يونيو 2004
اغتصاب .. هتك عرض للرجال والنساء.. تلذذ واستمتاع بتصوير المعتقلين عرايا وفي أوضاع شاذة يبدون من خلالها وكأنهم يمارسون الجنس بصورة جماعية. تعريض المعتقلين للكلاب البوليسية الجائعة والتبول على أجسادهم.. إجبار المعتقلين من الرجال على الاستمناء أمام المجندات والتعدي عليهم بالركل والضرب المبرح في حال الامتناع عن ذلك.
تلك عينة من ممارسات التعذيب التي كشف عنها معتقلون عراقيون في سجن أبو غريب، وعززتها اعترافات شهود من جنود الاحتلال الأمريكي في العراق.
وقد يكون من السهل أن نصل إلى استنتاج مفاده أن هذه الممارسات تعبر عن سياسة مدروسة يتقن أصحابها كيف يهينون العرب وكرامتهم، وقد يكون من السهل أيضا اعتبار هذه الممارسات تجسيدا للصلف العنصري الذي يحكم سلوك الغزاة في أي عصر ومكان.
وقد يصل الأمر حد أن يعتبر البعض أن هذه الممارسات، ليست إلا جزءا من الحرب الصليبية التي تقودها الولايات المتحدة على الإسلام.
ولكن ماذا نقول مع مشاهد أخرى يرويها ضحايا آخرون؟… تروي واحدة من ضحايا التعذيب توسلاتها لمن قاموا بتعذيبها “قلت لهم موتوني.. اخلعوا ضوافري.. عذبوني زي ما انتم عايزين بس ما تقلعونيش الجلابية.. أنا جوزي عمره ماشافني عريانة”، لكن هذه التوسلات لم تجد شيئا… تضيف الضحية: “ثلاث أيام مفيش نوم.. مرتين ثلاثة في اليوم يقلعوني عريانة.. قلعوني كذا مرة، وناموا فوقي، والضابط…… كان بيمسكني من حتت من جسمي” تلك كانت بعضا من كلمات الضحية التي قد يشكل نشر شهادتها كاملة من وجهة نظر البعض جريمة منافية للآداب العامة ولقيم المجتمع. والواقعة المشينة لم تحدث على أيدي قوات الاحتلال في أي من السجون العراقية، بل في أحد مراكز وأقسام الشرطة المصرية. وهى تمثل مجرد مشهد واحد من وقائع التعذيب لأسرة بأكملها –تضم 11 شخصا- على أيدي ضباط وأمناء شرطة قسم شرطة حلوان. وقد شمل التعذيب –حسب شهادة أفراد الأسرة تعليق الرجال والتعرية الكاملة للنساء مع التحرش وهتك العرض الذي يكاد يصل إلى حد الاغتصاب الفعلي، وفي السياق ذاته تضيف واحدة من هؤلاء الضحايا: “ولاد اخويا مش بس شافوا أبوهم متعلق.. لأ دول كمان شافوني وشافوا أمهم ملط ونايم عليها واحد واخويا شاف المنظر ده بنفسه” وتضيف “الضابط قاللي حاعملك قضية دعارة. وهددني أنه ينزلني للمساجين يغتصبوني.. بنت أختي قالت لي أنه في قسم مايو واحد من اللي كانوا بيعذبوها قلع لها ملط وجاب الأمناء قلعوها وضربوها”.
منذ أوائل التسعينيات نبهت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان إلى بروز مؤشرات تكشف عن أن التحرش الجنسي قد بات من الأساليب المعتمدة في التعذيب في أقسام الشرطة على وجه الخصوص، لكن الواضح، وكما يؤكد مركز النديم للعلاج والتأهيل النفسي لضحايا العنف والتعذيب، أن تفشي التعذيب الجنسي للنساء في أماكن الاحتجاز بات يشكل تطورا نوعيا خطيرا في ممارسات التعذيب خلال السنوات العشر الأخيرة. لا يقف الأمر عند واقعة قسم حلوان التي وثقها مركز النديم، فالتقرير الجسور الذي أصدره “النديم” مؤخرا تحت عنوان “أيام التعذيب: خبرات نساء في أقسام الشرطة” يتضمن حالات أخرى قد تختلف فيها الأسماء، وقد يتغير فيها مسرح الجريمة، لكن المشهد متكرر في الإسكندرية، ولاظوغلي، ومديريات للأمن، وفي الزاوية الحمراء والبساتين وبلقاس .. والشهادات واحدة، أقدمت على الإدلاء بها نساء ملكن من الشجاعة القدر الكافي لكي يتحدثن عما تعرضن لها.
يقول مركز النديم في تقديمه لتقريره الشجاع .. “إنها كلمات مكتوبة بالألم والعذاب.. فلنعطها ما تستحق من احترام واهتمام”.
لكننا نبادر بالاعتذار للنديم وللضحايا الذين يتعين عليهم أن يكتموا آلامهم وعذاباتهم ربما للأبد، ليس مطلوبا تشتيت الأذهان، وصرف الأنظار عما فعله الأوغاد بالعراقيات.. والجميع شمر سواعده.. بما في ذلك الحزب الحاكم وبرلمانه الوطني وأدانوا بأكثر العبارات قوة جرائم التعذيب على أيدي الأمريكان!!.
رصد أحدث تقارير المنظمة المصرية لحقوق الإنسان في مايو 2004، 15 حالة وفاة داخل أقسام الشرطة خلال الفترة من أبريل 2003- أبريل 2004. يرجح حدوثها نتيجة تفشي ممارسات التعذيب وسوء المعاملة. وأكد التقرير أن غياب المحاسبة والردع الكافي لمرتكبي جريمة التعذيب قد أدى إلى ترسيخ مناخ يشعر فيه الجناة أنهم بمنأى من العقاب على جرائمهم التي تندرج ضمن الجرائم ضد الإنسانية وفقا للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
تضمن التقرير 41 حالة نموذجية للتعذيب داخل أقسام الشرطة وأشارت المنظمة إلى أن لديها مئات الحالات الأخرى التي تتوافر معلومات بشأنها، ولكن تعذر على ضحاياها وعلى المنظمة أن تقوم بتوثيقها على المستوى ذاته.
وأكد التقرير أن التعذيب على نطاق واسع للحصول على اعترافات أو معلومات قد أضحى وسيلة أساسية يعتمدها ضباط الشرطة في أعمال البحث عن المتهمين في الجرائم الجنائية أو السياسية. وأضاف التقرير أن حرمان ضحايا التعذيب من حقهم في الادعاء المباشر ومقاضاة من قاموا بتعذيبهم من جنود وضباط الشرطة قد أسهم في تفشي جرائم التعذيب وإفلات مرتكبيها من العقاب.
وشدد التقرير على أن استمرار حالة الطوارئ المعلنة منذ عام 1981 يشكل بيئة خصبة لانتشار التعذيب، ويوفر مزيدا من الضمانات الجنائية لمرتكبي جرائم التعذيب، وذلك في ظل السلطات الواسعة الممنوحة لأجهزة الأمن بموجب قانون الطوارئ.