14/3/2007
أصدر مركز ماعت للدراسات الحقوقية والدستورية دراسة تحليلية مصغرة بعنوان ” المحاكم العسكرية بين الاتجاهات السياسية والشرعية الدولية ” . وقد ذكر المركز أن تلك الدراسة جاءت على خلفية إلاشكالية التي باتت تثيرها مسألة مدى شرعية الخضوع للقضاء العسكري لاسيما ما يشكله الخضوع لهذا القضاء من استلاب لولاية القضاء العادي .
على أن أهمية تلك الإشكالية برزت مع تزايد إصدار قرارات الإحالة من قبل رئيس الجمهورية بموجب نص المادة السادسة من قانون الأحكام العسكرية الحالي رقم 25 لسنة 1966 ، وما شاب هذه القرارات من طابع سياسي ، الأمر الذي حدا بالعديد من المنظمات الدولية بالإعراب عن قلقها إزاء مسألة إحالة المدنيين للمحاكم العسكرية ومنها ما أبدته منظمة العفو الدولية في 19/2/2/2007 من تعليق بهذا الشأن حيث قالت :” إن المحاكمات التي تجرى إمام المحاكم العسكرية تنتهك المقتضيات الأساسية للقانون الدولي للمحاكمات العادلة بما في ذلك الحق في المحاكمة أمام محكمة مختصة و مستقلة ونزيهة تشكل بموجب القانون والحق في تقديم استئناف إلى محكمة أعلى “.
وذكرت الدارسة إن السلطات المصرية في الفترة من عام 1992 – 2000 قد أحالت ( 36) قضية إلى القضاء العسكري بلغ عدد المتهمين فيهم (1136) وانتهت هذه القضايا إلى صدور (94) حكما بالإعدام – فيما قضى بحبس و سجن( 701) متهما وبراءة (341) ، وأن مسلسل إحالة المدنيين المتهمين في قضايا الإرهاب إلى المحاكم العسكرية في مصر بداء فى عام 1992 بقرار من رئيس الجمهورية بإحالة 48 متهما في قضيتي العائدون من أفغانستان وتنظيم الجهاد إلى المحكمة العسكرية العليا بالإسكندرية في أواخر أكتوبر 1992. وقد أصدرت المحكمة آنذاك أحكاما بالإعدام على ثمانية متهمين كان من بينهم سبعة هاربين.
هذا وقد تناولت الدراسة طبيعة قانون الأحكام العسكرية و مراحل التطور التشريعي لهذا القانون في مصر وصولا إلى إصدار القانون الحالي ، كما تناولت عرض بعض قواعد قانون الأحكام العسكرية الحالي، وأخير رؤية هذا القانون في ضوء معايير الشرعية القانونية.
هذا وقد قررت الدراسة أن الإصلاح القضائي هو البوابة الفعلية للإصلاح السياسي و المدخل الرئيسي للوصول لدولة القانون . و مناط الدولة الديمقراطية هو الاحترام الحقيقي للمؤسسة القضائية حامية الحقوق والحريات. هذا وقد أقرت الدراسة أن توجه مسارات السياسة التشريعية المصرية الحالية يأتي في أقصى اليسار من مسالة تكريس مبادئ الشرعية القانونية و احترامها لمبدأ الفصل بين السلطات و استقلال السلطة القضائية. وان قانون الأحكام العسكرية رقم 25 لسنة رقم 1966 بتنظيمه الحالي احد الصور المعبرة عن ذلك . فهو يعد تجسيدا للقوانين التي تنال من كافة الضمانات التي كفلها الدستور و المواثيق الدولية .
حيث انه كان من المفترض لهذا القانون الخاص أن يخاطب فئة بعينها وهم العسكريين فعليا أو حكما وهو الغرض من تشريعه ، لان اختصاص القضاء العسكري بما فيه من إقصاء لولاية القضاء العادي يجب إلا يكون إلا في أضيق الحدود ، إلا أن تشريع الأحكام العسكرية الحالي خرج عن عباءة الشرعية القانونية وخول المحاكم العسكرية اختصاصات موسعة فاخضع المدنيين و الأحداث له .
