31/1/2009

تمهيد
أجمع المراقبون على أن الهجوم الإسرائيلي على غزة لا يمكن تبريره بأنه دفاع عن النفس، بل إنه يتعلق بانتهاكات جديدة للقانون الدولي، ويشكل جرائم حرب تقترفها إسرائيل بحق المدنيين في غزة كما أن كبار القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين يتحملون المسؤولية الشخصية عن تلك الجرائم ويمكن محاكمتهـم عن طريق أي محكمة دولية أو عن طريق المحكمة الجنائية الدولية ، وقد توالت النداءات الشعبية ودعوات المنظمات الحقوقية والإنسانية الدولية المطالبة بإحالة مجرمي الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة إلى المحكمة الجنائية الدولية للاقتصاص منهـم على جرائمهـم الدموية المقترفة بأحدث الأسلحة المحرمة دوليا في مجزرة استمرت فصولها من يوم 17 ديسمبر 2008 وحتى 27 يناير 2009 ، وهكذا فالأمر أصبح لا يتعلق بمجازر ضد فلسطينيين أبرياء وإنما بجرائم حرب وإبادة إنسانية تستلزم تحرك كل أصحاب الضمائر الحية في العالم لمحاسبة المسئولين عنها .

ولا يمكن لإسرائيل أن تدعي الدفاع عن النفس، لأنها هي نفسها التي انتهكت الهدنة الموقعة بين الطرفين في شهر يونيه 2008 وذلك بفرضها للحصار الخانق على القطاع ورفضها القاطع والمستمر لتخفيف هذا الحصار ، وبرغم أن إسرائيل انسحبت من القطاع في العام 2005 إلا أنها لا تزال تسيطر على سواحل عزة وأجوائها ومنافذها البرية، ولذا فهي لا تزال تعتبر قوة احتلال، ويقع على عاتقها واجب حماية المدنيين في قطاع غزة.

و من النقاط المشجعة والتي يمكن أن تساعد في التحرك المزمع لملاحقة إسرائيل وقاضتها ، ما أقره مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في قراره الذي أدان فيه إسرائيل بسبب “الانتهاكات السافرة” لحقوق الإنسان في غزة. وصدر القرار غير الملزم بتأييد 33 عضوا وامتناع 13 عن التصويت ومعارضة كندا، بينما رفضته تل أبيب.

ودعا القرار الذي صاغته الدول العربية والآسيوية والأفريقية إلى إرسال بعثة دولية للتحقيق في الحملة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، ودعا تل أبيب للتعاون مع مثل هذه البعثة ، ولكن تل أبيب رفضت هذا القرار غير الملزم، وقالت إنه أحادي الجانب ويجسد “عالما خرافيا” يعيش فيه المجلس والذي يستهدف إسرائيل بصورة أساسية ، وأيدت القرار روسيا والصين ودول أميركا اللاتينية في المجلس، ومن بينها الأرجنتين والبرازيل.

وجاء في نص الوثيقة أن المجلس المؤلف من 47 عضوا “يدين بشدة العمليات العسكرية الإسرائيلية الجارية التي أسفرت عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان الخاصة بالشعب الفلسطيني وتدميرا منهجيا للبنية الأساسية الفلسطينية”.

كما أن هناك شهادات من بعض المنظمات الدولية والغوثية التي أيدت اقتراف إسرائيل لانتهاكات حقوق إنسان وجرائم حرب أثناء حربها على غزة فقد قال ” جونغ غينغ ” منسق وكالة الأونروا العاملة في فلسطين والتابعة للأمم المتحدة، إن هنالك الكثير من الحوادث الخطيرة في غزة بحاجة إلى تحقيق ودولي ” ، واتهـمت عدة هيئات حقوقية دولية تل أبيب باستخدام أسلحة لا تزال قيد الاختبار، وأخرى يحظر استخدامها في المناطق المأهولة.، كما تستعد هيئات حقوقية وإسلامية لرفع دعاوى قضائية على إسرائيل بتهـمة ارتكاب جرائم حرب في غزة .

المرجعية القانونية لمحاسبة إسرائيل
يهـدف القانون الدولي الإنساني بالدرجة الأولى إلى حماية المدنيين في فترة النزاعات المسلحة، وبالتالي فقد استوجب القانون أن يراعي المقاتلون ما يلي:-

  1. حماية الوحدات الطبية المدنية.
  2. حماية أفراد الهيئات الدينية.
  3. حظر الإضرار بالبيئة الطبيعية .
  4. حظر قتل الخصم أو إصابته أو أسره باللجوء إلى الغدر.
  5. حظر هجمات الردع ضد السكان المدنيين أو الأشخاص المدنيين.
  6. حماية الأماكن الثقافية وأماكن العبادة.
  7. حماية إرساليات الغوث، وتسهيل توزيعها السريع.
  8. حماية النساء والأطفال.
  9. حماية الصحافيين.

