10 أكتوبر 2004
انطلقت اليوم الأحد 10 أكتوبر 2004 الحملة “الانتخابية” للانتخابات الرئاسية والتشريعية المقرر تنظيمها يوم 24 أكتوبر المقبل. وكما كان متوقّعا جاءت هذه الانطلاقة لتعكس الحالة السياسية العامة المزرية بالبلاد والظروف اللاديمقراطية التي جرى ويجري فيها الإعداد للمهزلة الانتخابية. فقد انحصر اهتمام وسائل الإعلام، السمعية والبصرية منها خصوصا، في بن علي، مرشح الحزب الحاكم وبالخطاب الذي افتتح به حملته “الانتخابية”. وتجاهلت بقية “المترشحين” وكأنهم لا وجود لهم. وقد أعلن أحد هؤلاء “المترشحين” وهو مرشح “المبادرة الديمقراطية” الذي اعتبر ترشحه “متميزا” عن الترشحين الآخرين اللذين وصفهما بالصوريين، أن وزارة الداخلية رفضت إلى حد يوم الأحد تسليمه بيانه الانتخابي والمعلّقة التي تحمل صورته مطالبة إياه بالتخلي عما جاء في البيان من مواقف نقدية لبن علي ونظامه. وما من شك في أن سلوك السلطة هذا يؤكد تعاملها مع بقية “الترشحات” على أنها صورية يراد من أصحابها الذين عينتهم تقريبا بنفسها، أن يكتفوا بالقيام بدور “التياس” لإضفاء طابع تعددي زائف على انتخابات رئاسية زائفة وتشريع انقلاب بن علي على الدستور سنة 2002 الذي مكنه من “الترشح” لولاية رابعة تفتح أمامه باب الرئاسة مدى الحياة على مصراعيه. كما أنه يؤكد أيضا إمعانها في تكريس صورة الحاكم الفرد المطلق الذي لا ينبغي للمواطنين أن يتخيلوا مجرد التخيل وجود شخص قادر على منافسته أو تعويضه.
كما تجاهلت وسائل الإعلام انطلاق الحملة “الانتخابية” لأحزاب “المعارضة” المشاركة في “الانتخابات” التشريعية وكأن المشاركة فيها مقتصرة على الحزب الحاكم في ما تلعب بقية الأحزاب ومعظمها من الأحزاب الإدارية دور الديكور الذي يمكّن السلطات من الادعاء بأن هذه الانتخابات جرت في إطار “تعددي” وأن هيمنة “التجمع الدستوري” على مؤسسات الحكم تستمد مشروعيتها من صندوق الاقتراع، مقابل منح “رشوة” سياسية لتلك الأحزاب تتمثل في مقاعد بالبرلمان كل حسب درجة ولائه والخدمات التي قدمها. وهو وضع قنعت به الأحزاب الإدارية منذ زمن طويل إلى درجة أن وجودها ذاته أصبح مشروطا بقيامها بذلك الدور. وليس أدل على ذلك من أن الحزب الديمقراطي الذي لم يقبل بهذا الدور وأعطى لمشاركته صبغة احتجاجية قد أُسقطت قائماته في أهم الدوائر الانتخابية بذرائع مضحكة حتى لا يفوز بأي مقعد من تلك المقاعد مع العلم أن وزارة الداخلية لاتزال إلى حد يوم انطلاق الحملة تمانع في الإذن للمطبعة بتسريح بيانه لعدم رضائها على محتواه الذي تريده كمحتوى بقية بيانات الأحزاب الإدارية خاليا من إثارة القضايا الجدية للشعب والمجتمع والبلاد.
إن هذه الظروف التي تنطلق فيها الحملة “الانتخابية” والتي هي بشهادة عديد المراقبين أكثر سوءا من الظروف التي جرت فيهــا مهزلتا 1994 و1999 الانتخابيتان، لَتؤكّد الطابع الصوري لانتخابات 24 أكتوبر 2004 الذي جعل معظم أحزاب المعارضة الجدية تدعو إلى مقاطعتها. ولا نعتقد أن القادم من أيام هذه الحملة التي يواجهها الشعب بلا مبالاة لا سابق لها لعلمه مسبقا بنتائجها، سيأتي بما يخالف ذلك. ومن هذا المنطلق فإن حزب العمال إذ يدعو إلى مقاطعة المهزلة، فإنه يهيب مجددا بكافة العناصر الديمقراطية التي دخلتها متوهّمة بأنها ستتمكن من “خوض معركة حقيقية” بالخروج منها لانتفاء أبسط الشروط لخوض هذه المعركة وحتى لا توفر للدكتاتورية فرصة توظيف مشاركتها لتشريع التزوير واغتصاب الإرادة الشعبية.
إن حزب العمال يدعو كافة القوى الديمقراطية إلى عدم إضاعة هذه الفرصة لتعميق أزمة الشرعية التي تتخبط فيها سلطة السابع من نوفمبر والتكتل من الآن لرفض نتائج المهزلة التي تنظمها والطعن في شرعية بقاء بن علي في الرئاسة واستمرار حزبه في احتكار الحياة العامة احتكارا تاما وتعبئة الشعب التونسي من أجل المطالبة بانتخابات حرة ونزيهة في كافة المستويات، تكرّس مبدأ سيادة الشعب وتنبثق عنها مؤسسات ممثلة بحق لإرادته. وهو ما لن يتحقق إلا بتوفّر مناخ من الحرية شرطه الأول إطلاق سراح المساجين السياسيين وسنّ عفو تشريعي عام وإرساء تعددية حقيقية إعلامية وحزبية وجمعياتية ومن حياد الإدارة واستقلالية القضاء وحرية الترشح والانتخاب في إطار دستوري يلغي الرئاسة مدى الحياة وظاهرة الحزب الدولة ويضمن مراقبة مستقلة للانتخابات ويجرّم تزويرها.
حزب العمال الشيوعي التونسي