كما قررت الدراسة أن تخويل القاضي العسكري الاختصاص بقضايا المدنيين لا يتأتى بموجب قانون- وان كان مصدر شرعيته القانون وذلك وفق ما نصت عليه المادة 6 من قانون الأحكام العسكرية – ولكنه يأتي بموجب قرارا سياسيا خول من خلاله لرئيس الجمهورية إحالة المدنيين إلى القضاء العسكري ، الأمر الذي كان وراء ملامح الأزمة الحقيقية في هذا القانون وهو تحديد الاختصاصات القضائية بموجب قرارات سياسية ، ليصبح مناط تجريم الخاضعين لأحكام هذا القانون أمرا رهينا باستراتيجيات السلطة التنفيذية وهواها فهي من يحدد الجرم والقاضي وربما العقوبة، مما يعد تكريسا لنفاذ الأمر السياسي على حساب ولاية القضاء الطبيعي.
هذا كما أن قانون الأحكام العسكرية قد جاء بصياغة اقل ما يقال عنها أنها رديئة ، فنصوصه يشوبها وصمة عدم الوضوح والإبهام وهو عيب من الخطورة بمكان خاصة مع ما خول للقاضي العسكري من صلاحيات واسعة في تكييف الوقائع وإنزال العقوبة إلى حد القضاء بعقوبة الإعدام ، مما يشكل انتهاكا صارخا لمبدأ عمومية وتجريد القاعدة القانونية بالإضافة إلى ما نص عليه الدستور المصري الحالي في المادة 66 :” العقوبة شخصية. ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي ..”.
كما كرس قانون الأحكام العسكرية الحالي مبدأ عدم المساواة بين الخاضعين له من العسكريين و المدنيين من ناحية و المدنيين الخاضعين لأحكامه و الخاضعين للقضاء العادي من ناحية أخرى ، بما يشكل افتئاتا على الحقوق و الضمانات المقررة للمدنيين الماثلين أمام جهة القضاء العسكري .
وقد ذكرت الدراسة أنه إذا كان قانون الأحكام العسكرية الصادر في عام 1966 جاء على خلفية أحداث ذات ملابسات جعلت من أمر صياغته بمثل هذا التوجه مبررا ، خاصة وان ميراث المحاكم العسكرية جاء تأثرا بقوانين المحتل الأجنبي في مصر ، إلا أن أمر سريانه حتى هذا التاريخ هو المستغرب . فقانون يجافى كافة معايير المحاكة العادلة ، و يميز بين الخاضعين له ، ولا يقبل الطعن بأحكامه ، ويقبل خضوع الأحداث لنصوصه ، كيف يقبل المشرع المصري الإبقاء عليه دون اقتراح تعديله بما يتفق مع ما وقعت عليه مصر من اتفاقيات تكفل حق المحاكة العادلة لكل مواطن ولو كان من أفراد القوات المسلحة و هو ما لا يقدمه القانون لهم ؟؟؟
وقد انتهت الدراسة إلى أن قانون الأحكام العسكرية بتنظيمه الحالي يعكس حقيقة المناخ السياسي السائد و التي تكرس فيه صلاحيات السلطة التنفيذية المتعاظمة على حساب استقلالية السلطة القضائية ، وهو أمرا جد خطير يجب على المشرع تداركه ، خاصة وان الصلاحيات العقابية الممنوحة للقاضي العسكري تصل إلى حد إصدار أحكاما تقضى بعقوبة الإعدام بموجب سلطة تخوله أن يكون مشرعا على كرسي القضاء ، الأمر الذي ينال من شرعية أحكام هذا القانون و يجعلها وصمة في جبين القضاء المصري
للإطلاع على الدراسة كاملة يرجى زيارة موقعنا بالانترنت
www.maatlaw.org