وأهـم المرجعيـات المحددة للقانون الدولي الإنساني والتي يمكن الاستناد إليها في محاسبة إسرائيل وتقديم المسئولين عن المجزرة التي ارتكبتها على مدار ثلاثة أسابيع متصلة إلى العدالة الدولية ما يلي :

  1. اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية التي عرضت للتوقيع عليها في 9 ديسمبر عام 1948 وبدأ نفاذ العمل بها في 12 يناير عام 1951
  2. اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949، بشأن حماية ضحايا الحرب.
  3. البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيـات جنيف، المتعلق بحماية ضحايا النزاعات المسلحة الدولية ( 1977 ) .
  4. البروتوكول الإضافي الثاني لاتفاقيـات جنيف، المتعلق بحماية ضحايا النزاعات المسلحة غير الدولية ( 1977 ) .

ورغم أن إسرائيل بالفعل ليست طرفا في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ، لكن يمكن محاكمة مجرمي ومرتكبي هذه الجرائم إذا قررت الدول الأعضاء في مجلس الأمن إنشاء محكمة خاصة لمحاكمتهـم، أو يمكن أيضًا محاكمتهـم أمام المحاكم الوطنية للدول التي تقبل ذلك، حيث تسمح القوانين الوطنية في العديد من الدول الأوروبية بمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان بغض النظر عن المكان الذي ارتكبت فيه، ومن أمثلة هذه الدول بلجيكا وهولندا و سويسرا .

والمحاكم المختصة بمحاكمة قادة إسرائيل هي محاكم الدول الأعضاء في اتفاقيات جنيف و المحاكم الدولية الخاصة و المحاكم الوطنية و المحكمة الجنائية الدولي،ويجب هنا أن ننوه إلى أن إسرائيل مرعوبة تماماً من الملاحقة القانونية للمتورطين في جرائم الحرب حيث قامت بتعديل قوانين بها وجعلت كل من يدلي بمعلومات عن إدانة أي إسرائيلي يعاقب بالسجن لمدة 9 سنوات كما أنها قامت بمنع 87 قيادة عسكرية إسرائيلية متورطين في جرائم الحرب من السفر إلي دول أوروبية خوفاً من مواجهتهـم بمذكرات القبض عليهـم خاصة بعد محاكمة عدد منهـم في دول مثل سويسرا وهولندا وإسبانيا وبريطانيا لذا فلا بد للدول العربية أن توقع علي اتفاقية جنيف الرابعة وجعلها جزءاً من التشريع الوطني حتى تستطيع النيل من هؤلاء المجرمين بدلاً من السماح لهـم بالتجول في البلاد العربية بحرية تامة دون خوف.

وهناك سوابق مشجعة لمحاكمة مجرمي الحرب الصهاينة؛ حيث استفاد ناجون من مذابح صبرا وشاتيلا من القوانين الأوروبية، ورفعوا دعوى ضد رئيس وزراء إسرائيل السابق “إريل شارون” أمام محكمة بلجيكية عام 2001 لمحاكمته على جرائمه، ولكن الضغوط الأمريكية والصهيونية انتهت لرفض محكمة الاستئناف البلجيكية القضية في يونيو 2002 بحجة أن قانون المحكمة لا يجيز محاكمة شخص لارتكابه جرائم ضد الإنسانية، إلا إذا كان هذا الشخص وقت رفع الدعوى متواجدا على الأراضي البلجيكية، وهي نفس الحجة التي أخذت بها محاكم ألمانية.

و الدول التي لها حق تحريك الدعوى الجنائية ضد إسرائيل هي: (الدول الأطراف في اتفاقيات جنيف الأربعة 1949) والتي يبلغ عددها 141 دولة و(الدول الأطراف في البروتوكول الأول 1977) والتي يبلغ عددها 146 دولة، و(الدول الأطراف في اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها 1948)، و(الدول الأطراف في اتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية 1968)، و(الدول الأطراف في اتفاقية لاهاي الرابعة الخاصة بقوانين وأعراف الحرب 1907)، و(الدول الأطراف في ميثاق الأمم المتحدة 1945)، و(الدول الأطراف في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية 1998)، بحيث يمكن لأي من هذه الدول أن تحرك الدعوى الجنائية ضد قادة وأفراد الجيش الإسرائيلي أمام المحكمة الجنائية الدولية .

خطوات محاكمة إسرائيل على جرائم الحرب التي ارتكبتها
هناك أربعة خطوات رئيسية يستلزم المرور بها لتقديم مجرمي الحرب الإسرائيليين إلى المحاكم المختصة وهي :-

  1. توثيق ورصد أدلة الجرائم، سواء كانت أدلة طبية (آثار استخدام أسلحة محرمة دوليا مثل الفسفور الأبيض أو القنابل) من خلال الأطباء في مستشفيات غزة، أو أدلة مادية بواسطة الخبراء العسكريين والكيماويين (شظايا القنابل، أو تحليل التربة والهواء… الخ)، أو تصريحات للقادة الصهاينة حول الأهداف في غزة المتصلة بالجرائم.
  2. رصد شهادات مسئولي المنظمات الدولية في غزة ، ممن فضحوا جرائم الحرب والذين سيكونون من أول شهود الإثبات مثل “جون جينج” رئيس عمليات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) بقطاع غزة، ورئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر “جاكوب كيلنبيرجر”، وكذلك رصد أنواع الأسلحة المحرمة التي استخدمت في الحرب مثل الفسفور الأبيض، وقنابل الحرارة والضغط الفراغية (thermo baric)، والقنابل الوقودية الهوائية (fuel air bombs)، والقنابل الصغيرة، والمتفجرات المحشوة بالمعادن (DIME).
  3. تحديد العناصر السياسية أو العسكرية الإسرائيلية التي ستوجه لها الاتهامات؛ باعتبار أن محاكم جرائم الحرب “فردية” تقتصر على محاكمة أفراد لا دول.
  4. تحديد الجهات التي سوف تتولى رفع القضايا على مجرمي الحرب (محامون – هيئات قضائية)، والجهات القضائية التي سيجري رفع القضايا أمامها ( المحاكم المحلية – الأوروبية – الجنائية الدولية).

