1 نوفمبر 2004

 

اعتمد المؤتمر العام لليونسكو فى دورته الثامنة و العشرين يوم 16 نوفمبر يوما عالميا للتسامح. ومع أن العالم يهتم بالاحتفال بهذه المناسبة، فإن نصيب منطقتنا من الاهتمام بهذه المناسبة قليل، مع أن كثيرا من مشاكل المنطقة العربية و الشرق الأوسط ترجع إلى تجاهل و تجاهل التسامح كقيمه ضرورية للأفراد والمجتمعات في القرن الواحد العشرين.

فالتسامح ليس مرادفا للتنازل أو للتهاون، على العكس فإنه يعني اتخاذ موقف إيجابي للإقرار بحق كل البشر في الحياة وفي الاختلاف. فالتسامح هو القيمة التي تمثل عماد حقوق الإنسان والتعددية و الديموقراطية وحكم القانون، بما يتطلبه من نبذ التحيز والتعصب والدوجمائية والاستبداد .

والتسامح لا يعنى تقبل الظلم الاجتماعى و لا الخنوع و الخضوع السياسي، كما لا يعني تخلي المرء عن معتقداته, بل يعني حق المرء في التمسك بعقيدته، والتزام المجتمع بضمان هذا الحق، باعتباره حق مشتركا لجميع الأفراد يمارسونه بشكل عادل ومتساو وبلا تمييز. فالتسامح بما ينطوي عليه من مساواة وحقوق متساوية لكل البشر، بغض النظر عن لونهم أو معتقدهم أو نوعهم، يمثل الأساس العقلاني الممكن لتقدم واستقرار وسلام المجتمع الحديث، بكل ما فيه من تنوع.

ويبين النظر إلي الواقع المصري الراهن أن مجتمعنا به مظاهر يصعب إنكارها للتعصب، وتضعف فيه تقاليد وثقافة الحوار الديموقراطي، كما تنتشر فيه الأفكار الأحادية غير المتسامحة التي يدعي أنصارها امتلاكهم للحقيقة دون سواهم، الأمر الذي يضع عقبة صلبة في وجه جهود الإصلاح، رغم كثرة المبادرين به والمتحمسين له.

أما الحال في منطقتنا العربية فإنه بالتأكيد ليس أفضل حالا، ولعل في التطورات الجارية في السودان بجنوبه وغربه دليلا على ذلك، حيث أدت سوءات التحيز العرقي والقبلي، وتجاهل حقوق الإنسان بشكل عام إلى تفجر العنف، و إخراج القضية من حيز الحل الوطني إلي ساحة التدخل الدولي الواسعة.

فالأختلاف في العرق أو الدين أو اللغة أو الجنس أو في المعتقد السياسي أو الطبقة الأجتماعية لا يجب أن يمنعنا من العيش معا في عالم واحد يجب أن يكون محلا لسعادتنا المشتركة، وهي السعادة التي لن تتحقق إلا إذا توفر القدر الكافي من التسامح بين البشر المختلفين بطبيعتهم التي خلقهم الله عليها.

ومركز أندلس إذ يدعوكم للاحتفاء باليوم العالمي للتسامح، فإنه يدعو معكم كل القوي الفاعلة في المجتمع للعمل معا على إعلاء شأن قيمة التسامح في حياتنا الثقافية والاجتماعية والسياسية من أجل مستقبل أفضل لنا وللأجيال القادمة.