27/2/2008

إعداد
ا/ رامى عبد الرازق حافظ

المحام والباحث بالمعهد

مقدمة
يحاول مشروع قانون منع التظاهر الجديد الحفاظ على دور العبادة وما تمثله من قدسية لدى جموع المصريين ، والسؤال هل منع التظاهر يعد حلاً ؟

أن النظر للمذكرة الإيضاحية لمشروع القانون يجدها تستند على مبرر وحيد فى أصدار القانون هو الحفاظ على حرمة الأماكن المقدسة من المظاهرات والشغب أياً كانت دوافعه ، ونظراً لتاريخ النظام المصرى فى إطلاق الحجج والممارسة الناتجة عن تلك الأسانيد فلا يعد ذلك سبب مقنع وخاصة بعد إغلاق كافة منافذ وسائل التعبير ، فالمتابع من المهتمين لحالة حقوق الإنسان فى مصر يرون كيفية التعامل مع وسائل التعبير المتاحة للحركات الاحتجاجية المختلفة والتيارات السياسية ، والسؤال الآن هل يستطيع الأمن المصرى أقتحام دور العبادة من أجل فض المظاهرات ، (وخاصة فى الكنائس ) ؟

فمشروع قانون منع التظاهر الجديد بجوار القانون رقم 10 لسنة 1914 بالإضافة للقانون رقم 14 لسنة 1923 بجوار وثيقة تنظيم البث الفضائى والإذاعى المثيرين للجدل نتخيل أذن إمكانية ممارسة أى من وسائل التعبير فى ظل هذا المناخ ، فنحن لا نملك بالتأكيد رفاهية هايد باراك ، نعم لابد من عدم الخلط بما هو مقدس وما هو دينوى لكن حرية التعبير وغيرها من الحريات أصبحت فى حاجة للحماية من هذا التوجه المزعج لتقييد لحقوق كفلها الدستور والقانون ووضع الضوابط لتنفيذه ، فلماذا أذن أصدار قوانين أخرى لتكبيلها ؟

طرح الأسئلة الكثيرة ليست دعوة لعدم الفهم طبيعة تلك الممارسات التى تستهدف الحريات العامة فقط بل دعوة للمناقشة والبحث الجاد فى طريقة عمل نواجه بها تلك الهجمة الشرسة على تقييد كل وسائل التعبير المختلفة مهما كانت أسبابها ، أن قدسية أماكن دور العبادة لا جدال عليها والمسئول الأول عن الاتجاه إليه هو النظام المصرى ليتمتع الأفراد بالحماية التى تكفلها قدسية أماكن العبادة ، فالمنع والحرمان من كافة وسائل التعبير العديدة والمختلفة بترسانة من القوانين تحت زعم الضبط والحفاظ ومراعاة الظروف أصبحت أمور تحتاج للمراجعة والإقناع ، فمشاهدة أساليب التقييد المختلفة والتى تجد المتحمسين فى الدفاع عنها تجعلنا نتساءل عن كيف يريد النظام المصرى أن تعبر القوى السياسية عن وجهة نظرها تجاه قضايا المجتمع فى ظل هذا الحصار ؟

إقناع النظام المصرى أن القوى السياسية المعارضة والحركات الاحتجاجية هى ركن أساسى لبقاء الدولة المصرية أصبح درب من الخيال ، فقوانين الطوارئ والأحزاب السياسية وتنظيم التظاهر والمحاكم العسكرية ولائحة الطلبة وغيرها من القوانين لا تكفى النظام لسيطرة على الحياة السياسية والعامة فى مصر ، فقد أصبح من الضرورى نشر ثقافة حقوق الإنسان فمع صدور ذلك القانون تزداد المسئولية على كافة مؤسسات المجتمع المدنى فى وقف هذا الاعتداء الجديد على الحريات العامة والحقوق المتبقية .

ضعف مشاركة المواطنين فى الحياة العامة ناتجة عن مثل تلك الممارسات ، فجميعنا يدعو المواطنين للمشاركة الفعالة فى صناعة القرار وممارسة كافة الحريات العامة ونرى حجم مشاركة المواطنين فى الانتخابات بعد التزوير والتلاعب فى النتائج تصل إلى 23% ، أن مشروع القانون الجديد يحتاج كثيراً من الدراسة والمناقشة والبحث فى طرح البدائل للكيفية صياغة أسلوب بديل لتعبير المواطنين والقوى السياسية عن نفسها فالعمل الأساسى لهذه القوى هو كسب تأييد كبرنامج بديل لما يطرحه التيار الحاكم فى أى دولة ، وسنناقش مشروع هذا القانون على محورين أساسين . المحور الأول :ـ المناخ العام .