الوقائع التي تؤكد ارتكاب إسرائيل لجرائم حرب في غزة .
أولا : استهداف المدنيين والأماكن المدنية
حيث نصت المــادة 51 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقية جنيف الرابعة على تمتع السكان المدنيون والأشخاص المدنيون بحماية عامة ضد الأخطار الناجمة عن العمليات العسكرية و أوجبت المادة أنه لا يجوز أن يكون السكان المدنيون محلاً للهجوم، كما حظرت المادة أعمال العنف أو التهديد الرامية أساساً إلى بث الذعر بين السكان المدنيين، كما حظرت كذلك الهجمات العشوائية واعتبرت الهجمات العشوائية هي تلك التي لا توجه إلى هدف عسكري محدد، أو تلك التي تستخدم طريقة أو وسيلة للقتال لا يمكن أن توجه إلى هدف عسكري محدد، أو تلك التي تستخدم طريقة أو وسيلة للقتال لا يمكن حصر آثارها ومن ثم فإنها تصيب الأهداف العسكرية والأشخاص المدنيين أو الأماكن المدنية دون تمييز ، كما اعتبرت المادة أن من الهجمات العشوائية الهجوم قصفاً بالقنابل ، والهجوم الذي يمكن أن يتوقع منه خسارة في أرواح المدنيين أو إصابة بهـم أو أضراراً بالأماكن المدنية .

كما نصت المادة 52 من البروتوكول على أن لا تكون الأعيان المدنية محلاً للهجوم أو لهجمات الردع ، وقصر الهجمات على الأهداف العسكرية فحسب، وتنحصر الأهداف العسكرية بحسب توصيف المادة في تلك الأماكن التي تسهـم مساهـمة فعالة في العمل العسكري.

وقد ارتكبت إسرائيل في حربها ضد غزة كل هذه المحرمات ، فعلى صعيد استهداف المدنيين فقد بلغ عدد الشهداء الفلسطينيين من جراء الهجوم الإسرائيلي الذي استخدمت فيه القوات الجوية والبرية والبحرية إلى مقتل أكثر من 1315 فلسطينيا بينهـم 410 أطفال وأكثر من 100 امرأة – والى إصابة أكثر من 5300 بجراح منهـم 1855 طفلا و795 امرأة ،علما بأن هذه هي الأرقام المسجلة لدى المؤسسات الصحية ، حيث أن هناك تقديرات ترتفع بهذا الرقم إلى 10000 جريح لأن نسبة كبيرة من الجرحى كانوا يتلقون العلاج في بيوتهـم لصعوبة الوصول إلى المستشفيات ، والمحصلة النهائية المتفق عليها أن قرابة 50% من ضحايا العدوان الإسرائيلي كانوا أطفال ونساء أي أنهـم مدنيين بالتأكيد ، كما أن الغالبية العظمى من النسبة الباقية كانت من المدنيين الذين لم يشتركوا في عمليات القتال ضد الإسرائيليين .

و أبرز الوقائع على ذلك قيام إسرائيل بقصف مقار وزارة الداخلية الفلسطينية مع أن الشرطة هيئة مدنية ، وقيامها بقصف مقرات عدد من الوزارات المدنية الفلسطينية منها مقرات وزارة العدل والمجلس التشريعي والدفاع المدني ووزارة التعليم إضافة إلى عدد من المحال التجارية والورش ، وكذلك قصف الكثير من المنازل باستخدام القنابل دون تحديد أهداف عسكرية معينة ، كما أن كل هذه الهجمات خلفت ضحايا من المدنيين أضعاف ما خلفته ممن أدعت إسرائيل أنهـم مقاتلين ، وقد مارست إسرائيل طوال حربها البربرية والممتدة لثلاثة أسابيع عملية تجويع للفلسطينيين ، كما أنها لم توفر البيئة الملائمة لانتقال المساعدات الإنسانية والغذائية إلى المحتاجين لها في قطاع غزة ، ويجب أن نذكر هنا أن عملية الحصار لشعب غزة كانت مستمرة طوال الشهور الماضية وحتى في ظل سريان اتفاق الهدنة ، وهو ما يمثل عقابا جماعيا كانت تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة ، وهو ما يتناقض مع نصوص القانون الدولي الإنساني ، حيث نصت المادة 54 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقية جنيف الرابعة على حظر تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب ، و حظر مهاجمة أو تدمير أو نقل أو تعطيل الأعيان والمواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين ومثالها المواد الغذائية والمناطق الزراعية التي تنتجها والمحاصيل والماشية ومرافق مياه الشرب وشبكاتها وأشغال الري، إذا تحدد القصد من ذلك في منعها عن السكان المدنيين أو الخصم لقيمتها الحيوية مهـما كان الباعث سواء كان بقصد تجويع المدنيين أم لحملهـم على النزوح أم لأي باعث آخر .

