12/2004

تعاني مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي في البلاد العربية من مشاكل كبيرة تشمل طرق التعليم ومناهج البحث وأساليب الإدارة وسوء استخدام الموارد وتأهيل المدرسين.

لكن المشكلة الأكبر التي تتصل بجميع هذه المشاكل وتزيد في تفاقمها هي إخضاع التعليم العالي والبحث العلمي لغايات خارجة عن نطاق غايات التأهيل والتكوين والبحث العلمي. ففي معظم البلاد العربية تفرض السلطات العمومية، لا بل الأجهزة الأمنية، وصايتها المباشرة على الحياة الجامعية، وتتعامل مع أعضاء الهيئة العلمية والإدارية في جميع المستويات حسب منطق الولاء والمحسوبية وتخضع المناهج والبرامج والمشاريع العلمية لحساسيات السياسة والضيقة وأغراض الحفاظ على الحكم واحتكار السلطة.
وهي لا تضع القيود على تداول المعارف فحسب، ولكنها تحد من حركة الباحثين والعلماء داخل البلاد وخارجها وتصادر الرأي وتستخدم الجامعات كمراكز للدعاية الحزبية أو الدعوة الأيديولوجية.

ويفسِر هذا جميعُه الفشلّ الذي مُنِيت به السياسات التعليمية العالية بالرغم من التوسع الكبير الذي شهدته حركة بناء الجامعات والمراكز العلمية والاستثمارات الضخمة التي وضعت فيها. وهذا الفشل هو الذي يُبقي العالم العربي في حالة تبعية مستمرة وواسعة للخبرة العلمية والفنية الأجنبية إلى اليوم، كما يحكم على مئات آلاف الخريجين من الشباب الجامعيين بالبطالة المستديمة.

أمام هذا التردي المتواصل لمؤسسات ومستويات التعليم العالي والبحث العلمي أصبحت الحاجة ملحّة إلى لفت أنظار المسؤولين العرب وتنبيه الرأي العام إلى مخاطر التمادي في إخضاع الجامعات ومؤسسات البحث العلمي العربي لمصالح فئوية وظرفية، وحرمانها من الاستقلالية، وإلى ضرورة تطوير بيئة علمية صالحة لتكوين نسق علمي عربي منتج ومستقل معاً.

ومن هنا، واستمراراً للمبادرات المحلية والإقليمية والدولية التي قامت في مجال تعزيز الحريات الأكاديمية واستقلال مؤسسات التعليم العالي، مثل “إعلان ليما (البيرو) بشأن الحرية الأكاديمية” الصادر عن اجتماع الهيئة العامة للخدمات الجامعية العالمية عام 1988، و”إعلان دار السلام” عام 1990، وإعلان مؤتمر اليونسكو في بيروت 1998، وما سبقهما وتلاهما من مبادرات،

واستناداً إلى ما أقرته المواثيق والاتفاقيات والأعراف الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، خاصة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية اليونسكو لمناهضة التمييز في التعليم،

يعلن مؤتمر الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية الذي انعقد بدعوة من مركز عمان لدراسات حقوق الإنسان في عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية يومي 15 و 16 كانون الأول 2004، بمشاركة نخبة من المفكرين ورؤساء وأساتذة الجامعات وباحثين من مختلف الجامعات العربية المبادئ الآتية:

1- ضرورة إلغاء الوصاية السياسية عن المجتمع الأكاديمي، والتزام السلطات العمومية باحترام استقلال المجتمع العلمي بمكوناته الثلاثة من أساتذة وطلبة وإداريين، وتجنيبه الضغوط الخارجية والتدخلات السياسية التي تسيء إلى حرية الهيئات الأكاديمية مما يوفر شرطاً ضرورياً لنجاح العملية التعليمية وتطور البحث العلمي.

2- تشمل الحريات الأكاديمية حق التعبير عن الرأي، وحرية الضمير ، وحق نشر المعلومات والمعارف وتبادلها، كما تشمل حق المجتمع الأكاديمي في إدارة نفسه بنفسه، واتخاذ القرارات الخاصة بتسيير أعماله، ووضع ما يناسبها من اللوائح والأنظمة والإجراءات التي تساعده على تحقيق أهدافه التعليمية والبحثية العلمية.

