14/5/2008

تدعو المنظمات المصرية الموقعة على هذا البيان السلطات المصرية وأعضاء مجلس الشعب إلى وضع حد لحقبة الطوارئ الاستثنائية، التي تعيشها مصر على مدى سبعة وعشرين عاما متصلة، والامتناع عن تجديد حالة الطوارئ التي ينتهي العمل بها في 31 مايو الحالي، حتى لو كانت الحكومة لم تنته بعد من إعداد تشريع إضافي لمحاربة الإرهاب، سوف يتأسس على الدمج بين الصلاحيات الاستثنائية التي تتمتع بها السلطة التنفيذية في ظل قانون الطوارئ، والتعديلات سيئة السمعة التي أدخلت على قانون العقوبات والإجراءات الجنائية، بدعوى مكافحة الإرهاب، بموجب القانون رقم 97 لسنة 1992.

وتؤكد المنظمات المصرية رفضها المطلق لاستخدام فزّاعة الإرهاب، سواء لإضفاء نوع من المشروعية على تجديد العمل بقانون الطوارئ مرة أخرى، أو سن تشريع جديد لمكافحة الإرهاب، يحول حالة الطوارئ المؤقتة –نظريا على الأقل- إلى حالة أبدية.

وتشدد هذه المنظمات على أن استمرار حالة الطوارئ طيلة هذه الحقبة يتعارض مع قواعد القانون الدولي، التي أجازت فرض حالة الاستثناء لمواجهة خطر داهم تحددت عناصره في حالة الحرب أو التهديد بها، أو حالات الكوارث الطبيعية، كما أن الإبقاء على حالة الاستثناء بدعوى مكافحة الإرهاب، تفتقر منذ سنوات طويلة إلى أي سند موضوعي، وخاصة بعدما تراجعت -إلى حد بعيد- مخاطر النشاط الإرهابي وبعدما قطعت الجماعات الضالعة في هذه الجرائم أشواطا مهمة في مراجعة ونقد الأسانيد الفقهية التي استظلت بها جرائمها.

وتعيد المنظمات المصرية التأكيد على ما ذهبت إليه مرارا من أن مقتضيات التصدي لظواهر الإرهاب، أو حتى العنف السياسي والاجتماعي لا ينبغي أن توضع في تعارض مع مقتضيات حماية حقوق الإنسان، وأن مواجهة هذه الظواهر لن يتأتى عبر معالجات أمنية متشددة لا تقيم اعتبارا لحقوق الإنسان. بل يتطلب بالدرجة الأولى معالجات سياسية تنطلق من تشخيص موضوعي للمشكلات ذات الطابع السياسي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي، التي تفرز مثل هذه الظواهر. ومن ثم يظل درء مخاطر الإرهاب وأعمال العنف مرهونا بتوافر مناخ ديمقراطي، يؤمن فرصا حقيقية للتعبير وتبادل الآراء والأفكار بحرية تامة ويفسح مجالا لمشاركة مجتمعية فعلية في صنع السياسات.

وتحذر المنظمات الموقعة على هذا البيان من أن التشبث بحالة الاستثناء، سواء عبر قانون الطوارئ أو قانون مكافحة الإرهاب، يهيئ بيئة مواتية لتنامي ظواهر العنف والإرهاب، وخاصة إذا ما أخذ في الاعتبار أن المادة 179 التي جرى إقحامها في الدستور في العام الماضي قد مهدت الطريق لتوطيد أركان الدولة البوليسية، من خلال ما تتيحه للسلطة التنفيذية وأجهزتها الأمنية من صلاحيات استثنائية تبطل بموجبها الضمانات الدستورية، بمقتضى المواد 41، 44، 45 من الدستور التي تحمي حق المواطنين في الحرية والأمان الشخصي، وتحظر مداهمة وتفتيش منازلهم أو مراقبة رسائلهم أو التنصت على هواتفهم، من دون إذن قضائي مسبق، فضلا عما منحته المادة 179 من صلاحيات تجيز لرئيس الجمهورية بوصفه رئيسا للسلطة التنفيذية، حرمان المشتبه بهم والمتهمين في قضايا الإرهاب من المثول أمام قاضيهم الطبيعي، وإحالتهم إلى القضاء الاستثنائي، بما في ذلك القضاء العسكري، الذي يفتقر الماثلون أمامه للعديد من الضمانات القانونية والإجرائية، التي يشكل غيابها إخلالا فادحا بمعايير المحاكمة العادلة، وهو الأمر الذي يكتسي مزيدا من الخطورة إذا ما أخذ في عين الاعتبار طبيعة العقوبات المغلظة التي قد تطال المتهمين في هذه القضايا، والتي تصل إلى حد الإعدام. وإذا ما أخذ في الاعتبار أيضا أن التعريف المعتمد للإرهاب بموجب تعديلات مكافحة الإرهاب بالقانون 97 لسنة 1992، تعريف يمكن تأويله في أي وقت، للتنكيل بالخصوم السياسيين والمخالفين في الرأي.

