19/10/2006
المقدمة
صاحب إنشاء المجلس القومي لحقوق الإنسان جدلاً واسعاً بين النشطاء السياسيين والحقوقيين ومنظمات المجتمع المدني المصرية ، ما بين رافض ومعارض للمجلس يرى أن إنشائه جاء لضرب استقلالية حركة حقوق الإنسان المصرية ، التي طالما غردت خارج السرب، وتسببت تقاريرها في إحراج الدولة في المحافل الدولية.
والبعض الآخر رأى قرار إنشاء المجلس بمثابة انحناءة لعاصفة الانتقادات الحادة التي وجهتها دوائر صنع اتخاذ القرار في أوروبا والولايات المتحدة، لأحوال الديمقراطية وحقوق الإنسان في المنطقة العربية ومصر في القلب منها، وأن المجلس مجرد واجهة تجميلية ليس إلا.
وهناك من رحب بإنشاء المجلس ورأى أنها خطوة إيجابية، يجب تشجيعها والبناء عليها، فتشكيل المجلس كان مليء بالمفاجآت، فقد ضمت عضويته نشطاء من قيادات حركة حقوق الإنسان في مصر، و نشطاء عرف عنهم الاستقلالية في مواقفهم المشجعة للاصلاح السياسي والدستوري.
واليوم يقترب عمر المجلس القومي لحقوق الإنسان من ثلاث سنوات ، ولا يمكن تقييم تجربة المجلس القومي لحقوق الإنسان دون ربط ذلك بقياس أرادة الدولة في تحقيق تطورات فى مجال الإصلاح السياسي والدستوري ، والتي مرت بمنعطفات عدة خلال السنوات الأخيرة ما بين انفراج، أو تضييق كامل، أو حالة ما بين منزلتين فتارة تفسح الدولة المجال لتحقيق الانفراجة، فتسمح بتكوين جمعيات حقوقية، وتسمح بالوجود والنشاط لحركات تغيير دون أن تعترف بشرعيتها ، وتعقد أول انتخابات تعددية رئاسية ، وتسمح بإصدار صحف مستقلة.
ثم تأتى وتمارس عنف لا حدود له ضد الناخبين والقضاة والصحفيين، في الانتخابات البرلمانية التي راح ضحيتها 14 ناخب، قتلوا أثناء ممارسة حقهم الديموقراطى بالاشتراك في العملية الانتخابية، و تفتح أبواب سجونها لمئات النشطاء المتضامنين مع حركة القضاة ، وتصر على تمرير قوانين سيئة السمعة تمس استقلال القضاء وحرية الصحافة.
فنحن لا نستطيع أن نقييم تجربة المجلس القومي لحقوق الإنسان دون النظر بعين الاعتبار لرؤية الدولة، لما تريد أن تعطيه أوتمنحه في مجال الإصلاح السياسي، فالمجلس أرتبط أدائه بحجم التغييرات التي تريدها الدولة في هذا الملف ، فالمجلس القومي لحقوق الإنسان نشأ في رحم تلك الدولة.
أنشئ بقرار جمهوري من السيد رئيس الجمهورية ، وهو رأس السلطة التنفيذية والمسئول عنها ، وتلك السلطة يتبعها جميع هيئات الدولة المتهمة بانتهاكات حقوق الإنسان في مصر طوال عقود عدة، سواء كانت تلك المؤسسات أمنية أو دينية أو ثقافية أو اقتصادية أو اجتماعية.
إن رؤية المجلس لأحوال حقوق الإنسان والتوصيات الصادرة عنه ترتبط أرتباطاً وثيقاً برؤية الدولة ، و مدى قبولها لتحقيق إصلاح في ملف حقوق الإنسان ، ومدى تقبلها للنقد من قبل هيئة تابعة لها ومنشأة بقرار منها. ومرصد حالة الديمقراطية بالجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية، لا يهدف من هذا التقرير محاكمة المجلس القومي لحقوق الإنسان ، فنحن لا نؤمن بأن إصلاح أحوال حقوق الإنسان في مصر ملقى على عاتق هذا المجلس والمخطئ هو من تصور هذا.
وسيناقش التقرير القانون المنظم للمجلس ولائحته الداخلية ، ومدى مطابقة القانون للمعايير الدولية للمؤسسات الوطنية.
كما سيقدم التقرير نقد للتقارير السنوية التي أصدرها المجلس، وتقييم لبعض مواقف المجلس من قضايا وحركة حقوق الإنسان في مصر.
فنحن نريد أن نقدم كشف حساب للمجلس نبحث فيه عن مواقفه في السنوات الثلاث الماضية، من قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية والإصلاح السياسي.
أولا : القانون 94 لسنة 2003 ومدى مطابقته للمعايير الدولية لإنشاء المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان (مبادئ باريس)
ينتمي المجلس القومي للحقوق الإنسان لنوع من المؤسسات، تعرف بالمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، التي عرفت في العديد من دول العالم في ثمانيات القرن الماضي ، بأدائها لأدوار بارزة فى تعزيز و احترام حقوق الإنسان. فهي بحكم طبيعتها باعتبارها إحدى مؤسسات الدولة فإنها تملك من الإمكانيات ما يتيح لها مجال للتفاوض مع الحكومات ، وفى المقابل فإن استقلاليتها عن أجهزة الحكم تهيئ لها إمكانية التواصل مع المنظمات غير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان،ودعم مطالبها في تعزيز واحترام هذه الحقوق.
وهنا نود أن نشير إلي أنه باستثناء منطقتنا العربية، فالنظم السياسية في العالم تعرف جيداً الحدود الفاصلة بين الدولة والحكومة والأحزاب المشكلة للحكومات بها، وتتحقق فيها لمنظمات المجتمع المدني الاستقلالية الحقيقية. وقد حظيت المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان بتشجيع من جانب الأمم المتحدة وهيئاتها ، فحددت معايير دولية للتحقق من استقلاليتها عرفت بمبادئ باريس التي صدرت عام 1993، واعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة فى الدورة 48 . وقد أنشئ المجلس القومي لحقوق الإنسان بالقانون رقم 94 لسنة 2003
1. نصت المادة الأولي من القانون على إنشاء مجلس قومي يسمى المجلس القومى لحقوق الأنسان يتبع مجلس الشورى.
وهي بداية القصيد فتبعية المجلس القومي لحقوق الإنسان لمجلس الشورى أدخلته نفقاً مظلماً، قبل أن يبدأ عمله كغيره من الهيئات التابعة لمجلس الشورى، كالمجلس الأعلى للصحافة وغيره من المؤسسات التابعه لهذا المجلس.
فالدولة عندما تريد أن يولد على يدها كائن مبتسر تنقل تبعيته لمجلس الشورى، فالمجلس لا اختصاصات له، ويسيطر علي تشكيله الحزب الحاكم، حيث يعين ثلث أعضائه, ويستكمل تشكيله بانتخابات تجري في أجواء بعيدة عن معايير الانتخابات النزيهة.
فتبعية المجلس القومي لحقوق الإنسان لمجلس الشوري تخل باستقلاليته، وهو أهم المعايير التي نصت عليها مبادئ باريس.
2. نصت المادة الثالثة من القانون 94 لسنة 2003:
حددت اختصاصات المجلس لتحقيق أهدافه التي جاءت مخالفة للمعايير الدولية المنصوص عليها في مبادئ باريس وذلك في الاختصاصات الآتية:
(أ) في إصدار الفتاوي والتوصيات:
المادة 3 / 1 ، 3 / 2 ، 3 / 3 ، 3 / 14 من القانون 94 لسنة 2003:
اكتفت بإعطاء المجلس الحق في إبداء آراء ومقترحات وتوصيات فيما يعرض عليه، أو يحال إليه من السلطات والجهات المختصة،بشأن المسائل المتعلقة بحماية حقوق الإنسان وتعزيزه،وتقديم مقترحات وتوصيات إلي الجهات المختصة في كل ما من شأنه حماية حقوق الإنسان، وإصدار تقارير عن أوضاع وتطوير جهود مصر في مجال حقوق الإنسان علي المستوي الحكومي والأهلي.
وهنا حرم المشرع علي المجلس حقه في الاستماع إلي أي مسألة دون الإحالة إلي جهة عليا، بشأن جميع المسائل المتعلقة بالفتاوى والتوصيات والمقترحات والتقارير المتعلقة بحقوق الإنسان. كما لم يعطي القانون الحق للمجلس في مراجعة الأحكام التشريعية والإدارية أو الأحكام المتعلقة بالتنظيمات القضائية. أو الحق في دراسة التشريعات أو مناقشة مشاريع القوانين المقترحة لتقديم توصيات من شأنها تحقيق التوافق مع المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان.
