12/9/2005
العاشرة والنصف صباحا، بتاريخ 9 – 9 – 2005 بمقر الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان بالدائرة الثانية عشر بباريس، كان موعد الندوة الصحفية، التي دعت لها عدة منظمات حقوقية أجنبية غير رسمية، لها وزنها وحضورها على المستوى الدولي والعالمي، لتدارس وضعية الرابطة التونسية لحقوق الإنسان، التي منعت من عقد مؤتمرها الذي كان مقررا أيام 9- و10 و11 هذا الشهر، والتي تتعرّض حاليا للمضايقات والمحاصرة من طرف السلطة، لمحاولة تقويضها، واستبدالها بعناصر موالية لها ” ما يطلق عليه بالشرفاء” حسب قاموس السلطة.
وقد واكبت الندوة وسائل الإعلام الأجنبية والعربية والإفريقية المرئية والمسموعة والمكتوبة، وافتتح الندوة المحامي ” ميشال تيبانا ” نائب رئيس الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، الذي عرّج على الأوضاع الصعبة لحرية التعبير بالبلاد، والمحاصرة التي تتعرض لها الرابطة التونسية لحقوق الإنسا! ن، التي اعتبرها أكفأ وأقدم المنظمات الحقوقية في الوطن العربي، وأنها الآن تتعرض لكل أشكال المضايقات والمحاصرة والمتابعة، لأنها مارست وتمارس دورها المدني في التصدّي للمظالم بالطرق السلمية والقانونية، ولم تنخرط في مسايرة النظام حول عدة قضايا حقوقية، مما جعلها عرضة لنقمة السلطة،
كما استغرب صمت الاتحاد الأوروبي، الذي رآه صمتا غير محتمل وغير مبرر، كما انتقد موقف الحكومات الأوروبية التي لم تتحرّك تجاه هذه الوضعية، رغم أن تونس شريكا في اتفاقيات الشراكة مع أوروبا، والبند الثاني من هذا الاتفاق يؤكد على احترام حقوق الإنسان، ومع ذلك فإن هذه الحكومات لم تمارس ضغطا على النظام القائم، كي يحترم هذا البند الذي يعتبر أحد البنود المحورية، في اتفاقات الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وتونس، وقطعت مداخلة السيد
” ميشال تيبانا “، على إثر مكالمة هاتفية منتظرة بين الحين والآخر مباشرة من تونس، من طرف الأستاذ مختار الطريفي رئيس الرابطة التونسية لحقوق الإنسان، الذي تطرّق إلى توصيف حالة المحاصرة اليومية التي تعيشها الرابطة، وأنواع المضايقات والإزعاج المستمر، وكيفية المنع الإجباري لانعقاد مؤتمرها،!
إلى جانب الإشارة إلى بعض أسماء الشخصيات الأجنبية السياسية منها والحقوقية، الذين زاروا المقر معبرين عن مساندتهم، وفي الأثناء شكر كل المنظمات والجمعيات والفعاليات الحقوقية والأسرة الإعلامية، الذين وقفوا إلى جانب الرابطة التونسية، والذين منحوها دعما معنويا ومؤازرة أخلاقية، وتطرّق إلى أوضاع المحامين الذين تعرضوا إلى نفس الأسلوب، في المعاملة واستشهد بقضية الأستاذ محمد عبو الموجود حاليا بالسجن، إلى جانب طرح وضعية نقابة الصحفيين، التي هي الأخرى منعت من عقد مؤتمرها يوم 7 / 9 / ،2005، وما تتعرّض له من مضايقات أمنية، ومحاصرة بوليسية لصيقة، وكان في مداخلته يؤكد على المزيد من الدعم الحقوقي من طرف المنظمات، كي تحرّك الحكومات الغربية، للضغط على تونس من أجل احترام الحريات الفردية والجماعية…
وتحدثت ممثلة منظمة مراسلون بلا حدود فرع المغرب العربي، الآنسة ” لين تيهاني ” مختصرة الوضع العام بغياب حرية التعبير، وغياب الصحافة المستقلة، متسائلة كيف يمكن أن تحتضن تونس القمة الدولية لمجتمع المعلومات، التي ستقام أيام 16 – 17 – 18 أيلول،2005، في حين أنها تمنع الصحافة الحرة من ممارسة مهمت! ها الإعلامية، واستشهدت بوضعية نقابة الصحفيين، التي وقع منع مؤتمرها
وذكرت أن منظمة مراسلون بلا حدود، راسلت مباشرة رئيس الدولة السيد زين العابدين بن علي في هذا الموضوع، غير أنها لم تتلق أيّ رد، وانتهت إلى القول أن عقد مؤتمر نقابة الصحفيين التونسيين هو حق قانوني ودستوري، وحرية الصحافة وحرية التعبير هي شرط صحّي للدولة المدنية، وغياب حرية الإعلام دليل على خلل كبير، وهوّة فاصلة بين ما يقال وما يمارس…
وتطرّق الأستاذ كمال الجندوبي رئيس الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان إلى وضع الرابطة، الذي أضاف أنها منذ نشأتها كانت هدفا للنظام الذي لم يستسغ وجودها، وضلت في كل المناسبات عرضة إلى المتابعة وتعطيل دورها، وتسائل بكثير من الوضوح حول موقف الشركاء الأوروبيين، الذين لم يمارسوا ضغطا حقيقيا على النظام التونسي، الذي بات يتصرف خارج القوانين الدولية، وخارج القيم الإنسانية وأكد على شرعية المؤتمر، ومواصلة التحرّك من أجل رفع المظالم المتتالية…
وتدخّل الأستاذ خميس كسيلة الكاتب العام للرابطة التونسية، معتبرا أن تونس الآن تعيش حربا على الذكاء، لمحاولة طمس الوعي الحقوقي، و! أضاف أن معركتنا ليست من أجل إبراز الأشخاص، بل هي معركة من أجل الكل، من أجل أن تصبح المطالبة بالحقوق المدنية مشروعة وبديهية
وليست تهمة أو جريمة أو عصيان أو تمرد كما يراد أن تكون، إن هذه الحرب المفتوحة على المجتمع المدني، هي ببساطة استهداف لما بقي من حصون، تحمي المجتمع التونسي من التصحّر السياسي والانجراف الحقوقي، ولئن كان زملائنا هناك في الرابطة تحت القصف البوليسي اليومي، فإننا هنا سنكون سفرائهم، من أجل الدفاع عن كل القلاع الحقوقية، التي يحتاجها مجتمعنا..
