18/12/2006
بداية الغيث قطرة , وبداية بيع أراضي الإنتاج الخاصة بالبحوث الزراعية وإنتاج التقاوي وتطبيق نظم المقاومة الحديثة التابعة لوزارة الزراعة يتم الآن تحت مسمي حق الانتفاع , والغريب في الأمر أن وزير الزراعة كان قد صرح منذ أيام أن وزارة الزراعة ينحصر دورها في البحوث الزراعية والإرشاد أما الإنتاج الزراعي والتسويق فمتروك لحرية السوق والعرض والطلب , غير أن المتأمل للقرارات الصادرة من وزارة الزراعة سيتأكد أنها غير معنية أيضا لا بالبحوث الزراعية ولا بالإرشاد …! وهو ما يدعونا أن نتساءل … إذا كانت وزارة الزراعة أصبحت بلا دور حقيقي ولا سياسة واضحة لما تنتجه مصر من محاصيل زراعية فلماذا الإبقاء عليها , ولماذا لا يعلن رئيس الحكومة بوضوح أنه تم إلغاء وزارة الزراعة …!
أخر تلك القرارات هي ما أعلنته وزارة الزراعة عن طرح ما يقرب من 15 الف فدان مملوكة لمركز البحوث الزراعية للمزاد لنظام الإيجار بحق الانتفاع لمدة ثلاث سنوات , وتقع هذه الأراضي في ثماني محافظات هي كفر الشيخ والغربية والبحيرة والفيوم وبني سويف والمنيا وسوهاج وقنا , وقد اشترطت وزارة الزراعة فيمن يتقدم للمزايدة أن تكون شركة مساهمة مصرية لا يقل رأسمالها عن خمسة ملايين جنيها , وأن تكون من ضمن أغراضها ” لاحظ كلمة ضمن ” أعمال الاستزراع والحاصلات الزراعية والأهم أن تكون لها سابقة أعمال في مجال الزراعة وتصدير الحاصلات الزراعية أو التصنيع الزراعي …! ومن الملاحظ أن تلك الشروط لم يكن من بينها أن تقوم تلك الشركات بالبحوث الزراعية واستنباط التقاوي واستحداث نظم جديدة لمقاومة الآفات … بما يعني أن صاحب الامتياز له الحرية الكاملة في النشاط الذي يقوم به ما دام له صلة ما بالمجال الزراعي , وهو ما يعني واقعيا أن دور وزارة الزراعة في البحوث الزراعية قد انتهي إلي أجل غير مسمي , الغريب في الأمر أن وزير الزراعة الذي فرط في كل دور لوزارته تشبث ” اتساقا مع رؤيته التي لا تخدم غير الأغنياء ” بعدم تفتيت تلك المساحات لأن وزارة الزراعة تقوم علي خدمة المساحات الكبيرة التي تصلح للاستثمار وذلك بتطبيق نظم الجودة والنهوض بالحاصلات الزراعية وزيادة التصدير …!
والغريب في الأمر ان وزارة الزراعة تعمدت أن تكون تلك المزادات وفقا علي الشركات وحرمت المزارعين في القري التي بها تلك الأراضي من حق دخول المزاد بحجة أن الأفراد يقومون بإعادة تأجير تلك الأراضي من الباطن ويحققون أرباحا كبيرة من الفارق بين حق الانتفاع وقيمة الإيجار السنوي للفلاحين أو المزارعين الصغار , غير أننا نستطيع أن ندحض تلك الزاعم بسؤالنا عن الضمانات التي أخذتها وزارة الزراعة علي الشركات التي سيرسو عليها المزاد حتى لا تقوم بتأجيرها من الباطن …؟ والإجابة … أنه لا ضمانات … وأن الأمر لا يعدو أنها حجة باطلة يراد بها باطل … وان الهدف الحقيقي لوزير الزراعة منذ ان تولي قيادتها هو أقصاء ما يزيد من 90% من المزارعين والذين يمتلكون خمسة أفدنة فأقل من ذاكرة وزارة الزراعة لصالح ما يقل عن 10% من المزارعين أصحاب المساحات الشاسعة بدعوي التصدير وزيادة الإنتاج .
وفي هذا السياق لم يكن غريبا أن يقول الدكتور عبد السلام جمعة الرئيس السابق لمعهد بحوث المحاصيل الحقلية ” ان التأجير بحق الانتفاع للمستثمرين لا يعني التمهيد لخصخصة هذه الأراضي , لأن هذه الأراضي تم تحديدها للاستخدام في أغراض البحث العلمي بقرار جمهوري وبيعها سيحتاج إلي قرار جمهوري , كما أنني أرفض تأجير هذه الأراضي للعاملين بها أو الفلاحين في القري التي تقع في زمامها لأن ذلك سيؤدي إلي تفتيتها , وسوف يستخدمها العامل أو الفلاح ليأكل منها فقط وبالتالي سنهدر إمكانية تطويرها .
