مايو 2004

خابت كل التوقعات في أن يتحمل النظام العربي مسئولياته ولو مرة واحدة تجاه التحديات والمخاطر التي تواجه العالم العربي، وفي أن يرقي النظام العربي إلى مستوى التطلعات والطموحات المشروعة للشعوب في هذه المنطقة، ذلك ما يمكن أن تقدمه لنا وثائق القمة العربية التي أنهت بالأمس أعمالها في تونس.

فعلى صعيد الموقف من القضية الفلسطينية اكتفت القمة العربية كالمعتاد بالإدانة والشجب للجرائم الإسرائيلية ومطالبة المجتمع الدولي بإلزام إسرائيل بقرارات الشرعية الدولية، سواء فيما يتعلق بالانسحاب من الأراضي المحتلة أو حق العودة أو إقامة الدولة الفلسطينية أو توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، وجاءت الوثائق الختامية خالية من أية التزامات تضعها الحكومات العربية على عاتقها من أجل ترجمة هذه الأمنيات على أرض الواقع. ولم توضح الكيفية التي سيتمكن عبرها النظام العربي من التأثير على المجتمع الدولي لوضع هذه المطالب موضع التنفيذ، وخاصة إذا ما أخذ في الاعتبار التسليم الكامل من جانب الولايات المتحدة لكل مخططات شارون والتغاضي المطلق عن كل جرائم الاحتلال.

ورغما عن الإدانات اللفظية شديدة اللهجة للجرائم المذرية المرتكبة بحق المعتقلين والأسرى العراقيين، فإن القمة التي طالبت بمحاكمة مرتكبي هذه الجرائم لم تكلف نفسها، ولو حتى بمناقشة مدى التعارض بين هذا المطالب والاتفاقات الثنائية التي أبرمتها عدة حكومات عربية مع الإدارة الأمريكية وبموجبها فإن هذه الحكومات لا تتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية إذا تعلق الأمر بملاحقة أو تسليم جنود أو مسئولين أمريكيين متهمين بارتكاب جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية.

أما فيما يتعلق بقضايا الإصلاح الداخلي والإقليمي وما أخذت تروجه الحكومات العربية طوال الشهور الأخيرة حول مبادرات عربية للإصلاح على المستوى الإقليمي، بما في ذلك إصلاح جامعة الدول العربية على أسس ديمقراطية، وفي إطار من الانفتاح على المجتمع المدني ومنظماته، والاسطوانات الممسوخة حول رفض دعاوى الإصلاح من الخارج والتأكيد على خطط سيتم اعتمادها من أجل الإصلاح الديمقراطي في البلدان العربية، فإن ما انتهت إليه القمة من نتائج مخيبة للتوقعات قد برهن بما لا يدع مجالا للشك إرار النظم العربية على أساليب المراوغة والمماطلة للتحايل على مطالب الإصلاح، سواء كانت نابعة من الداخل، أو حتى في إطار بعض المبادرات الخارجية قد تجد جانبا من دوافعها في الربط بين غياب الديمقراطية في العالم العربي وتنامي ظواهر التطرف والإرهاب إلى الحد الذي بات يمثل تهديدا فعليا لمصالح الدول الكبرى.

الإصلاح على المستوى الإقليمي اختزل في النهاية إلى اعتماد الميثاق العربي لحقوق الإنسان من دون الأخذ بالعديد من المقترحات التي سبق أن تقدمت بها المنظمات الدولية ولجنة الخبراء بالمفوضية السامية لحقوق الإنسان، فضلا عن المنظمات العربية التي شاركت في أعمال المنتدى المدني الذي نظمه مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان في بيروت في مارس الماضي. واختزلت القمة في نهاية المطاف كل تطلعات الإصلاح داخل البلدان العربية إلى بضعة عبارات إنشائية لا تلزم أحدا، وبدلا من أن تتبنى القمة العربية أو حتى تتعهد قياداتها بتبني خططا محددة الأهداف ومربوطة بتوقيتات زمنية محددة لإنجاز برنامج شامل للإصلاح في البلدان العربية، فقد رهنت القمة العربية التقدم في عملية الإصلاح بتحرير فلسطين والعراق، وكأن تمتع الشعوب في العالم العربي بالحقوق والحريات الأساسية يمثل عائقا أمام الخلاص من الاحتلال، بل وفي تجاهل فظ لأن الاحتلال لم يترسخ إلا في ظل أنظمة استبدادية أخرجت الشعوب من حساباتها لأمد طويل.

إن مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان إذ يأسف لأن القمة العربية لم ترق إلى مستوى التحديات التي يواجهها العالم العربي، ينوه إلى أنه قد بدأ في إجراء مشاورات مكثفة مع العديد من المنظمات الحقوقية والمدنية في العالم العربي لبلورة رؤية مشتركة تجاه ما آلت إليه القمة من نتائج مخيبة للآمال لكل المتطلعين إلى إحداث إصلاح حقيقي في بلادنا. وسوف يتاح للرأي العام الاطلاع على الموقف المشترك لهذه المنظمات خلال أيام قلائل.