14/10/2006

انتهى مركز ماعت في حلقة نقاشية ضمت مجموعة من خبراء القانون الدستوري إلى رؤية لمعالم دستور جديد جاء فيها ما يلي:-

إن الدساتير تعد بمثابة السيرة الذاتية للدولة في داخل المجتمع الدولي، ولهذا فان معيار ديكتاتورية الدولة أو ديمقراطيتها مرهونا بمدونات هذا الدستور.
ومن هنا فقد حرصت سائر الدول في النظم الحديثة على تضمن دساتيرها مجموعة من المبادئ التي اعتبرتها النظم الدستورية العالمية مثالا أو معيارا لديمقراطية النظام مثل مبدأ سيادة القانون و مبدأ الفصل بين السلطات و استقلال السلطة القضائية واحترام الحقوق والحريات العامة.

وبإلقاء نظرة متفحصة على التجربة الدستورية المصرية الحالية في ظل الدستور الحالي نجد أن الدستور المصري صار يعانى من فجوة بين نصوصه ومقرراته وواقع حال التجربة السياسية المصرية على ارض الواقع- وذلك لا يعنى الحديث على خلفية مدى ديمقراطية أو ديكتاتورية ما يمنحه الدستور من حقوق و حريات للشعب فقط، ولكننا نعنى أزمة نصوص عجزت عن مواكبة و ملاحقة تطورات هامة على الصعيدين الدولي والداخلي، خاصة إذا وضعنا في الاعتبار الفترة الزمنية والأحداث التاريخية والسياسية التي ارتبطت بإقرار هذا الدستور.

ملامح التعديل :-

وباستقراء نصوص الدستور المصري

1- نجد انه تظهر فيه معالم التوجه ناحية الفكر الاشتراكي الذي اعتنقه هذا الدستور على اثر الصراع الذي كان دائرا إبان الحرب الباردة والذي انتهى في أواخر الثمانينات وأعتاب التسعينات في الألفية السابقة.
هذا من جانب ومن جانب أخر فان ملامح نظام الاقتصاد المصري الحالي من خلال اعتناق النظام مبدأ الاقتصاد الحر وفكرة العرض والطلب وتوجه الدولة نحو الخصخصة يعنى انتهاج الاقتصاد مبادىء النظام الراسمالى اى أقصى اليمين وذلك عكس ما نصت علية المادة الأولى من الدستور الحالي، مما يستتبع تعديلا دستوريا جذريا إن لم يكن وضع دستورا جديدا يتم وفقا لتوجهات فلسفة الحكم التي تتناول وضعية الاقتصاد المصري الحالي واعتبارات اللبرالية والديمقراطية التي يرتضيها الشعب المصري.

2- وقد نص الدستور الحالي في كل من المادة 76 و77 على طريق اختيار رئيس الجمهورية ومدة الرئاسة، والحقيقة أن هذه النصوص تستوجب التعديل،
وبالوقوف عند نص المادة 76 نجد أنها قد اشترطت على الأحزاب لتقديم مرشح لها لرئاسة الجمهورية أن تحصل على نسبة 5% على الأقل من مقاعد البرلمان، و والحقيقة أن حال الأحزاب المصرية جعل من هذا الشرط بمثابة حرمان للمجتمع المصري من زيادة عدد المشاركة الحزبية من الترشيح لهذا المنصب وحصره في أحزاب الأغلبية مما يستتبع ضرورة إلغاء هذا القيد وفتح المجال أمام الأحزاب لإثراء المناخ السياسي و ثقل التجربة الحزبية على الأرضية السياسية المصرية،
هذا من جانب ومن جانب أخر فان مبدأ تاقيت ممارسة السلطة السياسية يعد ضمانة أكيدة لاحترام الحقوق و الحريات مما يعنى وجوب تعديل المادة 77 و قصر مدة الرئاسة على خمس سنوات و تقيدها بفترتين رئاسيتين فقط.

3- وفيما يتعلق بسلطات واختصاصات رئيس الجمهورية فقد حدد دستور 71 اختصاصات رئيس الجمهورية في حوالي 35 مادة من الدستور خول فيها له صلاحيات تفوق طاقته منها رئاسته للجهاز التنفيذي ورئاسته للقوات المسلحة و المجلس الأعلى للقضاء بجانب صلاحياته التشريعية المخولة له في الظروف العادية والظروف الاستثنائية – فالحقيقة إن تكدس الصلاحيات في يد شخص رئيس الجمهورية ينال من دميقراطية النظام فلا سيما في انتهاك مبدأ الفصل بين السلطات الذي ينال من ضمانة احترام الحقوق والحريات وكذلك مبدأ سيادة القانون واستقلال السلطة القضائية والتوجه نحو مركزية الدولة وغياب دولة المؤسسات، وعلى الصعيد الأخر يصير من الصعب بمكان على رئيس الجمهورية مباشرة كل تلك الاختصاصات بمفرده مما يعنى أن البديل يكون في التفويض حتى في بعض المواضع التي لم يصرح بها الدستور بذلك وقصر فيها مباشرة الاختصاص لرئيس الجمهورية فقط مما يجعل التفويض فيها مشوبا بعيب عدم الدستورية.