3- تأكيد حق جميع المواطنين في فرص متكافئة وحسب معايير الكفاءة للالتحاق بمؤسسات البحث والتعليم العالي، سواءً كان ذلك على مستوى الحق في دخول الهيئة التعليمية أو الاستفادة من الفرص التعليمية، دون تمييز سياسي أو معتقدي أو اجتماعي أو عنصري، وكذلك حق الطلبة في تأهيل علمي يتفق وحاجات اندراجهم في الحياة الاجتماعية المثمرة، وتلبية تطلعاتهم المهنية، وفي اختيار ميدان دراستهم بحرية واعتراف السلطات الرسمية بتحصيلهم العلمي ومهاراتهم.

4- تأكيد حق أعضاء الهيئة الأكاديمية العربية في الانسياب عبر الدول العربية وفي التواصل مع المجتمع الأكاديمي على الصعيد العالمي، والوصول إلى مصادر البيانات والمعلومات، وتبادل الأفكار والآراء ونشرها دون قيود أو مضايقات.

5- تأكيد حق مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي في إدارة شؤونها على أسس ديمقراطية، واختيار هيئاتها الأكاديمية عن طريق انتخابات حرة، يناط بها كل ما يتعلق بتعيين أعضاء الهيئة العلمية أو فصلهم، أو معاقبتهم، أو ترقيتهم على أساس معايير مهنية، وكذلك تأكيد حق الطلبة في المشاركة في هذه الإدارة. 6- تأكيد حق أعضاء المجتمع الأكاديمي بمكوناته الثلاث في تكوين نقابات خاصة تدافع عن مصالحه أو تخدم عمله.

7- تأكيد واجب الدولة في توفير الموارد الضرورية لتوسيع شبكة التعليم العالي والبحث العلمي، والارتقاء بنوعيتها، وإيلاء اهتمام خاص بمستوى تأهيل ومعيشة الهيئة العلمية؛ بما يخدم حاجات المجتمع، والسعي إلى توفير التعليم الجامعي المجاني لجميع الراغبين فيه.

8- إن تأكيد حقوق المجتمع الأكاديمي تجاه السلطة العمومية ومؤسسات المجتمع المدني الأخرى يرتب على هذا المجتمع أيضاً، التزامات أساسية علمية وأخلاقية يقع في مقدمتها الالتزام بالقيم العلمية والإنسانية، واحترام الطلبة ومعاملتهم حسب معايير الكفاءة العلمية والمهنية.

9- التزام أعضاء الهيئة الأكاديمية بوضع التعليم والبحث العلمي في خدمة مجتمعاتها، وعدم استغلال الحريات الأكاديمية ونتائج الأبحاث العلمية لأغراض تتعارض مع غايات العملية التعليمية والعلمية، أو تخل بمبادئ حقوق الإنسان أو تسيء إلى تحقيق الأهداف والقيم الإنسانية.

10- التزام مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي بتوطين البحث العلمي والكفاءات العلمية، وتطوير التعاون مع السلطات العمومية ومؤسسات المجتمع والحد من ظاهرة هجرة الأدمغة من البلاد العربية.

11- التزام مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي بتلبية حاجات مجتمعاتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والقانونية والثقافية والأخلاقية ومقاومة انتهاكات حقوق الإنسان من أي طرف جاءت.

12- التزام مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي بالتضامن بين الهيئات الأكاديمية العربية مادياً ومعنوياً، وتقديم الدعم للأعضاء الذين يتعرضون لانتهاكات حقوقهم على مستوى العالم العربي والعالم أجمع.

13- التزام مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي بتطوير علاقات التعاون والشراكة على مستوى العالم العربي وعلى المستوى الدولي أيضاً، في سبيل ردم الفجوة المعرفية والتقنية بين المجتمعات الإنسانية، وكسر احتكار المعرفة والإستفادة من نتائج البحث العلمي أو تقييد تداولها من جانب مجموعة صغيرة من الدول أو الشركات، والسعي إلى وضع المعرفة العلمية في خدمة تفاهم المجتمع الدولي وانسجام الجماعة الإنسانية.