2/10/2006
في هذا العام، يدعو برنامج الأمم المتحدة للموئل البشري العالم أجمع للاحتفال باليوم العالمي للموئل من خلال مبحث: “المدن، جاذبات الأمل.” ومن جانبه يدعو التحالف الدولي للموئل، وكذلك شبكات دولية أخرى، القواعد الشعبية والمجتمعات على مستوى العالم لتنظيم تعبئة واسعة ضد الإخلاءات والتهجيرات القسرية والعمليات المستمرة من خصخصة الأراضي والخدمات السكنية والمياه وغيرها من الخدمات الأساسية.
ما العلاقة بين هذين الحدثين، وماذا يمكن أن نتوقع هذا العام من الاحتفالات باليوم العالمي للموئل؟
من ناحية التأثير، وكما ذُكر من قِبل الأمم المتحدة في حدثها، فإن العالم يعاني من عملية تحضر متسارعة. ولكن تيار التحضر قد توقف طويلاً كي يكون نابعاً من أمل الناس في حياة أفضل.
لكن التدمير والنهب والإفقار ومصادرة الموارد الطبيعية إلى آخر ما تقوم به الشركات الكبرى عابرة القوميات، وكذلك فرض شروط تسويقية غير عادلة على المنتجات الريفية عبر اتفاقيات التجارة الحرة، ورفع يد الدولة وما يتبعه من تخفيض الدعم المؤسسي للفلاحين التقليديين، كل هذا يزيد من الظروف الخطرة التي يعيش فيها سكان الريف، مما يجعل البقاء في الريف مسألة لا قيمة لها.
ونحن اليوم، شاهدون على التهجير القسري لملايين من أفراد الشعوب الأصلية والفقراء من الفلاحين، فهم لأسباب تتعلق بالبقاء على قيد الحياة، يجدون أنفسهم مجبرين على الهجرة، ليس فقط إلى المدن بل أيضاً إلى البلدان الغنية في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية مباشرة. إنه ليس بالتدفق الذي يحركه الأمل، بل كفاح وصراع يائس، في ظل معاداة كل شيء لهم، من اجل بقائهم أحياء.
إنها ظاهرة ذات خصائص جديدة، تثير تدمير المجتمعات الريفية عبر الرحيل الجماعي لشبابها ورجالها ونسائها الواعدين، التدمير العميق لثقافتهم وتفكيك أسرهم.
إنها الفوضى التي قوامها أن يعمل كل شخص لنفسه ومع نفسه، فوضى تقوض السيطرة الاجتماعية التقليدية التي تمارس على السلع العامة: الأرض، المياه، التنوع الحيوي، الموارد المعدنية، والحكمة الشعبية، فاتحة الطريق بذلك أمام نزع الملكية من خلال الشركات عابرة القوميات التي تسعى اليوم إلى الاحتفاظ بكل شئ من أجل نفسها فقط.
هل يكون هذا هو الهدف من وراء السياسات التي انبثقت عن ائتلاف واشنطن، واتفاقيات التجارة الحرة، والمشروعات الكبرى التي تنبثق عن مؤسسات متعددة الأطراف وحلفاؤها من الحكومات؟
فهذه التهجيرات الجماعية، والتي تزداد في بعض الدول بفعل الصراعات الداخلية والجريمة المنظمة، تواجه عقبات جديدة وصعوبات على الطريق والهدف.
بالنسبة لمن يهاجرون إلى المدن، نجد الأحياء التي تعاني من سوء الخدمة والتفرقة على أطراف المدينة والعشوائيات المتدهورة في مراكز المدن هي الخيارات الوحيدة المتاحة أمامهم للعيش. وهنا فإنهم لا يواجهون فقط البطالة والرفض والتمييز الاجتماعي، بل أيضاً يواجهون تجريم جهودهم المبذولة لكسب العيش أو إقامة سقف فوق رؤسهم بوسائل تعتبر غير رسمية وغير قانونية، وكذلك ينظر إليهم على أنهم مصدر لتهديد التوظيف السليم للسوق لا يمكن التسامح معه.
من ناحية أخرى، نجد أن المهاجرين للخارج يواجهون مخاطر متعددة وانتهاكات لحقوقهم الإنسانية: فساد، تعدي، تجريد مما يملكون من النذر القليل، وأيضاً المخاطر التي لا تحصى ضد صحتهم، والسلامة البدنية، بل والحياة برمتها.