وحرم المجلس من حق اقتراح تعديل تشريعات، والأخطر حرمانه من التصدي من تلقاء نفسه لأي حالة من حالات حقوق الإنسان، وهي المبادئ التي أكدتها اتفاقية باريس في المادة (3أ، ب، ج، د)
(ب) في مجال تشجيع المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان لدولها في التصديق علي المواثيق الدولية وحثها علي المواءمة بينها وبين التشريعات الوطنية:
أكدت مبادئ باريس في المادة (3 ب) ، علي دور المؤسسات الوطنية في تعزيز وضمان المواءمة بين التشريعات والأنظمة والممارسات الوطنية والصكوك الدولية المتعلقة بحقوق لإنسان التي تكون الدولة طرفاً فيها،والعمل علي تنفيذها بطريقة فعاله لتشجيع التصديق علي الصكوك والمواثيق والاتفاقيات والانضمام إليها وكفالة تنفيذها.
أما المادة 3 / 5 من القانون 94 لسنة 2003 فهي لا تعطي للمجلس الحق في تشجيع الدولة علي التصديق علي المواثيق الدولية ، وتسلب حقه في مراقبة التشريعات الوطنية ومدى مطابقتها للمواثيق الدولية، وتكتفي صياغة النص الوارد في القانون بمتابعة تطبيق الاتفاقيات وحق التقدم إلي الجهات المعنية بالمقترحات والتوصيات.
(ج) في مجال إعداد التقارير الدورية وتقديمها إلي هيئات ولجان الأمم المتحدة والمؤسسات الإقليمية التي تراقب مدي إلتزام الدول بالعمل بالمعاهدات :
قلص القانون من دور المجلس في المساهمة في إعداد التقارير، واكتفي فقط بإعطاءه حق في المساهمة بالرأي والرد علي الاستفسارات التي تحيلها إليه الحكومة ، ولا يضمن النص الاستقلال الواجب للمجلس القومي في إبدائه رأيه عند الهيئات الدولية ولجان الأمم المتحدة أو المؤسسات الإقليمية، بشأن إعداد تقارير قد تخالف وجهة نظر الحكومة.
(د) فى مجال المساعدة في إعداد البرامج المتعلقة بتدريس حقوق الإنسان
نصت مبادئ باريس علي دور المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان علي المساعده في إعداد البرامج المتعلقة بتدريس حقوق الإنسان والبحوث المتصله بها ، والمشاركة في تنفيذها في المدارس والجامعات والأوساط المهنية (م 3).
أما المادة 3 / 9 و 3 / 12 من القانون 94 لسنة 2003 فقد قصر دور المجلس القومي لحقوق الإنسان في التنسيق مع مؤسسات الدولة المعنية بحقوق الإنسان واكتفي بالتعاون في هذا المجال مع كل من المجلس القومي للمرأة والمجلس القومي للطفولة والأمومة ، وتقديم المقترحات اللازمة لدعم القدرات المؤسسية والفنية في مجالات حقوق الإنسان.
فلم تعطي صياغة النصوص للمجلس القومي أي فاعلية في إعداد البرامج المتعلقة بتدريس حقوق الإنسان أو المشاركة في تنفيذها أو التنسيق وتقديم المقترحات.
(هـ) في مجال التكوين:
أكدت مبادئ باريس على أن تكوين المؤسسة الوطنية وتعيين أعضائها سواء بالأنتخاب أو بغير ذلك يجب أن يكون وفقاً لإجراءات تتيح توفير جميع الضمانات اللازمة، بكفالة التمثيل التعددى للقوى الاجتماعية في المجتمع المشتركة في تعزيز وحماية حقوق الإنسان، وباشتراك ممثلين عن المنظمات النقابية والاجتماعية.
وهى المعايير التى لم يلتزم بها في تكوين المجلس، حيث تم تعيين المجلس بقرار سيادى ولم يعطى للمنظمات الغير حكومية الحق في اختيار مرشحيها، أكدت مبادئ باريس على أن المؤسسات الوطنية يجب أن تشكل فئاتها من المنظمات الغير حكومية المسئولة عن حقوق الأنسان وجهود مكافحة التمييز العنصرى والنقابات والمنظمات الأجتماعية والمهنية ، نجد أن تشكيل المجلس و لم يعطي للمنظمات غير الحكومية حق اختيار ممثليها وكذلك الروابط المهنية، و قد خلى التشكيل من أي تواجد وتمثيل لنقابات العمال وروابط الفلاحين واتحادات الطلاب.
(و) في مجال التمويل:
أكدت مبادئ باريس على أنه يجب أن تتوافر فى المؤسسة الوطنية الهياكل الأساسية المناسبة لسلاسة سير أنشطتها،وبصفة خاصة الأموال الكافية لذلك ، وأن تكون المؤسسات مستقلة عن الحكومة فى إدارة أموالها وغير خاضعة لمراقبة مالية قد تمس استقلالها.
بينما لم ينص القانون 94 لسنة 2003 على أدراج ميزانية المجلس فى الموازنة العامة ، وبالتالى تعتمد موازنة المجلس على ما تخصصه الحكومة لها دون التزام يقع على عاتق الحكومة ، فإن شاءت منحت وإن شاءت منعت.
ثانيا اللائحة الداخلية
صدرت اللائحة الداخلية للمجلس ففسرت الماء بالماء فلا هى نجحت فى علاج أزمة العبارات الإنشائية المبهمة الواردة فى القانون 94 لسنة 2003 ، والتى تناولت دور المجلس وعمله واختصاصاته ،كما لم تنجح اللائحة الداخلية فى تحديد اختصاصات واضحة لأعضاء المجلس ولجانه النوعية المختصة.
وقد حددت اللائحة فى مادتها الثانية أجهزة المجلس الى :
(1) رئاسة المجلس. (2) اللجان النوعية.
(3) اللجنة التنفيذية. (4) الأمانة العامة.
كما حددت المواد (6،5،4،3) أختصاصات رئيس المجلس فهو يتحدث بأسمه ويمثله أمام القضاء والغير ، ويرأس الجلسات ويدعو اللجان ويتولى رئاستها ، ويختص رئيس المجلس باختيار من يمثل المجلس فى المحافل والمنظمات الدولية ، وهى سلطات قد تبدو واسعة لرئيس المجلس وخاصة فى دعوته للجان وتحديده لممثلين المجلس فى المحافل والمنظمات الدولية، إلا أن اللائحة لم تحدد آليات واضحة لاستخدام رئيس المجلس لصلاحيته، ولا طريقة تعامله مع باقى أجهزة الدولة المتعاونة مع المجلس، كما لم تحدد آلية واضحة في إدارة المجلس ولجانه.
ومرصد حالة الديمقراطية في مصر، يري أن المجلس لم يستفد من رئاسة شخصية دولية مرموقة بحجم وخبرة د/ بطرس غالي الأمين العام السابق لأكبر المنظمات الدولية، في تطوير عمل المجلس من خلال خبرة الرجل، وإمكانياته وعلاقاته المتشعبة علي المستوي المحلي والإقليمي والدولي.
نصت المادة 7 على أن يحل نائب رئيس المجلس محل الرئيس فى حالة غيابه،ويجوز للرئيس تفويض النائب فى بعض اختصاصاته،ونجد هنا أنه لا دور محدد مسند لنائب رئيس المجلس فى اللائحة. حددت المادة 8 من لائحة المجلس تشكيل اللجان المتخصصة، وقد نص القانون 94 لسنة 2003 عدد تشكيل ستة لجان عامه وهم:
لجنة الحقوق المدنية والسياسية، لجنة الحقوق الإجتماعية، لجنة الحقوق الإقتصادية، اللجنة التشريعية، لجنة العلاقات الدولية، وقبل صدور اللائحة قرر المجلس بالإجماع تشكيل لجنة الشكاوى بناء على اقتراح مقدم من أ/حافظ أبوسعدة عضو المجلس والأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان.
وقد نصت المادة 8 من لائحة المجلس على تشكيل لجان دائمة بأغلبيبة ثلثي الأعضاء. و سمحت للمجلس تشكيل لجان متخصصة بذات النصاب تتولي دراسة قضايا خاصة، ترفع للمجلس توصيات. وقد أنشأ المجلس بقرار منه اللجنة التنفيذية برئاسة رئيس المجلس أو من يفوضه، وتضم جميع أمناء اللجان الدائمة وأمين عام المجلس و تختص بالآتي:
التنسيق بين أعمال اللجان والفصل فى أى تنازع فى الاختصاص يثور بينها،إعداد مشروع التقرير السنوى المنصوص عليه فى المادة الثالثة عشرة من القانون رقم 94 لسنة 2003 بإنشاء المجلس القومى لحقوق الإنسان، إبداء الرأى فى الموضوعات التى يحيلها المجلس إلى اللجنة.
