.8 مليون مواطن من سكان مصر لا تصل إليهم مياه الشرب وأن 50.1% من هؤلاء يعيشون في منطقة الدلتا , 48.2% يعيشون في صعيد مصر , 1.3% يعيشون في المناطق لحدودية وأنهم جميعا يعيشون في الريف باستثناء 5.% يعيشون في الحضر . والجدير بالذكر بأن نسبة تغطية شبكات الصرف الصحي للمدن المصرية تصل إلي 60% وتقدر بحوالي 120 مدينة بينما تغطي 170 قرية فقط بنسبة 4% من إجمالي 4 آلاف و 617 قرية في حين أن المخطط الحكومي حتى عام 2011 يستهدف تغطية المدن بشبكات الصرف الصحي بنسبة 100% أما القرى فبنسبته 11% فقط …
الغريب في الأمر أن مشكلة التسمم البكتيري نتيجة تلوث مياه الشرب والتي ظهرت مؤخرا علي السطح عاني منها منذ أكثر من عامين أهالي قريتي ميت الفرماوي ودماص بمركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية … غير أن المحافظ الذي يكره مواجهة المشكلات ويعشق دفن الحقائق حتى يصبح كل شيء في محافظته علي ما يرام ويظل في معقدة إلي أمد طويل رأي أن يتم التعتيم علي هذا الوباء الخطير ولم يحاول معالجة أسبابه فكانت النتيجة ما نراه اليوم من انتشار لهذا المرض وسقوط مزيد من الضحايا في أنحاء المحافظة .
ويجدر بنا أن نشير أن أولاد الأرض كانت قد استشعرت منذ عام أو يزيد بخطر تلوث مياه الشرب فأصدرت تقريرا خطيرا عن تلوث ماء النيل غير أن الجهات الحكومية كعادتها لم تلتفت إليه بالرغم من نشره في الكثير من الصحف وكأن النيل لا يعنيها من بعيد أو قريب
” من جانبنا … فإن أولاد الأرض لحقوق الإنسان تؤكد أن موت الضحيتين في محافظة الدقهلية لا يمكن أن يخفي حقيقة أكثر مرارة وقسوة وهي أن هناك عشرات الآلاف من المصريين يموتون في صمت سنويا بمرض السرطان والفشل الكلوي والكبدي نتيجة تلوث مياه الشرب وهو الأمر الذي يلزم الحكومة بضرورة توصيل مياه الشرب إلي كل أنحاء مصر وكذلك تحديث محطات تنقية المياه ودعمها بأجهزة قياس حديثة لمراقبة الجودة والحد من استخدام الكلور وذلك باستخدام الأوزون والأشعة البنفسجية أو الكربون النشط في معالجة المياه كما تطالب أولاد الأرض بمنع الصرف الصناعي والزراعي ومياه الصرف الصحي في نهر النيل وتجريم مرتكب إلقاء تلك المخلفات .
” كما تطالب أولاد الأرض رئيس الحكومة بمحاكمة محافظ الدقهلية أحمد سعيد صوان الذي تسبب بإهماله المتعمد للتقرير الصادر عن كلية العلوم بجامعة المنصورة في العام الماضي عن تلوث مياه الشرب بمحافظة الدقهلية إلي إصابة أكثر من 180 مواطنا بالتسمم البكتيري بالدم مما أدي إلي وفاة مواطنتين ” حتى الآن ” وهو الأمر الذي يخضعه للمسائلة القانونية والجنائية ..