يعلن المسئولون بالحكومة كل يوم عن التوجهات الجديدة باحترام الديمقراطية وحقوق الإنسان، وبعد أن كانت حقوق الإنسان تهمة للعاملين بها من مؤسسات، أصبح لا يخلو تصريح لمسئول من ذكر حقوق الإنسان، ولكن هل هذه التصريحات مجرد تجميل للخطاب الحكومى أم أنه توجه حقيقى، هذا أمر ربما تدور حوله النقاشات. ولكن حتى لو حاولنا تصديق إدعاءات الحكومة عن إحترامها لحقوق الإنسان، فكيف يمكن أن يتأتى ذلك فى ظل وجود جهاز بيروقراطى متخلف، وقيادات أجهزة -ملكية أكثر من الملك- فحتى لو كانت الحكومة صادقة فى إدعائاتها (!؟) فإن أول عقبة ستواجهها هى هذه العقليات الجامدة التى لا يطالها أى تغيير.
كان المركز اليوم على موعد مع اللواء طلعت رئيس حى منشأة ناصر للتباحث حول أزمة السكان الذين قام الحى بإخلائهم قسريا وهدم منازلهم فى منطقة الدويقة فى إطار خطط الحكومة لتطوير المنطقة وذلك دون منحهم بديل، والذين قام المركز بمنحهم خيم للإيواء فى ظل برنامج المركز للإغاثة العاجلة لضحايا الإخلاء القسرى، بعدما تجاهلت كل الأجهزة الحكومية إستغاثات هؤلاء المواطنين.
وبالرغم من تقديم المركز للمستندات الدالة على حق هؤلاء السكان فى مسكن بديل، إلا أن السيد اللواء أصر على أنهم متحايلون، وأدلته فى ذلك أنه من السهل أن يقوم أى مواطن بإستصدار أى وثيقة سواء عقد إيجار أو شهادات ميلاد أو وثائق زواج أو بطاقات شخصية أو حتى محاضر إثبات حالة وذلك على أى عنوان يريده المواطن!! إذن فما هى معايير الحصر التى قام بها الحى والمستندات التى طالب بها المواطنين إذا كانت كل هذه المستندات غير كافية، سؤال لم يجب عليه السيد اللواء، الذى اكتفى بالقول أنه ليس هناك دولة تستطيع أن تُسكن كل المواطنين ولو حتى أمريكا “رددها عدة مرات”. وعندما سألناه إذا لم يكن فى إستطاعة الحكومة تسكين المواطنين فلماذا تقوم بهدم منازلهم من البداية، سؤال أيضا لم يجب عليه السيد اللواء. والذى قال بدوره “إن الحكومة بتدفع دم قلبها لتقوم ببناء المساكن”، والحقيقة أن هذا أمر فى غاية الغرابة فلم نسمع عن أى مسئول حكومى أقام مشروعات إسكان بتبرع من ماله الخاص، وكأن الأموال التى تقوم الحكومة ببناء المساكن منها ليست أموال الشعب بل هى أموال “الحكومة”!!.
والحقيقة فإن الرجل لم يخطئ كثيرا فواقع الحال يقول إن الحكومة فى جانب والمواطنون فى جانب آخر، فالعقد الاجتماعى بين الحكومة والمواطنين إنتهى منذ زمن بعيد، منذ أن أصبحت الحكومة تعمل ضد مصالح المواطنين وتسلبهم كل حق لهم حتى وإن كان حقهم فى أربعة جدران فقيرة تحمى ما تبقى لديهم من كرامة إنسانية.
وقد قام السيد اللواء بالتهديد والوعيد بأنه سيصادر الخيام من المواطنين. والجدير بالذكر أنه فى كل يوم تقوم الشرطة بتهديد المواطنين بمصادرة الخيام وطردهم فى الشارع مرة أخرى، بل لقد تجاوز الأمر كل منطق، عندما قام ضابط شرطة بقسم منشأة ناصر لم يفصح عن إسمه بالإتصال بالباحث الميدانى بالمركز على تليفونه المحمول وكال له أفظع السباب وتوعده بالنيل منه عقابا له على منحه السكان خيام للإيواء.
أما عن لجنة الحصر فحدث ولا حرج، فكان أعضاء اللجنة يتوعدون المواطنين بقولهم “على جثتى لو أخذت شقة”!!. إن عملية الحصر وغياب المعايير التى يتم على أساسها، من أهم المشكلات التى واجهها المركز فى عمله وتعتمد فقط على تقدير “مزاج” الباحث أو حسب تعبير رئيسة إحدى لجان الحصر بمنطقة الجمالية عند سؤالنا لها عن المعايير أجابت “خبرتى”.
أما المساكن التى تفخر بإنشائها الحكومة فى منطقة الدويقة فإن أحدثها ترشح منه المياه من كل جانب.
هكذا تدار الأمور وهكذا يتم التصرف فى شئون المواطنين الفقراء الذين أصبحوا فى نظر المسئولين أعداء الوطن. ملحوظة: كل ذلك يحدث فى منطقة ممثلها فى مجلس الشعب هو السيد محمد إبراهيم سليمان وزير الإسكان.