وقد وردت شهادات مثيرة لبعض شهود المذابح الإسرائيلية ومراسلي وكالات الأنباء وبعض المنظمات الحقوقية فيما يخص استهداف المدنيين ومنها مثلا ما ورد لوكالة أنباء إلى بي بي سي وجماعة إسرائيلية لحقوق الإنسان تفيد أن القوات الإسرائيلية أطلقت النار على فلسطينيين من سكان غزة كانوا يسعون إلى النجاة بأنفسهـم من منطقة القتال ، وقد اشترك صحفيو بي بي سي في غزة وإسرائيل في جمع معلومات تفصيلية حول هذا الموضوع حيث قال بعض المدنيين الفلسطينيين في غزة أن القوات الإسرائيلية أطلقت النار عليهـم بينما كانوا يحاولون النجاة بأنفسهـم بل وإن بعضهـم كانوا يرفعون أعلاما بيضاء.

إحدى الشهادات التي استمع إليها صحفيو بي بي سي و” جماعة بتسليم” الإسرائيلية لحقوق الإنسان تقول إن امرأة فلسطينية تعرضت لإطلاق النار بينما كانت تغادر منزلها استجابة لنداءات من مكبرات الصوت الإسرائيلية، وكانت أيضا ترفع قطعة قماش بيضاء تلوح بها.

وتحدث فريق بي بي سي إلى أفراد أسرة أخرى قالوا إنهـم لا يستطيعون مغادرة منزلهـم بسبب القتال، بعد أن تعرضوا لإطلاق نار من قبل القوات الإسرائيلية عندما حاولوا مغادرة المنزل للحصول على مياه للشرب وبعض الأغذية، حتى خلال الهدنة المؤقتة التي استغرقت ثلاث ساعات.

ثانيا : استهداف دور العبادة
نصت المــادة 53 من البروتوكول الإضافي الأول على حماية الأعيان الثقافية وأماكن العبادة و حظرت ارتكاب أي من الأعمال العدائية الموجهة ضد الآثار التاريخية أو الأعمال الفنية أو أماكن العبادة التي تشكل التراث الثقافي أو الروحي للشعوب ، كما حظرت المادة اتخاذ مثل هذه الأماكن محلاً لهجمات الردع.

ومع ذلك نجد أن إسرائيل انتهكت هذه المادة وقامت خلال عدوانها الأخير بقصف عدد من المساجد ، فقد قتلت خمس شقيقات من عائلة بالوشة وهن نيام عندما تم استهداف مسجد تابع لحماس في مخيم جباليا في اليوم الثاني من عملية الرصاص المصبوب ، كما قصفت إسرائيل يوم 2 يناير 2009 مسجدا في مدينة جباليا ، كما قتل 10 فلسطينيين على الأقل في قصف إسرائيلي طال احد المساجد يوم 3 يناير 2009 ، كما قامت يوم 11 يناير بقصف مسجد الفضيلة في مدينة رفح

ثالثا : استهداف المدارس و المستشفيات وكالات الإغاثة
أقرت المادة 18 من اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب ، على أنه لا يجوز بأي حال الهجوم على المستشفيات المدنية ، كما نصت المادة 23 على الدول الأطراف في الاتفاقية أن تكفل حرية مرور جميع رسالات الأغذية الضرورية والملابس والمقويات المخصصة للأطفال دون الخامسة عشرة من العمر والنساء الحوامل أو النفاس ، وكلها نصوص تستوجب حماية وتسهيل عمل منظمات الإغاثة التي تؤدي هذه الخدمات ، وإضافة إلى ذلك فقد نصت المادة 52 من البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقية جنيف الرابعة على حظر استهداف الأماكن المدنية التي منها المستشفيات والمدارس .

