26/5/2005
- مصر في حاجة إلى حوار مجتمعي شامل من أجل التوصل إلى عقد اجتماعي جديد
- الدستور الحالي ليس رئاسيا ولا برلمانيا، إنه يكرس نظاما أقرب للملكية الاستبدادية
- استطلاع رأي الأحزاب والنقابات والقضاة والمفكرون ومؤسسات المجتمع المدني حول مشروع دستور جديد يستند لمبادئ حقوق الإنسان
- الدستور الجديد يتبنى تحويل مصر إلى جمهورية برلمانية ديمقراطية مع استقلال كامل للسلطة القضائية ونظام حكم محلي لا مركزي
في ذكرى مرور نصف قرن على مشروع دستور 1954، وتحت عنوان “نحو دستور مصري جديد”، عقد مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ورشة عمل بالقاهرة في الفترة من 23-25 مايو 2005 بالتنسيق مع الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، والشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان، وبدعم من المفوضية الأوروبية والوكالة السويدية للتنمية الدولية، بمشاركة نخبة من خبراء القانون الدستوري وقضاة ومدافعون عن حقوق الإنسان، وأكاديميون وسياسيون، كما شارك في الورشة خبراء حقوقيين وأكاديميين من سوريا والمغرب والسودان وفلسطين والعراق وتونس. استهدفت الورشة فتح حوار حول القضايا الأساسية في عملية الإصلاح الدستوري التي تشكل واحدة من أهم مرتكزات التحول نحو الديمقراطية في مصر، وغيرها من الدول العربية، وتمثل نقطة الانطلاق في أي مشروع للإصلاح السياسي الشامل، وهو الأمر الذي تضمنته معظم مبادرات الإصلاح الجادة المقدمة من الفعاليات السياسية والمدنية المختلفة. كما اختبرت الورشة جدوى مشروع دستور 54 كنقطة انطلاق نحو دستور مصري جديد.أجمعت مداولات الورشة على أن الدستور الحالي صار عائقا أمام تطلعات الشعب المصري للتطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والروحي، وأنه رغم تبني الدستور الحالي لنمط مشوه من نظام الجمهورية الرئاسية، إلا أنه في واقع الأمر ساهم في تكريس نظام هو أقرب للملكية الاستبدادية. وأكدت المداولات أن مهمات وضع دستور جديد هى عملية استراتيجية بعيدة المدى تتطلب التوصل إلى عقد اجتماعي جديد وتوافق مجتمعي، لن يتما إلا بحوار واسع ومعمق بين التيارات والمشارب السياسية المتباينة دون إقصاء لأي طرف منها، والكفاح من أجل تغيير علاقات القوى السائدة، التي لا تسمح في واقع الأمر بأكثر من تعديلات جزئية مشوهة على نمط ما جرى للتعديل الأخير للمادة 76 من الدستور الحالي.
اتجهت مداولات الورشة إلى تفضيل خيار الجمهورية البرلمانية باعتباره الاختيار الأكثر واقعية. ونظرا للحاجة إلى إحداث قطيعة قوية مع التقاليد الاستبدادية للنظام الرئاسي في مصر، وتحويل النظام السياسي المصري من نظام يحتكر فيه رئيس الدولة معظم صلاحيات وسلطات الحكم إلى نظام برلماني يرتكز على سلطة تشريعية قوية، وسلطة تنفيذية مسئولة أمام نواب وممثلي الشعب وقضاء مستقل، كما أن النظام البرلماني يوفر ضمان لنضوج وتنمية نظام الدولة وتعزيز التعددية الحزبية. وقد اقترح بعض المشاركين إنشاء منبر خاص للدعوة لتحويل مصر إلى جمهورية برلمانية، وانضم إلى الاقتراح عدد كبير من المشاركين.
