21/1/2008
إعداد
أ/ نبيل عزت محمود
المحام والباحث بالمعهد
مقدمة :
انتخابات نادي قضاة الإسكندرية تحرك الركود وتنفض الغبار عن مطالبة القضاة بقانون السلطة القضائية وتحقيق مبدأ الفصل بين السلطات ، حيث دارة الانتخابات بين قائمتين مثلت كلاً منهما تيار داخل القضاة مختلف عن الأخر فى المنهج والأسلوب ، القائمة الأولي هي قائمة المستشار/ البسيوني المدعومة من وزارة العدل أما القائمة الثانية فهي قائمة المستشار/ محمود الخضيرى المدعومة من النادي الأم بالقاهرة حول مقاعد مجلس إدارة النادى المكونة من أربعة عشر مقعداً ، وقد أسفرت الانتخابات عن فوز المستشار / إسماعيل ادهم البسيوني بمنصب رئيس مجلس إدارة النادي ونصف قائمته وسقوط المستشار/ محمود الخضيرى ونجاح نصف قائمته .
وقد أعادت هذه الانتخابات مرة أخري التساؤلات المطروحة حول مدي استقلالية القضاء في مصر وما إذا كان يعانى من تدخل السلطة التنفيذية أم لا ؟ ، وتوضح نتيجة الانتخابات فوز التيار المدعوم من وزارة العدل على تيار من القضاة يعد مناوئ لتدخلات الوزير فى شئون القضاة ، وقد بدأ الصدام بين وزارة العدل والتيار المدعوم من النادي الأم منذ الانتخابات البرلمانية عام 2005 ، وكيف أن تيار من القضاة اتخذ موقف يعد معادياً للسلطة التنفيذية بكشفه للعديد من حالات التزوير نتج عنه حدوث مواجهة مباشرة مع السلطة التنفيذية ، وبدورها استغلت السلطة التنفيذية صلاحياتها بمعاقبة اثنين من المستشارين اعتبرتهم خرجوا عن الدور المرسوم لهم فأحالتهم لمجلس تأديبي !.
فاستغلال النظام متمثلاً في وزارة العدل صلاحياته المخولة له لإسكات المطالب الإصلاحية ، والتى اتضحت فيما حدث في 16 إبريل عام 2005 عندما أمر وزير العدل محمود أبو الليل إحالة القاضيين مكي والبسطويسى أمام المجلس الأعلى للقضاء ، اعتماداً على نص المادة 98 من قانون السلطة القضائية ( والصادر برقم 46 لسنة 1972) والتي تمنح وزير العدل سلطات عديدة على القضاة وهي سلطات تنفذ فى صميم السلطة القضائية وتعكس مدي تدخل السلطة التنفيذية في استقلالية القضاء .
ويتضح من كل ذلك أن هناك تيار في السلطة القضائية يدعو إلى استقلال القضاء والذي وضح دوره في الانتخابات البرلمانية السابقة ، فمنذ ذلك الحين يحاول النظام بشتى الطرق تحجيم دور هذا التيار سواء بالتعديلات الدستورية وبمحاولة تمرير تعديلات لقانون السلطة القضائية يتيح للسلطة التنفيذية سلطات أوسع من الموجودة بذات القانون مما يتيح لها التدخل في شئون السلطة القضائية ويضمن السيطرة على الدعم المالى المقدم للقضاة ، وبدوره دعمت وزارة العدل تياراً من القضاة لمواجهة التيار المناوئ لها .
مما يعكس أن هناك تياران مختلفان داخل القضاة وظهر هذا الاختلاف جليا في انتخابات نادي القضاة بالإسكندرية عندما حدثت المظاهر الملفتة للنظر بالاتهامات المتبادلة بين التيارين ، حيث اتهم التيار الإصلاحي بأنه مدعوم من تيارات سياسية معارضه وبأنه يمارس أعمال توصف بالطابع السياسي ، وأيضا اتهام التيار الأخر بأنه مدعوم من قبل الدولة ، وأخيرا إظهار النوايا لوزير العدل بالتهديدات المباشرة أو غير المباشرة لترجيح تيار على الأخر ، وبملاحظة تلك الانتخابات ندرك مدي تأثير الحراك الاجتماعي والذي حث العديد من القطاعات في المجتمع علي المطالبة بانتخابات نزيهة و إعمال تداول السلطة إلا انه اصطدم بمصالح تري في إعاقته سبب لاستمرارها ، وسوف نحاول أن نحلل هذا المشهد بخصوص السلطة القضائية التي تضفي الشرعية علي ممارسات الدولة في محوران هما ، المحور الأول : مدي تأثير السياسة في السلطة القضائية ، أما المحور الثاني : تقييم تجربه التيار الإصلاحي .