وقد انتهكت إسرائيل في حربها على غزة كل هذه النصوص ، حيث قامت إسرائيل أثناء عدوانها بأبشع ما يمكن أن تأتي به قوة مقاتلة ، حيث تعمدت ضرب بعض المدارس منها مدارس تابعة لوكالة غوث اللاجئين ” الأونروا ” ، وكذلك ضرب عربات إسعاف ومستشفيات تابعة للوكالات الغوثية التابعة للأمم المتحدة ، فقد لقي ثلاثة أشخاص في غزة مصرعهـم نتيجة لهجوم إسرائيلي على مدرسة ” أسمى ” الابتدائية التابعة لوكالة الغوث الدولية (الأونروا) في مدينة غزة ، وقد كان الأشخاص الثلاثة ضمن ما يزيد عن 400 شخص ممن شردوا من منازلهـم في بيت لاهيا شمالي غزة والذين اتخذوا من المدرسة مأوى لهـم. المدرسة كانت محددة وبشكل واضح كمقر تابع للأمم المتحدة . الرجال الثلاثة، وهـم حسين محمد عبد المالك السلطان (24 عاما) وعيد سمير على السلطان (19 عاما) وروحي جمال رمضان السلطان (25 عاما) جميعهـم من نفس العائلة. وكان الرجال الثلاثة قد غادروا مبنى المدرسة لقضاء حاجتهـم في المجمع المدرسي عندما تلقت المدرسة ضربة مباشر، وقد قدمت) الأونروا ) احتجاجا صارما على مقتل أولئك الأشخاص للسلطات الإسرائيلية ودعت إلى إجراء تحقيق عاجل وغير منحاز. وطالبت الوكالة في حال تبين حدوث انتهاك للقانون الإنساني الدولي، بمحاسبة الأشخاص المسئولين عن ذلك الانتهاك. وارتكازا على القانون الدولي فان المقار كالمدارس والمراكز الصحية ومنشآت (الأونروا ) محمية من الاعتداءات. ومن الجدير بالذكر أن الوكالة، وقبل بدء العمليات الحالية، كانت قد زودت السلطات الإسرائيلية بالإحداثيات الجغرافية لكافة منشآتها في غزة بما فيها مدرسة ) أسمى ) ، وفي حادث بشع أخر قتل 40 شخصا على الأقل، بما فيهـم عدد من الأطفال، وإصابة 55 بجراح في قصف مدفعي إسرائيلي لمدرسة ( الفاخورة )التابعة للأمم المتحدة في مخيم ( جباليا ) . وقال مسئولون في المنظمة الدولية إن المدرسة كانت تستخدم كمأوى لمئات الفلسطينيين الذين نزحوا عن مساكنهـم بسبب القتال ، كما قتل العديد من المدنيين عندما سقطت قذائف المدفعية الإسرائيلية قرب مدرسة وسوق في مدينة غزة يوم 4 يناير 2009 ،

إضافة إلى تدمير عدد من المدارس الأخرى ، واستهداف الجامعة الإسلامية في غزة ، وكذلك رصد أطباء الصليب الأحمر الدولي شهادات عن قصف سيارات إسعاف وقتل قرابة 15 من الأطقم الطبية بغزة ، كما استشهد أربعة فلسطينيين في قصف استهدف سيارة إسعاف في حادث أخر أثناء العدوان . وكانت منظمة الصليب الأحمر الدولي قد أكدت مرارا أنها تجد صعوبة في الوصول إلى العائلات المحاصرة بسبب الاشتباكات والتي يوجد بينها عادة جرحى وقتلى ، وقال إياد ناصر، الناطق باسم المنظمة في غزة، إن فرق الإسعاف تكافح من أجل الاستجابة لعشرات النداءات الهاتفية من مناطق لا يمكنها الدخول إليها.

رابعا : استخدام الأسلحة المحرمة دوليا
منذ القرن التاسع عشر، وفي إطار عملية تقنين القانون الدولي الإنساني، أراد المجتمع الدولي تنظيم وحكم استخدام الأسلحة التقليدية، مع السعي إلى تحديد أو حظر استخدام الأسلحة مفرطة الضرر أو تلك التي تتسم بشكل خاص بالقسوة والافتقار للإنسانية، ومنذ إعلان سان بطرسبرغ للعام 1868 تم صياغة العديد من القواعد الدولية التي أدت إلى حظر استخدام بعض أنواع السلاح ، وفي العام 1980 وقعت معاهدة حظر وتحديد استخدام بعض الأسلحة التقليدية التي يمكن اعتبارها مضرة أو ذات آثار غير مميِزة.

والأسلحة المحرمة دولياً تشمل الأسلحة النووية والكيميائية والبيولوجية وأنواعاً أخرى من الأسلحة التقليدية ولعل السبب الرئيسي لتحريم هذه الأسلحة هو تجاوزها كونها مجرد سلاح حربي يستخدم ضد جيوش الأعداء إلى سلاح أعمى يقتل الجنود والمدنيين على حد السواء بل ويتعدى تأثيره إلى الجنود الذين يستخدمونه .

حيث حظر البروتوكول الأول لمعاهدة حظر وتحديد استخدام بعض الأسلحة ، استخدام الأسلحة الرامية إلى إحداث جروح باستخدام شظايا أو أجزاء غير قابلة للكشف عبر الأشعة اكس” ، كما حظر البروتوكول الثالث لنفس الاتفاقية استخدام الأسلحة الحارقة

ومع ذلك فقد رصد المراقبون ومندوبي الوكالات الدولية والأطباء والمنظمات الحقوقية في الأراضي الفلسطينية استخدام إسرائيل لعدد من الأسلحة المحرمة الدولية ، ومن أهـم هذه الأسلحة :-

