28/1/2006

دعت منظمات المجتمع المدني الاتحاد الأوروبي والحكومة المصرية إلى ضرورة التشاور مع المجتمع المدني في إطار المفاوضات الثنائية الجارية، بشأن خطة العمل الخاصة بسياسة الجوار الأوروبية. وأكدوا أن خطة العمل يجب أن تنص على التزامات ملموسة ومباشرة في مجال الإصلاح السياسي واحترام حقوق الإنسان، وأهمية قيام المجتمع المدني في العالم العربي بمراقبة كيفية تنفيذ خطط العمل. جاء ذلك في الندوة التي عقدتها الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان، ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان حول “سياسة الجوار الأوروبية، وقضايا حقوق الإنسان في العلاقات المصرية الأوروبية” بالقاهرة يومي 26-27 يناير 2006، بمشاركة ممثلين عن المجتمع المدني في مصر والأردن وتونس والمغرب ولبنان وفلسطين وأوكرانيا وفرنسا وبلجيكا، وافتتحها سفير النمسا رئيس الاتحاد الأوروبي هذه الدورة، وتحدث فيها أيضا ممثلون عن المفوضية الأوروبية والسفارة البريطانية بالقاهرة. تناولت الندوة تقييم تطبيق اتفاقات الشراكة الأورومتوسطية، ومشاركة المجتمع المدني ،وسياسة الجوار الأوروبية في التطبيق في أوربا الشرقية، وفي الأردن والمغرب وتونس، وأولويات خطة عمل سياسة الجوار الأوروبية المصرية.

وقد أعرب المشاركون عن أسفهم لغياب ممثلون للحكومة المصرية عن الندوة، رغم دعوتهم للتحدث جنباً إلى جنب مع ممثلي الاتحاد الأوروبي، الذين كان لمشاركتهم أثراً إيجابياً في الحوار، فضلاً عن انفتاحهم وترحيبهم بمناقشة ملاحظات المجتمع المدني خلال المفاوضات. و قد دعا المشاركون في هذا الإطار حكومات العالم العربي إلى عدم استلهام النموذج الإسرائيلي، بل الاحتذاء بالتجربة الأوكرانية في التعامل مع المجتمع المدني، قبل وبعد اعتماد خطة العمل. حيث حرصت الحكومة الأوكرانية أثناء المفاوضات مع الطرف الأوروبي على إجراء مشاورات كثيفة مع المجتمع المدني، بشأن قضايا حقوق الإنسان في خطة العمل، ثم أعقب التوصل لخطة العمل، عمل مشترك بين الحكومة والمجتمع المدني، لوضع خارطة طريق لتنفيذ ما ورد في الخطة من التزامات في مجال ترسيخ الديمقراطية وحقوق الإنسان. كما رفض المشاركون أي تذرع من جانب الحكومة المصرية بالسيادة الوطنية والتدخل في الشئون الداخلية أثناء المفاوضات مع الجانب الأوروبي، معتبرين ذلك محاولات مكشوفة ومستمرة لإجهاض أي مسعى لتحريك عملية الإصلاح السياسي، وضمان احترام حقوق الإنسان، والتي يطالب بها المصريون منذ عدة عقود دون جدوى. فضلاً عن أن الحكومة ذاتها لا تلجأ لهذه الذرائع أثناء تفاوضها للحصول على المساعدات الاقتصادية، أو الدخول في أي أطر للتعاون الأمني والعسكري، مع أوروبا وغيرها من الدول الغربية.

