10/2/2007

شاركت مؤسسة أولاد الأرض لحقوق الإنسان في المنتدى الاجتماعي العالمي الذي عقد بالعاصمة الكينية نيروبي في الفترة من 20 إلى 25 يناير الماضي بتنظيم ورشة عمل حول التأثيرات الاجتماعية الاقتصادية على الفلاح المصري وهذه هي ورقة الخلفية التي دار النقاش على أساسها خلال ورشة العمل التي شارك فيها العديد من الباحثين من دول أفريقية وأوربية وآسيوية إضافة إلى مشاركين من الولايات المتحدة من المتهمين بتأثيرات العولمة والخصخصة على حق الأرض والسكن في دول الجنوب أو في المناطق الفقيرة من دول الشمال .

التحولات الاجتماعية الاقتصادية الأخيرة وأثرها على الفلاح المصري
إعداد صلاح صابر
مدير وحدة البحوث والدراسات بمؤسسة اولاد الارض لحقوق الإنسان

تشهد حياة الفلاحين في مصر في الفترة الأخيرة وتحديدا في العقدين الأخيرين العديد من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية المرتبة على التعديلات القانونية وما تلاها من قرارات للحكومات المتعاقبة و التي أثرت على شكل ملكية الاراضى أو على مستوى شكل علاقاتهم بالمنازل التي يسكنونها أو الاراضى التي أقاموا عليها تلك المنازل .

ومخرجات هذه الأزمة الاجتماعية الاقتصادية التي يعانى منها عدد كبير من فلاحى مصر عبرت عن نفسها في صور عديدة منها حالات العنف المصاحبة لإجبار الفلاحين على ترك أرضهم التي تعودوا زراعتها و العيش من عائدها لصالح ملاك جدد أعطاهم قانون العلاقة الايجارية الجديد ميزة الحصول على هذه الارض لأنها تعود لعائلتهم قبل أن يأخذها منها قانون الإصلاح الزراعي المنتهى ويوزعها نفس الفلاحين .

او حتى تعبر عن نفسها في صورة عنف أسرى نتيجة هذه الأزمة الاقتصادية الاجتماعية ..عنف أسرى في الغالب تكون ضحاياه فئات اضعف داخل شريحة الفلاحية الضعيفة أساسا ، مثل النساء الفلاحات أو أطفالهن .

ومع تسليمنا بان أساس هذه المشكلات هو أساس اجتماعي اقتصادي يعبر عن مرحلة تخلت فيها الدولة المصرية عن دعم حقوق الفلاحين والعمال باعتبارهم القوى المنتجة في المجتمع وهى السياسة التي شهدتها الدولة في عصر انتهاجها للاقتصاد الموجه والتحول إلى مرحلة أخرى هي رأسمالية لا مكان فيها لدعم الفلاحين البسطاء.. مع تسليمنا بذلك فإننا يجب إلا ننسى إن جزء كبير من الصراع الدائر في الريف المصري يدور على أساس قانوني بمعنى أن الفئات التي يعمل التحول في السياسات الاجتماعية الاقتصادية للدولة لصالحها وهم كبار ملاك الاراضى أو هيئات الدولة المالكة لأراضى الفلاحين مثل هيئة الأوقاف المصرية ؛ هذه الفئات تسعى لانتزاع الارض من الفلاحين بموجب القانون فيما يتشبث الفلاحون أيضا بالقانون في محاولة يائسة للبقاء ملتصقين بالأرض التي يعيشون عليها ؛ ومن هنا تبرز أهمية المؤسسات العاملة في مجال الدفاع عن حقوق هؤلاء الفلاحين خاصة في ظل حالة العجز التي يعانيها الفلاحين البسطاء في مقابل فئات أخرى تمتلك آليات اللعب بالقوانين وتمتلك تحالفات مع أجهزة الدولة إ، لم تكن هي ذاتها جزء من أجهزة هذه الدولة .