تطرقت الورشة إلى إشكالية العلاقة بين الدين والدولة في إطار عملية الإصلاح الدستوري، وقد شهدت تباينا في الآراء فهناك اتجاه يرى بأن النص على أن الإسلام دين الدولة وأن الشريعة مصدر التشريع يهدد الحياد الذي من المفترض أن يتسم به الدستور تجاه طوائف المجتمع، وينتقص من المواطنة ومبدأ المساواة بين المواطنين. ومع ذلك يتفق البعض من داخل هذا الاتجاه على أن تغيير المادة الثانية الخاصة بالنص على الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع في الدستور الحالي يبدو غير محتمل في المدى القريب والمتوسط، نظرا للضغوط الداخلية من المؤسسة الدينية الرسمية، وجماعة الإخوان المسلمين، وكتلة بارزة في الحزب الوطني، وعدم تحمس بعض أحزاب المعارضة لتغيير المادة، مما يحصر دائرة المطالبين بتغييرها في اليساريين والليبراليين ومنظمات حقوق الإنسان والأقباط.
أما الاتجاه الثاني فيرى أن النص على أن الإسلام دين الدولة، وأن الشريعة الإسلامية مصدر التشريع لا يتعارض مع تأسيس مجتمع ديمقراطي،ولا يصطدم مع حريات وحقوق الأفراد. وهناك رأي ثالث حاول التوفيق بين الاتجاهين السابقين، اقتراح أن ينص الدستور على أن الإسلام دين غالبية المصريين، مع احترام المشرع لحقوق الفئات الدينية الأخرى، في ممارسة شعائرهم الدينية، والتمتع بثقافاتهم الخاصة، وعدم التمييز ضدهم.
اقترح قسم كبير من المشاركين أن يتضمن أي إصلاح دستوري عملية توحيد القضاء بحيث يخضع لمحكمة عليا واحدة تختص بالرقابة على دستورية القوانينـ، ومراقبة صحة وسلامة تطبيق المحاكم للقانون، في النزاعات المدنية والجنائية والإدارية،وسائر المنازعات الأخرى بما في ذلك الفصل في الطعون الانتخابية.
مزايا دستور 54من ناحية أخرى تواكبت الورشة مع مرور 51 عاما على مشروع دستور 1954، والذي صاغه نخبة من الفقهاء الدستوريين والسياسيين، بناء على طلب مجلس قيادة الثورة حينذاك، ولكنه لم ير النور منذ ذلك الوقت.
اعتبرت الورشة أن مشروع دستور 1954 يمكن أن يمثل نقطة انطلاق لأي عملية إصلاح دستوري شامل فهو ينطوي علي رؤية متكاملة صاغها ممثلون للتيارات الفكرية والسياسية الرئيسية، التي لا تزال فاعلة حتى اليوم. ويتضمن الحدّ الأدنى لرؤية شاملة لقضية الإصلاح يمكن أن تحشد من حولها جبهة من الإصلاحيين المصريين، بعيدا عن التركيز علي الإصلاحات الدستورية الجزئية التي تستهدف ترقيع الدستور القائم.كما أن المشروع يعالج معظم العيوب والثغرات التي جاءت بها الدساتير التي حلّت محله، وأخرها الدستور القائم، وأدت إلي التشوهات الدستورية الراهنة، خاصة ما يتصل منها بالعلاقة بين السلطات، وبصورة أكثر تحديدا السلطات الكاسحة للسلطة التنفيذية التي أدت إلي هيمنتها علي الدولة والمجتمع.فضلا عن أن دستور 54 يضمن الحقوق والحريات الأساسية للمصريين، ويحيطها بسياج من الحماية، يحول دون إهدارها، أو التحايل للعصف بها. وأنه يتسم بدرجة عالية، من دقة الصياغة، علي نحو يكفل إنفاذ نصوصه، ويسد الباب أمام أية محاولة لتفسيرها علي غير ما قصد إليه المشرِّع الدستوري.