كما شكل المجلس القومى لحقوق الإنسان اللجنة الخماسية ، لتكون بمثابة نقطة للالتقاء والتواصل مع الوزارات والأجهزة الحكومية المعنية ، بما ييسر للمجلس القيام بأعبائه، وواجباته المحددة فى قانون إنشائه، وتضم هذه اللجنة مساعدى وزراء الخارجية والعدل والداخلية بالإضافة إلى النائب العام المساعد، وتجتمع بصفة دورية.
ويبدو أن تلك اللجنة لم تأتي ثمارها والغرض من تشكيلها في التعرف علي أراء المجلس في أوضاع حقوق الإنسان، وإزالة العوائق البيروقراطية أمامه من قبل لجنة تضم أهم أجهزة الدولة، ولم يعرف نتائج اجتماعات تلك اللجنة والحوارات التي دارت فيها وما تأثير ذلك علي علاقة المجلس بأجهزة الدولة المعنية، وإن كانت النتيجة واضحة من ردود فعل تلك الهيئات علي تقريري المجلس.
وقد شكل المجلس لجان مؤقته لمناقشة التعديلات الدستورية والقوانين ولجنة خاصة للوحدة الوطنية، وسيبدي المجلس ملاحظاته علي عمل تلك اللجان في صدر التقرير.
المادة (15،14،13،12،11،10،9)، حددت اختصاصات اللجان وجاءت صياغة المواد عمومية في تحديد اختصاصات اللجان ، مثل استخدام عبارات من نوعية وضع خطط قومية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان ، واقتصرت اختصاصات كل اللجان على المساهمة فى أعداد التقرير السنوى وأعداد تقارير نوعية ، وأكدت على ان رأى اللجان استشاري ومهمتها رفع التوصيات للجهات المختصة فقط .
حددت المادة 32 طريقة تعيين أمين عام المجلس إذ نصت علي أن يعين المجلس من بين أعضاءه أو من غيرهم لذات مدة المجلس ويحدد مكافأته، وذلك اعمالا للمادة 9 من القانون 94 لسنة 2003 . وقد حددت المادة 33،34 شروط تعيين الأمين العام واختصاصاته، وكانت من أبرز الشروط أن يكون من الشخصيات المشهود لها بالخبرة والاهتمام بمسائل حقوق الإنسان.
وجاءت اختصاصاته في الإشراف علي الجهاز الإداري والمالي، وله سلطة الوزير المختص الوارده في القوانين واللوائح المعمول بها في الشئون المالية والإدارية، وللأمين العام حق حضور جلسات المجلس ولا يحق له التصويت. وقد وقع اختيار المجلس علي سيادة السفير”مخلص قطب”، وقد جاء اختيار السفير مخلص قطب مفاجئ للأوساط والنخب الحقوقية، فلم يعرف لسيادة السفير أهتمام بمسائل حقوق الإنسان تاريخياً ولم نسمع باجتهادته فيها.
مع احترامنا وتقديرنا لشخص سيادة السفير،فإننا نري أنه كان من الأفضل اختيار شخص أكثر درايه ومعرفة بحالة حقوق الإنسان في مصر والإشكاليات التي تواجهها، ولديه الخبرة في التعامل مع المنظمات الحقوقية الدولية والمحلية العاملة في هذا المجال.
وترددت أنباء أنه سمة ضغوط قد مورست علي أعضاء المجلس القومي لحقوق الإنسان لاختيار السيد مخلص قطب لمنصب الأمين العام وقد دفع في هذا الاتجاه أعضاء المجلس القريبين من دوائر الحزب الحاكم.
ثالثا تشكيل المجلس القومى لحقوق الإنسان
ضم المجلس في عضويته 25 عضوا” بينهم 6 سيدات و5 أقباط ، والحقيقة أن المجلس ضم من الأسماء المختارة من يتمتعون بمصداقية واستقلالية لا بأس بها،ويلقون قبول بين أوساط النخب السياسية والحقوقية ، الذى جاء التشكيل مفاجىء لهم.
فقد ترأس المجلس د. بطرس غالى الأمين العام السابق للأمم المتحدة وهو شخصية دولية مرموقة ، ونائبه د. أحمد كمال أبو المجد وهو مفكر قانونى وأسلامى مرموق ووزير سابق فى عصر السادات ، وهو من الشخصيات العامة التى على الرغم من توليها مناصب حكومية لفترات طويلة، إلا أنه يلقى القبول لدى الرأى العام.
كما ضم التشكيل نقباء المحاميين والصحفيين وهما شخصيات معروفه بتوجهاتها.
وشمل كذلك قيادات حركة حقوق الأنسان المصرية التى تتمتع بمصداقية وسمعة حسنة على المستويين الأقليمى والدولى ، وهم أ/ محمد فائق مؤسس المنظمة العربية لحقوق الأنسان أولى المنظمات الحقوقية العاملة فى مصر ،وكل من أ/ بهى الدين حسن ، وأ/ حافظ ابو سعدة.
حتى الأعضاء المعروفين بأنتمائهم للحزب الدولة الحاكم فهم شخصيات مرموقة وعامة تحظى بأحترام وقبول من الرأى العام فى مصر.
وقد شمل التشكيل 9 شخصيات ممثلة للمنظمات الغير حكومية والنقابات والمنظمات الأجتماعية والمدنية ، و12 من الخبراء والمختصين وأساتذة الجامعة ، و4 برلمانيين ود / سامية المتيم كممثلة لأحد الجهات الحكومية وهي النيابة الإدارية.
- إلا أنه من أبرز الملاحظات علي تشكيل المجلس:
(1) أن التعيين جاء بموجب قرار سيادى من السيد رئيس الجمهورية ، ولم يعطى للمنظمات الغير حكومية المعنية بحقوق الأنسان حق أختيار ممثليها ، وكذلك لم يتيح للمنظمات الأجتماعية والنقابات المهنية أختيار ممثليهم، وقد كان أختيار الأعضاء مفاجئ، حتى لبعض من شملهم الأختيار على حسب قولهم .
(2) المجلس وأن ضم بين عضويته ممثلين للتيارات السياسية المختلفة(قومية ، إسلامية، ليبرالية)، فإنه تجاهل اختيار ممثلين من التيارات اليسارية، على الرغم من ان بين تلك التيارات العديد من الاكاديميين والباحثيين اصحاب الإسهام في حركة حقوق الانسان المصرية.
(3) ضم المجلس بين أعضاءه من تولي مسؤليه تنفيذية في حكومات أنتهكت حقوق الأنسان ، وهم شركاء فى المسئولية بحكم مناصبهم، ولم يضبطوا متلبسين بنقد تلك التصرفات، وهو ما ينطبق أيضا على أعضاء المجلس المنتمين لحزب الدولة الحاكم الذين لم ينتقدوا فى أى مناسبة الأنتهاكات التى تمارسها أجهزة حكومة حزبهم ضد حقوق الأنسان .
(4) ضم تشكيل المجلس أعضاء ينتمون لتيارات ثقافية وسياسية عرف عنها العداء التاريخي لحركة حقوق الإنسان المصرية، طالما ناصبتها العداء وألقت عليها تهم مرسلة بالخيانة والعمالة ، واتهمتها بالعمل وفقا لأجندة خارجية،وتمادي العداء ليشمل أفكار وثقافة حقوق الإنسان بإعتباره ثقافة مستورده تتعارض مع قيم وثقافة المجتمعات العربية ، و لا تصلح للتطبيق فيها، وقد صدرت تصريحات سابقة لتلك القيادات قبل اختبارها لعضوية المجلس عند إبداء أرائهم في المشكلات حقوقية تؤكد تعاملهم بازدواجية وانتقائية مع ثقافة حقوق الانسان ومرجعيتها من اتفاقيات وصكوك ومواثيق دولية ، وهى أهم المأخذ على تشكيل المجلس ، وهو ما سيظهر واضحا” وجليا” فى مواقف المجلس من قضايا أبرزها مشكلة الحريات الدينية، والتوترالطائفى، والتمييز الدينى، والتمييز الواقع على الأقليات فى مصر، ومشكلة اللا جئين السودانيين
رابعاً أنشطة المجلس
أضطلع المجلس القومي لحقوق الإنسان بالعديد من المهام والأنشطة خلال الثلاث سنوات الماضية ، وتنوعت أنشطته على المستوى المحلى من خلال زياراته للسجون ، وتشكيل بعثات تقصى حقائق ، ومراقبة الأنتخابات الرئاسية والتشريعية ، وجلسات أستماع لبعض المسئولين التنفيذيين ، هذا بالأضافة الى أنشطة اللجان الداخلية للمجلس، و التي تمثلت في عقد ندوات ومؤتمرات وورش عمل، ومن أهم أعمال المجلس
(1) الشكاوى
تلقى المجلس فى عام 2004 :(4859) شكوى
1400 شكوى تتعلق بأنتهاكات الحقوق المدنية والسياسية، من بينها425 شكوى أنتهاك الحق فى الحرية والأمان الشخصى ، 27 شكوى للاحتجاز خارج أطار القانون ، 74 شكوى تتعلق بأنتهاك الحق فى السلامة الجسدية ،141شكوى تتعلق بأنتهاك لحقوق السجناء ، 3 شكاوى تتعلق بإنتهاك حرية الرأي والتعبير ، 27 شكوى تتعلق بإنتهاك حق المشاركة فى الأقتراع وأدارة الشئون العامة ، 5 شكاوى تتعلق بأنتهاك الحق فى حرية تنظيم وتكوين الجمعيات الأهلية ، 42 شكوى لإنتهاك حرية العقيدة ، 183 شكوى منع من مغادرة البلاد.
