16/4/2008

يعرب مركز سواسية لحقوق الإنسان ومناهضة التمييز عن إدانته الكاملة لاستعمال الوسائل القانونية عموما والقضاء الاستثنائي على وجه التحديد ضد المعارضة الإسلامية السلمية والتي كان آخرها الأحكام العسكرية القاسية تجاه مجموعة من قيادات جماعة الإخوان المسلمين، الثلاثاء 15 أبريل 2008، والتي تؤكد أن النظام السياسي بعد أن تمادى في سياسة القمع أصبح أكثر شراسة في اضطهاد الإصلاحيين الإسلاميين.

ووفقا لأعمال المراقبة للإجراءات وجلسات المحكمة العسكرية التي تابعها المركز منذ اللحظة الأولى للقبض على المحاكمين فإنه لا يمكن القول أن هذه المحاكمة كانت عادلة على الإطلاق نظرا لأنهم حرموا من المحاكمة أمام قاضيهم الطبيعي من جهة ولأن إجراءاتها كلها لم تسترشد بضمانات المحاكمة العادلة التي وضعها ديننا الحنيف والمواثيق الدولية وخصوصا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية من جهة ثانية، وأن سلطة قضائية مستقلة ومحايدة لم تقم بالنظر في القضية أو تنفذ هذه الضمانات من جهة ثالثة، وأن الطريقة التي تمت بها إصدار الأحكام وطبيعة هذه الأحكام نفسها تؤكد على الطابع السياسي للقضية حيث أنها تعكس رغبة النظام السياسي في إضعاف أكبر قوة معارضة في البلاد.

إن اللجوء إلى القضاء العسكري لاستصدار الأحكام المرغوب فيها يعكس السير في اتجاه معاكس للالتزامات بالإصلاح السياسي من خلال العمل على تجديد آليات الاحتواء وتحديث أدوات العنف وابتكار سياسات إقصاء المعارضين معنويًا وماديًا وإجبارهم على الانسحاب من الحياة العامة أو دفعهم إلى الانشقاق.

ومن المفارقة أن المتهمين في قضية (هايدلينا) قد حصلوا على حكم بالبراءة من القضاء العادي – رغم أن تحقيقات النيابة كشفت عن وجود عيوبٍ فنيةٍ وميكروبات في أكياس الدم الموردة إلى وزارة الصحة؛ فضلا عن شبهات فساد في إرساء العطاءات لشركة هايدلينا – وذلك في نفس اليوم الذي شهد تلك الأحكام القاسية والظالمة على أصحاب رأي لم يكن لهم أي علاقة بالفساد وإنما ناضلوا من أجل تحقيق العدل والإصلاح في بلادهم.

إن الأحكام التي صدرت في يوم واحد في كلا من القضية العسكرية وقضية هايدلينا يعكس حقيقة أن الدولة المتسلطة تترعرع فيها المصالح الشخصية البيروقراطية الطفيلية في ظل آليات الخصخصة والانفتاح التي تكرس الثروات في يد قلة من الأقوياء ولا تهتم بحقوق الغالبية من الفقراء.

ويعكس في ذات الوقت عقلية سلطوية لا ترى في السلطة سوى غنيمة حرب يحق لها أن تتمتع بها هي وأولادها ومن يحصلون على ثقتها، ولا تعتبر أنشطة المعارضة السياسية سوى خروجا عليها مما يستدعي تشويه منطلقاتها ومقاصدها واستهداف كوادرها من أجل نزع المشروعية عنها.

كما تؤكد القضية برمتها منذ أحداث القبض على هؤلاء الإصلاحيين وإحالتهم للقضاء العسكري بعد أن برأهم القضاء الطبيعي، والتعامل القمعي مع الإعلام والمتضامنين من المواطنين ومنظمات حقوق الإنسان على أن المرحلة الراهنة تأخذ عنوان هو: “الأمنوقراطية” والتي تشير إلى مرحلة تلعب فيها الأجهزة الأمنية والعقلية السياسية الأمنية دورًا في تعطيل قدرات الجماهير وقيادة مرحلة الإصلاح الذي يشكل انفراجًا مؤقتًا للاحتقان السياسي والاجتماعي والاقتصادي.. بما يعني استمرار المناورة واللهو في التاريخ.

وإذ يرى المركز أن مواجهة الأزمات وخصوصا أزمة الشرعية والأزمة التوزيعية تكون بالسعي إلى ميادين العدل، والعلم، والديمقراطية، وحقوق الإنسان وليس بانتهاج سياسات أمنية قمعية لتأسيس سلطة استبدادية أصبحت تشبه الثقب الأسود الذي يبتلع السلطات الأخرى وتحولت إدارته للمجتمع من الإدارة الفاسدة إلى الإدارة بالفساد!. فإنه يطالب النظام السياسي بالتخلي عن “منظومة الأوهام” التي يتعامل على أساسها مع جماعة الإخوان المسلمين حيث يبرر قمعها بمقولة مفادها: أنها جماعة غير ديمقراطية تسعى للحكم مما يعني تكرار السيناريوهين الجزائري أو الفلسطيني في مصر، ويدعو إلى القبول بالقيم الديمقراطية وأهمها: حكم القانون، تداول السلطة، توازن السلطات، التسامح السياسي والاجتماعي، تعددية سياسية تتطابق مع التعددية الاجتماعية القائمة.

وإذ يعتبر أن نقطة البدء في تحقيق الديمقراطية تكون بالتخلي عن منظومة الأوهام تلك وعدم التصديق على أحكام المحكمة العسكرية فإن المركز لا يرى أن إضعاف جماعة الإخوان المسلمين سيؤدي تلقائيا إلى تقوية التيارين الليبرالي واليساري في البلاد على اعتبار أن (الأمنوقراطية) تضغط على الجميع وتصيبهم بالجمود الفكري والحركي والضعف البنيوي.

ويجدد المركز مطالبة ممثلي القوى الرئيسية الأربعة في البلاد: الإسلامية والليبرالية واليسارية والقومية إلى: أولا: تشكيل تحالف أو ائتلاف لمواجهة استعمال الوسائل القانونية والقضائية ضد المعارضة على اعتبار أن ذلك يهدد استقلال السلطة القضائية ويجعل مصيرها مثل السلطة التشريعية. ثانيا: الحوار من أجل الاتفاق على جملة من الخطوط العريضة التي يمكن البناء عليها من أجل تحقيق الديمقراطية المنشودة.

وختاما.. فإن العدل وتعزيز حقوق الإنسان المصري يؤدي إلى إرساء الديمقراطية وتحقيق التنمية ويسمح للشعب المصري باسترجاع حريته وكرامته لأنه لا حرية ولا كرامة في ظل القمع والفساد.

القاهرة
10 ربيع الآخر 1429 هـــ
الموافق الأربعاء 16 ابريل 2008 مـ

للمزيد طالع أبواب الموقع:
http://www.sawasya.com