يمارس على النظام المصرى ضغوط قوية من أجل تحول ديمقراطى حقيقى من الخارج والداخل فالجميع أصبح يعى أن بقاء تنظيم واحد على الحياة العامة يعد أمر غير مقبول ، وما تشهده المنطقة العربية من دواعى التفتت وأنهيار بسبب غياب الديمقراطية طيلة النصف قرن المنتهى أدى لما نحن فيه .

فنرى على الصعيد الدولى أصبح الاهتمام بالمنطقة العربية على قمة الأجندة الدولية وخاصة مراقبة عملية الإصلاح السياسى ، فالمفهوم السائد بعد أحداث 11 سبتمبر بأن غياب الديمقراطية عن تلك المنطقة تسبب فى موجات الإرهاب التى يعيشها العالم الآن ، بالإضافة إلى الفقر والجهل والمرض مثلث التخلف المتسبب فيها هى الأنظمة الشمولية والمستبدة فى المنطقة جعلت المنطقة العربية بيئة خصبة لانتشار التيارات السياسية التى تصطبغ بالدين وتصبح قوة تهدد مصالح الجميع وعلى رأسها مصالح الدول الكبرى .

أما على الصعيد المحلى تعد ممارسات وأخفاقات النظام المتتالية فى تحقيق أى تقدم ملموس فى أى مجال هو العامل الأساسى لزيادة الضغوط عليه ، فبعد أن كانت بعض التصرفات مشكلات عادية أصبحت أزمات فى حد ذاتها ، بالأضافة لحالة المنع لكل نشاط وخاصة بعد طريقة التعبير الجريئة لحركات المعارضة فى السنوات الأخيرة ، ويأتى ذلك فى ظل مناخ ممتلئ بالأزمات وبدلاً من الاستجابة لتلك الضغوط لإنجاز أى عمل على الصعيد السياسى بأعتباره الحل الذى يملكه النظام نجده يتصرف عكس كل التوقعات ضارباً بكل القواعد إذا افتراضنا أن هناك قواعد .

فإسكات كل القوى المطالبة بالصلاح أصبح هدف النظام المصرى فى تلك المرحلة ، فيحاول السيطرة على نشاط منظمات حقوق الإنسان بتغيير قانون الجمعيات واضعاً كافة الأسباب كذريعة لوقف نشاطها أو حلها حتى أنه ذهب إلى تغيير بعض نصوص القانون المدنى من أجل الأحكام على كافة المنظمات ، ويريد السيطرة على السلطة القضائية فيبعد رجال القضاء عن الأشراف على الانتخابات ويعدل قانون السلطة القضائية لمزيد من التحكم فى السلطة القضائية مع أنشاء محاكم موازية للمحاكم العادية يحق لرئيس الجمهورية تحويل مدنيين لمحاكمة أمامهم بل وينشئ محكمة نقض عسكرية ( بالأضافة لسكوت على تصرفات وزير العدل ) كل ذلك بعد السيطرة على الأحزاب السياسية الشرعية بالتحجيم أو التجميد ، ويأتى ذلك مع وقت صدور وثيقة البث الفضائى والاذاعى فلا يكفيه السيطرة على الحياة المصرية بل يريد السيطرة على المنافذ الخارجة عن سيطرته وهذه مجرد أمثلة .

ويظهر القانون محل البحث فى وسط تلك المشاهدات وفى ظل هذا المناخ مطالبين أن نعتبر المبرر الوحيد لصدور القانون مجرد من أى نوايا لتكبيل المعارضة ، والتصديق بأنه من أجل الحفاظ على قدسية دور العباد ونسى النظام أن قوى المعارضة الشرعية يمثل وجودها أمن القومى بالنسبة للدولة يجب الحفاظ عليها بما تمثله هذه القوى من عوامل ثقافية وأجتماعية بعيداً عن غلق كل المنافذ والمخاطرة بأمن الوطن ، فكم عانى الوطن من خطر الإرهاب وتبنى فصيل كبير لا يستهان به من الشباب أفكار بعيدة عن تراثنا العظيم فى التسامح والإخاء تحت زعم دواعى دينية الدين برئ منها ولا يمت لها بصلة .

