1/3/2009

قال الدكتور عبد الرحمن العايدي خبير الآثار العالمي ومدير منطقة آثار مصر الوسطي،أن مشروع قانون حماية الآثار الذي قدمه المجلس الأعلي للآثار لمجلس الشعب،يتضمن عقوبات تصل إلي السجن المؤبد علي عكس القانون الحالي رقم 117 لسنة 1983 والذي يعتبر جريمة الاتجار في الآثار جنحة وليست جناية،إلا أنه توقع أن تستبعد مناقشاته تغليظ العقوبة التي يري القائمون علي العمل بالآثار أنها رادعة وتحقق المصلحة العامة في الحفاظ علي تراث مصر ونتاجها الحضاري.

وأكد العايدي خلال الندوة التي اقيمت بالمعهد الديمقراطي المصري أمس والتي ناقشت مشروع قانون حماية الآثار،أن المشروع المكون من 54 مادة يعالج الروتين الحكومي في استحواذ إدارات الآثار علي أراض أثرية أو عقارات قبل تغيير معالمها،وقال أن خطوط التجميل ومناطق الحرم الأثري التي تحدد بنحو 3 كم علي الأقل وفقا لشروط اليونسكو،هي مسئولية خبراء الآثار وبالتالي لا تخضع تقارير المسح الأثري لتقديرات غيرهم،وأكد أن عضوية مصر بالهيئة الدولية كانت مهددة بسبب مناطق الخطر علي الآثار وبينها القرنة والفيوم والجيزة،وحذر من تدمير هرم ميدوم خلال 5 سنوات بسبب رشح مياة الزراعة حوله.

وكشف العايدي عن تخلف وسائل المسح الأثري في مصر واعتمادها فقط علي ذكاء وخبرة العلماء المصريين، وقال أن توفير الحماية للموقع الأثري ضعيف للغاية،وحذر من تمرير المادة 32 من القانون علي شكلها الحالي مؤكدا خطورة عمل البعثات الأجنبية في مصر تحت شعار التبادل الثقافي وعلي خلفية الزعم بأن علماء مصر غير قادرين وحدهم علي اكتشاف آثار بلادهم،وأضاف أن 9 بعثات صهيونية تعمل في مصر وخاصة في الدلتا وسيناء،وأن جهودها تركز علي كتابة تقارير تزعم بأن سيناء هي الوطن القديم لإسرائيل،حتي أن كتابين صدرا عنهما في تل أبيب الأول بعنوان “إسرائيل في مصر” والثاني بعنوان “إسرائيل القديمة في سيناء”،وهي بداية للتفاوض مع النظام المصري علي القبول بتوطين الفلسطينيين في سيناء إذا ما لم تستطع تل أبيب تحقيق حلم الدولة الصهيونية وخارطتها،لدرجة أن إسرائيل دست آثارا لها في شبه الجزيرة أثناء احتلالها لتقول بعد ذلك أنها أرضها.

وطالب العايدي بضرورة وضع مكافأة مجزية لحائزي الآثار والعاثرين عليها وتعديل المادة 23 من مشروع القانون في هذا الشأن،مؤكدا أنه لم يشترك في لجنة صياغة القانون وأنه جري استبعاد علماء لأن عضوية اللجنة كانت مطلوب فيها “مرونة معينة”،ووصف المادة التاسعة من مشروع القانون بالهلامية والتي تحمي حائزي الآثار والتي تعتبر أموالا عامة وتاريخا لا يجوز الإتجار به،وأكد أن الآثار الإسلامية لا تلقي الحماية الكافية في مصر وأن الفوضي تحكم مناطقها،وطلب التعامل بشكل حضاري وليس أمنيا مع ملاك العقارات التي تنزع ملكيتها للمنفعة العامة،مؤكدا أن القانون الجديد ربما يكون عقبة في طريق مخطط القاهرة 2050 حيث يخضع أي مخطط في مصر وكذلك الظهير الصحراوي للآثار قبل تنفيذه، ومطالبة بعض المسئولين بتنفيذ مشروعات من بينها المتاحف المكشوفة التي تسهل عمليات سرقة الآثار .

من جهته أكد محمد مندور الباحث في علم الآثار خطورة بقاء القانون الحالي نحو ربع قرن بلا تغيير وقال أن مشروع القانون الجديد تقصد به الحكومة استمراره ربع قرن آخر بدليل حديث المادة 38 منه عن رسوم دخول المناطق الأثرية بقرار من الوزير تصل إلي ألف جنيه للمصريين وخمسة آلاف للأجانب،وهي مادة تهدد القانون بعدم الدستورية في حالة موافقة البرلمان عليه.