وقد سبق أن حظيت هذه التعديلات بانتقادات عديدة من قبل الهيئات التعاهدية بالأمم المتحدة، التي عبرت في مناسبات عدة عن قلقها إزاء توظيف هذه التعديلات في مواجهة أشكال التعبير، وكذلك إزاء ما انطوت عليه هذه التعديلات من حرمان المشتبه بهم في قضايا الإرهاب من ذات الضمانات القانونية والإجرائية، التي يتمتع بها غيرهم خلال إجراءات القبض والتحقيق، الأمر الذي اقترن بشكل خاص بتزايد الشكوى من التعذيب في غياب هذه الضمانات.

وتشير المنظمات المصرية إلى ما دأبت عليه السلطات، في مناسبات عدة من توظيف قانون الطوارئ وتعديلات مكافحة الإرهاب في مواجهة حرية التعبير والتجمع السلمي.

كما تنوه المنظمات المصرية إلى أن المادة 179 من الدستور التي تشكل أساسا لتحصين قانون الإرهاب من الطعن في دستوريته، قد حظيت بانتقادات شديدة من مقرر الأمم المتحدة المعني بالإرهاب وحقوق الإنسان، بالنظر لما تنطوي عليه من مخالفات للالتزامات الدولية الواقعة على عاتق الحكومة بمقتضى تصديقها على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.

كما أن الصلاحيات الاستثنائية التي تتمتع بها السلطة التنفيذية بموجب قانون الطوارئ، وتعتزم التشبث بها في قانونها الإضافي لمكافحة الإرهاب كانت بدورها محلا لانتقادات واسعة النطاق من قبل مختلف الهيئات التعاهدية بالأمم المتحدة، وعلى الأخص اللجنة المعنية بحقوق الإنسان ولجنة مناهضة التعذيب.

وتحذر المنظمات المصرية الموقعة على هذا البيان، من أن الإبقاء على هذه الصلاحيات، سواء عبر تجديد حالة الطوارئ، أو عبر قانون جديد لمكافحة الإرهاب من شأنه الإجهاز بصورة نهائية على ما تبقى من مقومات الدولة القانونية، حيث أفضت سبعة وعشرون عاما متصلة من حالة الاستثناء إلى التآكل التدريجي لأسس الدولة القانونية، بفعل ما استحوذت عليه السلطة التنفيذية من صلاحيات استثنائية، لا تخضع للمراقبة البرلمانية والقضائية، وبفعل اللجوء المتزايد لاغتصاب ولاية القضاء الطبيعي، وسلب اختصاصاته لصالح القضاء الاستثنائي، وإهدار حجية الأحكام القضائية، بما في ذلك تلك التي تصدرها محاكم الطوارئ الاستثنائية؛ وهو الأمر الذي أطلق يد أجهزة الأمن في ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك الحقوق التي يحظر القانون الدولي واتفاقيات حقوق الإنسان المساس بها، حتى في ظل حالات الطوارئ الاستثنائية، وعلى الأخص الحق في الحياة والحق في سلامة الجسد والحماية من التعذيب.

كما تحذر المنظمات الموقعة من أن إصرار الدولة على الإبقاء على مشروع قانون مكافحة الإرهاب الجديد طي الكتمان، رغم تأكيد لجنة الصياغة الحكومية على الانتهاء منه منذ بضعة أشهر ورغم الوعود الحكومية المتكررة بشأن طرح المشروع على مؤسسات المجتمع المدني لمناقشته والتعقيب عليه، كلها شواهد تؤكد على صدق مخاوف المنظمات الحقوقية من أن المشروع الجديد لا يتضمن الحد الأدنى من ضمانات حماية الحقوق والحريات الأساسية، وهو ما يدعم موقف المنظمات الموقعة الرافض للقانون الجديد ويزيد من عزمهم على التصدي له بكافة السبل السلمية.

ولذلك فإن المنظمات المصرية تدعو في هذا الإطار إلى تضافر وتناغم جهود مختلف القوى والتيارات المتطلعة للديمقراطية ولتعزيز حقوق الإنسان، من أجل وضع حد نهائي لحقبة الطوارئ والحيلولة دون تحويل الطوارئ الاستثنائية إلى حالة أبدية باسم مكافحة الإرهاب.

كما تدعو أجهزة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان والمنظمات الدولية، للبحث في التدابير المناسبة لحفز السلطات المصرية على إحداث قطيعة نهائية مع حقبة الطوارئ، وعلى إجراء مراجعة جادة لمختلف التشريعات المعادية لحقوق الإنسان، بما في ذلك القانون 97 لسنة 1992 الخاص بمكافحة الإرهاب.

المنظمات الموقعة على البيان:

  1. جماعة تنمية الديمقراطية
  2. جمعية المساعدة القانونية لحقوق الإنسان
  3. الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية
  4. جمعية حقوق الإنسان لمساعدة السجناء
  5. دار الخدمات النقابية والعمالية
  6. الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان
  7. مؤسسة المرأة الجديدة
  8. المبادرة المصرية للحقوق الشخصية
  9. مركز الأرض لحقوق الإنسان
  10. مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
  11. مركز النديم للعلاج والتأهيل النفسي لضحايا العنف
  12. مركز أندلس لدراسات التسامح و مناهضة العنف
  13. مركز هشام مبارك للقانون
  14. المنظمة العربية للإصلاح الجنائي