18/3/2009
أكد مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان أن سياسات الإقصاء التي لا تقيم اعتبارا لسمات التنوع والتعددية العرقية والدينية والمذهبية في العالم العربي ظلت مدخلا يكرس حالة الاحتراب الأهلي والصراعات المسلحة التي تحصد حياة الآلاف من المدنيين في العراق والسودان واليمن، وتنذر بتزايد وتائر القمع الممنهج على أساس مذهبي في البحرين والمملكة السعودية، أو على أساس عرقي في سوريا. وفي مصر ظل النوبيون هدفا لمظاهر شتى من التهميش، فيما تتواصل الضغوط على الحريات الدينية بصفة عامة ومظاهر التمييز بحق الأقليات الدينية داخل مصر.
جاء ذلك من خلال مداخلتين تقدم بهما مركز القاهرة أمام مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في دور انعقاده العاشر في الفترة من 2- 27 مارس 2009. وقد ركزت المداخلة الأولى على مؤشرات تدهور وضعية حقوق الأقليات في العالم العربي، في حين ركزت المداخلة الثانية –بشكل مشترك مع “المبادرة المصرية للحقوق الشخصية- على الضغوط التي تتعرض لها الحريات الدينية في مصر.
وأكد مركز القاهرة أن الإفلات من العقاب على الانتهاكات المرتكبة بحق الأقليات في العالم العربي، قد فاقم من هذه الانتهاكات، وزاد من حدة الصراعات والتوترات ذات الطابع العرقي أو الديني أو الطائفي. كما فاقم من ذلك الدور المتزايد لبعض الأطراف الإقليمية مثل إيران في توظيف هذه التوترات لتحقيق أهداف سياسية.
وأضاف المركز أن الأقليات العرقية في إقليم دارفور كانت وما تزال هدفا لانتهاكات واسعة النطاق من قبل القوات الحكومية والميليشيات التي تدعمها الحكومة، مشيرا إلى أن السلطات السودانية قد واصلت هذه الانتهاكات. وأجبرت الآلاف على النزوح من قراهم رغما عن صدور مذكرة الدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في يوليو الماضي، والتي طالب فيها بتوقيف الرئيس السوداني باعتباره مسئولا عن العديد من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في دارفور.
ورصد مركز القاهرة تعرض الأقلية اليزيدية التي تدين بالمذهب الشيعي لانتهاكات واسعة النطاق عبر أربع سنوات من الحرب ضد جماعة الحوثيين في إقليم صعدة شمال اليمن، وشدد على ضرورة إيفاد بعثة دولية للتحقيق في الانتهاكات المرتكبة خلال هذه الحرب.
وأضاف مركز القاهرة أن الأقليات العرقية والدينية في العراق تظل هدفا لهجمات الجماعات المسلحة المنتمية للمذهب الشيعي أو السني، ورصد في هذا السياق استهداف الأقلية اليزيدية والمسيحيين من قبل الُسنّة، واستمرار أعمال القتل على أسس دينية أو مذهبية.
ورغم أن الشيعة يشكلون غالبية السكان في البحرين فقد رصد مركز القاهرة في مداخلته مظاهر شتى للتميز ضدهم تقود إلى حرمانهم من تقلد الوظائف العليا أو الالتحاق بالجيش، فضلا عن التلاعب بالتركيبة السكانية من خلال استقدام الأجانب وتجنسيهم. وأضاف المركز إلى أن التمييز المنهجي ضد الشيعة يقترن كذلك بتزايد وتائر القمع التي شملت تعريض نشطائهم للاعتقال والتعذيب واستخدام القوة المفرطة في إجهاض احتفالاتهم بالمناسبات الدينية.
وأكد المركز خضوع الشيعة في المملكة السعودية لمظاهر شتى من التمييز المنهجي، حيث لا يعترف بشهادة المواطن الشيعي أمام المحاكم، ويسود خطاب تكفيري للشيعة تتبناه قيادات دينية رسمية وغير رسمية، فضلا عن الشرطة الدينية، ممثلة في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما يستثني الشيعة من تقلد المناصب العليا في الدولة والوظائف العسكرية والأمنية.
وفي سوريا فإن الأكراد ظلوا هدفا للقمع والتمييز ضدهم الذي جرى تقنينه على مدار عقود من سحب الجنسية لنحو 300 ألف كردي، ومنعهم من التعبير عن هويتهم وحقهم في استخدام لغتهم. وأوضح مركز القاهرة أن الحرمان من الجنسية قد رتب بدوره حرمانا واسعا من لعديد من الحقوق الأساسية، بما في ذلك الحق في الملكية والعمل والسفر وتسجيل عقود الزواج وشهادات الميلاد، فضلا عن المشاركة في الانتخابات. وأكد المركز أن محاولات الأكراد السوريين لنيل حقوقهم اقترنت بقمع أنشطتهم السلمية وتقديم العديد من نشطائهم لمحاكمات تفتقر إلى معايير العدالة.
ولفتت مداخلة مركز القاهرة النظر إلى مشكلات النوبيين في مصر، مشيرة إلى أنهم قد أجبروا عبر حقبة تاريخية امتدت منذ بدايات القرن العشرين، وحتى الستينيات من هذا القرن على ترك قراهم، وحرمانهم منذ ذلك الوقت من حقهم في العودة إليها، مثلما حرموا من الحصول على التعويض الملائم جراء الإخلاء القسري من موطنهم الأصلي، وما اقترن بذلك من صعوبات في العيش وتلقى التعليم وتدني فرص العمل.
وأشار البيان إلى تزايد وتائر العنف الطائفي في مصر، مشيرا في هذا الصدد إلى تقاعس الدولة عن معالجة الأسباب الحقيقية لهذا النمط من العنف، فضلا عن عجزها عن تحقيق العدالة لضحايا العنف الطائفي، وتكريس الإفلات من العقاب للضالعين في هذه الأعمال.
ولاحظ البيان أن تقاعس الدولة في تبني مشروع قانون موحد لبناء دور العبادة، يسهم في تأجيج العنف المجتمعي ضد الأقباط، في الوقت الذي تظل فيه القيود القانونية والضغوط على الحريات الدينية تمارس تأثيرها، ليس فقط تجاه من يدينون بديانات مغايرة للإسلام، بل أيضا في مواجهة بعض التيارات أو المذاهب داخل الإسلام ذاته. وأشار المركز في هذا الصدد إلى توظيف قانون الطوارئ ومواد قانون العقوبات المتصلة بـ “ازدراء الأديان” في ملاحقة جماعة القرآنيين الذين يؤمنون بأن القرآن هو المصدر الوحيد للفقه الإسلامي.
وأضاف البيان أنه رغم صدور أحكام قضائية تتيح لمعتنقي البهائية الحصول على الأوراق الثبوتية من دون أن يذكر فيها الانتماء الديني، فإن هذه الأحكام لم تجد طريقها للتنفيذ الفعلي؛ ومن ثم يظل البهائيون نتيجة لذلك محرومين عمليا من العديد من حقوق المواطنة، ويكابدون صعوبات شديدة في إلحاق أبنائهم بمؤسسات التعليم، أو تسجيل المواليد أو الحصول على وظائف.. الخ.
كما واجه الأشخاص الذين تحولوا من الإسلام للمسيحية أو الذين عادوا للمسيحية بعد تحولهم للإسلام مشكلات مماثلة في التحصل على أوراق ثبوتية تثبت ديانتهم الفعلية.