21/3/2007
صرحت وزارة الداخلية انه بمناسبة الاحتفال بعيد الام اقامت الوزارة حفلا ترفيهيا للسجينات نزيلات سجن القناطر الخيرية، كما تقرر الموافقة على منح جميع نزلاء السجون من رجال و نساء فى هذا اليوم زيارات استثنائية لذويهم .
و قد أكدت وزارة الداخلية ان هذا يأتي فى إطار اهتمامها بالرعاية الاجتماعية للمسجونين مواكبة لما هو مقررة بمواثيق حقوق الإنسان العالمية المعنية بحقوق السجناء.
وقد تلقى مركز ماعت للدراسات الحقوقية والدستورية تلك التصريحات باهتمام بالغ لان مسألة تفعيل المواثيق الدولية المعنية بحقوق السجناء- أمرا محمودا ولكن اذا جاء في إطار الاحترام الحقيقي لتلك المواثيق، الأمر الذي يكون مناطه بداية التسوية بين السجناء فى جميع الحقوق .
هذا واذا كان المعتقل السياسي يعد من فئة المسجونين حكما نظرا لكونه طوال فترة الاعتقال يظل قيد الاحتجاز ، الا انه لم يركب ثمة جرم يمكن معاقبته عليه سوى انه صاحب قضية ورأي – لا سيما و ان احتجازه لا يتم بموجب حكم قضائى ولكن بقرار ادارى يغلب عليه الطابع السياسي فى ظل استمرار العمل بقوانين الطوارئ دون مسوغ سوى تكريس المفاهيم الامنية فوق احترام الحقوق و الحريات – الأمر الذي يجعله هو و ذويه فى مركزا أولى بتلك الرعاية الاجتماعية التى توليها الوزارة لغيره من المسجونين الجنائيين ، إلا إذا كانت وزارة الداخلية تحترم المواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان احتراما انتقائيا فيما يتوافق مع توجهها ولا يخالفه.
تلك هي معايير وزارة الداخلية في التعامل مع قضايا الاعتقال و المعتقلين، الأمر الذي يؤكده سجلها الحافل بالتجاوزات لكافة مبادئ الشرعية القانونية بداية من إصدارها لقرارات اعتقال غير مبررة و مسببة، وممارستها مع المعتقلين وذويهم وحرمانهم من التعليم و الزيارة والعلاج ، وعدم التواني عن تعذيبهم اذا استلزم الأمر ، وصولا إلى عدم احترامها للإحكام القضائية الصادرة بالإفراج وتجاهل تنفيذها من خلال إعادة إصدار قرارات اعتقال جديدة لمن صدر لصالحهم احكاما بالافراج .
وحرمان المعتقلين من الحق في الزيارة يخالف ما نص عليه الدستور المصري في المادة (71) وكذلك المادة (38) من القانون رقم 396 لسنة 1956 والخاص بتنظيم السجون وكذلك المواد من 60 وحتى 80 من اللائحة التنفيذية لقانون السجون وكذلك مخالفة العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والقواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء في المواد (79) و (39) .
وإذا كنا بصدد نموذج حيا لتلك التجاوزات ، فحالة المعتقل عبد المنعم جمال الدين عبد المنعم تعد تجسيدا حقيقيا لاوضاع آلاف الشباب المصرى القابع خلف جدران السجون و المعتقلات، منهم من يصلنا صوته ومنهم ما لا نعرف عنه شيئا ، وتلك هى ملابسات اعتقاله على مدى زمنى يجاوز السادسة والعشرون عاما قضاها ولا يزال قابعا فيها خلف جدران المعتقل .
عبد المنعم جمال الدين مواليد 7/9/1965 ، اول اعتقال له كان وهو فى السادسة عشرة من عمره ، تم ليلا فى الساعة الثانية صباحا فىعام 1981 على خلفية قضية اغتيال الرئيس الراحل محمد أنور السادات ، ومكث على اثرها فى المعتقل لمدة ثلاث سنوات ، تنقل خلالها بين اكثر من معتقل وسجن، وعلى الرغم من تقديم المتهمين فى قضية اغتيال الرئيس الراحل انور السادات للمحاكمة ولم يكن هو من ضمنهم- وصدور احكام قضائية عليهم الا ان وزارة الداخلية اصرت على ابقائه قيد الاعتقال دون محاكمة ولا اتهام ، الأمر الذي جعله و هو وأربعين من زملائه المعتقلين يضربون عن الطعام الى ان تم الإفراج عنه .
وعاد عبد المنعم إلى الحياة خارج المعتقل مرة وظن هو وذويه أن الأمر قد انتهى عند هذا الحد ، الا أن ذلك ظل مجرد ظنا لا اساس له من الواقع ، حيث دأب ضباط امن الدولة على ملاحقته وذويه و استدعائه بشكل شبه دائم لاستجوابه مرة اخرى واحتجازه لبضعة ايام بمقر امن الدولة اذا لزم الأمر ، بل واعتقاله على فترات لمدد لا تجاوز الشهرين والثلاثة دون ان يتسنى لاهله معرفة مكانه، هذا وقد أكد أقارب المعتقل انه كان يتعرض للتعذيب فى كل مرة اثناء الاستجواب والاحتجاز .