  1. الأسلحة الكهرومغناطيسية أو أسلحة المايكروويف (أسلحة الطاقة المباشرة):
    فالتشوهات والإصابات التي رصدها أطباء المستشفيات في غزة أظهرت أنها عوارض لهذا السلاح المحرم تظهر في صورة تشويهات غير طبيعية للجثث وحرقها وإذابة الجلد مخترقة العظام، وهذا النوع من الأسلحة يتسبب في تقطيع أوصال الأشخاص المستهدفين وظهور حروق في أجزاء مختلفة من أجسادهـم.
  2. قنابل الحرارة والضغط الفراغية (thermo baric) والقنابل الوقودية الهوائية (fuel air bombs): هذا النوع من الأسلحة يظهر أثره في انهيار الرئتين وتوقف في القلب من دون أسباب واضحة، بالإضافة إلى نزيف في الدماغ، وتفتت أو تفجر أعضاء الجسم الداخلية.
  3. الفسفور الأبيض:
    وهذه القنابل تظهر في هيئة جروح مختلفة وحروق من الدرجة الثالثة تمتد من الجلد نحو الأعضاء الداخلية ويصبح من المستحيل علاجها في بعض الأحيان، وهناك اعتراف رسمي إسرائيلي باستخدامها.
  4. القنابل الصغيرة والمتفجرات المحشوة بالمعادن (DIME):
    وهي عبارة عن قنبلة صغيرة القطر تحتوي على مركب في حالة كثيفة ومعادن خاملة متفجرة (DIME) في داخلها؛ مما يجعلها قادرة على الوصول بدقة قاتلة والانفجار ضد الأهداف السهلة مع انخفاض مذهل للأضرار الجانبية، وهي تحدث جروحا غريبة تتمثل في بتر للرجلين واليدين ووفيات غير مفهومة بعد أن يكون الأطباء قد عالجوا الجروح الظاهرة.

    وقد ذكر أطباء مصريون دخلوا غزة أن إسرائيل تستخدم أسلحة كيماوية محرمة دوليا وفسفورا حارقا، وأن هناك أدلة طبية على ذلك مثل تعرض المصابين بمرض اللوكيميا (سرطان الدم) للنزيف الحاد بفعل الغازات السامة والمسرطنة المستخدمة في الأسلحة المحرمة وهو دليل طبي ملموس، فضلا عن التهابات الرئتين والحروق الكيماوية الناتجة عن غازات مهيجة وسامة في الجو، وهؤلاء مستعدون للشهادة أمام المحاكم الجنائية الدولية على هذه الجرائم الصهيونية.

ومن بين شهود العيان الطبيب النرويجي “مادز جيلبرت” ويعمل متطوعا في مستشفى الشفاء بغزة فقال: “إن شكل الإصابات التي تصل إلى المستشفى يشير إلى احتمالية استخدام إسرائيل لقنابل الكثافة المعدنية الخاملة دايم (DIME) والتي تحدث ثقوبا في الأوعية الدموية وإصابات قاتلة لا ترى بالعين المجردة، ولا يكتشفها الأطباء، وتسببت في ارتفاع عدد حالات بتر الأرجل” ، وأضاف الطبيب الذي أمضى 10 أيام في غزة إلى أن هناك دراسات تؤكد أن هذه الأسلحة تتسبب بسرطانات قاتلة خلال أشهر.

وقد أشار بعض الخبراء إلى أن شهادات الأطباء والخبراء الواردة من غزة تشير إلى تشابه في جروح أطفال غزة وأطفال لبنان في حرب يوليو 2006، بالإضافة إلى ظهور أسلحة جديدة في حرب غزة لم يسبق استخدامها في لبنان.

خامسا : استهداف المنشئات الحيوية والبنية الأساسية
تنص المادة 56 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقية جنيف الرابعة على أن لا تكون الأشغال الهندسية أو المنشآت التي تحوي قوى خطرة ألا وهي السدود والجسور والمحطات النووية لتوليد الطاقة الكهربية محلاً للهجوم، حتى ولو كانت أهدافاً عسكرية ، ومع ذلك فقد قامت إسرائيل طوال حربها البرية بتدمير البنية الأساسية لقطاع غزة وقصف محطات الكهرباء والجسور مما أدى إلى إصابة حياة الفلسطينيين بالشلل التام ، وقد قدرت الخسائر الناجمة عن العدوان الإسرائيلي فيما يتعلق بالمرافق الحيوية والبنية الأساسية بما يوازي 2 مليار دولار ، وهو مبلغ يصعب توفيره في ظروف القطاع الحالية ، إضافة إلى احتياج ذلك إلى سنوات لإصلاحه ، وتشمل الخسائر الدمار الذي حل بمراكز الأمن والبنية التحتية المتمثلة في الطرق وشبكات المياه وشبكات المجاري ومحطات الصرف الصحي، بالإضافة إلى الدمار في الجامعات والمداس وبيوت المواطنين المدمرة كليا وجزئيا ، وتضم الخسائر أيضا مجمع الوزارات والمؤسسات الحكومية والمؤسسات العامة والمساجد والسيارات ومولدات الكهرباء والمزارع ومنشآت القطاع الخاص ومحطات الوقود والغاز وسيارات الإسعاف وقطاع الاتصالات والورش الصناعية والتجارية وغيرها .

وللتدليل على حجم الانتهاك الذي قامت به إسرائيل فيما يخص المرافق الحيوية والبنية الأساسية يكفي أن نرصد خسائر الأسبوع الأول فقط من الهجوم الذي استمر ثلاثة أسابيع وتمثلت في ، تدمير 3624 منزلاً، و8 مساجد، و16 مدرسة، وعشرات المقرات الأمنية، بالإضافة إلى مجمع الوزارات الذي يضم وزارتي المالية والأشغال العامة، وتدمير حوالي 15 وزارة أخرى ، والجسرين الرابطين بين شمال وجنوب قطاع غزة، بالإضافة إلى تدمير العديد من الشوارع وشبكات المياه والكهرباء والاتصالات والجامعة الإسلامية، وبعض المؤسسات التعليمية الأخرى.