وتناولت ممثلة نقابة القضاء السيدة ” هيلان فرنكو” التي لخصت تدخلها بالتعريج على وضعية القضاة التونسيين، حيث ذكرت أن جمعية القضاة التونسيين التي تضمّ حوالي 1700 قاضيا، لم تكن ذات هدف سياسي أو الاهتمام برجل الشارع، بل هي جمعية قانونية تعنى بشؤون أهل هذا القطاع، وأوضاعهم الإدارية والإجرائية، ومع ذلك فإنه وقع الانقلاب عليها، لتنصيب جمعية موالية للسلطة، وباسمي وباسم نقابة القضاة الفرنسيين، نعبّر عن تضامننا ومساندتنا دون تردد لزملائنا في تونس، ونعبر عن دعمنا المطلق لهم…
وعبّر كل من ممثل الحزب الشيوعي الفرنس! ي، وممثل الحزب الاشتراكي الفرنسي عن دعمهم، ووقوفهم إلى جانب الرابطة التونسية لحقوق الإنسان والتجند، من أجل طرح الموضوع في البرلمان الفرنسي، والتحسيس بالقضية على أعلى مستوى…
وتبقى الأسئلة الحارقة والمعطوبة جدا، إذا كان هذا حال فصائل المجتمع المدني الذين يشتغلون تحت أشعة الشمس، والذين تلتقط صرخاتهم الفضائيات والجرائد والمواقع، وتتحرك لفائدتهم المنظمات والجمعيات والإذاعات
فكيف هو حال ذاك المواطن العادي الذي لا سند أعلامي له، ولا حضن حقوقي ولا أحد يسمع بهمومه ومظالمه، لا منظمات ولا جمعيات تتبنى أوجاعه والذي يعاني من التجاوزات القانونية والإدارية اليومية وكيف هو حال تلك الجماهير الممنوعة من حق التظلم وحق الشكوى وحق الاحتجاج
وأفظع منهم ذاك السجين السياسي الذي بينه وبين الفضاءات الحقوقية والإعلامية جدران وحراس وقضبان وممارسات تتجاوز الواقع والخيال
وكيف حال ذاك المواطن عادل الثابتي الذي يقطن في أقسى الريف ذاك الطالب السجين السياسي السابق الذي منذ خمس سنوات يعيش مع الأغنام ويحلم أن يواصل دراسته الجامعية وهو الآن ومنذ أسبوع في إضراب جوع مفتوح! والكثير من الحالات البائسة جدا والمظالم المتناسلة…
هذه أسئلة لا نطرحها على الهواء بل نطرحها على كل الشرفاء وكل الذين يؤمنون بالفعل والعطاء
*******************************
هوامش
* طبعا كل المداخلات كانت باللغة الفرنسية
* الرابطة التونسية لحقوق الإنسان تأسست في أيّار 1977
* أغلب المؤسسين هم من حزب حركة الديمقراطيين الاشتراكيين برئاسة السيد أحمد المستيري آن ذاك
* من معوقات الرابطة أنه أثناء التأسيس وقع اتفاق مع السلطة أن ثلث الهيئة المديرة يقع تعينه من طرف السلطة مما أثر على الاستقلالية ولم تحسم هذه النقطة إلا في مؤتمر نوفمبر 2000 حيث لم يفز أي من الدساترة الموالين للسلطة التونسية مما جعلها تحاول خلق الأزمة
* الرؤساء الذين تناوبوا على قيادة الرابطة التونسية لحقوق الإنسان هم حسب الترتيب
1 سعد الدين الزمرلي
2 محمد الشرفي
3 منصف المرزوقي
4 بودربالة
5 فاضل غدامسي الذي توفي وفي عهده سجن الصحفي سحنون الجوهري عض! و الهيئة المدير والذي توفي بالسجن المدني بتونس نتيجة لسوء المعاملة ولسوء الإهمال الطبي المتعمد
6 مختار الطريفي
* وقع تسليم رسالتين حول ما تتعرض له الرابطة التونسية لحقوق الإنسان إلى الرئيس جاك شيراك ووزير الخارجية من طرف وفد من كبريات المنظمات الحقوقية الأجنبية
* السيد صديقي كابا رئيس الفيديرالية الدولية لحقوق الإنسان لم يتمكن من حضور الندوة لأنه كان على عين المكان للاطلاع على الأوضاع بمقر الرابطة التونسية
* يوم الجمعة 9 – أيلول 2005 على الساعة السادسة والنصف وقع تجمع قرب السفارة التونسية احتجاجا على ما تتعرض له الرابطة بحضور العديد من الشخصيات الحقوقية العربية والأجنبية والمناضلين
* السبت 10 أيلول 2005 شاركت الرابطة في إقامة ندوة بمناسبة عيد الإنسانية حضرتها عدة شخصيات ويتواصل مدة الاحتفال 3 أيام
صحفي بباريس