- 789 شكوى تتعلق بأنتهاكات الحقوق الأقتصادية والأجتماعية والثقافية ، من بينها 259شكوى بأنتهاكات حقوق العمل ، 88 شكوى بأنتهاك الحق الصحة ، 158 شكوى بأنتهاك الحق فى السكن وطلب السكن فى ظروف ملائمة ، 43 شكوى تتعلق بأنتهاك الحق فى التعليم ، 142شكوى أنتهاك الحق فى الملكية ، 162 شكوى أنتهاك الحق فى الضمان والرعاية الأجتماعية ، 24 شكوى أنتهاك الحق فى بيئة نظيفة.
- 113 شكوى من المصريين بالخارج .
- 123 شكوى متعلقة بقضايا عامة ، أى أنها تتعلق بموضوعات تمس قطاعات من المجتمع حيث يكون مقدمها غير مضار منها يشكل مباشر.
فى عام 2005 تلقى المجلس 6258 شكوى :
1- ارتفعت الشكاوى المتعلقة بالحقوق الأقتصادية والأجتماعية والثقافية مقارنة بعام 2004 ، حيث وصل عددها الى 2787 شكوى بنسبة 42% من أجمالى الشكاوى المقدمة.
وتمثلت كالآتى :
- في مكافحة البطالة 262 شكوى يطالب أصحابها بالعمل.
- الحقوق العمالية 7 شكاوى.
- المعاشات الاستثنائية 236 شكوى
- السكن : 187 شكوى تركز أغلبها على طلبات للمواطنين للحصول على وحدات سكنية بديلة لمسكانهم القديمة المنكسة أومتضررى زلزال 1990 .
- الصحة : والتى تركزت الشكاوى فيها الى القصور فى مستشفيات التأمين الصحى والمستشفيات التابعة للدولة وقد أوصى المجلس فى تقريره الجهات المختصى الى ممارسة دورها الرقابى على تلك المستشفيات.
- التعليم : والتى تركزت الشكاوى برغبات أولياء الأمور إما بنقل أبنائهم الى مدارس قريبة من محل أقامتهم، وإما تضرر بعض أولياء الأمور من ضرب أبنائهم ببعض المدارس.
- الحقوق التأمينية للعمال المحالين للمعاش : أغلبها يركز على تضرر أصحابها من عدم حصولهم على مستحاقتهم المالية كاملة ، بطء أجراءات صرف المعاشات ، أحتساب مدد خطأ للمحالين للمعاش. وإسقاط مدد أخرى مما يضر بالعمال المحالين وأسرهم.
- حقوق المرأة : والتى تركزت فيها الشكاوى على العنف ضد المرأة والختان والجنسية وجرائم الشرف.
- حقوق الطفل : والتى تركزت فيها الشكاوى على ظاهرة أطفال الشوارع وعمالة الأطفال والعنف ضدهم.
2 – 1851 شكوى متعلقة بأنتهاك الحقوق المدنية والسياسية بنسبة 28.35% من أجمالى الشكاوى الواردة للمجلس ، وتمثلت كالاتى :
- الحق في الحياة : والتى تركزت فيها الشكاوى على ضحايا الأحداث الأرهابية للجماعات المتطرفة ، او ما حدث منها للمواطنين وهم تحت يد السلطة العامة كالمحبوسين على ذمة قضايا و المحكوم عليهم داخل السجون والمحتجزين تعسفيا ، وضحايا الأنتخابات البرلمانية .
- الحق في الحرية والأمان الشخصى : والتى تركزت الشكاوى فيها على الأعتقال الأدارى 482 شكوى منهم 287 حالة أعتقال سياسي ، والأحتجاز الغير قانونى ، والتعذيب وأساءة المعاملة .
- كما كان للسجناء ومعاملتهم فى السجون نصيب من الشكاوى فمثلا لحق السجين فى الرعاية الصحية (29) شكوى والحق فى الزيارة (8) شكاوى والحق فى أستكمال التعليم (7) شكاوى ، والحق فى التغذية السليمة .
- الحق في المحاكمة العادلة والمنصفة : والتى تركزت فيها الشكاوى على محاكمة المدنيين أما محاكم استثنائية ، والعمل بالقضاء الأستثنائى ممثلا ” فى محاكم أمن الدولة ، سؤ أستخدام نظام الحبس الأحتياطى .
- حماية حقوق المصريين بالخارج : بلغت عدد الشكاوى الى (107) شكوى تركزت على المطالبة بتعويضات لحواث معينة وقعت لهم بالخارج ، أو المطالبة بمستحقاتهم المالية لدى الشركات التى كانوا يعملون لديها .
- الحق في حرية الفكر والأعتقاد :
- تلقى المجلس شكاوى عدة من هيئات وشخصيات قبطية تتعلق من حرمانهم من بناء وترميم كنائس وشبهة أختطاف بعض الفتيات من الأقباط وتزويجهن بشباب مسلم ، وكذلك شكاوى الأقليات من البهائيون وشهود يهوه.
ويبدى المرصد الملاحظات التالية على نوعية الشكاوى وآلية التعامل معها:
(1) نص القانون 94 لسنة 2003 علي أن للمجلس تلقي الشكاوي في مجال حقوق الإنسان، ودراستها وإحالة ما يري المجلس احالتها منها إلي جهات الأختصاص مع متابعتها، أو تبصير ذوي الشأن بالإجراءات القانونية الاتباع ومساعدتهم في اتخاذها أو تسويتها أو حلها مع المجهات المعينة.
وهو ما يطرح تساؤل حول ما سمح به القانون للمجلس، في حق تلقيه الشكاوي وتمكينه من أليات للتعامل مع تلك الشكاوى، فمن ناحية الصياغة جاءت الاختصاصات مبهمة يغلب عليها التعميم والغموض، فلم يعطي القانون للمجلس حق إصدار قرارات ملزمة في الشكاوي المقدمة له، كما لم يعطيه أي حق باقتراح تعديلات أو إصلاحات للقوانين والأنظمة الإدارية، عندما تكون مصدر الشكوي لأفراد أو جماعات مضارة من تلك القوانين والأنظمة، كما لم يسمح من جهه أخري بوجود آليات محددة تسمح للمجلس باستدعاء الاطراف الشاكية أو المشكو في حقها. التي مارست الانتهاك لتوصل لتسويات ودية أو التعرف علي حقيقة الشكاوي والالتماسات.
أي أن دور المجلس اقتصر علي كونه مكتب بريد، يتلقى الشكاوى فيصنفها ويصدرها في تقريره، ويرسلها إلي جهات حكومية، هي غير ملزمة في الأصل بالرد عليها، وهو ما اتضح في تقرير المجلس الأول والثاني في ردود فعل الجهات الحكومة في تقديم الشكاوي إلي المجلس.
(2) حدد القانون( 94) لسنة 2003 اللجان العامة للمجلس كما استعرض التقرير ذلك، ولم يكن من بينها لجنة الشكاوي.
وقد صدر قرار من المجلس بالأجماع بإنشاء لجنة الشكاوي، وقد حددت المادة 15 من لائحة المجلس اختصاصات لجنة الشكاوي. كما نصت المادة 16 علي أن ينشأ مكتب لتلقى الشكاوى يتبع لجنة لشكاوى.
يضم عدداً كافياً من المحامين والقانونيين المؤهلين فى مجال حقوق الإنسان يتولى استيفاء المستندات المطلوبة ، وجمع المعلومات بشأن الشكاوى و ذلك تحت إشراف عضو أو أكثر من أعضاء لجنة الشكاوى.