وقد أعاد المشاركون التأكيد على التوصيات التي وردت في البيان الصادر عن 25 منظمة غير حكومية في مصر في سبتمبر 2005 عند انطلاق مفاوضات خطة العمل مع الحكومة المصرية، حيث أكدت المنظمات على ضرورة أن تركز الخطة على مجموعة من الأولويات في القسم الخاص بالديمقراطية وحقوق الإنسان، تأتي في مقدمتها اتخاذ كافة الإجراءات الكفيلة بوقف ممارسات التعذيب المنهجي المنتشرة في أماكن الاعتقال والاحتجاز، واتخاذ السياسات اللازمة لمحاسبة المسئولين عنها والقضاء على سياسة الإفلات من العقاب، والإنهاء الفوري لحالة الطوارئ والتي تتيح صلاحيات شبه مطلقة للسلطة التنفيذية في الاعتداء على الحقوق والحريات العامة، ورفض الاستناد إلى التشريعات المحلية في قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، بل الإحالة دائماً إلى المعايير الدولية لحقوق الإنسان، والتي تتناقض الأولى معها وتنتهكها بشكل صارخ. وضرورة النص صراحة على إصدار تشريعات جديدة تضمن تحرير منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية والنقابات المهنية والعمالية، من القيود التشريعية التعسفية وتدخل الأجهزة الأمنية والحكومية، وتعديل التشريعات المنظمة للإعلام بما يكفل حرية إصدار الصحف وإنشاء القنوات التليفزيونية والمحطات الإذاعية، وإعادة هيكلة مؤسسات الإعلام الملوكة للدولة بما يضمن استقلاليتها وعدم تبعيتها للحزب الحاكم. وإصدار قانون جديد للسلطة القضائية يكفل استقلالها بما يتفق مع المعايير الدولية، وكذلك ضمان استقلال النيابة العامة عن السلطة التنفيذية.

والالتزام بالمعايير الدولية لحقوق المرأة، وإصلاح الإطار القانوني المنظم للانتخابات بما يتسق مع المعايير الدولية لنزاهة وحرية وشفافية الانتخابات، وضمان الإشراف القضائي الكامل والمراقبة الوطنية والدولية لمختلف مراحل العملية الانتخابية. وكفالة الحريات الأكاديمية واستقلال الجامعات، واتخاذ كل الإجراءات الكفيلة بوقف أي ممارسات من شأنها التمييز بين المواطنين على أساس الجنس أو الدين أو العرق أو على أي أساس أخر. واستكمال التصديق على كافة الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، وخاصة البروتوكول الملحق بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والبروتوكول الخاص باتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، والبروتوكول الملحق بالاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب.

يذكر أن مفاوضات خطة عمل سياسة الجوار مع الحكومة المصرية بدأت في سبتمبر 2005 في القاهرة، وعقدت الجولة الثانية في ديسمبر 2005 في بروكسل. وستنطلق الجولة الثالثة الشهر القادم بالقاهرة، وسيعمل المنظمون للندوة على إعداد تقرير مفصل يشتمل على توصيات المجتمع المدني، بشان الإصلاح السياسي وحقوق الإنسان في خطة العمل مع مصر، ليرفع إلى الاتحاد الأوروبي وللحكومة المصرية. كما سيتم الترتيب لاجتماع وفد من المجتمع المدني مع الخارجية المصرية التي تدير المفاوضات، ومع مؤسسات الاتحاد الأوروبي في بروكسل لمناقشة ما خلص له التقرير.

من ناحية أخرى حذر المشاركون من إهدار وانتهاك حقوق الإنسان جراء سياسات وتشريعات مكافحة الإرهاب في بعض الدول الأوروبية والدول العربية، مؤكدين على أن المدخل السليم للتصدي لمشكلات الأمن والإرهاب، يتوقف على قدرة الاتحاد الأوروبي على تقديم منظور متكامل للتنمية ودعم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتفعيل دور المجتمع المدني، والتوقف عن دعم الأنظمة السلطوية في العالم العربي للقيام بدور الشرطي الحارس للبوابات الأوروبية من الهجرة ومن الإرهاب، وبأساليب لا تخدم مصالح الشعوب، بل تغذي الإرهاب. وأضافوا أن قدرة الاتحاد الأوروبي على تفعيل سياسة الجوار الأوروبية، لتصحيح إخفاقات الشراكة الأوروبية المتوسطية منذ انطلاق عملية برشلونة عام1995، مرهونة بدفع أولويات حقوق الإنسان والإصلاح السياسي على جدول الأعمال الأوروبي- العربي، وإشراك المجتمع المدني في الرقابة على التفاوض على وتنفيذ خطط العمل المقترحة مع دول الجوار.