القانون المتغير والأزمة المستجدة :

صدر قانون المالك والمستأجر في الأرض الزراعية رقم 96 لعام 1992 وتم تطبيقه في أكتوبر 1997 ليحل محل قانون الإصلاح الزراعي السابق الذي ارتبط بمرحلة ثورة يوليو وما صاحبها من قوانين وصفت بالاشتراكية وأعطت مزايا للفلاحين منها توزيع الاراضى الزراعية عليهم وتقنين العلاقات الايجارية في الارض الزراعية لصالح الفلاح أو بشكل يتيح له القدرة على زرع الارض والاستفادة من عائدها والاهم من ذلك تضييق قدرة ملاك الاراضى من الاستحواذ عليها من يد المستأجرين .القانون الجديد اتاح لملاك الاراضى الزراعية سواء كانوا أفراد أو هيئات حكومية باستعادة الاراضى المؤخرة كما صاحب ذلك ارتفاع كبير في أسعار الإيجار وبشكل لا يقدر الفلاح على مجاراته حيث وصل إيجار الفدان سنويا إلي أكثر 4 آلاف جنيها إضافة إلى ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج من تقاوي وأسمدة ومبيدات وميكنة وهو الأمر الذي لا يبدو أنه سيتوقف في المستقبل القريب في بلد مثل مصر تتسم بندرة أرضها الزراعية مع وفرة من المزارعين وهو ما يعنى في النهاية دعم فئات قوية على حساب فئات اضعف في المجتمع بموجب القانون الجديد المرتبط بمرحلة جديدة من عمر الدولة المصرية .

وبناء على ذلك أصبح لدينا في مصر أكثر من 900 ألف مستأجر كانت حياتهم تتوقف على ما يستأجرونه من أرض وأصبحوا بعد تطبيق القانون إما أن يتركوا الأرض للمالك أو الرضوخ لشروطه أو مطالبه التي لا تتوقف عند حد في حين نقضت الحكومة وعودها بتسليم ارض مستصلحة بديلة لكل المستأجرين المتضررين من هذا القانون حيث اكتفت الحكومة بتنفيذ هذا الوعد لخمسة آلاف مستأجر فقط وهو رقم يتضاءل كثيرا إذا ما قورن بعدد المتضررين .

وتأثير هذا القانون أو تغيير شكل الملكية انسحب على خصوبة الارض أيضا فالمستأجر لم يعد يستخدم سوى الأسمدة الكيماوية لان السماد العضوي لا يعطى نتائجه كاملة إلا بعد عامين أو أكثر والمالك لا يقوم بتأجير الأرض إلا لعام واحد فقط طمعا في زيادة القيمة الايجارية وهو الأمر الذي يدعو المستأجر إلى استنزاف الأرض واستغلالها لأقصى مدى خلال الفترة التي يستأجرها بغض النظر عما ما يستخدمه من أسمده كيماوية أو مبيدات أو زرعها بمحاصيل مجهدة بشكل مستمر مما يسبب ضررا شديدا لخصوبة الأرض الزراعية.

بنك الفلاحين /سجن الفلاحين

وفى ظل أزمة يحياها الفلاحين مع المتغيرات الاجتماعية الاقتصادية الجديدة أضحت هيئات أو أدوات نقابية أو مالية كانت سنده في الماضي وفى ظل ظروف معاكسة وقوانين مغايرة أضحت هذه الأدوات هي نفسها ما تهدد حياته او حريته مثل بنك التنمية والائتمان الزراعي الذي تم إنشائه للتيسير علي الفلاح وذلك بمنحه القروض وبفائدة صغيرة وشروط ميسرة أصبح اليوم بفوائده المركبة سيفا مسلطا علي رقاب الفلاحين البسطاء الذين يتهددهم السجن في كل أنحاء مصر , فقد وصل عدد القضايا التي رفعها البنك علي الفلاحين بعد عجزهم عن السداد إلي 23 ألف قضية في حين بلغ حجم الإقراض إلي مليار جنيها . وعلي سبيل المثال لا الحصر فقد فر أكثر من 10 آلاف فلاح في الوادي الجديد إلي الجبال وتركوا أراضيهم بعد أن أصبحوا مطاردين من الشرطة لتنفيذ الأحكام الصادرة ضدهم من قبل بنك التنمية , ولم يختلف الحال في قرية الخزندارية التابعة لمحافظة سوهاج فهناك أكثر من 1500 فلاحا ينتظرهم نفس المصير , وفي محافظة القليوبية فإن مزارعي المشمش والفراولة صدر ضدهم أحكام قضائية أيضا , وفي محافظة الإسماعيلية لم ينجو آلاف المزارعين وخاصة مزارعي المانجو من مقصلة بنك التنمية , وبالرغم من صدور قرارات لجدولة الديون بداية من القرار الوزاري عام 1994 والقاضي بجدولة المديونيات المتعثرة حتى 31/12/1993 بدون فوائد ولفترة تتراوح بين 3 – 10 سنوات مع إسقاط غرامات التأخير والتي بلغت حتى ذلك العام 140 مليون جنيه أو القرارات الأخرى المشابهة التي تلته .

