22/2/2009
إعداد الأستاذ / محمد سالمان
الباحث بالمعهد
مقدمة :
يقول الله تعالى :
(مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)
صدق الله العظيم
تعد فكرة الوقف واحدة من أهم الأفكار التي ركز عليها الإسلام ونظم قواعدها لضمان تنفيذ هدف الوقف الأساسي وهو التقرب من المولى عز وجل وذلك في صورة تقديم منفعة للمجتمع دون مقابل ، وقد أسهم الوقف في المجتمعات العربية والإسلامية طوال تاريخها بالعديد من الإسهامات لذا نرى اهتمام المذاهب الفقهية الإسلامية علي اختلافها بتنظيم شئونه وتحديد قواعده ، لكن في ظل هذه الأوضاع الاقتصادية التي نعيشها نري أن دور الوقف تراجع بصوره ملحوظة وهذا يرجع للقوانين التي وضعت لتنظيمه منذ قيام الثورة وحتى وقتنا الحالى .
ونتيجة لتغيير النظام السياسى بعد عام 1952 واختلاف طريقة الحكم الذى كان يهدف لسيطرة الدولة علي كافة النواحى وكان منها “الوقف” ، فقد أصدر عدة قوانين منها قانون رقم 180 لسنة 1952 والقانون 247 لسنة 1953 والقانون 264 لسنة 1960 والقانون44 لسنة 1962 وغيرها من باقي القوانين التي نظمت الوقف والتي جاءت بالمخالفة للقواعد المتعارف عليها في أحكام الشريعة الإسلامية ، وهو ما تسبب فى عدم الإقبال علي الوقف وذلك لعدم تطبيق شروط الواقفين وتعمد سيطرة الحكومة على الوقف والتصرف فيه بعيدا عن إرادة الواقفين ، فنجد مثلا أن القوانين المعمول بها فى وقتنا الحالي نصت علي أن تكون الدولة هى الناظرة علي الأوقاف وهذا مخالف للشريعة حيث انه يجب إن يكون الواقف هو ناظر الوقف ، ونجدها نصت أيضا على انه يمكن للواقف أن يرجع في الوقف ويعد هذا مخالفا لما جاء بالشريعة وغيرها من الإحكام والقوانين التي سنتها الدولة بخصوص الوقف .
وترجع أهمية الوقف وتنظيم شئونه لمدي حجمه الكبير وتأثيره في خدمة المجتمع حيث انه قد قدم ما يعادل ثلث ما قدمته وزارة المعارف لخدمة التعليم أيام الحكم الملكى وهو ما تنبه إليه جيدا النظام الجديد لذا سيطر عليه لخدمة أهدافه ، وهو ما يدعونا الي إعادة النظر في أحكام القوانين المطبقة والمعمول بها في مصر بالإضافة إلى تنظيم إحكام الوقف المسيحية وهو ما يتطلب قانونا يراعي مبادئ المواطنة وخدمة الوطن .
وقد قدمت عدة اقتراحات لتعديل قوانين الوقف المعمول بها والتي تخالف أحكام الشريعة الإسلامية لإدارة الأوقاف ، وجاءت الدعوات من أعضاء مجمع البحوث الإسلامية وعلى رأسهم الدكتور محمد الشحات الجندى عضو المجمع ، ونحن في هذه الورقة سنعتمد علي محورين الأول توضيح القوانين المنظمة لإحكام الوقف والتي جاءت مخالفة لأحكام الشريعة المحور الثاني سرد المواد الجديدة المقترحة لقانون الوقف الجديد ورؤية المعهد فيما يخص هذه المواد .
المحور الأول :
توضيح القوانين المنظمة لإحكام الوقف وتخالف الشريعة الإسلامية
للوقف عدة تعريفات نختص بهذا التعريف لكونه الأقرب إلى المعنى الصحيح :ـ وهو تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة وهو من أعظم العقود في الشريعة الإسلامية وفيه من المصالح في حال الحياة وفي حال الموت من الشيء الكثير ولهذا جاء الشرع به ، والإنسان يكون حيا ثم يعمل الأعمال الصالحة ، فيريد أن يمتد عمله بعد وفاته فجاء الله وشرع هذا الوقف حتى يمتد عمله بعد وفاته ويبقى له أعمال البر والخير متصلة بعد وفاته وتستمر .
ويؤكد هذا فى الحديث الشريف والذي قيل فيه ” إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ” وترتيباً على ما سبق يتضح أن للوقف عدة عناصر أساسية وهى ( الحفاظ على الأصل ، لا يجوز بيعه أو تحويل ثمنه لمواد استهلاكية ويديره الناظر حسب شروط الواقف ، أن يكون منفعة الوقف دون مقابل ) ويجوز أن يكون الوقف لغرض دينى خاص كبناء مسجد أو كنيسة ، أو لغرض اجتماعى كبناء مشفى للمرضي وتقديم الخدمات الطبية مجانا او بأقل تكلفة أو بناء منشأت تعليمية تخدم المتعلمين وتساعد فى حل جزء من مشكلة التعليم ، أو لغرض خيرى كبناء ملجأ للأيتام أو بناء سكن للمغتربين أو لغرض اسرى كالبيت يقفه الشخص لسكن أولاده وذريته فقط .