ويجوز بقرار من المجلس إنشاء مكاتب فرعية لتلقى الشكاوى فى المحافظات.(3) تلقي المجلس القومي لحقوق الإنسان “11117” شكوي كما جاء ذكر ذلك في تقاريره السنوية، وهو عدد محدود من الشكاوي إذا ما تم مقارنته بوضعية حقوق الإنسان في مصر، وقد يرجع ذلك إلي أن المجلس لم يعلن للمواطنين بوسائل الاعلام المتاحة سبل تلقي الشكاوي، ولم تفرد وسائل الإعلام التابعة للدولة له المساحة التي يستحقها في الإعلان عن ذلك مقارنة بمكتب الشكاوي التابع للمجلس القومي للمرأة مثلا، ولا نستطيع أن نجزم إن كان هذا توجه من الدولة أو تعبير عن رغبة لدي المجلس القومي لحقوق الإنسان، ولكن الأهم أن نرصد قلة عدد الشكاوي وخاصة في المناطق البعيدة عن المدن الكبري في المحافظات الرئيسة لمصر، واستخدام المواطنين الطرق التقليدية في إرسال الشكاوي كالبريد، وعدم مواكبة التطور التكنولوجي باستخدام البريد الإلكتروني واستخدام الموقع الإلكتروني للمجلس.
(4) لم يراعي المجلس القومي لحقوق الإنسان قواعد الشفافية والموضوعية عند تشكيل مكتب الشكاوي التابع له، فلم يعلن في وسائل الإعلام المتاحة عن رغبته في إنشاء مكتب للشكاوي، ومرفق به طلب رغبته في إلحاق عدد من المحامين والقانونيين والمؤهلين من أصحاب الخبرة في التعامل مع قضايا حقوق الإنسان، ولم يعرف حتي الأن كيفية إنشاء المكتب، واختيار القانونيين المؤهلين للتعامل في تلك القضايا، وإن كانت ظروف البداية والتجهيزات الإدارية قد جعلت مكتب الشكاوي يعتمد علي خبرة المنظمة المصرية لحقوق الإنسان في بداية عمل المكتب حتي أنه اتخذها مقرا له في بداية العمل.
(5) دراسة نوعية الشكاوى وتصنيفها تؤكد تدني الوعي الحقوقي وثقافة التعامل مع المراكز القانونية عند المواطنين في مصر، فأكثر الشكاوي التي يقدمها المواطنين لا تندرج في اختصاصات المجلس، كطلب الحصول علي عمل، أو معاش استثنائي، أو التضرر من قضايا الخصخصة، أو شكاوي عامة تتعلق بقضايا ومشكلات مجتمعية، وهو ما يحتاج إلي دراسة من المجلس القومي لحقوق الإنسان وغيره من المنظمات الحقوقية لعلاج مشكله التواصل مع المواطنين.
(2) التقارير السنوية
أصدر المجلس تقريرين عن أحوال حقوق الإنسان، الأول رصد الفترة من فبراير 2004 إلي فبراير 2005 ، والتقرير الثاني عن عامي 2005 و 2006 .
والتقارير السنوية هي أهم أعمال المجلس التي تستحق المناقشة والدراسة، فمنها يستطيع الباحث قياس قدرة تأثير المجلس في عملية صنع القرار في مجال حقوق الإنسان، ومدى استجابة الحكومة لتوصيات هذه التقارير، والتعرف على رؤية أعضاء المجلس أنفسهم لقضايا حقوق الإنسان، وترتيب الأولويات والقضايا لديهم، ومدي قدرتهم علي تجاوز خطوط تعتبرها الدولة هامه.
أ. التقرير الأول :
نال التقرير الأول إعجاب وتقدير البعض في منهجيته ، لإقتدائه بتقارير المنظمات الدولية، واعتماده على تقارير المنظمات المصرية العاملة فى مجال حقوق الأنسان ، وتوجيهه أنتقادات لأوضاع حقوق الإنسان في مصر، كان أشد المتفائلين بالمجلس والمتعاطفين معه لم يكن يتصور أن يقدم المجلس تقريراً يحتوى على ذلك الكم من الانتقادات وأهمها:
1- إقرار التقرير بارتكاب انتهاكات مؤسفة للحق في الحياة،وأرجع مسئوليتها للسلطات العامة، مثل وفاة مواطنين بشبهة التعذيب أثناء أحتجازهم فى مقار الاحتجاز ، ووفاة البعض منهم نتيجة الإهمال الجسيم و نقص الرعاية الصحية للمحتجزين لدى تلك السلطات.
2- أدان التقرير استخدام العنف والقوة الغير مبررة وإساءة استخدام السلطة عند التعامل مع المتهمين والمحتجزين فى مقار الاحتجاز القانونية.
3- وجه التقرير انتقادات لظاهرة القبض التعسفى والتوسع في الاعتقال السياسي والجنائي، وطالب بتصفية أوضاع المحتجزين دون سند قانوني.
4- أنتقد التقرير القصور الواضح فى عدم الالتزام بالمعايير الأساسية للمحاكمة العادلة بإحالة المدنيين إلى المحاكم العسكرية والمحاكم الاستثنائية ، وإشارة التقرير إلى حالات الاختفاء القسرى.
5- إنتقد التقرير انتهاكات طالت حرية الرأي والتعبير في الاعتداءات على النشطاء ،والتضييق على حق التجمع السلمى، وإحالة الصحفيين إلى المحاكمة.
6- جاء انتقاد المجلس لأوضاع الطلاب فى الجامعات متميز.
7-أعتمد التقرير في نقده لأوضاع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية على دراسات جيدة وتوثيق جيد للمعلومات وأستخدام منهجية نالت أعجاب الباحثين.
وكانت أهم توصيات التقرير المطالبة بإنهاء العمل بحالة الطوارئ وتصفية أوضاع المعتقلين وإصدار قانون جديد للحبس الإحتياطى.
ومن هنا جاء التقرير مفاجئ للمتابعين، والأرجح أن أعضاء المجلس المنتمين لحركة حقوق الإنسان،لعبوا دوراً هاماً في صياغة ذلك التقرير وفى اللجان التي ترأسها بعضهم أو شاركوا فى مناقشتها بفاعلية.
(ب) التقرير السنوي الثاني:
حاول التقرير الثاني تبرئة المجلس من ردود الأفعال على التقرير الأول، وتقديم التوبة والاستغفار عن حسناته، وكأن محرري التقرير حاولوا تقديم اعتذار للدولة عن إقرارهم حدوث انتهاكات لحقوق الإنسان، نتيجة مسئولية بعض أجهزة الدولة.
ويبدو أن ذلك جاء على أثر توجيه وزارة الداخلية انتقادات حادة للتقرير، أكدت فيها أن المجلس ليس له حق التدخل في طريقة إدارة الوزارة في تنظيم السجون ومقار الاحتجاز التابعة للوزارة .
وقد أحدثت الانتقادات التي وجهتها أجهزة الدولة للتقرير الأول، انقلاب في منهجية التقرير الثاني، وطريقة تناوله وعرضه لأوضاع حقوق الإنسان في مصر ، وهو ما عبر عنه السيد / بهي الدين حسن عضو المجلس ومدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، في رسالة وجهها لأمانة المجلس يرفض فيها التقرير وينتقد طريقة مناقشته داخل لجان المجلس ، وأكد أنه فوجئ هو وغيره من الأعضاء بورود أنباء في وسائل الإعلام تناولت عرض التقرير على السيد رئيس الجمهورية، وذلك دون عرضه بصورة نهائية على أعضاء المجلس، وهو نهج قد اعتاد المجلس إتباعه في العديد من الأمور، وسبق وأن قدم ثلاث أعضاء من المجلس، مذكرة تنتقد طريقة إنفراد رئيس المجلس ونائبه والأمين العام لقرارات عدة منذ بداية عمل المجلس .
والواضح أنه بعد ردود الأفعال على التقرير الأول، فأنه قد صدر قرار بتحجيم دور أعضاء المجلس المنتمين لحركة حقوق الإنسان وإبعادهم عن رئاسة اللجان والتضييق عليهم أثناء مناقشة قضايا حيوية مثل انتخابات الرئاسة والانتخابات البرلمانية والجريمة التي ارتكبت في حق اللاجئين السودانيين .
وقد اكتفى التقرير الثاني بتوثيقه لبعض الأمور التي تتعلق بحالة حقوق الإنسان في مصر دون أن يبدى رأيه فيها واستخدم لغة تهوين وتبرير عند تناوله مناقشة قضايا حيوية وتجاهل قضايا لا يمكن تجاهلها.
والمرصد يرى أهمية التوقف عند عدد من الملاحظات الهامة التالية:
1. تناول التقرير الأول فصلاً كاملاً عن المساهمات المصرية في إقرار الشرعية الدولية والإقليمية لمبادئ حقوق الإنسان، ومدى اتساق الدستور والتشريعات المصرية مع تلك المبادئ، والحقيقة أن التقرير جاء مخالفاً للواقع، واكتفى بعرض تصديق وتوقيع الحكومات المصرية المتعاقبة على تلك الصكوك والمواثيق،وتعرض لتحفظات الحكومات الموقعة عليها دون مناقشة تلك التحفظات من منظور حقوقي.