في هذا الإطار طرحت للنقاش مسودة الدستور التي أعدها الأستاذ صلاح عيسى المؤرخ والمفكر السياسي المعروف بالاستناد إلى مشروع دستور 1954، وقد رحب بها المشاركون/المشاركات، ودعوا إلى ضرورة البدء بعملية استطلاع رأي مختلف الجماعات السياسية والمدنية، والنقابات المهنية، في مسودة الوثيقة الدستورية المستوحاة من مشروع دستور 1954. ويمكن تحديد أهم الملامح الأساسية للمسودة المقترحة في التالي :
1- جمهورية برلمانية / ديمقراطية:
اعتمد المشروع نظام الجمهورية البرلمانية، فرئيس الدولة،لا يجمع بين رئاسته للدولة وبين رئاسته للسلطة التنفيذية، فهو يسود ولا يحكم،كما نص علي أن “يتولي رئيس الجمهورية سلطاته بواسطة الوزراء. ولأن الشعب، هو مصدر كل السلطات، فإن البرلمان ـ وهو يتكون من مجلسين واحد للنواب وآخر للشيوخ وينتخب انتخابا حرا مباشرا ـ يباشر السلطة التشريعية، فلا يصدر قانون إلا إذا أقره، كما يباشر الوظيفة المالية، فيناقش الميزانية والحساب الختامي، ويباشر الوظيفة السياسية والرقابية.وتنتقل السلطة التنفيذية الفعلية بمقتضي المشروع المقترح إلي مجلس الوزراء، الذي ينبثق عن هذا البرلمان، ويكون مسئولا أمامه، بحيث لا يباشر مهامه إلا إذا حصل علي ثقة مجلس النواب أولا، ولا يواصل القيام بهذه المهام إذا افتقد هذه الثقة .
2- استقلال السلطة القضائية:
حرص المشروع علي أن يختص مجلس القضاء الأعلى بتعيين القضاة وترقيتهم ونقلهم وندبهم وتأديبهم، وحرص علي أن يحصن منصب النائب العام من أي تدخل للسلطة التنفيذية. وفيما يتعلق باختصاصات المحكمة الدستورية العليا، فهي تختص وحدها بالفصل في المنازعات الخاصة بدستورية القوانين والمراسيم التي لها قوة القانون، وفي المنازعات بين سلطات الدولة المختلفة فيما يتعلق بتطبيق الدستورية، وفي تفسير النصوص الدستور والتشريعية الخاصة بالمحاكم ومجلس الدولة، وفي أحوال تنازع الاختصاص بين جهات الاختصاص المختلفة. كما أنه أجاز للسلطات وللأفراد رفع المنازعات إليها. كما أضاف إلي سلطات المحكمة الدستورية كذلك، ثلاثة اختصاصات بالغة الأهمية فيما يتعلق بضبط العلاقة بين السلطات، وبالرقابة القضائية عليها، إذ أناط بها محاكمة رئيس الجمهورية ومحاكمة الوزراء، والفصل في الطعون الخاصة بالأحزاب والجماعات السياسية، في حالة نشوء خلاف حول خروجها عن الشروط العامة التي حددتها لتأسيسها، واختصاصها وحدها بالفصل في صحة عضوية البرلمان وفي إسقاط العضوية عنهم، ليحول بذلك بين الأغلبية البرلمانية، وبين استغلال أغلبيتها لإسقاط العضوية عن النواب المعارضين.3- الحقوق والحريات العامة:
تميز مشروع الدستور بالتكامل بين الحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. فقد أكد على ضمان مبدأ المساواة بين المصريين في الحقوق والواجبات العامة، وحظر التمييز بينهم بسبب الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة أو بسبب الآراء السياسية أو الاجتماعية”. والحق في الجنسية وحظر إسقاطها عن أي مصري الحق في التنقل، الحق في الحرية والأمان الشخصي، وتأكيد حرمة الحياة الخاصة، وحرية الاعتقاد، والحق في الانتخاب، وحق تكوين الجمعيات،توفير