وأضاف مندور أن المواد من 41 إلي 50 والتي تتحدث عن العقوبات تحسب لمشروع القانون الذي سيواجه بالرفض من قبل أصحاب المصالح وتجار الآثار الكبار،وقال أن اتفاقات الكواليس وراء تغيير التعامل الحكومي مع الحيازة،ولفت إلي أن تقارير الداخلية في مصر والانتربول تؤكد أن من يقف وراء القفص في قضايا تهريب الآثار مجرد فرد في عصابة كبيرة تضم صاحب المنزل والوسيط التاجر حتي أصحاب الحقائب الدبلوماسية وأصحاب العلامة الخضراء،وأضاف أن نسبة المضبوط من الآثار لا تزيد علي 30 % من الذي يتم تهريبه،خاصة أن زاهي حواس اعترف بتهريب أكثر من مليون قطعة أثرية خارج مصر وأن إجراءات التقاضي في القضية الواحدة بالخارج لاستعادتها تزيد تكلفتها علي نصف مليون جنيه،بينما اعترف المستشار هشام سرايا مدير نيابة أمن الدولة السابق بعودة الحكومة إلي التفاوض الودي مع حائزي وتجار ومهربي الآثار لاستعادتها رغم خروجها من مناطق غير مسجلة في مصر.

وطالب مندور باحترام الحق الدستوري للأفراد في الحيازة وتعويضهم بشكل عادل ماديا وأدبيا مؤكدا أن غياب التعويضات العادلة تدفع أصحاب العقارات الأثرية إلي تخريبها وإفقادها معالمها،واتهم مندور الحكومة بالاعتداء علي الأوقاف الإسلامية التي لا تعتبر أموالا عامة وإهانة الشعائر بالسماح بتجارة وورش صناعية حول المساجد التاريخية في القاهرة الإسلامية،كما أكد أن شرطة السياحة والآثار تعني بحماية السائحين علي حساب الآثر،حتي أن عمليات التفتيش لدخول المتاحف تتم عبر موظفي الآثار ولا تعاد في حالة الخروج من المكان،وحذر من اندثار صناعة الآثار المقلدة التي تسمح المادة 39 من مشروع القانون للمجلس الأعلي للآثار وحده بانتاجها ومنح التراخيص للغير بانتاجها.

وكشف مندور عن قيام مصر بالتسويق ل 10 مناطق أثرية فقط بجانب أزمة حوادث الطرق المتكررة فيها،وأكد إهدار أموال المجلس الأعلي للآثار علي تمهيد ورصف الطرق للوصول إلي مناطق الآثار وهي وظيفة المحافظين والمحليات،وأكد أن تطوير حراسة الآثار يتم مظهريا فقط عبر تغيير الخفراء أصحاب البنادق القديمة وتوظيف شباب بطبنجات بعضهم يحمل مؤهلات عليا في تخصص الآثار .

في المقابل أكد محمد عبد العزيز شعبان نائب الشعب عن حزب التجمع،أن نوابا بالبرلمان وشخصيات مجتمعية رفيعة المستوي يهمها أن تظل آثار مصر بلا حماية قانونية، وقال أن المثل الشائع في مصر وبرلمانها أن القانون كالعنكبوت يلف خيوطه حول الفقراء ولا يقطعها إلا الأغنياء والكبار،وأكد أن الشبهات تحوم حول كبارالمسئولين بالدولة في شأن حيازة الآثار بجانب وجود عمليات تنقيب عنها في مناطق قديمة تسود فيها عمليات الدجل والشعوذة.

واختتم شعبان مؤكدا أن المصلحة العامة وحدها تقتضي نزع ملكية الأراضي والعقارات مقابل تعويض عادل لأصحابها،وأن نمو حركة شعبية ومجتمعية ضد قرارات نزع الملكية لحساب المصالح الخاصة سيكون شديدا، وأكد النائب أن مخطط القاهرة 2050 لابد وأن يراعي واضعوه الحقوق الاقتصادية والاجتماعية الثقافية للمواطنين،مطالبا بإعمال خطط التطوير بدلا من التهجير في أغلب المناطق داخل إقليم القاهرة الكبري .

وطالب عماد رمضان مدير المعهد الديمقراطي المصري بضرورة وجود آلية ضغط علي المؤسسة التشريعية لتمرير قوانين عادلة تضمن حماية الحقوق والحريات في مصر،مشيرا إلي مشروع قانون حماية الآثار باعتباره أخطر المشروعات المقدمة للبرلمان والذي يستوجب إجراء حوار مجتمعي – علمي – برلماني واسع حوله،قبل تمريره وضمان دعم كافة أطراف العملية التشريعية له، صونا لتاريخ مصر وآثارها التي تعيد كتابة التاريخ وتثري البحث العلمي في جامعاتها.