13/7/2008

تابع مركز الكرمل للإعلام الرقمي باهتمام شديد مجريات السعي الحكومي نحو تمرير مشروع القانون المسمى ” بتنظيم ومتابعة البث المرئي و المسموع ” الذي قامت بإعداده وزارة الإعلام المصرية ، وأعربت الحكومة عن نيتها في عرضه على مجلس الشعب في الدورة البرلمانية القادمة، حيث عنت الدولة باعتماد سياسة تشريعية لتقنين أيدلوجية الرقابة الأمنية على كافة المنابع المعلوماتية الحديثة،مثل البث الفضائي و السلكي واللاسلكي و الذي يتم عبر الكابلات أو الشبكات الحاسوبية و الوسائط الرقمية وغيرها ،وهو الأمر الذي تؤكده الصلاحيات المطلقة الذي أعطاها مشروع القانون لما اسماه ” الجهاز القومي لتنظيم البث المسموع و المرئي ” الذي يديره 16 عضوا منهم أجهزة أمنية ، ولا يقدح في حكومية هذا الجهاز وجود أعضاء خارجة عنها “احدهم من ممثلي مجلس الدولة”، و” ستة آخرين من ذوي الخبرة ولا يعملون في المجال الحكومي ” طبقا لما ورد في صياغة المشروع ، لاسيما أن اختيارهم سيكون من صلاحيات ذات الجهة ، مما يبرز تعمد السياسة التشريعية لهذا القانون التوجه ناحية تركيز كافة محددات عملية البث الاعلامى بيد سلطوية الاحتكارية الحكومية دون منافسة .

بإلقاء نظرة عميقة على مشروع القانون الجديد، يتضح جليا انه في حقيقته لا يمثل انتهاكا فقط لحرية إبداء الرأي و التعبير و الإبداع و تداول المعلومات التي حض الدستور المصري على احترامها وكذا كافة المواثيق الدولية ، ولكن يتجاوز ذلك بكثير إلى انتهاك كم من الحقوق الإنسانية ابسطها الحق في الحياة الشخصية وخصوصية المراسلات ،لاسيما وانه يمنح الهيئة التنظيمية المعنية سلطة مراقبة كافة شبكات البث ضمنا تحت بند “التنظيم و المتابعة “، ليعد فعليا نموذجا تشريعيا مقننا لفكرة التجسس الأمني .

ومن هذا المنطلق فان مشروع قانون البث الفضائي المرئي و المسموع يعد مخالفا لصحيح لما ورد في الدستور المصري في المواد 45 ، 46 ، 47 ، 48، 49 التى قررت أحقية كل فرد في التعبير عن آراءه ،وحريته الشخصية ، و خصوصية مراسلاته ، عوضا على أن صياغته المطاطة واستعماله ألفاظ و مفاهيم مرنة دون وضع معايير محددة لها بالرغم من إقراره لعقوبات جنائية جزاءا لمخالفتها ، تشكل مخالفة لمبدأ “عمومية وتجريد القاعدة القانونية ” ، فمفاهيم كالسلام الاجتماعي و الآداب العامة ،والوحدة الوطنية،والمعلومات السليمة ،الشفافية ، الارتقاء بمستوى الرسالة الإعلامية ،ربما تصلح لصياغة ميثاق شرف إعلامي، وليس نصا جنائيا ، وهو ذات الشأن بالنسبة لأمر إحالة نص المشروع في إلزام المخاطبين به لوثيقة خارجة عن القانون نفسه ، وهى ميثاق العمل الاعلامى و البث الفضائي العربي المسموع و المرئي ليصبح جزءا ملزما من القانون ، كما يعد سلب النيابة العامة احد اختصاصاتها الأصيلة في تحريك الدعوى الجنائية وإعطائها لجهاز حكومي تابع في حقيقته “للسلطة التنفيذية “- تقليصا خطيرا لدور السلطة القضائية في مباشرة الدعوى الجنائية.

كما تجافى السياسة التشريعية التى تبنها مشروع هذا القانون كل ما ورد في المواثيق الدولية المعنية ، وخاصة المادة 19 في كلاً من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في المادة 19 منهما و التى تضمنت النص على حرية كل إنسان التعبير عن رأيه و اعتناقه لأراء الخاصة دون مضايقة، كما يخالف صراحة ما جاء ذكرا بالفقرة 2 من ذات المادة والتي تقر بحق كل إنسان في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو بأية وسيلة أخرى ، بالإضافة إلى انتهاك ما قرره إعلان الأمم المتحدة / اليونسكو / صنعاء 1966 الخاص باستقلال وتعددية مصادر الحصول على المعلومات ،و إعلان ويندهوك لعام 1991، و إعلان المآتا لعام 1992، إعلان سانتياغو لعام 1994 ، كذا المواثيق والاتفاقات الإقليمية ( الميثاق الأوربي ، الإفريقي ، العربي لحقوق الإنسان ).

وبناء عليه يبادر الكرمل للإعلام الرقمي بإطلاق حملة مصرية ضد مشروع قانون البث الفضائي المرئي والمسموع، ويتوجه إلي مؤسسات المجتمع المدني بالوقوف ضد تمرير القانون الجديد وتقنين الرقابة علي الحقوق و الحريات.