6/4/2009
يعد القضاء آلية آساسية لحماية الحقوق والحريات. ويعتبر القضاء المستقل الكفء والنزيه إحدى أعمدة دولة الحق والقانون.
إن العدالة في المغرب، والتي كشفت مذكرة الجمعيات العشر جوانب نقص كبيرة بشأنها، تعد عرقلة حقيقية أمام تكافؤ الفرص بين المتقاضين، وهي غير قادرة بتاتا على جعل القضاء أداة إنصاف بالنسبة لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان ولتعسف السلطات.
لقد اعتبر القضاء في تاريخ المغرب الحديث متورطا إلى حد كبير في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، واستخدم من طرف الدولة لشرعنة تلك الانتهاكات وتبييضها.
إن هذا الدور المشين، مازال القضاء المغربي يقوم به في العديد من المحاكمات ذات طابع سياسي، أو تتعلق بقضايا المخدرات أو نهب المال العام وفي العديد من الملفات التي أصبحت معروفة بالمس بالمقدسات سواء التي تتابع فيها الصحافة أو المناضلين أو المواطنين بهدف الترهيب أو تصفية الحسابات.
إن القضاء المغربي مسؤول كذلك وإلى حد كبير على استمرار الإفلات من العقاب في العديد من الانتهاكات المرتبطة بالقمع السياسي وبالفساد الاقتصادي والناجمة عن الخرق المعمم لقوانين الشغل.
إن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ومنذ بداية عملها كان من بين هواجسها إعمال المعايير الدولية على مستوى القوانين المنظمة للقضاء بما يضمن استقلالية القضاء والمنظومة القضائية.
ذلك أن هناك مسؤولية متقاسمة بين القاضي كفرد له مسؤولية ذاتية وجهاز القضاء ككل، الذي تتحكم فيه القوانين المنظمة له، وعلى رأسها الدستور.
وقد أكد المؤتمر الوطني الأخير للجمعية المغربية لحقوق الإنسان على استيائه لاستمرار مظاهر الفساد الذي ينخر هذا الجسم من خلال دوره في تصفية حسابات السلطة مع عدد من المنابر الصحافية ومن خلال الحكم المفجع بالتوقيف أو التشطيب ضد محامي تطوان الخمسة أصحاب “رسالة إلى التاريخ”.
وطالب المؤتمر باتخاذ التدابير الدستورية والتشريعية والإجرائية لإقرار القضاء كسلطة مستقلة ولتطهيره من الفساد وضمان استقلاليته ونزاهته وكفاءته وتنفيذ جميع أحكامه بما فيها تلك الصادرة ضد الدولة والإدارات والمؤسسات العمومية والجماعات المحلية وضد ذوي النفوذ، وضمان حق المواطن(ة) في التقاضي والمحاكمة العادلة والمساواة أمام القضاء، مما يفرض بالخصوص إلغاء المحاكم الاستثنائية المتبقية وتوحيد القضاء وملاءمة التشريع المحلي مع التزامات المغرب الدولية.
كما طالب المؤتمر بتمكين القضاء من الحق في التنظيم المستقل ومن الحق النقابي ــ بما يعزز الدفاع عن مبدأ استقلالية القضاء ــ انسجاما مع مقتضيات اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 87 حول الحريات النقابية.
وفي الجمعية المغربية لحقوق الإنسان نعتبر أيضا أن أي إصلاح فعلي للقضاء لا يمكن أن يتم إلا برفع مكانته في الدستور إلى درجة سلطة مستقلة حتى لا يظل مجرد جهاز تحت وصاية السلطة التنفيذية. إضافة أن هذا يتطلب بالضرورة وضع دستور ديمقراطي في كل مضامينه، وفي طريقة بلورته، وأشكال التصديق عليه، بما يقر فصلا حقيقيا للسلط بما فيها الفصل بين الدين والدولة وأيضا الإقرار بسمو الاتفاقيات الدولية على القانون المحلي.
لقد شهد المغرب عددا كبيرا من الندوات والدراسات حول إصلاح القضاء، توصلت إلى العديد من التوصيات، من ضمن هذه الندوات تلك المنظمة من الجهات الرسمية، أو من طرف المجتمع المدني أو غيرها من الجهات. إلا أن ذلك لم يعط النتائج المرجوة، وبقي القضاء في المغرب يتسم بالعيوب الكثيرة التي أثيرت سابقا.
إن أهمية تشخيص وضعية القضاء من طرف الجمعيات المشاركة في بلورة هذه المذكرة، بما فيه تشخيص العراقيل الدستورية لاستقلالية القضاء، مسألة إيجابية، وهو ما سيضع التحرك من أجل الاستجابة للتوصيات والمطالب المتضمنة جزء من التحرك المطلوب لإقرار دستور ديمقراطي.
إن المرحلة المقبلة هي المرحلة الأساسية في عملنا بما تتطلبه مرافعتنا من أجل هذه المذكرة من آليات فعالة ودقيقة، تمكن من حشد تأييد واسع لها، مما يستوجب التدقيق في التحالفات الأساسية، والجهات الداعمة فعلا لهذا المشروع والتعريف به إلى أبعد الحدود. فإصلاح القضاء مشروع مجتمعي كبير ينبني على تعبئة قوية لكل الفعاليات المهتمة، وأيضا ذات المصلحة في تغيير الوضع للقضاء.
ولا يفوتني في الآخير أن أنوه بالعمل المشترك بين الجمعيات العشرة بالنتيجة الإيجابية التي وصلنا إليها مما يبرز أن وحدة العمل في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان قادرة على السير ببلادنا نحو تحقيق مكاسب مهمة في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان.
الجمعية المغربية لحقوق الإنسان