سادسا : استهداف الصحفيين ووسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية
يصون القانون الدولي لحقوق الإنسان – والمطبق أثناء فترات النزاع المسلح – الحق في حرية التعبير للصحفيين ومراقبي حقوق الإنسان ، حيث تشير المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إلى الحق في الحصول على المعلومات ، ويمكن للدول أن تقيد حرية التعبير من أجل حماية الأمن القومي، لكن بالقدر الذي يسمح به القانون وحسب الضرورة الفعلية وبناء على أسباب أمنية محددة. وتم شرح هذا المبدأ ضمن مبادئ جوهانسبرج لعام 1995 الخاصة بالأمن القومي وحرية التعبير وإتاحة الوصول للمعلومات ، حيث جاء نصا في هذه الوثيقة أنه “ينبغي ألا يكون أي حظر على حرية تدفق المعلومات ذات طبيعة مخالفة لقانون حقوق الإنسان والقانون الإنساني. وعلى الأخص، ينبغي على الحكومات ألا تمنع الصحفيين أو ممثلي المنظمات الحكومية الدولية وغير الحكومية، التي تراقب الالتزام بحقوق الإنسان والمعايير الدولية، من دخول مناطق توجد أسس منطقية للاعتقاد بوقوع انتهاكات لقانون حقوق الإنسان أو القانون الإنساني فيها أو سبق وقوع الانتهاكات فيها. وعلى الحكومات ألا تستبعد الصحفيين أو ممثلي مثل هذه المنظمات من دخول مناطق تعاني من أعمال العنف أو النزاع المسلح، إلا إذا كان وجودهـم يفرض خطراً واضحاً على سلامة الآخرين” ، و لا يتعلق تواجد الصحفيين وباحثي حقوق الإنسان بالحق في المعلومات فقط ، بل أيضاً لأن تواجد المراقبين المستقلين أثناء النزاعات المسلحة يمكن أن يؤدي لعدول الأطراف عن ارتكاب الإساءات مما يعني إنقاذ حياة الأفراد.

ورغم هذه النصوص الواضحة والقطعية نجد أن إسرائيل تمنع الصحفيين والحقوقيين من دخول غزة وذلك بشهادة المنظمات الحقوقية والإعلامية ، فمنذ مطلع نوفمبر 2008، حين بدأ وضع وقف إطلاق النار المُبرم بين إسرائيل وحماس في التدهور؛ قيدت الحكومة الإسرائيلية كثيراً من دخول الصحفيين الأجانب ومراقبي حقوق الإنسان إلى غزة، ولم يُسمح لأي منهـم بالدخول منذ بدء العدوان العسكري القائم في 27 ديسمبر ، وتم منع الصحفيين الإسرائيليين من الدخول إلى غزة على مدار العامين الماضيين بسبب سياسة الحكومة الإسرائيلية القاضية بحظر دخول المواطنين الإسرائيليين إلى غزة بناء على أسباب أمنية ، وكانت المحكمة الإسرائيلية العليا قد حكمت في 31 ديسمبر/كانون الأول 2008 بأن على الحكومة الإسرائيلية السماح لـ 12 صحفياً أجنبياً بالدخول إلى غزة .

وفي 21 نوفمبر/تشرين الثاني قام 22 شخصاً إدارياً من كبرى المنظمات الإخبارية في العالم، ومنها أسوشيتدبرس والبي بي سي والسي إن إن ورويترز، بإرسال رسالة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، يشتكون فيها من “الحرمان الممتد وغير المسبوق لدخول الإعلام الدولي إلى قطاع غزة”.

وقد أدت القيود إلى خلق أجواء من الصعوبة الجمة في التغطية الصحفية، أكثر من الصعوبة التي واجهها الصحفيون أثناء حرب إسرائيل الكبرى الأخيرة، وهي النزاع مع حزب الله في لبنان في فترة يوليو/تموز وأغسطس/آب 2006. وفي ذلك الحين تمكنت وسائل الإعلام ومنظمات حقوق الإنسان من تغطية النزاع من الجانبين.

وقد وصلت انتهاكات إسرائيل في حربها البربرية على قطاع غزة إلى حد استهداف الصحفيين والإعلاميين بشكل مباشر رغم أن القانون الدولي يوفر حماية خاصة لهـم في ذلك ، و أقرت بنود عديدة في المواثيق الدولية على أنه ينبغي احترام الصحفيين المدنيين المكلفين بتغطية النزاعات المسلحة وحمايتهـم بمقتضى القانون الدولي الإنساني من أي شكل من أشكال الهجوم العمدي ، فالقانون الدولي الإنساني يسبغ على الصحفيين المدنيين الحماية نفسها المكفولة للمدنيين .

حيث تنص المادة 79 من البروتوكول الأول الإضافي إلى اتفاقيات جنيف لعام 1949 على أنه يعد الصحفيون الذين يباشرون مهـمات مهنية خطرة في مناطق المنازعات المسلحة أشخاصاً مدنيين و يجب حمايتهـم .

