7/6/2007

أصدر مركز ماعت للدراسات الحقوقية و الدستورية دراسة حول قانون غسيل الأموال المصري بعنوان ” قانون غسيل الأموال المصري في ضوء معايير الشرعية و جدلية العولمة ” قام من خلالها بطرح إشكالية تعاظم خطورة جريمة غسيل الأموال في ظل توجهات ثورة الاتصالات و التكنولوجيا وسيطرة محددات جدلية العولمة الأمر الذي أعطى لهذه الجريمة أبعادا قد تفوق مقدار خطورتها الحقيقية باعتبارها إحدى الجرائم المنظمة العابرة للحدود، لاسيما بعد أحداث 11 سبتمبر التي وقعت في عام 2001 ، وإصدار مجلس الأمن القرار رقم 1373 الذي يلزم كافة الدول باتخاذ التدابير اللازمة لمكافحة الإرهاب والقضاء على مصادر تمويله، وتجفيف منابعه المتمثلة في الأموال المتحصله من نشاط المنظمات الإرهابية و التي تعاد غسيلها في البنوك و المصارف المالية ، هذا بالإضافة إلى الالتزام بموافاة لجنة متابعة القرار بتقارير عن الخطوات المتخذة تنفيذا له ، و إلا استعملت التدابير الواردة بالفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة التي قد تصل إلى حد الخيار العسكري ضد الدولة الممتنعة عن تنفيذ تلك الالتزامات .

هذا وقد ذكرت الدراسة أن قانون غسيل الأموال المصري رقم 80 لسنة 2002 وتعديلاته، ليس سوى أنموذج للتشريعات التي أقرت لمجرد الاستجابة للضغوطات الدولية خاصة و أنه لم يتبنى ثمة سياسة تشريعية جنائية يمكن أن يقال عنها أنها تعنى فعليا بمكافحة هذه الجريمة على مستوياتها المختلفة، لاسيما في ظل وضعية الاقتصاد المصري واحتياجه لتوفير المناخ الاستثماري المناسب لدعم الثقة في القطاع المصرفي خاصة و أن جريمة غسيل الأموال تأتى على المحك من مبدأ سرية الحسابات المصرفية التي هي أساس التعاملات المالية – الأمر الذي تؤكده ملابسات إصدار هذا القانون عقب وقوع أحداث 11 سبتمبر وصدور القرار 1373، ووضع مصر في القائمة السوداء التي أعدتها لجنة العمل المالية لمكافحة غسيل الأموال (فاتف) ، وشطبها منها في 27/2/2004 بعد إصدارها لهذا القانون وموافاة لجنة تنفيذ القرار 1373 بمجموعة من التقارير عن التدابير التي تم اتخاذها بشأن مكافحة الإرهاب و تجفيف منابعه.
ولهذا شاب قانون غسيل الأموال العديد من مظاهر تجاوز مبادئ الشرعية القانونية التي كفلها الدستور المصري والمواثيق الدولية .

فقد وسع هذا القانون من دائرة الاشتباه في من يتهمون بارتكاب هذه الجريمة، دون النص على معايير ثابتة تكفل تحديد أركان جريمة غسيل الأموال، الأمر الذي يتضح من إيجازه معاقبة الأفراد على فعل غسيل الأموال دون اشتراط ثبوت ثمة جرائم سابقة بموجب حكم قضائي نهائي يتم غسيل الأموال عنها ، والأمر في ذلك متروك لتقدير الجهة المنوط بها إعداد ملف الدعوى و أحالتها للنيابة العامة ، وهى وحدة مكافحة غسيل الأموال، و التي اعتبرت الدراسة أن تشكيلها يعد من اخطر مثالب هذا القانون لاسيما في ظل التناقض الذي يكرسه هذا القانون من كفالة استقلاليتها حسب ما ورد بنص المادة الثالثة من قانون غسيل الأموال من ناحية – وتشكيلها الذي يعد تكريسا لمزيد من صلاحيات السلطة التنفيذية، فمجلس أمناء الوحدة يصدر بتشكيله قرار من رئيس مجلس الوزراء أي من السلطة التنفيذية التي تملك حق الاعتراض على عضوية بعض الشخصيات التي لا تعين بحكم وظائفها وأهمها رئيس الوحدة ذاته ، والذي يختاره وزير العدل من بين مساعديه دون توافر أية ضوابط لهذا الاختيار ،أما غالبية أعضاء مجلس الأمناء فهم يختارون بشكل مباشر من السلطة التنفيذية مثل خبير الشئون المالية والمصرفية الذي يختاره رئيس مجلس الوزراء ، بالإضافة إلى أن منهم من يتم اختيارهم على نحو غير مباشر مثل نائب محافظ البنك المركزي ورئيس سوق هيئة المال، وهؤلاء يتم تعيينهم في وظائفهم الأصلية من قبل السلطة التنفيذية وللاعتبارات التي تراها . ويعني ذلك أن هذا المجلس لن يقر إلا السياسة التي تتفق مع السلطة التي يتبعها وسوف يتأثر بها ويتلقى التوجيه منها . هذا كله بالإضافة إلى تجاوز هذا القانون لمبدأ عدم جواز محاكمة الجاني عن ذات الفعل مرتين ، و قاعدة سرية الحسابات المصرفية ، و مبدأ شخصية العقوبة ،و العيوب التي شابت الصياغة ذاتها من تزيد وغموض في الألفاظ الأمر الذي يهدر المبدأ الدستوري المتضمن انه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص .

واعتبرت الدراسة أن أعمق مخاطر هذا القانون تمثلت في الصلاحيات التي منحت للجهات الأجنبية القضائية – دون تحديد المقصود بتلك الجهات – من تعقب أو تجميد للأموال موضوع جرائم غسيل الأموال أو عائداتها أو الحجز عليها داخل مصر ، الأمر الذي يشكل انتهاكا صارخا لمبدأ السيادة الوطنية ومساس بمصلحة وأمن الدولة ، لاسيما في ظل الوضع الدولي الراهن وسعى بعض الدول للتذرع بمكافحة الإرهاب لتحقيق اعتباريها السياسية ، مما قد يجعل من هذا النص مبررا مثاليا للتدخل في الشئون المصرية الداخلية تحت اسم تعقب المجرمين .

و أنتهت الدراسة إلى أن السياسة الجنائية التي يتبنها قانون غسيل الأموال المصري- تمثل تكريسا لمزيد من صلاحيات السلطة التنفيذية وخروج على مبدأ السيادة الوطنية ، الأمر الذي قد يجعل منه سلاحا في يد النظام يمكن أن يستخدم لتسييس الجرائم ، وهو في الحقيقة ما تسمح به مرونة نصوص هذا القانون واتساع ألفاظه ومدلولاته وعدم تحديد ملامح التجريم فيه، مما يشكل انتهاكا صارخا لمبادئ الشرعية القانونية و يهدم الكثير من القيم الذي عنى بترسيخها الدستور المصري الحالي.

هذا بالإضافة إلى انه بصياغته الحالية وما يتيحه من صلاحيات للجهات الأجنبية يشكل خطرا جسيما على أمن مصر، مما يهيب بالمشرع المصري أن يتداركها بإعادة صياغة قانون جديد لغسيل الأموال يعنى بمكافحة هذه الجريمة على مستوياتها المختلفة دون المساس بالحقوق و الحريات العامة .