10/2/2007

شاركت مؤسسة اولاد الارض لحقوق الانسان فى حلقة نقاشية حول تاثيرات الخصخصة على حق الارض والسكن وذلك على هامش اعمال المنتدى الاجتماعى العالمى بنيروبى كينيا فى الفترة من 20 إلى 25 يناير الماضى ، وهذا ملخص لما قدمته اولاد الارض خلال هذه الحلقة النقاشية :
الخصخصة .. شهادة من مصر
صلاح صابر
مدير البحوث والدراسات بمؤسسة اولاد الارض لحقوق الانسان
منذ انتهجت حكومة السيدة مارجريت تاتشر فى بداية ثمانينيات القرن الماضى فى بريطانيا اسلوب الخصخصة لمعالجة الركود فى الاقتصاد البريطانى واصبحت الخصخصة ألية اساسية يوصى بها البنك الدولى وصندوق النقد الدولى لتحقيق ما يسمى بالاصلاح الهيكلى لاقتصاديات الدول النامية التى تعانى من اختلالات هيكلية وبخاصة تلك التى انتهجت سياسات الاقتصاد الموجه كطريقة لتحقيق التنمية .

وكلنا يعرف ان الخصخصة تعنى ببساطة تحويل الملكية العامة إلى ملكية خاصة باستبعاد رأس المال العام، وهي عكس التأميم الذي يعني مصادرة الملكيات الخاصة لصالح الدولة. وهي ليست غاية في حد ذاتها بل هي وسيلة للوصول إلى الهدف النهائي؛ وهو تطبيق آليات السوق الحر والنظام الرأسمالي.

البنك الدولى المدار بطبيعة تكوينه من دول راسمالية تؤمن بحرية السوق وحرية التجارة والملكية الخاصة لرأس المال .. هذه الماؤسسة المالية الدولية اعتاد خبراؤها ان يوصوا الدول النامية بخصخصة الشركات المملوكة للدولة بغية تحقيق كفاءة اقتصادية افضل للشركات أو المنشئأت عن طريق زيادة الإنتاجية، وتعظيم الأرباح، وبالتالي رفع كفاءة الاقتصاد بشكل عام. وفي نفس الوقت تخفف العبء عن الحكومات عن طريق التقليل أو التخلص من نفقات الحكومة على تلك المؤسسات، وبالتالي تخفيض عجز الموازنة العامة وتوجيه تلك الموارد لخدمة المجتمع ككل… هكذا يرى خبراء البنك الدولى كما انهم اعتادوا التاكيد على ان الخصخصة تؤدي إلى الحصول على السلع والخدمات بجودة أكبر وبسعر أقل وتنوع أكبر نتيجة زيادة المنافسة، فضلاً عن تقليل البيروقراطية الحكومية والقضاء على الروتين، واجتذاب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية وتعبئة المدخرات الوطنية، والتخلص من الفساد الإداري والمحسوبية؛ نتيجة إخضاع عملية التوظيف في ظل القطاع الخاص لمعايير اقتصادية سليمة ترتبط بالتكلفة واقتصاديات التشغيل.. ويضيفون إلى تلك الميزات ميزة أخرى تتمثل في توسيع قاعدة الملكية والمشاركة في المجتمع فيما يسميه البعض: تشجيع رأسمالية الشعب عن طريق ضخ أموال الأفراد في العملية الإنتاجية نتيجة شراء المشروعات العامة.

وربما اكون ممن لا يؤيدون خبراء البنك الدولى او المفتونون بالعولمة فى اهمية الخصخصة ولا ارى الا انها اسلوب اقتصادى يشوبه العديد من العيوب التى تطال الفقراء من شعوب العالم ولا تخدم الا الاغنياء فى الشمال والجنوب من هذا العالم او دول الشمال على حساب الدول الفقيرة .