كما تشير دراسة اللجنة الدولية عن القواعد العرفية للقانون الدولي الإنساني (2005) في قاعدتها 34 من الفصل العاشر إلى أنه “يجب احترام وحماية الصحفيين المدنيين العاملين في مهام مهنية في مناطق نزاع مسلح ما داموا لا يقومون بجهد مباشرة في الأعمال العدائية ، وتستند ممارسات الدول إلى هذا المبدأ على أنه قاعدة من قواعد القانون الدولي العرفي الذي ينطبق في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية على حد سواء.

ورغم ذلك فقد انتهكت إسرائيل هذه القواعد أكثر من مرة ، حيث قصفت قوات الاحتلال (برج الجوهرة ) في مدينة غزة يوم الجمعة 9 يناير ، والذي يتواجد فيه حوالي 20 من مكاتب وسائل الإعلام العربية والفضائيات ، كما أصيب صحفيان من طاقم قناة (أبو ظبي) بقصف إسرائيلي استهدف مبنى برج الشروق في شارع عمر المختار وسط مدينة غزة؛ الذي يضم عددًا من وكالات الأنباء والمحطات الفضائية العربية والدولية ، بعدما استهدف الاحتلال البرج بصاروخ أطلقته طائرة حربية أدى إلى اشتعال النيران في إحدى الشقق في البرج.

والصحفيين الجرحى هـما : محمد السوسي الذي أصيب بشظية في الرأس وأيمن الرزي المصاب بشظايا في جميع أنحاء جسده. ومن الوقائع الأخرى التي تثبت الاستهداف الإسرائيلي للصحفيين ووسائل الإعلام ، إصابة 10 صحفيين أثناء قصف مبنى فضائية (الأقصى) يوم 29 ديسمبر 2009 ؛ حيث استُشهد باسل فرج مصور التلفزيون الجزائري متأثرا بجراحه، وقصف مقار صحفية كمكتب جريدة الرسالة في 5 يناير 2009 كما استهدف جيش الاحتلال في وقت أخر مطبعة الرنتيسي. وقد وصلت الحصيلة النهائية للصحفيين الذين اغتالتهـم إسرائيل أثناء عدوانها الوحشي على القطاع إلى 6 قتلى وعشرات الجرحى ، ومن الجدير بالذكر هنا أن قادة الاتحاد الدولي للصحفيين قاموا بإرسال رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة ” بان كي مون ” قائلين فيها ” أن إسرائيل تخرق القانون الدولي ، وتتجاهل قرارات محكمتها العليا وتظهر عدم الاحترام للأمم المتحدة من خلال تجاهلها لمسؤولياتها المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن رقم 1783 والمتعلق بحماية الصحفيين في مناطق الصراع ” .

التوصيات

  1. تشكيل لجنة من خبراء القانون الدولي والحقوقيين والشخصيات الدولية المساندة للقضية الفلسطينية ، تكون مهـمتها التحرك من أجل حشد الرأي العام داخل المنظمات الدولية في اتجاه تبني قرارات معنية بالتحقيق في الأوضاع التي خلفتها الحرب في غزة
  2. تشكيل لجنة تنفيذية تتولى توثيق الجرائم الإسرائيلية في القطاع وترصد أدلتها وشهادات الشهود ، كما تحدد شخصيات ومناصب المتورطين في هذه الجرائم من الجانب الإسرائيلي والاستعانة في ذلك بكافة الوسائط التكنولوجية المتاحة لإعداد ملف كامل عن الجرائم .
  3. تشكيل لجنة دفاع من القانونيين العرب لرفع القضايا أمام محاكم الدول ذات الاختصاص العالمي ، تختصم فيها القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين .
  4. مخاطبة حكومات الدول المصدقة على معاهدات جنيف وبروتوكولاتها الملحقة بهدف دفعهـم للتقدم بطلبات للمحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في جرائم إسرائيل.
  5. العمل على دفع الدول العربية التي لم تصدق بعد على معاهدات جنيف وبروتوكولاتها إلى التصديق عليها حتى يكون من حقها التقدم بطلبات للمحكمة الجنائية الدولية بهدف محاكمة قادة إسرائيل .
  6. التنسيق مع المؤسسات الأجنبية والدولية والإسرائيلية التي كانت شاهدة على الانتهاكات مثل منظمات غوث اللاجئين ، والفيدرالية الدولية ، والصليب الأحمر ، ومؤسسة بتسليم الإسرائيلية .
  7. إعداد برنامج تدريبي للقائمين على أمر المنظمات الحقوقية الفلسطينية ، وللعاملين بالحقل الإعلامي الفلسطيني فيما يتعلق برفع قدراتهـم في توثيق الانتهاكات الإسرائيلية وجرائم الحرب التي يرتكبونها في الأراضي المحتلة .
  8. العمل على طرح موضوع الانتهاكات الإسرائيلية والجرائم التي ارتكبتها على جدول أعمال كل المنظمات الإقليمية والدولية التي تحظى المنظمات الأهلية والحقوقية العربية بعضويتها ، أو بوضعية استشارية فيها .
  9. تشكيل لجنة تنسيق ومتابعة ، تكون في حالة انعقاد دائم بهدف متابعة ورصد ما يتحقق من توصيات والعمل على التنسيق بين الأطراف المعنية بالتحرك .

مركز ماعت للدراسات الحقوقية والدستورية

[an error occurred while processing this directive]