10/4/2008
إعداد التقرير التمهيدى قرنان وعشر سنوات هي عمر المجالس المحلية المصرية منذ أول إطلالة لها علي ساحة العمل العام في مصر تطورت خلالها التجربة وتحولت تلك المجالس من هيئات استشارية بدأت بعدد 16 مديرية علي يد نابليون بونابرت وتقلصت إلي 14 في عهد محمد على وظل وجودها كجنين خارج الرحم الإداري حتى جاء دستور 1923 ليعترف بنظام الإدارة المحلية في المادتين 132 و 133 وتكتمل الصورة بدستور 1971 الذي قسم مصر لوحدات إدارية لكل منها شخصيته الاعتبارية والتي نظمها علي مستويات هي ( المحافظة – الحي – المركز – المدينة – القرية ) القانون 43 لسنة 1979 والذي توجه إليه عديد من الاتهامات بسبب عدم قدرته علي تحقيق المستهدف من ورائه في تحويل مصر إلي دولة لا مركزية قادرة علي تلبية احتياجاتها وضمان مشاركة القطاعات الشعبية في إدارة شئون البلاد وهو ما كان نتاج لعدم وجود نص يضمن لأعضاء المجالس الحق في رقابة فعالة علي أداء السلطة التنفيذية التي منحها القانون في مقابل صلاحيات هائلة في تشكيل وحل المجالس المنتخبة إضافة إلي أن الطريقة الانتخابية التي اعتمدها النظام المصري في اختيار ممثلي الشعب في إدارة الشأن العام شابها قصور واضح في قدرتها علي إفراز الأكفأ والأفضل بسبب ممكنات التدخل التي جاءت كثيرا بأصحاب الحظوة والنفوذ والقبلية وغيرها من الاتهامات التي وجهت للنظام الانتخابي طوال عقود مضت وبما يفسر لنا السبب من وراء القرار التاريخي للرئيس محمد حسني مبارك بتعديل 34 مادة من مواد الدستور المصري والتي أطلق عليها البعض ( مبادرة تحديث مصر ) من منطلق كونها قد استهدفت بين أهم مستهدفاتها التي أعلن عنها الرئيس في خطابة لمجلس الشعب المصري إيجاد نظام انتخابي جديد يكون قادراً علي دعم تلك المجالس وضمان تمثيل للقوي السياسية المختلفة وإعلاء من شأن التعددية الحزبية وخلق نخبة سياسية جديدة وشابة تشارك فيها المرأة بنصيب واضح كما كان من بين مستهدفات التعديل إقرار قانون جديد للإدارة المحلية يدعم اللامركزية ويعطي للوحدات الإدارية صلاحيات وسلطات أوسع في إطار توفير الخدمات والحياة الكريمة للمواطن . وعلي هذا الأساس جاءت الدعوة لانتخابات المجالس الشعبية المحلية في مستوياتها الخمسة ( المحافظة – الحي – المركز – المدينة – القرية ) والتي اصدر الرئيس الدعوة لانتخابها يوم الثامن من ابريل 2008 وهو اليوم الذي شهد أحداثاً درامية يصعب إذا جاءت في قالب من الفنتازيا الدرامية أن نقبل بها فما بالنا وهي جزء من الواقع المعاش والذي يصعب تصديق وجودة أو التعايش معه خاصة مع الحديث المستمر عن الحراك السياسي والمجتمعي وظهور قوي اجتماعية جديدة تمتلك آليات منهجية في إدارة الصراع تختلف كثير عن الطرق القديمة والتي تجاوزها الواقع . ويمكن لنا أن نجمل ملاحظتنا حول انتخابات المحليات في عدد من النقاط التي تبين وجهه النظر الأولية حول ما شهده اليوم من أحداث انتظاراً لتحليل متكامل الرؤية يسعي المركز إليه خلال الأسابيع المقبلة وذلك علي النحو التالي :- أولاً :- يمثل مشروع ( صوت الناخب ) الذي نفذه مركز ماعت للدراسات الحقوقية والدستورية بدعم من مبادرة الشراكة الشرق أوسطية ( MEPI ) وبالتعاون مع مؤسسة عالم واحد للتنمية وجمعية التنمية الإنسانية بالمنصورة و شارك في تنفيذه عدد من الجمعيات في المحافظات المختلفة مثل جمعية العون لحقوق الإنسان بالقليوبية وجمعية العروبة لحقوق الإنسان بالإسكندرية ومركز العدالة بالغربية ومؤسسة العدالة بسوهاج نموذجاً رقابياً جديداً سعي المركز لتطبيقه لعدة أسباب لعل أهمها هو ضمان مشاركة المواطنين في العملية الديمقراطية وقياس درجة وعيهم بها وقراءة الإجراءات الانتخابية بشكل موضوعي من خلال العنصر الأهم في المنظومة الديمقراطية باعتبار أن الناخب هو العنصر الوحيد الذي لا يمكن الاستغناء عنة أو تقييد مشاركته بشكل مطلق في العمل العام وإلا فقدت الانتخابات قيمتها والهدف من ورائها . ثانياً : – أن جميع الجهات الرقابية استهدفت عدداً من الأفراد يشاركون في عملية الرقابة زاد عند البعض حتى قارب الخمسة آلاف مراقب وقل عند آخرين حتى وصل إلي بضع عشرات ولكننا استهدفنا في مشروعنا رقماً لا نخال غيرنا قد اقترب منه وهو العشرة ألاف مراقب بينهم ما يزيد علي تسعة ألاف ناخب جاء بالأساس للإدلاء بصوته ولكنه يملك في ذات الوقت ما يمكنه من قراءة الإجراءات والحكم عليها بالحيادية ذاتها المفترضة في المراقب العادي . فالمشروع يستهدف 94 دائرة ( جري توزيعها علي 21 محافظة لكن حسم الانتخابات بالتزكية في محافظات الإسماعيلية والفيوم جعلنا نختزلها في 19 محافظة ) وبالتالي صار لدينا 940 مراقباً ميدانياً يتعامل كل فرد منهم مع عشرة ناخبين فقط طوال اليوم الانتخابي بمعدل ناخب كل ساعة ليصبح لدينا 9400 ناخب يشاركون في عملية المراقبة بشكل غير مباشر إضافة لعدد من منسقي الدوائر هو 94 منسقاً ليصبح إجمالي فريق الرقابة الذي جمعنا معلوماتنا عن الإجراءات والانتهاكات والفعاليات الانتخابية من خلاله هو 10434 مراقباً نعتقد عن حق أنه غير مسبوق في عملية الرقابة علي الانتخابات المصرية . ثالثاً :- تم دعوة 36 مليون و 59 ألفا و 395 ناخباً لانتخاب 5185 مجلساً محلياً موزعة علي النحو التالي ( 27 ) مجلساً للمحافظة و ( 185 ) مجلساً للمدينة و ( 218 ) مجلساً للمركز و ( 79 ) مجلساً للحي و ( 1215 ) وحدة محلية وقروية و ( 3461 ) مجلساً قروي وهو العدد الذي تقلص حتى وصل إلي ( 25 )مليون ناخب بسبب حسم عدد كبير من الدوائر بالتزكية وإجراء الانتخابات في العديد من المستويات بسبب وجود مرشح وحيد يزيد عن العدد المطلوب انتخابه . وتبقي القضية الأهم متمثلة في عزوف الناخبين عن المشاركة والتي تمثل ضربة قاتلة لأي إصلاح مجتمعي لأنه بدون وجود عناصر شعبية واعية وقادرة علي الدفاع عن مصالحها فلا يمكن ضمان حتى لما هو موجود من امتيازات وحقوق المواطن الأمر الذي يضع القوة السياسية والمجتمعية في تحد مع النفس حول قدرتها علي رفع وعي الناخب بأهمية المشاركة وأثرها علي حياته دون أن نغفل دور الدولة في دعم عملية المشاركة ووضع برنامج قومي للوصول لها وهو ما قد يستفيض الحديث عنه في التقرير النهائي. رابعاً :- تم حسم نسبة تقارب 85 % من مقاعد المجالس المحلية بالتزكية بسبب عدم وجود مرشحين لخوض الانتخابات علي تلك المقاعد فمن بين ( 52 ) ألف مقعد تمثل إجمالي المقاعد