ولم يتعرض التقرير للصكوك والمواثيق الدولية التي لم توقع أو تصدق عليها الحكومات المصرية، وتجاهل التقرير مناقشة التشريعات التي تتعارض أحكامها مع الاتفاقات الدولية، والتي شرعت قبل نفاذ وسريان المعاهدات والصكوك الدولية بعد توقيع الحكومات المصرية عليها، وإصرارها على عدم تعديل تلك التشريعات لتتوافق مع الاتفاقات الدولية. وتجاهل التقرير مناقشة قضية حيوية، وهى أن الدستور المصري الذي قد يبدو متوافقاً إلى حد ما مع المواثيق والاتفاقات الدولية، في مجالات كثيرة كحرية الرأي والتعبير وحق التجمع وحقوق الجمعيات والنقابات وكفالة الحرية الشخصية وحرية العقيدة، يحيل تنظيم تلك الحريات للقوانين بعيدة كل البعد عن روح المواثيق والاتفاقات الدولية والاتفاقات والأمثلة على ذلك كثيرة. …
2. التقرير الأول،عند استعراضه لتطبيق وتوقيع مصر على الاتفاقات الدولية، لم يناقش الملاحظات التي أوردتها اللجان المعنية بحقوق الإنسان، التي كان آخر اجتماع لها قبل صدور التقرير الأول ببضعة شهور، والتي وجهت فيه انتقادات حادة لعدم التزام الحكومة المصرية بالأحكام الواردة في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، بتبنيها تشريعات تتناقض مع الأحكام الواردة في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، الخاصة بحماية الحق في الحياة، وحماية الأشخاص من التعذيب، وغيره من دروب المعاملة والعقوبة القاسية، والحق في الأمان الشخصي، وحرمة الحياة الخاصة، وحرية السفر والتنقل، وحرية الرأي والتعبير.
ووجهت اللجنة انتقادات حادة لقانون العقوبات المصري 58 لسنة 37، كما وجهت انتقادات للقصور التشريعي في مواجهة الانتهاكات الواردة على (الحق في الأمان الشخصي وحرية الحياة الخاصة) وكذلك القيود الواردة على تنظيم وتكوين منظمات المجتمع المدني بمفهومها الواسع(أحزاب ،نقابات، جمعيات أهلية)
3. تعامل التقرير الأول والثاني مع جريمة التعذيب في مصر، باستخفاف شديد فهو إما يعتبرها مجرد مشكلة تشريعية أو أنها مشكلات فردية ناتجة عن انحراف في سلوك بعض الأشخاص المنتمين للأجهزة الأمنية.
فجريمة التعذيب في مصر سلوك منظم ومنهجي يمارس بشكل روتيني من قبل الأجهزة الأمنية، ولا تعتمد على غيره في عملها، وأصبح مكون ثقافي في لتلك الأجهزة، والحقيقة أن جريمة التعذيب تمارس بشكل منهجي في السجون المصرية ومقرات الاحتجاز التابعة لوزارة الداخلية وأقسام الشرطة.
وقد أوردت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان ملاحظات على عدم التزام الدولة باتفاقية مناهضة التعذيب، ووجهت انتقادات حادة حول ظاهرة التعذيب ضد المعتقلين بواسطة مسئولي تنفيذ القانون، وغياب الإجراءات التي تضمن الحماية الكاملة والتحقيق الفوري والحيادي، فيما يتعلق بحالات وفاة كثيرة للمحتجزين رهن التحقيقات، وانتشار أدلة متعلقة بالتعذيب وسوء المعاملة ،داخل المقار الإدارية التي تحت سيطرة إدارة مباحث أمن الدولة، وهو أمر انتشر نتيجة عدم وجود أي تفتيش على تلك المقار بواسطة لجان مسجلة.
والحقيقة أن المجلس القومي لحقوق الإنسان في تقاريره كان يجب أن يتصدى لعمليات التعذيب، بموقف حقوقي واضح يطالب بإعادة مراجعة تعريف التعذيب في التشريعات، ليتوافق مع الفقرة الأولى من المادة الأولى من اتفاقية مناهضة التعذيب. ويصدر عدة توصيات من أهمها معالجة القصور التشريعي وأثره على انتشار التعذيب والذي لم يعالج انضمام مصر للاتفاقات الدولية مثل قانون العقوبات في المواد 129،126 ،282،وقانون الإجراءات الجنائية الذي يضع عقبات أمام الشاكي في جرائم التعذيب لا تمكنه من الحصول علي حقه ويحمي الموظفين العموميين المتهمين بممارسة جريمة التعذيب، والمطالبة برفع قيمة التعويض عن تلك الجريمة البشعة.
وتعديل بعض التشريعات التي تطلق يد الموظفين التنفيذيين في إدارة السجون ومقار الاحتجاز التابعة لوزارة الداخلية، مثل قانون تنظيم السجون رقم 369 لسنة 1956 والذي ينظم حقوق المساجين ويجعلهم عرضة للتعذيب والتنكيل من قبل الموظفين الإداريين المسئولين عن السجن.
4. تجنب التقرير الثاني ، تقييم تجربتين للانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وقد تجاهل التقرير مناقشة أول انتخابات تعددية رئاسية فى مصر بين أكثر من مرشح بطريقة جدية ، ولم يحدد موقفاً واضحاً من القوانين المنظمة لها، وأداء أجهزة الدولة ، والمخالفات التي شابته،واكتفى التقرير عن قصد بتقديم ما يشبه مواد وثائقية عن تلك التجربة كعرضه لنتائج الاستفتاء على تعديل الدستور، والسياق التشريع الذي جرت فيه الانتخابات ، وعرض الشكاوى الواردة له من منظمات المجتمع المدني، واكتفى بانتقاد نسبة المشاركة والأخطاء في الكشوف الانتخابية وهو ما اعترفت به كل أجهزة الدولة.
فهناك قصور واضح في التقرير لتجاهله طريقة تعديل المادة 76 من الدستور، والأحداث التي صاحبتها من هتك عرض الناشطات ، والتزوير الفاضح في استفتاء على المادة 76 ،والعوار الدستوري للقانون 174 لسنة 2005 بشأن تنظيم انتخابات الرئاسة،وطريقة تشكيل اللجنة العليا واختصاصاتها الإلهية بعدم الطعن عليها وانحيازها لمرشح الحزب الحاكم ، والتدخل الإداري والأمني من قبل أجهزة الدولة لمرشح الحزب الحاكم ، واكتفى المجلس بعرض شكاوى منظمات المجتمع المدني وردود أجهزة الدولة عليها.
ثم تأتى تصريحات لقيادات المجلس بعد مرور عام وأكثر على الانتخابات تنتقد تعديل المادة 76 وتصف انتخابات الرئاسة بالتهريج، فإن كان هذا رأيها فلماذا لم تذكره في تقاريرها.
أما الانتخابات البرلمانية فقد أصدر المجلس تقريراً منفرداً عنها وهو تقرير ضعيف للغاية في منهجيته وفى تقييمه لتجربة الانتخابات البرلمانية وقد حاول بقدر الإمكان تفادى التعرض للانتهاكات الصارخة التي مارستها أجهزة الدولة، وخاصة الأمنية منها أثناء العملية الانتخابية، واكتفى التقرير بعرض التعديلات الواردة على قانون مباشرة الحقوق السياسية (73) لسنة 1956 ، المعدل بالقانون (173) لسنة 1956، والقانون (38) لسنة 1972، المعدل بالقانون (175) لسنة 2005 ، في شأن مجلس الشعب،وذلك دون أن ينتقد التقرير ولو على استحياء مخالفة تلك القوانين للمعايير الدولية والإقليمية للانتخابات الحرة النزيهة.
ولم ينتقد التقرير طريقة تشكيل الجنة العليا للانتخابات واختصاصاتها المبهمة والإصرار على أن تكون لأجهزة الدولة التنفيذية وخاصة الأمنية منها دوراً في تشكيلها،وعرض التقرير العديد من الرسومات التوضيحية غير ذات قيمة للاستدلال على تعاون منظمات المجتمع المدني مع المجلس في الرقابة على الانتخابات، وقد استحوذت تلك الرسومات على أكثر من نصف التقرير، والباقي للشكاوى الواردة من المجلس وإليه ،ورد أجهزة الدولة عليها.
بينما تناول الانتهاكات يوم الانتخابات التي أجريت على ثلاث مراحل راح ضحيتها أربعة عشر مواطن فيما لا يتجاوز عشرون ورقة.
5. في مجال حرية الرأي والتعبير، تعتبر تقارير المجلس أن مشكلات حرية الرأي والتعبير في مصر، تقتصر على إحالة الصحافيين للمحاكمة، أو على المحاذير الواردة على حق إصدار الصحف والمطبوعات. وهو تعبير عن قصور شديد في فهم أعضاء المجلس لقيم وثقافة حقوق الإنسان ومن أهمها حرية الرأي والتعبير،فالاعتداء على حرية الرأي والتعبير يتم بشكل منهجي ومنظم من قبل الدولة، فهي منذ 1952 فرضت جهات رقابية أمنية ودينية وتشريعية، لأعمال رقابتها على متنفسات الرأي والتعبير.
