27/1/2007
لم يشأ شهر ديسمبر أن يرحل إلا وأن يعطينا دلالة واضحة علي أن التحالف المشبوه بين السلطة وأصحاب النفوذ هو النواه الحقيقية للفساد وأن الضحايا دائما ما يكونون من البسطاء في مصر , فقد شهدت قرية الجرزا بالعياط جريمة قتل بشعة راح ضحيتها المزارع عصام أبو بكر بعد أن تجرأ واستصلح قيراطين ليزرعهما في أرض تابعة لأملاك الدولة , غير أن مافيا الفساد والمتمثلة في شقيق أحد أعضاء مجلس الشعب وآخرين والتي اعتادت الاستيلاء علي أملاك الدولة رأت أنه لابد وأن يدفع الثمن حتى يكون عبرة لآخرين فأمطروه بالرصاص في قلب حقله وليسقط قتيلا , في المقابل فإن شهر ديسمبر شهد أيضا انتفاضة الفلاحين المستأجرين والمطرودين من الأرض بعد تطبيق قانون المالك والمستأجر في الأرض الزراعية رقم 96 لعام 1992 والذي تم تطبيقه في أكتوبر من عام 1997 حيث قاموا بالتظاهر أمام وزارة الزراعة مطالبين الحكومة بتسليمهم أرض بديلة وفاء لوعدها عند تطبيق هذا القانون , وعلي كل فقد شهد شهر ديسمبر 5 حوادث عنف بين الفلاحين سقط من جرائها 6 قتلي وخلت القائمة من المصابين ولم تخلو الحوادث من الأسباب العادية مثل النزاع علي قطعة أرض أو نوبات الري وغيرها من الأسباب التي دائما ما تشعل الخلاف بين الفلاحين …!
ففي الفيوم سقط المزارع عوض جودة قتيلا بعد أن تدخل لفض مشاجرة بين أقارب أحمد محمود عبد القوي عضو المجلس المحلي بمحافظة الفيوم وثابت راضي عرفان ” فلاح ” أثناء تنازعهما علي قطعة أرض زراعية , فتلقي ضربة قوية علي ظهره ” بشومة ” فسقط صريعا أمرت النيابة بدفن الجثة وحبس المتهم ” عمر محمد أحمد ” 4 أيام علي ذمة التحقيق , وفي نجع الماسخ بالمراغة بمحافظة سوهاج لقي المزارع يوسف محمد سيد عمران مصرعه وذلك بعد أن توجه صباح يوم الواقعة إلي أرضه بزمام قريته بغرض أخذ مناوبة الري إلا أن جاره في الأرض الزراعية محمد عبد اللطيف تشاجر معه حول أحقية كل منهما في ري الأرض قبل الآخر , بدأت بينهما مشادة كلامية انتهت إلي مشاجرة وتشابك بالأيدي وانتهت بمقتل المجني عليه , تم القبض علي المتهم وأمرت النيابة بحبسه 4 أيام علي ذمة التحقيق .
وفي كفر الشيخ لقي المزارع رجب بسيوني أبو سعده مصرعه أثناء قيامه بأعمال الزراعة في حقله بعد أن سقط عليه أحد أسلاك كهرباء الضغط العالي وأصيب بجرح عميق وجرح بالرقبة من الخلف والرأس مما أدي إلي وفاته في الحال . وفي أسيوط لقيا شقيقان بمركز الصدفا مصرعهما غرقا إثر انقلاب الجرار الزراعي الخاص بهما وسقوطه بهما بالترعة , وقد دلت التحريات أن المزارعات الشقيقان وهما ناصر وفتحي محمد أحمد كان يستقلان جرارا زراعيا خاصا بهما قيادة الأول في طريقهما إلي أرضهما الزراعية فسقط بهما.
وفي بني سويف قضت محاكمة الجنايات بالسجن المشدد 7 سنوات للمزارع حسن محمد إبراهيم ومصادرة السلاح الذي استخدمه في قتل ناصر عبد الحليم مع سبق الإصرار والترصد , وقد دلت التحريات أن مشاجرة قامت بين المتهم والمجني عليه لاختلافهما علي الحد الفاصل بين الأرض الزراعية فأسرع المتهم إلي منزله وأحضر سكينا وذهب إلي المجني عليه وسدد له عدة طعنات نافذة أودت بحياته …!