ومن خلال التجارب المعاصرة لنماذج الاقتصادات التى انتهجت اسلوب الخصخصة ومنها مصر أرى أصبح واضحا إنه ليس ضروريًّا أن تؤدي الخصخصة إلى زيادة الكفاءة الاقتصادية؛ لأن شكل الملكية ليس له علاقة بالكفاءة، ولكن شكل الإدارة هو الذي يحدد ذلك كما ان كثيرًا من المشاريع التي يتم خصخصتها تأخذ شكل الاحتكار، وبالتالي تساهم الخصخصة في نقل الاحتكار من القطاع العام إلى الخاص؛ وبالتالي حدوث فرق كبير للكفاءة، وهذا يتطلب ضرورة وجود سوق تنافسية للقضاء على هذا الاحتكار.. كما ان القطاع الخاص بطبيعته غير مضطر للاقبال على المساهمة فى المشروعات الحساسة او ما يمكن وصفها بذات البعد الوطنى والتى تتسم بدرجة اعلى من المخاطرة او لا تحقق عائدا كبيرا وربحا سريعا وهو ما يسبب تشوه في الاقتصاد الكلى ومن ثم عجز الاقتصاد عن الوفاء باحتياجات المجتمع وحدوث أزمات ومشاكل لا حصر لها، هذا فضلاً عن أن تجارب الخصخصة لدينا كما في العالم لم تُعطِ الثمار المرجوة في مجال خفض أسعار السلع والمنتجات، بل العكس هو الذي حدث في بعض التجارب، وهذا يؤكد ضرورة استمرار دور الدولة حماية للمصلحة العامة والطبقات الفقيرة.

وربما كنا ممن يؤمنون بان الخصخصة لها منافعها وهو ما لا ننكره ولكن هذه المنافع ليست للعامة ..ليست لكل الشعب إنها منافع على مستوى المنشأة أو الشركة وأصحاب رؤوس الأموال ولكننا نؤمن أيضا ان اضرارها المؤكدة تطال الاقتصاد الكلي؛ تتمثل في زيادة حجم العاطلين؛ سواء أكان ذلك عن طريق الاستغناء عن العمالة الزائدة أم تقليل فرص العمل نتيجة استخدام التكنولوجيا الحديثة.

ولننتقل لحالة مصر وفى قطاع لا يلتفت اليه كثيرا هو الاراضى الزراعية اسوق لكم هذا المثال عن كيفية مساهمة الخصخصة فى افقار الفلاحين فيما كان الشعار الاساس الذى رفعته الدولة هو توسيع قاعدة الملكية بخصخصة اراضى مملوكة لشركة قطاع عام .. هذا المثال فى محاظة البحيرة فى دلتا مصر حيث كانت هناك شركه النوباريه لانتاج البذور على مساحة 23 الف فدان كامله المرافق وتم نقل تبعية الشركة فى عام 1993 بقرار وزارى لقطاع الاعمال (الشركة القابضة للتنميه الزراعيه) وشرعت ادارة الشركة القابضة فى بيع اصولها لمستثمرين ولان المستثمرون كانوا يريدون الارض بدون عمالة فان الشركة شرعت فى اغراء الفلاحين لديها بترك وظائفهم مقابل حصة بسيطة فى الارض وبذلك تمت عملية توسيع قاعدة الملكية ؛ الا ان ما حدث بعد ذلك وبنفس الالية المنتشرة فى دول العالم الثالث حيث يتحالف الفساد وبيروقراطية الدولة مع رأس المال فانه تم الطعن فى احقية الفلاحين الخارجين من الشركة المباعة فى حصص الارض البسيطة التى حصلوا عليها وبداوا فى زراعتها وذلك لصالح الملاك الجدد والمستثمرين الكبار الذين حصلوا على الحصص الاكبر من اراضى الشركة .

والنتيجة التى رصدناها فى مؤسسة اولاد الارض لحقوق الانسان هى قيام قوات الشرطه بمركز ابو المطامير محافظه البحيره بتجريف الاراضى الزراعيه المملوكة لفلاحين مزرعه (3 بذور) والاستيلاء عليها بالقوة والاعتداء على الفلاحين وعائلاتهم ونساءهم والقبض على زوجاتهم وأخواتهم واحتجازهم بدون وجه حق بمركز الشرطه

هذا فضلا عن تلفيق اتهامات ضرب وبلطجه لهم لاجبارهم على ترك ارضيهم ومنازلهم والتنازل عنها لصالح بعض المستثمرين.

إذن ايها الاصدقاء الاعزاء .. ما نؤمن به وما نعمل من اجله هو أن الخصخصة فى بلادنا ليست الطريق الافضل للتنمية وأن اثارها على الفئات المهمشة والفقيرة من شعوبنا كبيرة ونحن نجاهد من اجل تلافى اثارها .