المحور الثانى :ـ مشروع قانون منع التظاهر فى دور العبادة (تعليق).

يأتى مشروع القانون كما أنتهى إليه رأى المجلس فى أربع مواد بعد مناقشة المشروع المقدم من قبل الحكومة ، وتنص المواد على الأتى :ـ

” المادة الأولى ” يحظر تنظيم المظاهرات لأى سبب فى داخل أماكن العبادة أو فى ساحتها أو فى ملحاقتها .

” المادة الثانية ” مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد ينص عليها فى أى قانون أخر ، يعاقب على مخالفة الحظر المنصوص عليه فى المادة الأولى بالحبس مدة لا تجاوز سنة وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تجاوز خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا كان الجانى من الداعين إلى المظاهرة أو المنظمين لها .

ويعاقب كل من شارك فى المظاهرة بالحبس مدة لا تجاوز ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تجاوز ألفى جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين .

” المادة الثالثة ” يعاقب كل من حرض على مظاهرة أو حرض على المشاركة فيها بالمخالفة لأحكام المادة الأولى بالعقوبة المقررة بالفقرة الأولى من المادة الثانية حتى لو لم يترتب على التحريض أثر .

” المادة الرابعة ” ينشر هذا القانون فى الجريدة الرسمية ، ويعمل به من اليوم التالى لتاريخ نشره .

التعليق .
نعلم جميعاً أزمة الثقة الكبيرة بين المواطنين والعمل العام فى مصر وخاصة فى ظل ممارسات النظام فى التهميش والانفراد فى صنع القرار ، أيضاً النص على المواطنة فى مواد الدستور نريد الحفاظ عليها شكلاً وموضوعاً ويتحقق ذلك من خلال الممارسة ، والمعروف أيضاً ابتعاد الأقباط عن المشاركة وقد تداركت الكنيسة ذلك لكن بعد مرور الكثير ، يأتى القانون ليطيح بكل المجهود المبذول لعودة المواطنين إلى المشاركة وصنع القرار وممارسة حرية التعبير متحدياً مواد الدستور والمواثيق الدولية . وبالمقارنة بين المشروع المقدم من الحكومة ومشروع الذى انتهى المجلس إليه نجد أن أعضاء المجلس اتجهوا لتسويع النص وتشديد العقوبة ، ففى المادة الأولى نجد أن رأى المجلس أضاف ملحقات دور العبادة ، ونرى القانون فى المادة الثانية ينص على عقوبات شديدة الصارمة لأى سبب للمظاهرات وهو يعد نص مطاطى وبذلك تنضم تلك المواد إلى الكثير من مواد التى تحتاج إعادة صياغة ويفضل حذفها من أمثال القانون رقم 10 لسنة 1914 والقانون رقم 14 لسنة 1923 ، وهذا أتجاه فى المجلس يدعو للقلق على مصير الحريات العامة فى مصر .

وينص القانون فى المادة الثالثة على من هم الأشخاص الذين سيطبق عليهم القانون ، فنص المادة فى المشروع المقدم من الحكومة لم يذكر كل من حرض على المشاركة وتدارك المجلس ذلك ونص عليها ، وبذلك ستكون ثغرة سهلة التحقيق والخارجين على القانون من رجال الشرطة بأستغلالها .

والسؤال الآن ، كيف سيطبق القانون على المخالفين ؟
نعتقد أن تصرف الآمن بتاريخه المعروف سيكون أحد أزمات وثغرات القانون فالمشاعر الدينية لا يستطيع أحد الوقوف أمامها فى حالة أقتحام دور العبادة من أجل تنفيذ القانون ، نحاول أن نحافظ على المواطنة وأبعاد الدين عن السياسة لكن ذلك يتحقق بالفكر والتسامح وممارسة الحرية العامة وضمانها بعيداً عن المنع والحجر والتحدث بأسم المواطنين دون السماح لهم أنفسهم بالتحدث وطبقاً للقاعدة القانونية الشهيرة ” لا ينسب للساكت قولاً ” .