28/2/2009

رغم أن الحكمة الإغريقية القديمة تقول ” أن تشعل شمعة خير ألف مرة من أن تلعن الظلام ” ، إلا أن الإدارة الأمريكية لازالت مصرة على الاكتفاء بلعن الظلام دون محاولة البحث عن عود كبريت لإشعال شمعة تضيء بها ظلام العالم العربي ، أو محاولة فهم أسباب انقطاع تيار كهرباء الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان في الشرق الأوسط .

ربما لو اجتهدت الولايات المتحدة في معرفة الأسباب لأدركت أنها هي ذاتها أحد هذه الأسباب بما تمارسه من ازدواجية في المعايير وتغييب للعدالة الدولية وتوجيه للقرار الدولي في اتجاهات نفعية بحتة ، وكذلك بتحيزها الواضح إلى جانب إسرائيل في الباطل دون الحق وتدخلها العسكري في مناطق عدة من العالم العربي أهمها العراق ودول جواره .

وكذلك عدم الفهم الكامل من جانب الولايات المتحدة والدول الكبرى الأخرى لطبيعة الأوضاع الداخلية الاجتماعية والثقافية في دول الشرق الأوسط بما يؤدي إلى عواقب سلبية لتدخلها أحيانا ، كما أن تجاهل الدول الكبرى للأحوال الاقتصادية المتردية في هذه الدول سبب جوهري في عدم إيلاء حكوماتها الاهتمام اللازم لاحترام حقوق الإنسان وممارسة الديمقراطية والحفاظ على حريات مواطنيها .

لذا فقد استقبل ” ماعت” التقرير الأخير للخارجية الأمريكية والمتعلق بحالة حقوق الإنسان في العالم بتحفظ شديد ، ذلك التقرير الذي صدر يوم الخميس 26 فبراير 2009 وأشار إلى أن أداء حقوق الإنسان في مصر لازال ضعيفا ، وأن هناك انتهاكات لازالت تحدث في مصر ، كما أدان التقرير استمرار حالة الطوارئ والقبض على بعض المفكرين والصحفيين والمدونين ، إلا أننا نرحب بما جاء في بعض فقرات التقرير من إدانة للعدوان الإسرائيلي الأخير على غزة والإفراط في استخدام القوة ضد الفلسطينيين ، وإن كنا نتمنى أن تصبح تلك هي القضية الأهم للتقرير باعتبارها الأبرز على صعيد انتهاكات حقوق الإنسان في المنطقة بشهادة كافة المنظمات الدولية والغوثية والحقوقية العاملة هناك .

ويرى ” ماعت ” أنه رغم وجود انتهاكات لحقوق الإنسان في مصر ، ورغم أن الأوضاع المتعلقة بالحريات العامة لم تصل بعد للدرجة التي نتمناها جميعا إلا أن هذا لا ينفي وجود تغيرات إيجابية فيما يتعلق بذلك في السنوات الأخيرة تستلزم البناء عليها وتعضيدها ومساندتها وليس تجاهلها والقفز فوقها كما جاء في تقرير الخارجية الأمريكية الأخير .

كما أنه على الولايات المتحدة أن تواصل وتزيد فيما تقدمه من دعم فني ومادي في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية والمؤسسية سواء للجهات الحكومية أو لمنظمات المجتمع المدني الأخرى في مصر وبقية دول العالم الثالث حتى يتحقق ما نصبو إليه جميعا .

وقبل كل ذلك وبعده لا بد من أن تعمل الحكومة المصرية على الإسراع في خطوات الإصلاح السياسي والتشريعي ، واستكمال ما بدأته منذ سنوات في هذا الصدد والعمل على توسيع هامش حرية الرأي والتعبير ، وسرعة إصدار قانون لمكافحة الإرهاب يوازي بين أمن المجتمع وحرية الفرد والتخلص من حالة الطوارئ المفروضة منذ زمن لأن مصر بتاريخها وعراقتها وثقافتها لا تستحق أفل من ذلك .

[an error occurred while processing this directive]