المحور الأول: مدي تأثير السياسية في السلطة القضائية:ـ
نتيجة لحالة الحراك الاجتماعي التي ظهرت جليا في عام 2005 والتي أثرت علي فئات المجتمع المختلفة ومن هذه الفئات القضاة وترجع أهمية واختلاف هذا التأثير بالنسبة للقضاة باعتبارهم إحدى عناصر سلطات الدولة الثلاثة والتي تضفى الشرعية ، وقد ظهر هذا التأثير في صورة المطالبة باستقلال السلطة القضائية والسماح للقضاة بالدفاع عن أنفسهم والمطالبة بحقوقهم وتبني هذه المطالب تيار سمي بالتيار الإصلاحي واعتمد هذا التيار المواجهة المباشرة والتصعيد الإعلامي ، وخاصة أن مشاكل القضاة علي اختلاف رؤوس النظام تعتبر واحدة ؟ بداية من مذبحه القضاة بإصدار بيانه في 28 سبتمبر1968 اعتراضا علي ما أشيع من رغبته في إدخال القضاة للتنظيم السياسي ويذكر له أيضا مؤتمر العدالة وما تقدم به من إصلاحات ويأتي موقفه الهادف وتحقيق الفاعلية لعمليه إشراف القضاء علي الانتخابات سواء كانت رئاسية أو نيابيه أو غيرهما وكذلك قيامهم بحركة نشيطه في عام 1984 استردوا بها بعضا من الاستقلالية عن الوزارة وذلك بأن استعادوا ” مجلس القضاء الأعلى ” وهو التشكيل الاعلي الذي يتكون من كبار رجال القضاء ويشرف علي أداء العمل القضائي وشئون القضاء
وبالرغم من حركه القضاة في هذه الفترة إلا إنهم مازالوا يعانوا من قانون السلطة القضائية والذي كان قد صدر برقم 46 لسنه 1971 والذي يمنح وزير العدل سلطات عديدة علي القضاء وهي سلطات تنفذ إلي صميم إدارة العملية القضائية مما ضاعف من مطالبتهم مرارا بتعديل قانون السلطة القضائية وذلك للحد من سلطات وزير العدل ” السلطة التنفيذية ” رغم أن دستور 1971 نص فى المادة (166) نص علي استقلال السلطة القضائية وعلي أن ” القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون ” ولا يجوز لأيه سلطه التدخل في القضايا أو شئون العدالة ” كما نص علي أن القضاة غير قابلين للعزل
وبالنظر في ملف الأجور الخاص بالقضاء طالب التيار الإصلاحي بتحرير إرادة القضاة من الضغوط المالية وهو ما يتطلب ميزانيه مستقلة وتوقف تدخل وزارة العدل والتي هي جزء من السلطة التنفيذية وهو ما تحاول السلطة التنفيذية مقاومته وهو ما طالب به القضاة منذ عام 1983 بالنظر في ملف أجورهم
المحور الثاني: تقييم تجربه التيار الإصلاحى : ـ
مبدأ الفصل بين السلطات هو مبدأ دستوري لا تستقيم الأمور إلا بتطبيقه وبمشاهدة انتخابات نادي القضاة بالأسكندريه تجعلنا نبحث تقييم التيار الإصلاحي في المطالبة باستقلال السلطة القضائية في مواجهه تسلط السلطة التنفيذية وعلي اعتبار إن القضاة جزء لا يتجزأ من المجتمع وعليهم دور في تقدم هذا الوطن
ومن خلال متابعتنا للأحداث الأخيرة منذ عام 2005 نستطيع أن ندلل علي ازدهار حركه المطالبة بالديمقراطية ومقاومه النظام المصادر للحريات ومطالبته بالإشراف الدولي علي الانتخابات في مصر بصفه عامه والإشارة إلي أن استقلال القضاء لازال منقوصا و يتضح ذلك من تبعية التفتيش القضائي لوزير العدل بالأضافه إلي إشراف الوزارة علي الميزانية المالية للقضاء
ففي ظل عدم احترام القانون والتغاضي عن تنفيذ الأحكام القضائية المتعلقة ببطلان عضوية بعض أعضاء البرلمان والتي تتفق مع السياسة المتبعة للمسيطرين علي مقاليد الحكم وأبلغ مثال علي ذلك عبارة أن المجلس ” سيد قراره “؟!