وبتاريخ 21/2/1993 فى تمام الساعة الثانية ليلا، مرة اخرى تم اعتقاله وتفتيش شقته ومصادرة كل متعلقاته ، وظل محتجزا بمقر امن الدولة فرع جابر بن حيان لمدة شهر تقريبا ، ثم تم نقله الى سجن ابو زعبل ثم ليمان طره شديد الحراسة ،وذلك بعدما منعت عنه الزيارة تماما وانقطعت كل صلة له باقاربه، ثم تم توجيه اتهام له بإنتمائه لجماعة الجهاد المحظورة ،و حققت معه نيابة امن الدولة واحيلت قضيته تلك للقضاء العسكري ، الى ان صدرا حكما يقضى ببراءته فى 30/10/1993.
وفى اليوم التالى لحكم البراءة كانت وزارة الداخلية قد اعدت قرار جديدا يقضى باعتقاله مرة أخرى ، على أثرها نقل عبد المنعم لسجن الوادى الجديد دون ان يعرف اهله مكانه فظل بدون زيارة حتى عام 1995 ، حتى تسنى لاهله معرفة مكانه بطريق الصدفة من خلال الخطابات المرتدة التى كان يرسلونها له فى مكان سجنه القديم ، إلى ان سمحت له وزارة الداخلية اخيرا بالزيارة بسجنه فى الوادي الجديد ….. تلك الزيارة وما شاهده أهالي المعتقلين فيها بأعينهم وما لاقوه فيها من سوء المعاملة وإهدار للكرامة الإنسانية ، الأمر الذي جعلهم يقفوا على حقيقة أوضاع المعتقلين داخل هذا المعتقل سيئ السمعة- كانت وراء إصابة والدة عبد المنعم بجلطة وشلل دائم أقعدها عن الحراك وجعلها هي الأخرى سجينة الظلم الذي وقع على ولدها ولا ترى له نهاية .
ولم يكن عبد المنعم وزملائه يملكون سوى أرواحهم الأمر الذي اتخذوه وسيلة للضغط على وزارة الداخلية للاستجابة إلى مطالبهم باحترام اقل حقوقهم وهو حقهم فى حياة كريمة دون إهدارا للكرامة ، الأمر الذي جعلهم يضربون على الطعام لمدة 50 يوما ، قامت وزارة الداخلية خلالها باستنفاذ كافة طرق الإرهاب و الضغط المشروعة وغير المشروعة على المعتقلين وذويهم لإنهاء هذا الإضراب الذى كان نتيجته نقل عبد المنعم إلى مستشفى استقبال طره فى حالة صحية اقرب إلى الموت ، مما حدا بأقاربه إلى تحرير محضر بتلك الواقعة و بوقائع التعذيب التى تعرض لها هو وزملائه فى ذات العنبر .وعلى اثر تلك الواقعة وفى عام 1997 تم نقله إلى سجن استقبال طره وتم توجيه اتهام له بانتمائة لجماعة الجهاد فى قضية العائدين من ألبانيا على الرغم انه ظل قابعا خلف اسوار المعتقل لما يقرب اربعة سنوات فكيف يتسنى له السفر إلى خارج الوطن، ونظرت تلك القضية امام القضاء وصدر فيها حكما لصالحه يقضى ببراءته ، وتم استصدار قرار اعتقال اخر له ، ورحل إلى سجن ابو زعبل ، ثم سجن الفيوم ومنعت عنه الزيارة لمدة عاما كاملا ، ثم نقل مرة اخرى إلى سجن ابو زعبل فى عام 2000 ، ومنه إلى سجن استقبال طره الذى ظل موجودا فيه إلى الان .
نتيجة كل ما تعرض له عبد المنعم هى اصابته بالعديد من الامراض المزمنة من التهاب فى الكبد وانزلاق غضروفي وحساسية بالصدر وهشاشة بالعظام ، بالاضافة إلى ابنا له وجد بالحياة لم يرى اباه سوى مرات تكاد تحصى ، اما عن والديه فقد اصيب كل منهما بالضعط و السكر وامراضا بالقلب وجلطات متعددة على اثرها يمكث والده الان بالمستشفى فى حالة احتضار ، لا امل له سوى ان يرى ابنه الذى غاب عنه طيلة ثلاثة عشرة سنة داخل اسوار السجن و المعتقلات ، وعجز جسده النحيل عن حمله اليه ، لا يطمع فى الافراج عنه لانه ربما لا يتيح له القدر ذلك ، ولكنه لا يأمل سوى بان تسمح وزارة الداخلية لعبد المنعم بزيارته فى المستشفى ……..
مأساة تعجز الاقلام عن وصفها ، الا يعتقد وزير الداخلية ان امثال عبد المنعم وذويهم اولى بالرعاية الاجتماعية ؟؟؟؟