2/12/2008
عرفت مفوضية الشرطة بابن جرير صبيحة يوم السبت28 نونبر2008، توافد العديد من المسؤولين الأمنيين على الصعيد الإقليمي والجهوي وهناك من تحدث عن مسؤولين وطنيين، فمخفر الشرطة سجل حالة وفاة أحد المواطنين الموقوفين من قبل أحد دوريات الشرطة ليلة الجمعة 27 نونبر2008، وتضاربت الآراء حول سبب هذه الوفاة ، وهناك تخوف أن يكون التعذيب هو الذي أدى لوقوعها.
الرواية الرسمية تشير أنه مباشرة بعد حصول واقعة الوفاة تم إعلام كل الجهات المعنية، وسجل مقر المفوضية حضور الأجهزة الإقليمية والجهوية لمصالح الأمن وحضور ممثلي النيابة العامة كممثل للجهات القضائية ، وتمت المعاينة الأولى للجثة التي خلصت أن هذه الأخيرة لا تحمل أية آثار للتعذيب ، وبعد ذلك أمر الوكيل العام لمحكمة الاستئناف بمراكش باعتبار مدينة ابن جرير خاضعة لدائرة اختصاصه في مجال البحث والتحقيق القضائي بفتح تحقيق في ذلك وإحالة الجثة على مصلحة الطب الشرعي لتبيان سبب الوفاة، كما تشير الرواية الرسمية أن الضحية تعاني من حالة الإدمان بمواد مسكرة يرجح أن تكون هي السبب الذي أدى إلى الوفاة.
هذه المعطيات كلها رسمية وأولية وإلى أن يصدر تقرير الخبرة الطبية، تضل الحقيقة إلى حدود الآن لا تتجاوز مجرد افتراضات متعددة تتداولها الألسن بالمنطقة ، منها من تعامل مع الحادث باعتباره مصيرا عاديا لكل المدمنين وهو افتراض لا يستحضر البعد الإنساني للحق في الحياة.
الافتراض الثاني : يتعامل مع الحادث باعتباره قضاء وقدر ويتناوله من وجهة دينية ضيقة من خلال استثماره لبعض النصوص الدينية وفق تحليل ضيق، وهو افتراض لا يمكن التسليم به، خاصة أن المنطق العلمي يقتضي أن لكل نتيجة سبب أدى إلى تحققها.
الافتراض الثالث: وهو الذي يرجح أن تكون حالة الوفاة ناتجة عن التعذيب المعهود من قبل الأجهزة الأمنية والعقلية الاختزالية لمؤسسة الأمن في لعب دور الضبط الإجرامي الذي يرسخ الصفة الإجرامية على كل موقوف أو متابع من قبل الشرطة القضائية فيتم التنكيل بكل المواطنين الذين تسوقهم دوريات الضبط التي تقوم بها المصالح الأمنية والدركية والعسكرية لأن سجلها حافل بمثل هذه الممارسات اللاإنسانية.
الافتراض الرابع: يرجح هذا الافتراض ألا تكون الضحية قد تعرضت لأي تعذيب جسدي من قبل العناصر الأمنية، لكن حالة الضحية الصحية أثناء ضبطه وظروف ومكان الاحتجاز بمركز الشرطة وحالة المناخ المتسمة بالبرد القارص هي التي أدت إلى الوفاة، وهذه صورة أخرى من صور انتهاك حقوق الإنسان المرتكبة بمراكز غير مؤهلة لحماية المواطنين الذين يتعرضون للإيقاف من قبل الأجهزة الأمنية، والذي تتحمل فيه الدولة مسؤوليتها الكاملة، على اعتبار أن الدولة منظومة مؤسساتية يفترض فيها أن تعمل على حماية حقوق المواطنين ، وأن أجهزة الأمن في هذه الحالة كان عليها عوض ان تزج بالمواطنين الموقوفين بمراكز لا تتوفر فيها شروط الصحة والسلامة وهم في حالة صحية متدهورة كيفما كانت أسبابها نحو المستشفى حتى يتلقوا العلاجات والإسعافات الضرورية لوقايتهم وحماية حقهم في الحياة.