الوقف لا يقصد به الربح حفاظا علي طبيعته وعلي أدارة الواقف ، يساهم نظام الوقف فى تحقيق المقاصد العامة للشريعة الإسلامية ومن الإحكام التى شرعت للوقف كواحد من أهم النظم التى نظمها الإسلام للأمة الإسلامية :
الحكم الأول : يشترط أن يكون الواقف جائز التصرف بأن يكون بالغاً حراً رشيداً فلا يصح الوقف من الصغير والسفيه والمملوك ، الحكم الثاني : ان يكون ناظر الوقف هو صاحب الوقف نفسه ، الحكم الثالث : انه لا يجوز الرجوع عن الوقف ، الحكم الرابع : عدم الجواز تغيير المنفعة المخصصة بالوقف ، الحكم الخامس : أن إدارة الوقف للشخص الذى خصص الوقف ، الحكم السادس : عدم الانقلاب على فكرة الوقف نفسها وإلغائه حتى إن كان هناك انحراف.
وترتيباً على ما سبق …
نجد ان القوانين الموضوعة والمعمول بها نص معظمها علي ما يلى :
- إلغاء الوقف الأهلى بسبب وجود انحرافات ، وهو ما جاء مخالفا للحكم السادس المذكور مسبقا .
- الدولة هي الناظرة على الأوقاف ، وهذا جاء مخالفا للحكم الخامس السابق ذكره .
- ان تتولي الدولة النظاره على الوقف ، ويجب ان يكون الواقف هو ناظر الوقف كما ذكرا في الحكم الثانى .
- يمكن أن تقوم وزارة الأوقاف بتغيير المصارف تبعا لما تراه ، بخلاف مايريده الواقف ، وهذا ايضا مخالف طبقا لما ورد في الحكم الرابع .
- يمكن للواقف ان يرجع في وقفه والاصل كما ذكرنا انه لا يجوز الرجوع فى الوقف مهما كانت اسباب الرجوع .
المحور الثاني :
المواد المقترحة لقانون الوقف الجديد ورؤية المعهد فى هذه المواد
بعد الاطلاع علي مواد مشروع القانون المقدم من النائب / صبحي صالح موسى عضو مجلس الشعب بعنوان ” تنظيم اعادة العمل بنظام الوقف في مجالى التعليم والصحة ” والتى جاء فى مواده ما يلى : تشير المادة (1) إلى رد جميع الاعيان سواء كانت عقارات ثابتة او اراضى زراعية او مبانى موقوفة على جهات صحية او تعليمية مرتبطة بها ايا كان نوعها الى الجهات الموقوف عليها ، وتشير المادة (2) ان يكون شرط الوقف متفق مع مفهوم الصدقه الجارية ،وتشيرالمادة (3) أن يختص القضاء المدنى وحده بالولاية العامة على الاوقاف المشار اليها فى المادةالاولى ، وتشيرالمادة (4) أن يتمتع الوقف بالامركزية والاستقلالية الادارية لكونه شخص اعتبارى وله ذمة مستقلة ، وتشيرالمادة (5) أن تلتزم الجهات الموقوف عليها بتقديم الخدمات الخاصة والعامة فى مجالات التعليم والصحة .
رؤية المعهد الخاصة بالمشروع القانون المقدم من قبل العضو
تكملةً لمسيرة المعهد الديمقراطى المصرى نحو هدفه للمساندة في الاصلاح بعتباره احد المنظمات التي اخذت علي عاتقها توعية المواطنين بحقوقهم الدستورية والقانونية وبعد مناقشة المشروع رأى المعهد ان :
لابد من تعديل البيئة التشريعية بحيث يكون هناك قانون موحد يحدد فيه القواعد العامة لنظام الوقف ولا يتعارض مع احكام الشريعة الاسلامية وتنطبق على الاوقاف اياً كان نوعها بالأضافة إلى أنه يقنن القانون المقترح وضع الاوقاف المسيحية بشكل لا يتعارض مع الديانة المسيحية ، كذلك أن يعطى القانون استقلالية قانونية وإدارية ومالية بما يحقق شروط الواقف ويلتزم بالقواعد المتعارف عليها للاوقاف .
وهنا يتضامن المعهد مع المشروع المقدم بخصوص ” تنظيم اعادة العمل بنظام الوقف فى مجالى التعليم والصحة ” كمرحلة انتقالية لوضع تشريع متكامل لوضع الاوقاف وخاصة في المطالبة بعودة الوقف من اجل تقديم خدمات طبية وتعليمية وكذلك نحو أى متطلبات مستحدثة فى المجتمع ، وكذلك المطالبة باصلاح النظام الإدارى للوقف واقامة دورات تدريبية للقائمين علي الاوقاف مما يؤثر بصورة ايجابية علي إدارة الوقف وعلى خدمة الهدف وكذلك المطالبة باصدار قانون موحد للوقف .