والبنك نفسه وبموجب القانون مسئول عن إضعاف الحركة التعاونية الفلاحية التي حل محلها بموجب القانون رقم 117 لسنة 1976 ومن بعده قانون التعاون الزراعي رقم 122 لسنة 1980 والمعدل في عام 1982 والمعمول به حاليا وقد خلت نصوصه الخاصة بمهام وحدات البنيان التعاوني الزراعي من أي إشارة إلى مستلزمات الإنتاج أو دعمها ، رغم إن هذه الحركة التعاونية كانت نشطة و تقوم بدورها في المجتمع المصري من خلال 6218 جمعية تعاونية زراعية في مختلف الريف المصري .

هيئة الأوقاف : هيئات الدولة فى مواجهة الفلاحين:

وهيئة الأوقاف هي هيئة حكومية مسئولة عن إدارة الاراضى والعقارات المملوكة للدولة والتي آلت إليها ملكيتها من خلال أفراد أوصوا بان ينتفع المجتمع بملكياتهم بعد وفاتهم أو توفوا دون وريث لهم وتركوا هذه الملكيات من أراض وعقارات .. ونظرا لاتساع حجم هذه الاراضى والعقارات فانه ينتفع عدد كبير من الفلاحين بزراعة هذه الاراضى أو العيش على مساكن تعود لهذه الهيئة أو في مساكن بناها الفلاحين على أراضى تعود لهذه الهيئة ومع تغير القوانين الايجارية لصالح المالك فان الدولة مارست من خلال هيئة الأوقاف نفس القسوة التي يمارسها ملاك الاراضى مع الفلاحين المستأجرين سواء بالطرد من الارض أو يرفع القيمة الايجارية بشكل كبير دون مراعاة لبعد اجتماعي لفئات مستضعفة لكنها منتجة في ذات الوقت .

وأمام وضع كهذا يشهد الريف المصري حاليا حالة من الشد العنيف بين هيئة الأوقاف وبين الفلاحين والنزاع على الاراضى أو المساكن بينهما وتستخدم في هذا النزاع الأساليب المتنوعة بدءا بالقانون والقضاء وانتهاء بأجهزة الأمن في مواجهة الفلاحين بشكل رسمي أو غير رسمي . وتجتهد مؤسسة اولاد الارض فى الدفاع عن وحماية العديد من هؤلاء الفلاحين في هذا النزاع . ومن بينها حالة عدد من الفلاحين في محافظة الدقهلية وبالتحديد في قرية صهرجت الصغرى التابعة لمركز أجا حيث ادعت هيئة الأوقاف بأن الأراضي المقام عليها منازل 102 أسرة من تلك القرية مملوكة لها متذرعة بحكم قضائي صدر لها في عام 1941 ضد ورثة المالك الأصلي الذي باعها لأباء وأجداد الملاك الحاليين نتيجة لعجزه عن سداد مديونية مستحقة عليه قدرها 303 جنيها وبعد ما يزيد عن 60 عاما تذكرت هيئة الأوقاف هذا الحكم وطالبت بتنفيذه وطرد الأهالي من مساكنهم ورفضت بشده الأعتراف بحقوق الملاك الحاليين ولا بعقودهم الموثقة مع المالك الأصلي قبل ! وفاته.