كل هذا وغيره من رد السلطة التنفيذية بمنع الدعم المالي عن نادي الاسكندريه والذي كان رئيسه من أشد المطالبين بالاستقلال في مواجهه السلطة التنفيذية وكذلك اعتراض التيار الإصلاحي علي التعديلات الدستورية الأخيرة حيث فوجئ القضاة بتعديل هيئه قضايا الدولة وهيئه النيابة الاداريه وتسميتها بهيئات قضائية مستقلة وهو توصيف مغلوط لان الهيئة القضائية هي التي تفصل في المنازعات ولكن هذا التوصيف علي هذه الهيئات كان بحجج واهية إنها تسهم في تحقيق العدالة حيث أن الغرض من هذه التعديلات هو إضفاء صفه الهيئة القضائية علي هذه الجهات لإعطائها شرعيه مراقبه الانتخابات
بالاضافه إلي الاعتراض علي التعديلات الخاصة بقانون الإرهاب فالشرعية الدستورية مفادها إن الحرية الشخصية حق طبيعي ولا يجوز المساس بها إلا بأمر قضائي مسبب والمستهدف من هذه التعديلات هو إلا يكون للقاضي أي دور في إصدار هذا الأمر القضائي
وبالتالي فان هذا الأمر يعد انتهاك أخر من انتهاكات السلطة التنفيذية لسلطات السلطة القضائية في ظل عدم وجود تعريف واضح لقانون الإرهاب وحلول رجال الشرطة محل رجال القضاء في الضبط والإحضار بدعوي قانون الإرهاب والذي سيصبح مقننا بمقتضي الدستور مما يزيد من نظريه القهر التي يتعرض لها المواطن المصري علي أيدي النظام الحالي
وكذلك معارضته للتعديلات الدستورية الخاصة بنص المادة (88) من الدستور والخاص بإلغاء مبدأ قاضي علي كل صندوق انتخابي واقتصار الوضع علي لجنه مشرفه علي الفرز وإعلان النتائج دون مراقبه عمليه التصويت والتي سوف تكون تحت إشراف رجال التنفيذ وهو وضع لا يحتاج إلي تأويل أو تفسير من ناحية المصداقية في نزاهة الانتخابات .
وكذلك الاعتراض علي نص المادة (93) من الدستور التي تشير إلي إن محكمه النقض وهي اعلي هيئه قضائية في الدولة تختص بالتحقيق في صحة الطعون في عضويه مجلس الشعب ثم تقدم قرارها إلي المجلس وهو الخصم المطعون في عضويه احد أعضائه مما يعد انتهاك أخر من الانتهاكات التي تضاف إلي سجل انتهاكات مبدأ الفصل بين السلطات لان المفترض في أحكام محكمه النقض في طعون العضوية هي إحكام واجبه النفاذ وبالتالي نص المادة يتعارض مع هذا الفصل ويفقد مصداقية المجتمع في أحكام القضاء المصري .
ومن نظرتنا لتجربه التيار الإصلاحي نري أن القضاء المصري له طابع فريد يحسب له ويميزه عن باقي المؤسسات ألا وهو حفاظه علي هيبته ووضعه في مواجهه النظام وان كان الأمر يختلف بين التيار الإصلاحي الذي لديه آلية المواجهة مع النظام بالتصعيد ووقفاته الاحتجاجية وتيار محافظ له نفس الهدف مع الحفاظ علي مصالحه وتجنب حدوث صدام مباشر مع النظام.
والتساؤل الآن هل يعتبر المستشار محمود الخضيري وما يمثله من تيار فشل في تحقيق مطالبه ؟
الاجابه بعيدا عن الانحياز تتطلب أن نترك الفرصة لرئيس النادي الجديد والذي له أسلوبه المتبع في نيل مطالب القضاة العادلة والتي لا تخرج عن المألوف لكن لنا وجهة نظر حول ذلك الأمر لان هناك معطيات أخري دلت عليه التجربة في التعامل مع السلطة التنفيذية فالمتابع للحركة العمالية في مصر يري أن نيل الطبقة العمالية لمطالبها كان بالتصعيد والوقفات الاحتجاجية بعدما فشلت في نيل مطالبها عن طريق التوجه إلي المسئولين بهذه المطالب وبالتالي فان هذه المعطيات تعيد للطبقة العاملة اكتشاف نفسها وإمكانياتها وتطورها وتضع نفسها كمعطي رئيسي علي خريطة الازمه السياسية في مصر وذلك نفس الأمر نري أن يحذوا حذوه التيار الإصلاحي في القضاء المصري.