ضمانات المحاكمة العادلة وحق الفرد في المحاكمة أمام قاضيه الطبيعي وحظر محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية،وحظر إيذاء المتهم جسمانيا أو معنويا، وعلي معاقبة المسئول عن ذلك،وحسن معاملة السجناء، وحظر تعرضهم لما يتنافى مع الإنسانية أو يعرض صحتهم للخطر. كما كفل المشروع حرية الرأي والبحث العلمي الحق في التعبير بالقول والكتابة والتصوير والإذاعة، و حرية الطباعة، وإصدار الصحف والمطبوعات، وعلي عدم جواز فرض الرقابة عليها، واستقلال الإذاعة والتلفزيون والمؤسسات الصحفية المملوكة للدولة، عن السلطة التنفيذية وعن جميع الأحزاب، وأكد المشروع على الحق في الاجتماع السلمي، والاشتراك في المواكب العامة والمظاهرات”، ونص على أن “للمصريين دون سابق وإخطار أو استئذان حق تأليف الجمعيات والأحزاب، مادامت الغايات والوسائل سلمية”.وقد أقر المشروع المزيد من الضمانات الدستورية لحماية الحقوق والحريات العامة بالشكل الذي يصونها من تجاوزات السلطة التنفيذية عند تشريع وسن قوانين لتنظيم الحقوق أو في حالات تعديل الدستور كما أكد ” علي أنه في الأحوال التي يجيز فيها الدستور للمشرّع تحديد حق من الحقوق العامة الواردة فيه، لا يترتب علي هذه الإجازة المساس بأصل ذلك الحق”. كما نص علي أن “الأحكام الخاصة بمبادئ الحرية والمساواة التي يكفلها الدستور وبشكل الحكومة الجمهوري النيابي البرلماني، لا يجوز اقتراح تعديلها”.
وقيد المشروع إعلان حالات الطوارئ. كما أن للبرلمان أن يقرر في أي وقت إلغاء جميع السلطات التي منحها للحكومة أو بعضها أو الحد منها. وأن تكون ممارسة هذه السلطات خاضعة للرقابة القضائية ولا يجوز بحال الإعفاء من المسئولية المرتبة عليها.
على صعيد الحقوق الاقتصادية والاجتماعية فقد أوجب المشروع علي الدولة أن تكفل الحرية وتكافؤ الفرص لجميع المواطنين، وأن تيسر للمواطنين مستوي لائقا من المعيشة أساسه تهيئة الغذاء والمسكن والخدمات الصحية والثقافية والاجتماعية. وقرر المشروع أن العمل حق تعني الدولة بتوفيره لجميع المواطنين القادرين، ويكفل القانون شروطه العادلة علي أساس تكافؤ الفرص. وفي الوقت الذي نص فيه المشروع على الملكية الخاصة إلا أنه يحتفظ “بألا يضر النشاط الاقتصادي الحر بمنفعة اجتماعية، أو يخل بأمن الناس أو يعتدي علي حرمتهم أو كرامتهم”. وعلي أن يراعي القانون أداء وظيفتها الاجتماعية. كما يكفل حق إنشاء النقابات والحق في الإضراب عن العمل.
4- نظام ديمقراطي للحكم المحلي:
اعتمد المشروع نظام الحكم المحلي القائم على اللامركزية، وتوسيع سلطات وصلاحيات الأجهزة المحلية، فأخذ بفكرة انتخاب مجالس محلية، في المحافظات والمدن والقرى، تتولى بدورها انتخاب المحافظين ورؤساء المدن والقرى، خلافا للوضع الراهن، الذي يجعل المحافظين ورؤساء المدن والقرى جزءا من السلطة التنفيذية.
تقوم المجالس المحلية المنتخبة بإدارة المرافق والأعمال الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والصحية بدائرتها، وتسهر علي رعاية مصالح الجماعات والأفراد وكفالة الحقوق والحريات العامة، كما تعاون في الشئون الانتخابية وشئون الأمن المحلي .