وفي السياق ذاته لا بد لنا ان نتساءل أيضا … إذا كانت تلك الأراضي خصصت للبحوث الزراعية بقرار جمهوري فكيف تم عرض تأجيرها بنظام حق الانتفاع لشركات لن تلتزم بعمل تلك البحوث , ألم يكن تغيير النشاط أو الخروج عن الهدف الذي خصصت من أجله تلك الأراضي يلزم أيضا قرارا جمهوريا …؟!
يحدث ذلك في الوقت الذي يشكو فيه المزارعون مر الشكوى من تقاوي المحاصيل الفاسدة , ففي محافظة الغربية وفي قري مراكز كفر الزيات وزفتي وبسيون والسنطة والمحلة الكبري دمر ما يزيد عن 11 ألف فدان منزرعة بالبطاطس العروة الصيفية ” بسبب التقاوي المستوردة الفاسدة والمصابة بالعفن البني والجرب , والتي قام المزارعون بشرائها بأسعار باهظة من السوق السوداء وصلت إلي 11 ألف جنيها للطن الواحد بعد اختفائها من مراكز البحوث التابعة لوزارة الزارعة …!
والغريب أن المسئولين بوزارة الزراعة والمديريات التابعة لها تنصلوا من مسؤوليتهم عن تلك التقاوي بحجة أن إحدى الشركات هي التي تحتكر استيراد هذه التقاوي من أصناف ” كارا وسيلا ل ” ويتم فحصها عن طريق الحجر الزراعي قبل دخولها إلي البلاد …!
نفس الشئ حدث لتقاوي الذرة مع بداية زراعته في صيف 2006 فقد قامت وزارة الزراعة بتوزيع تقاوي فاسدة من صنف الذرة الهجين فردي ” 10 جميزة ” وفوجئ المزارعون الذين استخدموا تلك التقاوي بتأخير إنبات الذرة ووصول معدلات الإنبات في بعض المحافظات إلي 20% بدلا من 85% مما أرغم الفلاحين علي إعادة حرث الأرض مرة أخري وزراعتها بأصناف مختلفة …!
ونخرج من تلك الواقعتين أن وزارة الزراعة قد نفضت يدها من استنباط تقاوي جديدة ومن الإشراف ايضا علي التقاوي المستوردة … وكان من الطبيعي والحال كذلك أن تنهي تماما دورها في البحوث الزراعية وأن تطرح أراضي تلك البحوث للإيجار في مزاد علني …!
لقد اختارت وزارة الزراعة الحل الأسهل , فبدلا من تطوير مراكزها البحثية حتى تكون قادرة علي استنباط تقاوي جديدة رأت أن تترك الأمر برمته للمقادير والمصادفات …!
أما الأغرب في تلك القرارات هو تمسك وزير الزراعة الشديد للمساحات الكبيرة بدعوي أن تفتيت المساحات يهدر إمكانية التطوير وزيادة الإنتاج والتصدير , وهو الأمر الذي يؤكد ان وزير الزراعة حاول أن يبتعد عما يسمي ” بالدورة الزراعية ” والتي تحدد بشكل قاطع المساحات التي يجب أن تزرع بنوع ما من المحاصيل , وهو ما يؤدي في النهاية إلي وحدة المساحات الصغيرة في عدة مساحات كبيرة وشاسعة , غير أن وزير الزراعة يعرف تماما أن إلزام الفلاحين بزراعة محصول ما سيفرض علي وزارة الزراعة أدوارا هي في غني عنها , منها توفير مستلزمات الإنتاج بأسعار مناسبة والقدرة علي التسويق … وهي أدوار أصبحت وزارة الزراعة بعد إتباع سياسة السوق عاجزة عن القيام بها …!
· من جانبنا … فإن أولاد الأرض تري أن عرض أراضي البحوث الزراعية للمزاد العلني لتأجيرها بنظام حق الانتفاع بنهي تماما دور البحوث الزراعية واستنباط التقاوي مما يعني خسائر فادحة للناتج الزراعي القومي ليس في الحاضر فقط بل والمستقبل أيضا …
· لذا فإن أولاد الأرض تطالب رئيس الحكومة يوقف مزاد إيجار تلك الأراضي وتدعيم مراكز البحوث الزراعية بما يمكنها بالقيام بدورها الرائد في التنمية الزراعية ….!