وفي محافظة الشرقية قضت محكمة جنايات الزقازيق بإعدام المزارع علي محمد علي إبراهيم لاتهامه بقتل جدته فاطمة محمد أبو العينين وقد دلت التحريات أن المتهم غضب من جدته لأنها لم تمنحه شيئا من الميراث فى الأرض الزراعية كما أنها لم تمنحه 25 ألف جنيها كان فى حاجة إليها وقام والده بالتعدي عليه وإهانته فقرر المتهم الانتقام من جدته فتسلل إليها ليلا وقام بفصل رأسها عن جسدها داخل غرفة نومها بواسطة منجل …!
أما أطرف الحوادث والتي شهد ديسمبر نهايتها هي قيام حمار بالقبض على أحد اللصوص , فقد قام خمسة من العاطلين باعتراض طريق الفلاح أحمد مصطفى أحمد الذي كان راكبا حماره وأشهروا فى وجهه مسدسا وطلبوا منه النزول من على الحمار وتركه وأطلقوا عليه عدة أعيرة نارية فأصابه إحداها … وفجأة أصيب الحمار بحالة هياج شديد وانقض على أحد المتهمين ولم يتركه وفر باقي المتهمين وتركوا زميلهم بين فكي الحمار واستطاع المارة إنقاذ المتهم والقبض عليه فأرشد عن زملائه , وقد قضت محاكمة جنايات الجيزة بحبس المتهمين الخمسة 6 أشهر وهم رمضان رجب محمد وعبد الله حسن أحمد ومحمد السيد محمد وحجاج محمد على وسعد حسين حسن … فتحية للحمار الجريء …!
أما أكثر الحوادث مأساوية والتي وقعت فى شهر ديسمبر فقد حدثت فى قرية الجرزا بالعياط فى محافظة الجيزة تلك القرية التي شاء حظها العاثر أن تقع بالقرب من هرم ” ميدوم ” مما يعنى أن تلك المنطقة زاخرة بالآثار والكنوز وهو الأمر الذي أغرى الشركة المصرية الكويتية والمملوكة ” للخرافي ” وأحمد عبد السلام عضو مجلس الشعب عن دائرة دار السلام بسوهاج أن تشترى 26 فدانا قرب المنطقة الأثرية بسعر 200 جنيه فقط للفدان بحجة استصلاحها وزراعتها …! مر على عمل الشركة أكثر من 4 سنوات ولم يشاهد أهل القرية أي استصلاح أو زراعة وكل ما فعلته الشركة هو عمل جدار عازل حول الأرض وليس لأهل القرية صالح بما تفعله الشركة لأن هيئة الأملاك بالدولة هي المسئولة عن هذا الفساد , بالقرب من تلك المنطقة مساحات من أراضى أخرى بجوار الجبل صعد إليها المزارع عصام أبو بكر وأمه العجوز بصحبة أثنين من أهل القرية لاستصلاح قيراطين يزرعها بالخضار ويبيعه فى سوق المدينة , جلس عصام وزميلاه وسط الأرض بعد عناء العمل , فوجئوا بسيارة ” شيروكى ” تقف أمامهم ونزل منها محسن عبد السلام شقيق عضو مجلس الشعب و4 آخرون يحملون الأسلحة الآلية بمجرد أن رفعوا سلاحهم فر الصديقان هاربين وبقى عصام بمفرده وسط الأرض طلب منه محسن أن يغادر وإلا ستكون نهايته إلا أن عصام أعترض فأمطروه بالرصاص ليسقط قتيلا ويترك خلفه 5 أبناء وزوجة وأما و4 أشقاء , هكذا سقط عصام ضحية التحالف المشبوه بين السلطة وأصحاب النفوذ لأنه حاول أن يستصلح قيراطين يعول بهما أسرته …!
ويبدو أن شهر ديسمبر لم يشأ أن يرحل عنا إلا وترك لنا قطرات من الأمل … تلك القطرات التي تمثلت فى اعتصام الفلاحين المستأجرين المتضررين من قانون المالك والمستأجر للأرض الزراعية والذي بموجبه تم طردهم من الأرض التي كانوا يستأجرونها على وعد من الحكومة بتسليمهم أرض بديلة , مرت السنوات … ومنذ عام 1997 وحتى اليوم لم تف الحكومة بوعدها وهو الأمر الذي دفع الفلاحين بمحافظة الدقهلية بالاعتصام أمام وزارة الزراعة مرددين ” معتصمين معتصمين …لو بقينا ليوم الدين ” وصل عدد المعتصمين أكثر من 130 أسرة من مركز دكرنس بمحافظة الدقهلية .. وبالرغم من أن عدد المعتصمين لا يمكن مقارنته بعدد المز راعين المتضررين والذي يزيد عن 900 ألف مستأجر … إلا أنه فتح طريقا جديدا للمستضعفين لانتزاع حقوقهم …!