التي يفترض إجراء الانتخابات عليها تم حسم ( 44 ) ألف مقعد بالتزكية ليتبقي فقط ( 8 ) ألاف مقعد تجري عليها الانتخابات بين قرابة ( 10 ) ألاف مرشح فهو ما يعني وجود ( 6 ) ألاف مقعد أخري محسومة بالتزكية بما يعني أن الانتخابات الحقيقية تجري علي ( 2 ) ألف مقعد فقط وبنسبة اقل من ( 4% ) من مقاعد المجالس المحلية مجتمعة وهي نسبة تظهر مدي العجز والضعف الذي تعيشه العملية السياسية وفقدانها القدرة علي إفراز جيل جديد قادر علي تجديد دماء الأجهزة الإدارية والتنفيذية وتحريك عجلتها بما يحقق صالح المواطن . خامساً :- فرض الحزب الوطني وجوده وإرادته وكلمته العليا علي الانتخابات رغم ما يتم توجيهه له من اتهامات إلا انه استطاع الخروج من المنافسة باكتساح هائل وهو مما يمكن أن نراه عند متابعتنا لخريطة الترشيحات علي مستوي ففي القاهرة نجح الحزب في حسم 24 دائرة بالتزكية لصالحه وفي الإسماعيلية والفيوم حسمت الانتخابات كاملة لصالحه ما عدا 10 مقاعد بالفيوم و18 مقعد بالإسماعيلية حصلت عليها إضراب المعارضة ممثلة في الوفد والتجمع والناصري وفي بني سويف حسمت خمس دوائر بالتزكية لتبقي الانتخابات في دائرتي بني سويف وببا علي ستة مقاعد فقط وفي الجيزة تم حسم 11 مركز بالتزكية وفي الإسكندرية 7 دوائر وفي البحيرة 6 دوائر وفي أسوان 450 مقعداً بالتزكية توزعت علي النحو التالي ( 110 ) مركز ( 48 ) مدن ( 292 ) قرية وفي الدقهلية ( 3782 ) مقعد بالتزكية في ( 228 ) مستوي وفي المنوفية ( 2792 ) مقعد بالتزكية وفي كفر الشيخ ( 2067 ) مقعد بالتزكية في ( 120 ) مستوي وفي سوهاج ( 1604 ) مقعد بالتزكية في ( 91 ) مستوي وفي الأقصر ( 432 ) مقعد بالتزكية في ( 9 ) قري. وتبقي انتخابات الشتات التي يضمن الوطني أغلبية كاسحة فيها أيضا ففي أسوان تجري الانتخابات بين ( 1808 ) مرشح يتوزعون علي النحو التالي ( 1458 ) حزب وطني ( 302 ) مستقل ( 48 ) قوي المعارضة وفي البحيرة تجري الانتخابات في ( 9 ) مراكز بين ( 3534 ) وطني و ( 64 ) معارضة وفي سوهاج تجري الانتخابات بين ( 841 ) مرشح يتوزعون علي النحو التالي ( 718 ) وطني ( 5 ) تجمع ( 1 ) وفاق ( 117 ) مستقل وفي المنوفية تجري الانتخابات علي ( 68 ) مقعد في ( 4 ) دوائر ترشح لها ( 72 ) مرشح . أن الأرقام السابقة وان كانت تشير إلي هيمنة ساحقة للحزب الوطني علي مقاعد المجالس المحلية تتناقض بشكل كبير مع تركيبة مجلس الشعب الذي يعتبر أكثر المجالس تعبيراً عن أرادات الناخبين بما يشير إلي وجود شيء غير طبيعي يحتاج إلي إصلاح كبير خاصة وان الانتخابات الداخلية للحزب الوطني قد دارت حولها شبهات وعواصف سبق لنا الحديث عنها في التقرير التمهيدي الأول والذي يمكن لنا معه أن نتحدث عن ضرورة البحث عن نظام بديل يضمن المشاركة الشعبية ووجود تنافس حقيقي بين كوادر مؤهلة ومدربة يمكن لها أن تقدم الجديد فكراً ومواقفاً في مجالس يفترض فيها أنها صاحبة السلطة الحقيقية في إدارة شئون البلاد وخدمة المواطنين . سادساً :- قدمت المعارضة المصرية المتمثلة في 23 حزباً بخلاف الحزب الوطني الحاكم ما يقرب من ( 1700 ) مرشح فقط للتنافس علي ( 52 ) ألف مقعد وهي نسبة هزيلة للغاية لا يمكن معها تصديق وجود حياة حزبية حقيقية في مصر رغم الطنطنة والظواهر الصوتية الاحتجاجية المتوالية والتي توهم بصورة خلاف الواقع كثيراً حيث تنافست الجبهات داخل الأحزاب بشراسة تفوق تنافسها مع الأخر وطرحها لنفسها كبديل محتمل للحزب الوطني فرشح وفد ( أباظة ) ( 535) مرشحاً في مواجهه ( 50 ) مرشح لوفد (نعمان ) ورشح غد ( موسي ) ( 117 ) مرشحاً في مواجهه ( 28 ) مرشح لغد ( نور ) ورشح جبهة ( حرب ) ( 15 ) مرشحاً في مواجهه ( 10 ) مرشحين لجبهة ( السادات )بما يمكن لنا معه أن نقول أن صراعات الأحزاب الداخلية أقوي من صراعها علي السلطة وأن تنافسها علي مقاليد الحزب أهم عندها من التنافس علي مقاليد الحكم وربما كان في ذلك موضوعية شديدة منها واعترافا بأنه مع الوهن والهزال الشديد الذي تعيشه لا يمكنها الدخول إلي حلبة نزال بمثل تلك القوة . أما إذا حاولنا أن نلقي نظرة علي أحزاب المعارضة الرئيسية ممثلة في أحزاب ( الوفد – التجمع – الناصري ) فسنجد أن حزب الوفد قد قدم ( 535 ) مرشحاً في ( 23 ) محافظة نجح بالتزكية منهم ( 18 ) مرشح ينقسمون علي الفيوم ( 6 ) مرشحين والإسماعيلية ( 12 ) مرشح ليخوض الانتخابات مرشحون يتوزعون بين المحافظات التالية الشرقية ( 97 ) القاهرة ( 69 ) الغربية ( 46 ) قنا ( 39 ) البحيرة ( 31 ) الدقهلية (29 )القليوبية ( 24 ) الجيزة ( 23 ) أسوان ( 21 ) كفر الشيخ ( 19 ) بور سعيد ( 15 ) الأقصر ( 14 ) دمياط ( 12 ) الإسكندرية (11 ) أسيوط ( 9 ) المنيا ( 7 ) شمال سيناء ( 6 ) البحر الأحمر ( 6 ) الوادي الجديد ( 4 ) السويس ( 3 ) بني سويف ( 2 ) . وفي حزب التجمع فقد تقدم للترشيح ( 240 ) مرشح يتوزعون بين ( 24 ) محافظة بينهم ( 16 ) سيدة إضافة إلي ( 47 ) قبطي نجح بينهم ( 25 ) مرشح بالتزكية منهم ( 6 ) بالإسماعيلية ( 4 ) بالأقصر ( 2 ) بالفيوم (3) بالمنوفية (6) بشمال سيناء ليخوض الانتخابات مرشحون يتوزعون بين المحافظات التالية القاهرة (31)أسوان (26) القليوبية (23) الدقهلية (23) قنا (13) أسيوط(12) الإسكندرية (11) البحيرة (10) الشرقية (9) سوهاج (7) الجيزة (5) دمياط (4) السويس (4) بورسعيد (4) المنيا (4) الغربية (3) بني سويف (3) شمال سيناء (3) المنوفية (3) كفر الشيخ (2) مطروح (2) الأقصر (1). أما الحزب الناصري فتبقي له (138) مرشحاً بعد نجاح (13) مرشح بالتزكية وهو الأمر الذي يوضح قدرات الأحزاب المعارضة بشكل واقعي بعيداً عن وتهويلات وتهويمات متعددة لا يمكن القبول باستمرارها الخادع في منح تلك القوي السياسية حجماً ومساحة بعيدة عن مقدراتها الحقيقية رغم إقرار يقيني بتعرضهم لضغوط وممارسات حجمت إلي حد بعيد مساحة تنافسهم إلا أن الواقع أيضاً يشير إلي أنها حتى لو لم تتعرض تلك القوي المجتمعية لما تعرضت له ما كانت لتستطيع أن تخوض تنافساً مؤثراً علي مساحة رقعة الوطن فالوفد أعلن أن أقصي طموحاته تقديم (1770) مرشح والتجمع (600) مرشح والناصري (500) مرشح أي أننا أمام إجمالي لا يتجاوز فقط (2870) مرشح بنسبة لا تزيد عن 5% من جملة مرشحي الحزب الوطني والذي يفترض أن كل حزب من تلك الأحزاب الثلاث يمثل بمفرده بديلاً سياسياً محتملاً عن الحزب الحاكم لديه من السياسات والبرامج ما قد يكون نموذجاً صالحاً للتطبيق في الحالة المصرية لكن يبدوا أن الأفكار في واد والكوادر والقيادات المؤهلة في واد أخر. علي أن الكارثة الحقيقية تمثلت في قبول ورضا تلك الأحزاب بفتات صفقات جري عقدها مع الحزب الوطني ضمنت لها الحصول علي بضعة مقاعد رآها البعض انتصاراً ورأى آخرون فيها انكساراً لتعارضها مع مبادئ الأحزاب المعارضة في ظل هيمنة الوطني علي الأغلبية الكاسحة والمكتسحة من المقاعد فما قيمة (6) مقاعد للوفد و (2) للتجمع و(2) للناصري بالفيوم إذا حصل الوطني مقابلها علي ( 2350) مقعداً وما تأثير حصول الوفد علي ( 12) مقعد والتجمع ( 6) مقاعد والناصري (1) مقعد إذا ضمن الوطني بتنازله عنهم فوز مرشحيه بعدد (1266) مقعداً إضافة إلي أن البعض رأي في القبول بالصفقة تحقيقياً لأغراض شخصية مثلما حدث في وفد الإسماعيلية حيث اتهم محمد جمعه رئيس لجنة الوفد بمركز ومدينة فايد النائب صلاح الصايغ بمجاملة عائلته باختياره زوجته التي ترشحت لعضوية محلي مدينة الإسماعيلية وشقيقه الذي ترشح لعضوية محلي المحافظة ضمن صفقة التنازل التي تمت في مكتب المحافظ علي حساب مرشحين آخرين في حين وجه عباس بربري مرشح الوفد لمحلي المحافظة الصايغ بإساءة استغلال التوكيل الممنوح له في التنازل عن الترشيح لصالح أعوانه. علي أن الكارثة الأكبر في تلك الصفقات ما تم صباح يوم الانتخابات في مدينة المحلة التي تعيش أجواء اضطراب يدفع البعض ثمن تجاهله لها حيث كان الخوف الأمني بالغاً من خروج المواطنين من منازلهم للجان الانتخابات فتم عقد صفقة بين أحزاب المعارضة ( الوفد والتجمع والجبهة والجيل والعمل ) وبين الحزب الوطني تم بمقتضاها إنهاء الانتخابات بالتزكية وحصول الوفد علي (5) والتجمع (2) والعمل (3) والجبهة (3) والجيل (4) في الوقت الذي حصل فيه الوطني علي (181) مقعد بما يعتبره خيانة من تلك القوي للمواطنين الذين قيدت حريتهم بمباركة من المعارضة التي لا تمل من الحديث عن فساد ليس ببعيدة عنه. أن قبول أحزاب المعارضة بتلك الصفقات والتي جرت تأكيداً بمباركات من القيادات المركزية تشي بحالة التخبط والتناقض بين القيمي والنفعي في دوائر النخبة داخل الأحزاب السياسية ويؤكد علي حاجة المجتمع إلي خطاب سياسي مختلف ومثالي في تبنيه للأفكار ودفاعه عنها حتى يثق المواطن البسيط فيها وفي قدرتها علي أن تكون بديلاً ممكناً. سابعاً: رغم ما تعرض له الإخوان من عراقيل قيدت من قدرتهم علي المشاركة في الانتخابات المحلية وأدت في النهاية إلي إعلانهم بقرار مقاطعة العملية الانتخابية ودعوتهم للناخبين والقوي السياسية بمقاطعتها إلا أنهم استمروا في إتباع سياسة الخداع والتلاعب في مواقف يفترض أنها مبدئية ولا يجوز فيها سيادة المنهج النفعي. فقرار الانسحاب جري تبريره بما تعرضت له الجماعة منذ إعلانها عن المشاركة والذي حددته بتقديم (10) ألاف مرشح نجح منهم (5774) مرشح في تقديم أوراقهم بقي منهم عند إعلان الكشوف (498) مرشح لكن الكشوف النهائية وجهت ضربة اقوي للتنظيم الذي يوصم بالمحظور عندما لم يبقي له سوي (21) مرشحاً فقط رأت الجماعة أنها قدمت ثمناً باهظاً لاستمرارهم بوصول عدد المعتقلين بسبب الانتخابات إلي رقم يزيد علي ألف معتقل وكذلك عدم اعتداد السلطة التنفيذية بالأحكام القضائية التي حصل عليها المرشحون وبلغت (602) حكم من محكمة القضاء الإداري بتمكين المرشحين من الترشح وإدراج أسمائهم بالكشوف الانتخابية إضافة إلي (819) حكماً بإيقاف العملية الانتخابية. إن الضغوط وحملات التأديب التي تعرض الإخوان لها منذ إقدامهم علي الترشيح يمكن أن يمثل مرجعية مقبولة لقرار الانسحاب لكنها علي الإطلاق لا تفسر لنا تصريح محمد حبيب النائب الأول للمرشد العام للجماعة بأن (دعوة الإخوان للمواطنين والقوي السياسية بمقاطعة الانتخابات لا تعني مطلقاً سحب الـ (21) مرشحاً إخوانياً ) إلا باعتباره ورقة من أوراق لعبة الخلط التي تجيد الجماعة استخدامها للوصول لأهداف خاصة بالتنظيم فقط بغض النظر عن اتساقها مع المنهج السليم في العمل العام. الغريب في الأمر أن الجماعة التي اتخذت قرارها بشكل منفرد بخوض الانتخابات المحلية وتقدمت بمرشحيها دون تنسيق أو تواصل مع غيرها من القوي السياسية باعتباره قراراً خاصاً بها وحدها عادت مع اتخاذها لقرار الانسحاب بمهاجمة الأحزاب والقوي السياسية التي رفضت الانصياع لأوامرها وكأن إرادة الجماعة تمثل أمراً لا يجوز التساهل أو التكاسل في تنفيذه حتى لو تعارض مع مواقف وأهداف الأحزاب التي ربما كان في ضعفها ما أغري الإخوان باستغلاله لتحقيق أهداف لا تعود بالنفع سوي علي التنظيم وكوادره فقط. إن جماعة الإخوان المسلمين مطالبة بإعادة صياغة علاقتها مع القوي السياسية وتحسين صورتها في التعامل مع باقي القوي والأحزاب وهي الصورة التي اختلطت بمواقف وأحداث لم تراع فيها الجماعة سوي مصلحتها فقط حتى ولو علي حساب رفاق جمعهم بها الدرب ولو للحظات قصار مثلما حدث في انتخابات مجلس الشعب 2005 التي لم تحرص الجماعة فيها ( وبسبب حالة النشوة بانتصاراتها المتوالية) إلا علي نجاح مرشحيها ولو علي حساب مرشحي جبهة المعارضة الذين شارك الإخوان بصفقاتهم في إسقاط عدد من رموزها وأدت لتوتر في العلاقات مازال قائماً حتى الآن بينها وبين جميع الأحزاب. ثامناً : رسخت الانتخابات المحلية لآلية الطعن علي المرشحين بسبب أو بدون كوسيلة لإبعاد الخصوم المحتملين أو عرقلة خطط دعايتهم الأمر الذي يفسر السبب في ارتفاع أعداد الطعون بشكل كبير يظهر من الرصد التالي فقد بلغت طعون المرشحين بالقاهرة (700) والدقهلية (508) ودمياط (273) وبورسعيد (273) وكفر الشيخ (200) والجيزة ( 165) والغربية (113) والفيوم (70) وأسيوط (29) وبني سويف (27) وسوهاج (16) ومطروح (11) وجنوب سيناء (7). تاسعاً : شهد الانتخابات استمرار السلطة التنفيذية في عدم الاعتداد بحجية الأحكام القضائية الصادرة عن محكمة القضاء الإداري والتي رسخت لحقها في الفصل في الدعاوي المنظورة أمامها بالتأكيد علي أن قرار رئيس الجمهورية بدعوة الناخبين للانتخاب هو قرار إداري كما أن المجالس المحلية هي مجالس تنفيذية و عليه يصبح للمحكمة الاختصاص في نظر الدعاوي ومراقبة القرار الإداري. وجاء حكم محكمة القضاء الإداري الصادر قبل ساعات من بدء عملية الاقتراع بوقف الانتخابات وإلغاء التزكية في (7) دوائر بالقاهرة هي ( حلوان – التبين – البساتين – دار السلام – المرج – النهضة – الساحل ) إضافة إلي (11) دائرة بالجيزة هي (مدينة الجيزة – العجوزة – الدقي – العزيزية – البدرشين – الشوبك الغربي – إمبابة – الهرم – العمرانية – جنوب الجيزة – ناهيا ) كما تم إلغاء الانتخابات بكل دوائر محافظة بني سويف ماعدا اطسا وإلغاء التزكية بجميع دوائر الفيوم وذلك كنتيجة لما رأته المحكمة من تعنت الإدارة التنفيذية في تنفيذ الأحكام التي صدرت لصالح عدد من المرشحين بإدراج أسمائهم في كشوف الناخبين. إن عدم تنفيذ أحكام القضاء يشير إلي أزمة دستورية في العلاقة بين السلطات الثلاث الذي يفترض احترام استقلالية كل منها ونفاذ سلطتها في مجال اختصاصها وبما يجعل من الضرورة بمكان إعادة النظر في شكل تلك العلاقة وبحث مدي الحاجة إلي تعديل دستوري بعيد الهيبة لأحكام القضاء التي لا تنفذ والتي تقدم بسببها ما يزيد علي (1000) مواطن بدعاوي ضد محافظي ( القاهرة والجيزة وبني سويف والفيوم) فقط كما تقدم طارق قطب عضو مجلس الشعب عن دائرة مركز المنصورة بطلب إحاطة عاجل إلي رئيس مجلس الوزراء ووزير التنمية المحلية يتهم فيه محافظ الدقهلية أحمد سعيد الصوان بعدم احترام الأحكام القضاء لصادرة لصالح عدد من المرشحين بإدراج أسمائهم في كشوف المرشحين حتى وصل الأمر لقيام (7) من مرشحي أحزاب التجمع والوفد بإرسال إنذار علي يد محضر إلي الصوان يطالبونه فيها بتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة لصالحهم بإدراج أسمائهم في كشوف المرشحين. عاشراً: استكملت منظمات المجتمع المدني القيام بدورهم في دعم مشاركة الناخبين في الحياة العامة من خلال مراقبة الانتخابات العامة التي تجري في مصر وكشف ما قد يشوبها من عورات وتجاوزات فتقدمت (12) منظمة من منظمات المجتمع المدني بطلبات متابعة ومراقبة الانتخابات إلي المجلس القومي لحقوق الإنسان والذي قام بإرسالها إلي اللجنة المشرفة علي الانتخابات بوزارة التنمية المحلية حيث بلغ إجمالي طلبات المراقبة التي قدمتها المنظمات أكثر من (8) ألاف تصريح رقابي. ورغم قيام المجلس بدوره في استكمال طلبات الرقابة وإرسالها للجنة المشرفة فإن عدد من المنظمات قد انتقد دور المجلس وحملة مسئولية عدم استخراج تصاريح الرقابة لمراقبيه في مختلف المحافظات في تقاريره الرقابية التي صدرت يوم الاقتراع والتي يعلن مركز ماعت للدراسات الحقوقية والدستورية تقديره لها لكنه في ذات الوقت يوجه خالص تقديره للمجلس القومي لحقوق الإنسان علي تعاونه مع المركز في استخراج كافة التصاريح الرقابية لمراقبي مركز ماعت الذين تم طلب تصاريح لهم وتم استلامها من مقر اللجنة التابعة لوزارة التنمية المحلية بعد استكمال البيانات الناقصة. علي أن الأهم والذي ينبغي الوقوف أمامه بشيء من التأني هو الممارسات العملية خلال العملية الانتخابية والتي تشير إلي عدم احترام رجال الأمن والسلطة التنفيذية لتصاريح الرقابة حيث رصد عدد كبير من المراقبين عمليات المنع التي يتعرضون لها إضافة للاحتجاز أو الاعتداء عليهم من قبل رجال الأمن أو أنصار المرشحين بما يجعل من الضروري مناقشة الموضوع ووضع حلول مناسبة وجذرية لتلك المشكلة التي تتناقص مع القرار رقم (4) للجنة العليا للانتخابات بشأن التصريح لمنظمات المجتمع المدني المصرية بمتابعة الانتخابات والذي صدر بتاريخ 17/5/2007 وما سبقه من أحكام قضائية تمنح الحق للمؤسسات في مراقبة العملية الانتخابية. حادي عشر: تمثل الانتهاكات شكلاً قد يكون أصيلاً في النموذج المصري لإدارة العملية الانتخابية إلي الدرجة التي يكاد أن يتحول معها الانتهاك من عرف إلي أصل يندر أن يغيب عن الممارسات الانتخابية سواء نتج عن صراع تنافسي بين عدد من المرشحين لتقارب في الأصوات أو فرص الفوز أو كان بسبب حالات للاحتقان القبلي والعشائري الذي يؤدي في كثير من الحالات لأزمات وصدامات دامية أو جاء بسبب الصراع التنافسي بين القوي السياسية المختلفة في ظل سيطرة قناعات لدي أغلب القوي السياسية بسلامة منهجها وقوة حجته أمام باقي التيارات والقوي التي يغيب عنها جميعاً منهج إدارة الحوار والصراع السياسي بشكل سلمي وأدي إلي بروز تيارات للعنف السياسي والتزام بالبعض بمنهج القوة والبلطجة لفرض ما يريده وهو مما كان له أثر بارز في عديد من الصدامات والانتهاكات التي سيرصد لها التقرير فيما هو قادم حتى وصل الأمر لقيام بعض أنصار الحزب الوطني بالاعتداء بالضرب علي مرشح للتجمع بشمال سيناء ومرشح للوفد بالإسماعيلية ومرشح للناصري بدمياط بل وتسبب التنافس بين مرشحي الوطني علي القوائم الرسمية وغير الرسمية إلي قيام أحد المرشحين بتطليق زوجته نكاية في شقيقها الذي ورد اسمه في الكشوف الرسمية للحزب بالعريش. علي أن الأخطر والأكثر تأثيراً في الناخبين كان متمثلاً في انتهاكات جهاز الأمن الذي يفترض فيه حياديته ويقتصر دوره علي تأمين اللجان الانتخابية من الخارج دون أن يسمح له القانون بدخول مقار اللجان إلا في حالة استدعاء رؤساء اللجان لهم للتعامل مع موقف من المواقف الطارئة علي أن يغادروا اللجنة بمجرد انتهائه إلا أن واقع الحال قد شهد تدخلاً سافراً في أماكن عديدة فسيطر رجال الشرطة علي مداخل اللجان وفي كثير من الأحيان منعوا الدخول او الخروج من اللجنة كما كان رد فعلهم شديد العنف في التعامل مع المراقبين من منع لهم من الدخول إلي تقييد في حركتهم أو تواصلهم مع الناخبين وصولاً إلي الاحتجاز والاعتقال مثلما حدث مع مراقبي مشروع صوت الناخب إسماعيل منصور بدر بدائرة شبين القناطر بالقليوبية وحنان حسين وجمعه أشرف جمعه منسقي محافظة قنا وأحمد نجاح عبد الخالق مراقب بدائرة كرداسة وأحمد ثابت علي بدائرة الحواميدية الأمر الذي لم يقتصر علي مراقبي صوت الناخب فقط بل امتد ليشمل عدد أخر من المنظمات جري احتجاز ومنع مراقبيها من العمل بما يضع عديد من علامات الاستفهام حول الموقف المتشدد الذي لا يوجد ما يبرره والذي يلقي بظلال من الشك في قدرة الناخبين علي أحداث التغيير المنشود ويجعلهم يترددون كثير في الإقدام علي المشاركة ولعله المبرر الأكثر تأثيراً في عزوف الناخب المصري عن المشاركة. وفي هذا الإطار فقد تلقت غرفة العمليات بمركز ماعت للدراسات الحقوقية والدستورية تقارير من مراقبي الدوائر بالمحافظات حول الانتهاكات والتجاوزات التي تحدث أمام اللجان الانتخابية كان من أهمها ما يلي:-
|
[an error occurred while processing this directive]