أمام غياب تقرير خبرة الطب الشرعي التي ستبين السبب المفضي للوفاة والتي نتمنى أن تتسم بالنزاهة العلمية والأخلاقية، ستضل كل الافتراضات واردة، وهي في عمومها باستثناء الافتراضين الأولين الذين لا يمكن للمنطق العلمي و الإنساني تبنيهما، تجعلنا أمام مسؤوليتين، الأولى مؤسساتية والثانية اجتماعية .
المسؤولية المؤسساتية
الدولة بكل مؤسساتها معنية بحقوق وحريات المواطنين، الذي يفترض فيها أن تعمل على تعزيزها والحرص على التمتع بها ، خاصة وأن الدولة المغربية من خلال ديباجة دستورها ومصادقتها على المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، كالعهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واللذان يقران حق مواطني الدول المصادقة عليهما بالتمتع بكافة الحقوق الواردة فيها كالحق في الحياة والصحة والمعاملة الإنسانية وغيرها من الحقوق ذات الصلة، ومن منطلق أن الدول المصادقة عليهما ملزمة بتطبيقهما وفقا للمادة الثانية من العهدين والمشتركة بينهما، ومن خلال مؤتمر فينا للأمم المتحدة لسنة 1993 الذي اقر أن كافة حقوق الإنسان لا يمكنها أن تتعرض للتجزئة ، فهي حقوق في كونيتها تتسم بالطابع الشمولي لارتباط كل حق بكافة الحقوق الأخرى، كما أن الحق في الحياة من بين الحقوق الأساسية التي يجب احترامها وتكريسها، ونحن في هذه الحالة أمام خرق واضح لهذا الحق الثابت والذي يتوجب على الدولة أن تتحمل مسؤوليتها الكاملة فيها لأنها لم تقم بالإجراءات الوقائية المفروضة عليها من خلال التزاماتها الدولية.
المسؤولية الاجتماعية
إن الذهنية الاجتماعية السائدة داخل المجتمع مبنية على الإقصاء ونبد فئات اجتماعية ذنبها الوحيد أنها وجدت نفسها عرضة لأزمات اجتماعية واقتصادية وثقافية سائدة حولتها لكائنات لم ترقى بعد إلى مقام إنساني، فأصبحت عرضة للتهميش والتشرد وسوقا نشطة لتجار المحذرات والمواد الكحولية وغيها من المواد السامة وضحية لسلوكها العدواني حولها إلى كائنات منبوذة اجتماعيا، والمجتمع في تعامله مع هذه الفئة يعيد نفس علاقات السيطرة والقمع بشتى أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي يتعرض لها من قبل الدولة ، أو من قبل الطبقة الاجتماعية المسيطرة على جهاز الدولة باعتبارها تعبر عن مصالحها ، ونعود من جديد إلى مسؤولية الدولة في ترسيخ هكذا علاقات متسمة:
– بتربية الأجيال على منطق الخنوع أو ثقافة العبودية عبر مؤسساتنا التعليمية والإدارية، ينتج عنها حالات من المسلكيات العدوانية والتي لا تستحضر قيم التسامح والتعايش والاختلاف وطرق تدبيره داخل المجتمع وضعف حاد لبرامج التربية على حقوق الإنسان في مؤسساتها التعليمية والإدارية بما فيها المؤسسات الأمنية والسجنية .
– نظام اقتصادي لا يكرس المساواة في توزيع ثروات وخيرات المواطنين فيما بينهم ، وهو ما يؤدي إلى تكريس علاقات اجتماعية مبنية على التفاوت الطبقي الصارخ، والذي تنتج عنه ظواهر وسلوكات اجتماعية تهدد تمتع المواطنين بكافة حقوقهم وخاصة الأساسية منها.
– فضاء سياسي مغلق لا يسمح بتطوير البرامج السياسية التنموية مما يؤثر سلبا على حقوق المواطنين.
في دولة لا تحترم التزاماتها ومواطنيها لا يمكن إلا أن نجد مثل هذه الحالات تتعدد وتتكرر في كل ربوع الوطن، وأن تكريس دولة الحق والقانون واحترام حقوق الإنسان، لن يتم إلا في إطار نظام يجسد هذه الحقوق بكل أبعادها، حتى يتسنى للمواطن أن يحس بقيمته الإنسانية عبر تمتعه بكافة حقوقه .
عبد الله أسبري
مكتب ابن جبير