الإصلاح الزراعي في ظل وضع متغير:

كانت فلسفة الإصلاح الزراعي في مرحلة ماضية هى وسيلة لتنفيذ نوع من العدل الاجتماعي وإنصاف المستضعفين , وكانت أداة لتصحيح الميزان المختل بين ما يملكون كل شيء ومن لا يمتلكون أي شيء حيث بموجب هذه الفلسفة وما صاحبها من قوانين يتم منح اسر الفلاحين قطعة من الارض لتزرعها وتعيش من دخلها وبالطبع غالبية هذه الاراضى كانت قد تم مصادرتها من الإقطاعيين السابقين أو من أراضى تم استصلاحها في الاراضى الصحراوية ، ومع المتغيرات الاجتماعية الاقتصادية الجديدة وقوانينها الجديدة تغير أداء مؤسسات الإصلاح الزراعي ليتلاءم مع العصر الجديد حيث لا دعم للفلاحين وتوجيه هذا الدعم لشرائح أخرى في المجتمع عبر آليات وقوانين داعمة لذلك وإن لم يتغير اسم هذا المؤسسات القديم : الإصلاح الزراعي .

وبناء على ذلك وجدنا أن هيئة الإصلاح الزراعي تعمل على مطاردة الفلاحين المستأجرين للأراضي أو للمساكن لطردهم منها بشتى السبل ومن هذه الحالات التي رصدتها مؤسسة اولاد الارض وتعمل على الدفاع عن الفلاحين هناك حالة مدينة أبو حمص في محافظة البحيرة حيث اكتشفت هيئة الإصلاح الزراعي بعد خمسين عاما أن الأرض التي أقيمت عليها المساكن فى هذه المدينة لما يزيد عن 300 أسرة هي أرض ملك للإصلاح الزراعي وعليه فإن علي تلك الأسر إما أن تدفع الإيجارات المتراكمة عليهم منذ خمسين عاما أو يكون السجن والتشريد في انتظارهم.

تزايد العنف في الريف المصري :

وأمام هذه التحولات الاجتماعية الاقتصادية يصبح تزايد العنف في الريف المصري أمرا عاديا ونتيجة منطقية لهذه التحولات التي أرهقت هؤلاء الفلاحين أو هددت حريتهم قبل أن تهدد معيشتهم اليومية .. وترصد مؤسسة اولاد الارض هذه الظاهرة بشكل يومي كما تعمل على تحليل أسبابها وفى بعض الحالات توفر المساعدة القانونية لبعض إطرافها خاصة إذا تعلق الأمر بنزاع على الارض أو السكن بين فلاحين بسطاء واحد أجهزة الدولة المشار إليها أو الأفراد المتمتعين بحماية بعض أجهزة الدولة بشكل رسمي أو غير رسمي .وقد شهد شهر يونيو من العام الماضي وحده 12 قتيلا و 18 مصابا في حوادث عنف بين الفلاحين وقعت لخلاف علي الحدود بين الأراضي أو خلاف علي الدور في مناوبة الري، وفى شهر يوليو رصدت اولاد الارض سقوط عدد 34 فلاحا بين قتيل وجريح في حوادث عنف متفرقة في البلاد . ونفس العدد في شهر أغسطس الماضي وتسعة قتلى و16 جريحا في شهر سبتمبر الماضي و11 قتيلا و20 جريحا في أكتوبر الماضي بينهما حادث قتل شقيق لشقيقه على خلاف على ميراث منزل وارض زراعية لا تتجاوز 4 قراريط . وهو أمر ينذر بالخطر في ظل إشارات تؤكد أن الفلاح المصري لم يعد لديه قدرة على الاحتمال بعد أن تضافرت جهود الحكومات المتعاقبة على إفقاره وإسقاطه إلى أدنى درجات السلم الاجتماعي.