4- واتساقا مع ما ورد سابقا فقد اعتنق الدستور الحالي مبدأ مسئولية الوزراء المعينين أمام البرلمان دون مسئولية رئيس الجمهورية على الرغم من رئاسته للحكومة – وتعد تلك من أعمق الفجوات التي يعانى منها الدستور الحالي لأنه فقد التلازم المنطقي بين السلطة والمسئولية،

وعلى ذلك فإننا نرى:-

أن المناخ السياسي المصري واحتياجه لمزيد من الديمقراطية وإتاحة الفرصة للرقابة الشعبية لأداء دورها المنوط بها في عملية المشاركة في السلطة يتناسب مع جوهر النظام النيابي البرلماني، حيث أن النظام النيابي البرلماني يحقق التوازن اللازم بين السلطة والمسئولية الذي يعنى حتمية عدم ممارسة اى سلطة استقلالا مدام المسئول غير محاسب وبالتالي في ظله يصبح منصب رئيس الجمهورية منصبا شرفيا ورمزا للدولة وحكما بين السلطات.

وانطلاقا من ذلك ستصير السلطة التنفيذية سلطة حقيقية من خلال اعتناق مبدأ ثنائية الجهاز التنفيذي طبقا لمفهوم أعمق مما اقره الدستور الحالي، بحيث لا ينفرد فيه رئيس الجمهورية بممارسة اختصاصاته التنفيذية عن طريق المراسيم أو يقر له تصرف أو قرار إلا بموافقة مجلس الوزراء والوزراء المسئولين مسئولية كاملة حتى عما يصدر من رئيس الجمهورية ذاته أمام البرلمان ممثل الشعب،

مما يستتبع تعديل كافة النصوص المنظمة لعلاقة رئيس الدولة بكل من سلطات الدولة الثلاثة وكذلك علاقة كل من السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية بعضهم ببعض بما يواكب ما جاءت به المقررات الفقهية للنظام النيابي البرلماني لإقرار مسئولية الحكومة أمام البرلمان من جهة وقبلها موافقة البرلمان على التشكيل الحكومي حتى يدخل حيز الشرعية في ممارسة مهامه من جهة أخرى،

فجوهر هذا النظام تظهر في الدور الفعال الذي يلعبه البرلمان في الحياة السياسية باعتباره الممثل الأصيل للشعب مما يستوجب زيادة مساحة الصلاحيات الرقابية المخولة له في مواجهة الحكومة وبالتالي تعديل المواد 124، 125 ،126 ، 127، 128 وذلك بسلب رخصة رئيس الوزراء أو نوابه أو الوزراء في إنابة غيرهم في الإجابة على أسئلة الأعضاء أو الرد على طلبات الاحاطة ألمقدمه إليهم منهم و تقرير جواز تحويل السؤال إلى استجواب في ذات الجلسة ، وسلب اشتراط موافقة الحكومة على تحديد موعد مناقشة الاستجواب في حالة الاستعجال ، وكذلك إلغاء حق رئيس الجمهورية في التعقيب على المجلس في مسألة تقرير مسئولية الحكومة وسحب الثقة منها .

ولا يقدح كل ذلك في قصر مهمة التشريع على صاحب الاختصاص الأصيل فيها وهى السلطة التشريعية ومنحها استثناء لا يجوز التوسع فيه في حالة الطوارىء وحالة الضرورة إلى السلطة التنفيذية على أن يتم ذلك وفقا لضمانات أكثر مما هو مقرر في الدستور الحالي لمزيد من احترام الحقوق والحريات العامة.