فالتشريعات المصرية مليئة بالمواد التي تمثل اعتداء صارخ على حقوق المواطنين والجماعات في حرية الرأي والتعبير،فهناك القيود التي يفرضها قانون العقوبات (58) لسنة 1937،وقانون منع تداول الصحف والمطبوعات قانون(20) لسنة 1936، والرقابة على المصنفات الفنية والأشرطة السينمائية قانون (430) لسنة 1956 ، والقرارات المنفذة لها والقانون (73) لسنة 1979 ،والمعدل بالقانون(223) لسنة 1989 المنظم للإذاعة والتليفزيون ،و القانون (96) لسنة 1996قانون إصدار الصحف،هذا بالإضافة إلى التشريعات التي تفرض سرية المعلومات والوثائق ، وتجرم تداول المعلومات التي تتناول بعض الأجهزة الأمنية والرقابية في الدولة مع تعدد الجهات التي لها حق إحالة المواطنين إلى التهم في جرائم الرأي والتعبير مثل المدعى العام العسكري والمحامى العام لنيابات أمن الدولة وهى كلها سلطات استثنائية بالإضافة لسلطة النيابة العامة .
والتقارير لم تتعرض لنقد تلك التشريعات وتصدر توصيات واضحة للمطالبة بتنقية التشريعات المنظمة لحرية الرأي والتعبير، وجعلها أكثر تماساً مع الاتفاقات والصكوك الدولية التي صدقت ووقعت عليها الحكومات المصرية المتعاقبة. كما لم تتعرض التقارير إلى تدخل جهات رقابية دينية في أعمال الإبداع الأدبي والفني، وهو ما يعبر عن الخلفية الثقافية للأعضاء، وعدم تقديرهم لأفكار وقيم ثقافة حقوق الإنسان، فلم تتناول التقارير بالنقد الحق الذي أعطته وزارة الثقافة للأزهر الشريف بقانون يمنحه حق سلطة الضبطية القضائية، وإطلاق يده في مصادرة الأعمال الفنية والأدبية، و السلطة الممنوحة للكنيسة في الاعتراض على الأعمال الأدبية والفنية مثل حادثة شفرة “دافنشى”، والمؤسف أن تصدر تصريحات من بعض أعضاء المجلس مشجعة لهذا النهج.
6. الكارثة الكبرى هي الطريقة التي عالج بها التقرير الثاني المسألة القبطية،ومشكلات الأقليات الدينية ،مثل البهائيين،والشيعة وشهود يهوه، والاستخفاف الواضح بتلك المشكلات ،والتبنى الكامل لوجهة نظر الدولة وطريقتها لمناقشة تلك القضايا بل واستخدام نفس المصطلحات الواردة على لسان مسئولين بالأجهزة التنفيذية للدولة.
وهو ما يطرح مرة أخرى إشكالية المرجعية الحقوقية لأعضاء المجلس، وعدم تبنيهم لمرجعية حقوق الإنسان المنصوص عليها بالشرعة الدولية فالمجلس في مشكلة الأقباط اكتفى بعرض شكاوى واستخدم مصطلحات من نوعية (قلة الشكاوى وتضخيم بعض المشكلات، والتغني بإيجابية تعيين محافظ قبطي،ونقل صلاحيات رئيس الجمهورية إلى المحافظين في بناء دور العبادة لغير المسلمين وكأنه غاية المراد من رب العباد.
وهو تجاهل تام من المجلس لوجود تمييز ديني واضح في التشريعات المصرية وفى سلوك أجهزة الدولة يقع على غير المسلمين من السنة.
أما رد المجلس على شكاوى شهود يهوى، فهو مثير للسخرية فعندما يرد مجلس حقوقي على شكوى طائفة دينية، بأن مشكلتهم ليست في مصر وإنما في العالم كله،وأنها مشكلات يجب مناقشتها مع الكنيسة ،فانه تصريح من مجلس حقوقي بالسماح للممارسة انتهاكات ضد هذه الطائفة،وعدم اعتراف منهم بحرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية.
كما تجاهل المجلس كلية قضية البهائيين الذين شغلوا الرأي العام في مصر بعد صدور حكم قضائي بأحقيتهم في ذكر ديانتهم في خانة الديانة في بطاقات الهوية ، وعلى أثره يتم تهديدهم بالقتل، واتهامهم بالكفر من بعض السلفيين، وكل هذا والمجلس في صمت مطبق لا مبرر له إلا رضائه عن ذلك واعتباره البهائيين خارجين عن الملة والدين.
7. تبنى التقرير الثاني وجهة نظر الحكومة في أكثر من موقف دون أي مبرر، فهو يتحدث عن تطور إيجابي في مجال مكافحة التعذيب ،وهو شيء غير مرئي إلا للمجلس فقط،كما عبر التقرير عن تقديره لعدم إعاقة الحق في التظاهر السلمي للقوى الحزبية والشعبية،على الرغم من أنه لم تنتهي تظاهرة واحدة إلا وتحرش قوات الأمن بالمتظاهرين بالإضافة إلى التضييق المستمر على حقهم في التظاهر والتجمع السلمي،كما أيد المجلس دون إبداء مبرر وجهة نظر الحكومة في إصدار قانون لمكافحة الإرهاب لاستبدال العمل بقانون الطوارئ وكأن التشريعات المصرية خالية من القيود على الحقوق والحريات .
8. هناك خلل واضح واضطراب في منهجية التقرير الثاني والتقرير الصادر عن الانتخابات البرلمانية فهناك تداخل واضح بين عرض إنجازات المجلس وأنشطته، وبين رؤيته وتقييمه لأوضاع حقوق الإنسان.
خامساً: تقييم لمواقف المجلس من بعض قضايا حقوق الإنسان
(1) الموقف من منظمات حقوق الإنسان والجمعيات الأهلية التنموية والدفاعية:
في بداية عمل المجلس حاول المجلس صياغة علاقة بمنظمات حقوق الإنسان فيها تعالى شديد فإما الاحتواء أو الإقصاء وهو ما ظهر واضحاً، في معركة المنظمات الحقوقية في مراقبة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وقد حاول المجلس محاولات مضنية أن يجعل المراقبة تحت وصايته ، وهو ما رفضته المنظمات الحقوقية، ودخلت في معركة قضائية وإعلامية ، وحصلت على حكم قضائي 27266 لسنة 20 ق بأحقيتها في مراقبة الانتخابات البرلمانية ورفضت وصاية المجلس في ذلك، كما كان للمجلس موقف سلبي تجاه أعضاؤه المنتمين لحركة حقوق الإنسان وهما (حافظ أبو سعده ، بهي الدين حسن) فتم إبعادهم بقدر الإمكان عن لعب دور قيادي بالمجلس وزاد هذا النهج بعد دورهم في صياغة التقرير الأول وقد ضج العضوين بالشكوى من الطريقة التي يدار بها المجلس ومحاولة تهميش دورهم.
كما لم يتطرق المجلس بجدية في تقريره أو أنشطته لمشكلة حرية تنظيم الجمعيات الأهلية ، ولم يتعرض للنقد لقانون 84 لسنة 2002 ومواطن الخلل فيه من هامش الحرية في شروط التأسيس وسريان القانون على الجمعيات السابقة وإجبارها على توفيق أوضاعها والسلطة المطلقة للجهة الإدارية الممثلة في وزارة الشئون الاجتماعية في رفض قيد الجمعيات والتدخل في شئونها والنهج الأمني المستمر في التضييق على أنشطتها وعدم لتطرق لمشكلة الشركات المدنية العاملة في مجال حقوق الإنسان.
وتجاهل المجلس حوادث الاعتداء علي مراقبي الجمعيات في الانتخابات البرلمانية ، وتجاهل منع الأمن لبعض الأنشطة لأكثر من منظمة حقوقية، وفرضه لطوق أمني علي مركز هشام مبارك في أكثر من مناسبة.
(2) لم يصدر المجلس مواقف واضحة بخصوص القيود على حق تنظيم الأحزاب والنقابات العمالية والمهنية ، ووضع الدولة لمعوقات تشريعية وإدارية وقضائية ضد مشروعات حزبية جادة مثل الوسط والكرامة والتجاهل التام من المجلس لأحداث حزب الوفد وتلاعب لجنة شئون الأحزاب بمقادير الأحزاب المصرية ،وكذا القيود المفروضة على النقابات المهنية فكيف تفرض الحراسة على نقابة مهنية عريقة كنقابة المهندسين منذ أكثر من عشر سنوات، ويتم الاعتداء على المهندسين في وضح النهار أثناء عقدهم لجمعية عمومية شرعية، ولا تحترم الدولة تنفيذ أحكام قضائية صادرة لصالحها بحقهم في إنهاء الحراسة، وعقد جمعية عمومية ولا يتحرك المجلس ساكنا بموقف واضح وهو ما ينطبق على عدم تنفيذ الدولة لأحكام قضائية خاصة ببطلان تشكيل النقابات العمالية بتشكيلاتها المختلفة فى الدورة النقابية(2005-2006).