وها نحن اليوم، نجد الذين كانوا ينتقدون حائط برلين، يصدقون الآن على حائط يمتد 1125 كيلو متر، بحجة الحرب على الإرهاب، لمنع الدخول غير الشرعي للمكسيكيين ومواطني أمريكا الوسطى إلى الولايات المتحدة. خلف الحائط، تنتظرهم المقاضاة والتمييز وحياة مروعة صعبة غير آمنة وظروف عمل خطرة لمن يتمكنون من العبور أحياء.
هذه بالتأكيد ليست بيانات يشعلها الأمل. فالذين ينتمون منا إلى المجتمع المدني وينتبهون إلى دعوة الأمم المتحدة لـ “تذكير العالم بمسئوليته الجماعية من أجل مستقبل الموئل البشري،” لا يمكنهم الاتساق مع رؤية المدينة كعامل مساعد لنوع من التنمية لا يوجد منتفعين منها سوى عدد يقل كل يوم عن سابقه.
فالتغيرات الحقيقية المطلوبة لمهاجمة الأسباب الجذرية لهذه المشكلات والسعي لإحياء الأمل لدى الفقراء في الريف والحضر، لن تأتي بالتأكيد عبر مبادرة من أولئك الذين يسيطرون اليوم على الاقتصاد والقرارات الرئيسية.
وبالرغم من أن الوضع الحالي ما زال في حاجة إلى لمس الواقع قبل أن يتم إنجاز حركة التحويل على مستوى العالم، إلا أننا يمكن أن نحقق تقدماً في رسم خريطة لمسار واسع واستكشافي، متماسك مع الفكرة الجماعية لبناء عالم للجميع.
فوق كل هذا نحتاج إلى النضال ضد التيارات القمعية والرجعية التي تقود إلى فقدان الحقوق، هجرة الريف، وإضفاء طابع الفردية على المشكلات والحلول وتركيز الانتباه على مجموعات متأثرة صغيرة ورمزية.
الجزء المحوري في هذه العملية يجب أن يتضمن ترويج للسياسات الشاملة الاستيعابية والقوانين والأدوات الأخرى التي تثير المشاركة الإيجابية المنظمة للسكان في تخطيط وإنتاج وإدارة موئلهم.
إننا نستطيع أن نعمل معاً بل يجب أن نعمل معاً ضد تطبيق سياسات متناقضة من قِبل الدولة؛ مثل ما يمارسونه من اعتراف بالحق في السكن في الوقت الذي يقومون فيه بالترويج للإخلاء الجماعي للفقراء من السكان وذلك “لتجميل” و”تنمية” المدينة من أجل وضعها العالمي التنافسي ومنفعة سكانها كما هو مفترض.
لكن الشجب والاحتجاج ليس كافياً. اليوم يجب أن نزاوج هذه المهمة بجهود التأثير على السياسات العامة واقتراح وتطوير برامج وأعمال تقوم، بالإضافة لكونها تحل حاجات محددة للسكان، بفتح مجالات لتنظيم ذاتي وتنمية الممارسات القائمة على التغيير والإدارة الذاتية.
عمل قوي فعال يواجه التمييز الذي يمارَس ضد القطاعات الأكثر ضعفا والمرأة في التنمية وبرامج السكن، والنضال ضد التمييز الحضري ضد الفقراء، وهي أيضاً مجالات استراتيجية للعمل يمكننا أن نلتزم بها بل ويجب الالتزام بها.
والوضع الذي يجب أن ينال اهتماماً خاصاً هو وضع النساء والشيوخ والأطفال الذين أصبحوا مهجورين في المناطق الريفية بعد أن اضطر من يعولهم إلى ترك أراضيهم بحثاً عن العمل بالخارج. لذلك هناك عمل مُلح مطلوب للدفاع وتحقيق تطبيق حقيقي ملموس لحقوق الإنسان لهذا المجتمع المهجور.
إن مبادرة الإنتاج والترويج لميثاق الحق في المدينة، التي دعت إليها شبكات مدنية وحركات اجتماعية في بلدان متعددة، يجب أن تتسع وتتصل بمبادرات شبيهة تروج لحقوق الإنسان للفلاحين التقليديين والمجتمعات الأصلية.
لنُحي ذكرى هذا اليوم العالمي للموئل، ذكرى ثلاثون سنة منذ مؤتمر الموئل الأول في فانكوفر وثلاثون سنة أيضًا على إنشاء التحالف الدولي للموئل، نحييها بمعالجة حيوية لهذه القضايا والعمل على التقدم في تدعيم وتوضيح عملياتنا المتنوعة.
Enrique Ortiz
إنريكي أورتيس
رئيس التحالف الدولي للموئل
مكسيكو سيتي 2006