5- وفيما يتعلق باستقلال السلطة القضائية

فإذا كان الدستور الحالي قد نص على مبدأ استقلال السلطة القضائية إلا انه في المواد اللاحقة قد انتهك ذات المبدأ من خلال:

  • إحالة الدستور إلى القانون لتنظيم شئون الهيئات القضائية دون النص عليها في الدستور ذاته.
  • إقرار الدستور مبدأ إنشاء القضاء الاستثنائي وبالتالي السماح بالخروج عن مبدأ القاضي الطبيعي المكفول للجميع وكذلك إخراج طائفة من المنازعات القانونية من تحت ولاية القضاء العادي وإعطائها لولاية القضاء الاستثنائي الذي أناط إلى القانون فيه مهمة تحديد تشكيله وفقا لما جاء بالمادة 171 التي نصت على إنشاء محاكم امن الدولة .
  • النص على إنشاء مجلس أعلى يتولى شئون القضاء يرأسه رئيس الجمهورية مما قد يمثل نفاذا لهيمنة السلطة التنفيذية على السلطة القضائية.
  • ومن جماع ما تقدم فانه يمكن القول انه لا مجال لإصلاح دستوري دون ضمانة استقلال السلطة القضائية التي تقوم على أساس اختصاص القضاء بالفصل في جميع المنازعات ونبذ فكرة القضاء الاستثنائي هذا على صعيد.

    أما على الصعيد الأخر فيجب

  • شمول الإصلاح إصلاح الوضع الداخلي للقضاء ذاته وذلك يكون بنص الدستور نفسه قبل القانون المنظم للهيئات القضائية على وضع آلية لاختيار أعضاء الهيئات القضائية وفقا لاسلوب يضمن نزاهة هذه السلطة وحيادها على أن يتم ذلك من خلال مجلس للقضاء الأعلى يشمل تنظيمه أيضا التعديل فى اختيار أعضائه ليكون بالانتخاب من بين أعضاء الجمعية العمومية للنقض أو استئناف القاهرة.
  • هذا بجانب وجوب النص على استقلال منصب النائب العام باعتباره هو المنوط به تحريك الدعوى الجنائية ووضع آلية لاختياره من دائرة محدودة من رؤساء الاستئناف و بموافقة مجلس القضاء الأعلى.
  • هذا وقد بات إلغاء المادة 179 أمرا ضروريا وهى تلك المعنية بتنظيم حدود اختصاصات المدعى العام الاشتراكي وذلك تكريسا لما ذكرناه سلفا من وضعية الاقتصاد المصري.
  • كما أن رؤيتنا للإصلاح الدستوري نحو سلطة قضائية أكثر استقلالا لا تتعارض مع مبدأ اختصاص القضاء بكل ما يتعلق بالرقابة على الانتخابات بدأ من تنقية الجداول وانتهاء ليس بإعلان النتائج فقط ولكن التوسع في مفهوم الإشراف ليشمل اختصاصها الأصيل في الفصل في صحة عضوية أعضاء البرلمان الذي حرمها منه الدستور الحالي في المادة 93 وأعطاه للبرلمان نفسه.

    6- و يجب أن يشمل الإصلاح الدستوري نصوصا تعنى بترسيخ ثقافة الرقابة الشعبية وزيادة المشاركة الشعب في ممارسة حقوقهم المدنية والسياسية وعدم قصر ممارسة هذا الحق على فئات بعينها والزم الجهات المعنية بتنظيم فعلى لممارسة هذا الحق،

    7- أما على مستوى الحياة الحزبية فيجب النص في التعديل الدستوري الجديد على فتح الباب أمام حرية إنشاء الأحزاب وعدم وضع العراقيل والمعوقات القانونية أمامها وإتاحة الفرصة لها لممارسة الحكم وليس فقط ( المشاركة ) في الحكم طبقا لما ورد في قانون تنظيم الأحزاب السياسية؛ وكذلك الحال بالنسبة للنقابات و هيئات ومؤسسات المجتمع المدني التي اكتفى الدستور الحالي بشأنها إلى إقرار مبدأ وجودها كتنظيمات دون النص على ضمانة عملها بحرية بشكل مجمل وأحال بشأن تنظيمها إلى النصوص القانونية التي أهدرت كل نص يقضى بأهمية دور هذه المؤسسات في الرقابة،

    كما فعلت مع المؤسسات الصحفية والتي جاء القانون المنظم لها هو الأخر ليفرغ دور الصحافة من مضمونه مع أن النص الدستوري الحالي قد اعتبرها سلطة مستقلة بينما افرغ لها القانون المنظم لها مجموعة قوانين معوقة وصلت إلى حد التجريم العقابي بالتنفيذ البدنى على العمل الصحفي ومن يعملون به.

    لهذا يجب أن يتصدى التعديل الدستوري لظاهرة إفراغ القوانين المنظمة لعمل المؤسسات والهيئات كافة الضمانات التي يمنحها الدستور لتلك المؤسسات بالنص الصريح على وجوب عدم مخالفة القوانين المنظمة لتلك الضمانات والا وصمت بعيب عدم الدستورية التي يقتضى بطلانها تأكيدا على تفعيل دور هذه المؤسسات في العمل العام والمجتمع المصري في المجمل.