ونحن هنا بالطبع لا نطلب من المجلس التدخل لتغيير الأوضاع ولكن تحديد مواقف واضحة ، وإثارة قضايا حيوية تتعلق بالتضييق على الحق في التنظيم والمشاركة في إدارة الشئون العامة بدلا من الإفراط في الحديث عن الإيجابيات
(3) تجاهل المجلس لقضية “أيمن نور” رئيس حزب الغد وتعامل معها باستخفاف شديد مكتفيا بزيارة ميدانية لتفقد أحواله في السجن ، لذر الرماد عن الموقف المتخاذل للمجلس، فقد ارتكبت في حق أيمن نور أخطاء ومخالفات قانونية بالجملة،في إجراءات رفع الحصانة عليه، والقبض عليه بعد نصف ساعة من رفع الحصانة والاعتداء عليه أمام المارة في ميدان التحرير، وعدم التحقيق الجدي في شكواه للنائب العام بخصوص الاعتداء عليه واستخدام القوى المفرطة أثناء القبض عليه، وإحالته لنيابة أمن الدولة، على الرغم من الإدعاء بان قضيته جنائية ومعاملته معاملة مهينة في محبسه، والاعتداء على أنصاره ومنع هيئة الدفاع من دخول إلى المحكمة في أكثر من جلسة وعدم تطبيق معايير العدالة في حق المتهم ودفاعه في إبداء دفاعهم ودفوعهم كل ذلك ولم يتحرك المجلس ولم يصدر موقف واضح ولم يراقب الجلسات أو يتابع الشكاوى واكتفى بأخذ موقف محايد مثير للشك والريبة فى الانحياز للدولة في قضية واحد من أهم النشطاء السياسيين والحقوقيين في مصر في الآونة الأخيرة.
(4) جريمة اللاجئين السودانيين، وكان موقف المجلس منها مخجل للغاية، ولا يحتاج إلى تعليق ، كانت جلسة الاستماع مهزلة ، واستخدم قيادات المجلس عبارات لا تليق بهم لتبرير موقف الأجهزة الأمنية من استخدام العنف المفرط والقوة الغير مبررة لفض اعتصام اللاجئين وهى كارثة إنسانية لا يتصور أن يتعامل معها مجلس حقوقي بتلك الطريقة.
(5) تجاهل المجلس التعليق علي مشروع نادي القضاة لاستقلال السلطة القضائية،وتجنب مناقشة تقارير النادي عن المخالفات التي شابت الاستفتاء علي تعديل المادة 76 والانتخابات البرلمانية 2005، وتبني المجلس موقف الدولة في الأزمة الشهيرة مع القضاة، ورآها خلاف بين رجال السلطة القضائية ، وكان موقف المجلس مخزي فى محاكمة المستشارين الأجلاء “بسطاويسي ،مكي”، فلم يصدر المجلس موقف واضح ندد فيه بالتحرش الأمني بقضاة مصر أثناء توجههم لمقر عقد جلسة المحاكمة فى محكمة النقض،والتزم المجلس الصمت إزاء الاعتداء الوحشي على القاضي محمود حمزه.
وكان المجلس وقياداته متجاهلين لما يحدث فى القاهرة فى شهرى أبريل ومايو 2006 .
الذى كان الخميس من كل أسبوع فيهما تتحول القاهرة لثكنة عسكرية يمنع فيها مرور المواطنين ،ويتم إلقاء القبض على مئات النشطاء المتضامنين مع القضاة ، وإحالتهم لنيابة أمن الدولة للتحقيق معهم ،والاعتداء عليهم بقسوة ووصل الأمر للتحرش والاعتداء الجنسي على بعضهم من قبل الأجهزة الأمنية.
كل تلك الحوادث لم يصدر للمجلس منها موقف ولو بيان إدانة للممارسات الأمنية وطريقة تعامل أجهزة الدولة مع القضاة والمتضامنين معها،ولم يرسل المجلس أحد من أعضاؤه بالأصالة عنه لحضور التحقيقات مع المحالين إلى النيابات وهو موقف لن يغفره التاريخ لهذا المجلس.
(6) تجاهل المجلس التعليق على أحداث جسام مارست فيها أجهزة الدولة جميع أشكال الإنتهاكات ،من إنزال عقاب جماعى ،للتعذيب حتى الموت ، إخلاء قسري للقرى،استخدام العنف غير المبرر ، وهتك العرض والإعتداء الجنسى على المواطنين،فى تواطؤ فاضح من جهات التحقيق ،بتجاهلها الشكاوى المقدمة من الضحايا ووكلائهم ومنظمات المجتمع المدنى، وانتهى الأمر بإحالة الضحايا إلى القضاء ومكافأة الجلادين.
كانت تلك هي أحداث مجزرتى (سرندو،العريش) ،واكتفى المجلس بعمل جلسات استماع لها وتلقى شكاوى المتضررين ،وكان على المجلس عند التصدى لكارثة حقوقية بهذا الحجم أن يصدر إدانة واضحة لتلك الممارسات ومطالبة الدولة بمحاسبة المسئولين عن الانتهاكات بدلاً من ان يتحدث المجلس عن إيجابيات وتحسينات فى ملف التعذيب فى مصر .
(7) الموقف من التعديلات الدستورية :
لا شك أن موقف المجلس من المطالبة بتعديل المادة 76 ،77 كان موقفاً إيجابياً يستحق الثناء،وهو ما لاقى عليه انتقادات من قبل دوائر حكومية لموقف المجلس من مقترحات تتعلق بصلاحيات رئيس الجمهورية.
إلا أن المجلس تجاهل مناقشة قضايا حيوية يجب عليه مناقشتها لبعدها الحقوقى ،مثل مناقشة أن الدستور الحالى لا ينص صراحة على تعزيز قيم حقوق الإنسان واحترام مرجعية المواثيق والصكوك الدولية لحقوق الإنسان،وفتح الباب أمام مناقشة تعديل المادة الثانية من الدستور والتى صدرت تصريحات من نائب رئيس المجلس تحدث فيها على أن المادة الثانية خط احمر لا يمكن تجاوزه ،وهو مايعيد مناقشة خلفية قيادات المجلس الحقوقية وتبنيهم لأفكار وقيم وثقافة حقوق الإنسان، ولا شك أن المقترحات المقدمة من السيد/بهى الدين حسن عضو المجلس ومدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان،مقترحات متميزة يجب البناء عليها وتحمل قدر كبير من مطالب الحركة الحقوقية فى مصر
سادساً : توصيات المرصد
(1) أن المجلس القومي لحقوق الإنسان بصفته أحد المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان يجب مراجعة قوانينه ومطابقتها بالمعايير الدولية لإنشاء المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان(مبادئ باريس)
(2) تفعيل دور المجلس وتوسيع اختصاصاته وتمكينه من آليات لممارسة دوره فى مجالات الفتوى ومراجعة التشريعات والتصدي لقضايا حقوق الإنسان دون الإحالة إلي جهات عليا ، ومنحه اختصاصات تمكنه من مناقشة وتفعيل الملاحظات الواردة من المؤسسات الدولية التابعة للأمم المتحدة على أحوال حقوق الإنسان فى مصر ومحاولة تفاديها .
(3) تحقيق استقلالية المجلس بنقل تبعيته من مجلس الشورى وجعله هيئة مستقلة إدارياً،وإدراج ميزانية مستقلة له فى الموازنة العامة للدولة
(4) تغيير طريقة تشكيل المجلس بالاكتفاء بتعيين نصف أعضاؤه واختيار نصف الأعضاء بالانتخاب أو بتكليف ممثلى القوى الاجتماعية فى المجتمع المدنى من نقابات مهنية وعمالية وروابط الفلاحين ،الطلاب ،من اختيار ممثليهم فى المجلس
(5) منح المنظمات غير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان حق اختيار ممثليهم داخل المجلس على أن يراعى الاختيار تنوع مجالات العمل(دفاعية،تنموية،مرأة،طفولة)
(6) إلزام الأجهزة التنفيذية للدولة بالرد على ملاحظات وتقارير المجلس وخلق آلية تعاون بين تلك الأجهزة والمجلس لتلافى الملاحظات الواردة من المجلس في تقاريره السنوية والشهرية المسئول عنها تلك الأجهزة التنفيذية.
مرصد حالة الديمقراطية
الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية