25/5/2008

استقبل مركز ماعت أنباء مناقشة البرلمان المصري قرار رئيس الجمهورية مد العمل بقانون الطواريء ، دون الالتفاف إلي إلغاء حالة الطوارئ ذاتها إذا صدر قانون جديد لمكافحة الإرهاب ، بتعجب شديد واستغراب لا مثيل له ، ففي الوقت الذي تتزايد فيه الأزمة الاقتصادية للبلاد ويموت معها العباد في طوابير الخبز أو في صراع علي أنبوب البوتاجاز ، يتفرغ نواب الأغلبية في البرلمان لتمرير المزيد من القوانين السالبة للحريات والخانقة للحقوق ، ودون مبرر سنجدهم خلال ساعات وقد وافقوا علي قرارات الحكومة ودافعوا عن وجهة نظرها .. وبقوة .

ويذكر المركز أنه في 19 أبريل 2006 أعلنت الحكومة عبر أجهزتها الأمنية تهديد أمن البلاد بخطر ما يسمي بالخلايا الإرهابية النائمة ، و فوجيء الشعب علي شاشات التلفاز المصري بعرض صور 22 شابا ، جري توصيفهم علي أنهم خلية إرهابية تنمتي إلي ” السلفية الجهادية ” ، ولقبها الأمن ب ” الطائفة المنصورة ” ، ونسب إليها اتهامات ” التخطيط ” لاغتيال رجال دين مسيحيين ومسلمين ، وتفجير خطوط الغاز العالمية وعدد من المنشآت الحيوية داخل البلاد ، ونسبت الصحف الحكومية وقتئذ إلي مصادر أمنية أن هذه المجموعة جري اعتقالها قبل أيام قليلة ، وبعد نشر أخبار هذه المجموعة بأقل من 5 أيام تقريبا وافق البرلمان علي تجديد العمل بقانون الطواريء لعامين مقبلين انتهيا الآن .

وقد تابع المركز وعدد من المنظمات والنشطاء الحقوقيين التحقيقات في قضية ” الطائفة المنصورة ” ، والتي انتهت بتبرئة أفرادها جميعا وإخلاء سبيلهم علي مدار الأشهر الماضية ، عدا 4 أشخاص جري تصنيفهم كقيادات عليا للمجموعة ، وإيداعهم الآن بسجن الفيوم ، والمفاجأة التي كشفها ” ماعت ” أن هذه المجموعة جري اعتقالها بشكل عشوائي من مناطق متفرقة بالقاهرة منذ أواخر يناير 2006 ، وجري الاحتفاظ بهم أمنيا لحين الإعلان عنهم كتنظيم إرهابي ، وقال عدد منهم في شهادات وثقتها المنظمات الحقوقية والصحف المستقلة أنهم تعرضوا لتعذيب شديد ، أما نيابة أمن الدولة العليا طواريء فأخلت سبيلهم لعدم وجود أي أحراز في القضية وغياب أي سند حقيقي للاتهامات المنسوبة إليهم ، كما جري تشتيت أغلب عائلات وأسر هؤلاء الشباب ولم يجر تعويضهم عن فترات اعتقالهم أو انتهاكات وقعت بحقهم .

وأرجعت تفسيرات أخري إعلانهم في ذلك التوقيت كمجموعة إرهابية إلي فشل العثور علي الفاعلين الحقيقيين في حوادث كنائس الإسكندرية المتفرقة في أبريل 2006 ، والتي نسبت فيها الاتهامات إلي ” مختل عقليا ” ، لكن الجميع كان متفقا علي اختلاق مبرر تجديد العمل بقانون الطواريء وقتئذ ، وهو وجود خلايا إرهابية نائمة ، لم يظهر لها مثيل خلال هذه الأيام التي تسعي الحكومة فيها إلي الحصول علي موافقة برلمانية بتجديد العمل بقانون الطواريء ، دون الانتباه إلي غياب أي مشاركة مجتمعية في مناقشة مواد قانون مكافحة الإرهاب الخفية ، خاصة وأن مراجعات فكرية أقرتها التيارات الجهادية داخل السجون وأعلنت معها الأجهزة الأمنية ترحيبها بوقف العنف وإزالة أفكار تكفير النظام الحاكم والمجتمع من عقول أفرادها .

إن المادة 148 من الدستور والتي منحت رئيس الجمهورية حق إعلان حالة الطوارئ ومدها ، أرجعت هذا الحق إلي ضمانات ، كإعلانها على الوجه المبين في القانون ، والعرض على مجلس الشعب خلال مدة محددة ، مع تحديد زماني ومكاني لتطبيق الحالة وتجديدها وفقا لذات الضمانات والشروط التي تحمي حقوق المواطنين الواردة بمواد الباب الثالث من الدستور ، ومثلها الموجودة بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، لكن ومنذ أكتوبر 1981 والحالة التي يقال عنها ” طواريء ” أو ” استثنائية ” أصبحت قاعدة لا تعتق حق الشعب المصري في الحرية الحقيقية ، حيث تعاظمت صلاحيات السلطة التنفيذية في ظل الطواريء علي حساب أي وكل شيء ، ومعها زادت الانتهاكات من قبل رجال السلطة بحق المواطنين ، وإمتلأت المعتقلات بخيرة شباب مصر دون مبرر ، وحرمت البلاد من أكفأ رجالها وعقولها بينما أحكام القضاء المصري لا تلتفت إليها السلطة ، وآخر مثال الأديب مسعد أبو فجر الذي حصل مؤخرا علي عدد من الأحكام القضائية التي لا تحترم .

والغريب إن البرلمان الذي يسعي لإرضاء الحكومة بمد العمل بقانون وحالة الطواريء ، وسن تشريع جديد بدعوي مكافحة الإرهاب ، هو ذات البرلمان الذي أصدر قانون مكافحة الإرهاب رقم 97 /1992 وأضاف موادا جديدة إلى القوانين القائمة وقام بتجريم بعض الأفعال الخطيرة على استقرار المجتمع وأمنه ، وشدد العقوبات على بعض الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات لتصبح جناية ، وقرر عقوبة السجن في جرائم الجنح ما إذا ارتكبت لغرض إرهابى ، كما حرمت القاضي من استعمال الرأفة في الأحكام الصادرة ضد أفعال إرهابية كما تبيح له المادة 17 من قانون العقوبات ذلك ..

إن العامين الأخيرين من تطبيق قانون الطواريء شهدا تغيرات خطيرة في البلاد تهدد باستقرار السلام المجتمعي ، تركزت أغلبها في متغيرات اجتماعية واقتصادية أثرت بشكل مباشر علي الطبقات الدنيا والوسطي وهددت القاعدة العريضة من المواطنين ، بعدما سقط أكثر من نصفهم تحت خط الفقر كما تؤكد التقارير الدولية ، وأصبح الفقر والقهر والذل سمات المواطن المطحون الذي لو أرادت الحكومة وحزبها وبرلمانها أمنه وسلامته ، لسعت إلي حماية حقوق الاجتماعية والاقتصادية وإلتزمت بتوفير الحد الأدني له من الغذاء والتعليم والصحة .. إلخ ، ولو أرادت ضمانات أكبر لمستقبلها ومستقبل مواطنيها لسعت إلي استصدار قوانين حقيقية لمكافحة الفقر الناتج عن الاحتكار الذي تؤيد قواه سياساتها ..

والمركز يؤكد إن الحكومة لا تنتبه إلي هذه المتغيرات بقدر ما يشغلها تقويض الحريات والحقوق ، ففي السابق كانت تفسيرات المحللين ترجع عمليات الإرهاب إلي التطرف في الدين وتفشي البطالة وتزايد معدلات العنف الأسري والمجتمعي ، والآن هي لا تنتبه كثيرا إلي حقيقة مفادها أن سياساتها المعنية بحماية المقربين إليها ، والمتجاهلة لحقوق غيرهم لن تفلح في مكافحة الإرهاب الذي ربما يتزايد بفعل الأزمة الاقتصادية الطاحنة ، ولن تفلح معه إعلانها عن ضبط ألف تنظيم وهمي علي غرار ” الطائفة المنصورة ” ..