11/7/2006
نظم مركز عمان لدراسات حقوق الإنسان ندوة نقاشية حول “عقوبة الإعدام”، حضرها ممثلين عن الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، ونخبة من الباحثين والأكاديميين المهتمين. وترأس الندوة الدكتور محمد الطراونة تخللتها ثلاثة مداخلات الأولى للدكتور محمد الطراونة بعنوان: البعد القانوني، والثانية للدكتور طاهر بو مدرة، المدير الإقليمي للمنظمة الدولية للإصلاح الجنائي، بعنوان: المعايير الدولية، والمداخلة الثالثة للدكتور حمدي مراد بعنوان: البعد الديني.
وتناول الدكتور الطراونة المواد القانونية التي تنص على عقوبة الإعدام بالشرح والتحليل، وأشار في معرض حديثه أن الغاية من تطبيق العقوبة بشكل عام هي الحد من تكرار ممارسة الفعل الذي استحق هذه العقوبة، وتحقيق الرادع لعدم تكراره. إلا أنه من الواضح أن عقوبة الإعدام وبشكلها العام في تطبيقاتها المختلفة في الدول التي تقرها قوانينها لم تحقق هذه الغاية.
وأشار الدكتور الطراونة إلى حجم الظلم الواقع في أزهاق روح قد يتبين فيما بعد أن هذا الشخص الذي حكم بالإعدام كان بريئاً أو أنه لا يستحق هذا المستوى من العقوبة.
وأشار الدكتور الطراونة إلى الإشكالية القانونية بين التشريعات والقوانين الوطنية التي تقر عقوبة الإعدام وبين القوانين والمعاهدات الدولية بالنسبة للدولة الموقعة والمصادقة على هذه المعاهدات والتي يجب أن تكون تشريعاتها منسجمة ومتفقة معها.
وعرض الدكتور طاهر بو مدرة وجهة نظر المنظمة الدولية للإصلاح الجنائي حول عقوبة الإعدام، ولماذ تناهض المنظمة عقوبة الإعدام، فبالإضافة إلى كون عقوبة الإعدام تثير الإشمئزاز فهي أيضاً غالباً ما يتم اللجوء إليها لأسباب سياسية أكثر منها جنائية. هذا وأشار الدكتور بو مدرة إلى أنه في العالم كله لا يوجد نظام قضائي مثالي، فلكل نظام قضائي نقاط ضعفه ونقاط قوته وتحقيقه للعدالة بشكلها المطلق أمرٌ مستحيل ويبقى نسبي، فبأي حق يصدر حكماً قضائياً مطلقاً لا يمكن التراجع عنه بعد تنفيذه. وأكد الدكتور بو مدرة أن النظم القضائية في منطقتنا بحاجة إلى إعادة النظر في أنظمتها التشريعية، وأنظمتها القضائية.
هذا وتأكيداً على أن عقوبة الإعدام لم تمثل أداة أو وسيلة رادعة لعدم تكرار الفعل الذي استوجب الحكم بعقوبة الإعدام، فقد أورد مثالاً ما جرى في المملكة المغربية، ففي عام 1971 وعلى أثر النزاعات السياسية حينها تم إعدام عشرة أشخاص، وبعد عاماً واحداً فقط حصل انقلاب ثاني في عام 1972 وتم إعدام أحد عشر شخص آخرين أيضاً ولم يمر عاماً واحداً وحصل انقلاب آخر وأعدم على أثره خمسة عشر شخصاً أيضاً.
وهكذا فعقوبة الإعدام بحد ذاتها لم تكن ولن تكون الوسيلة والإدارة الرادعة لعدم تكرار الفعل الذي استوجب تطبيقها. وعليه ولبشاعة هذه العقوبة ومجافاتها للحس والعقل الإنساني ولعدم إمكانية تحقيق العدالة المطلقة وتجنباً للوقوع في الخطأ في حال تطبيقها أرى أنه المطلوب العمل وبكل جدية على ضرورة إلغائها وبشكل نهائي ومطلق من جميع تشريعاتنا من أجل تحقيق العدالة.
وتحدث الدكتور حمدي مراد عن عقوبة الإعدام من المنظور الإسلامي وأكد أن الإسلام دائماً يسعى لدرء جميع أنواع العقوبات التي هي أدنى بكثير من عقوبة القتل (الإعدام)، من خلال الشروط المشددة التي منع إنزال أي عقوبة مهما دنت، تحقيقاً للعدالة الإلاهية، النسبية في الدنيا والمطلقة في الآخرة.
وأشار الدكتور حمدي مراد إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم “ادرأوا الحدود بالشبهات”، والشبهة هنا تعني أن أية جناية ينزل مستوى التأكد منها عن اليقين القاطع، يجب أن يسعى لدرء العقوبة وعدم تطبيقها. وهنا دخول عامل الشك أو الشبهة يوقف إنزال العقوبة المحددة تجاه الموضوع أو الجناية، والنزول إلى عقوبات أخرى أدنا منها تحقيقاً للعدالة، وهذا ما يقدره القضاء العادل.
وأشار الدكتور مراد إلى أن الله سبحانه وتعالى بين لنا مقاصد شرعة وهي خمسة أولها حفظ الدين الذي أنزله سبحانه وتعالى وبعد ذلك مباشرة حفظ النفس والحيلولة دائماً دون إزهاق روح الإنسان الذي خلقة الله وكرمه.
وتحدث السيد حسام بهجت نائب رئيس الجمعية المصرية لمناهضة التعذيب وعضو وفد الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، أن هناك طروحات بخصوص الإلغاء التدريجي لعقوبة الإعدام، حيث أنه يمكن الإبقاء على عقوبة الإعدام في أضيق الحدود وخاصة في جرائم القتل العمد وذلك مراعاة للرأي العام والمزاج الجماهيري. وأشار السيد حسام إلى أن هذه الخطوة وإن عدت خطوة للإمام إلا أنها تحمل تناقض في مضمونها، فهي من جانب تمثل محاولة ودعوى لإلغاء عقوبة الإعدام ومن جانب آخر تشير إلى أن هناك حالة ما تستحق عقوبة الإعدام. وهنا فالمضمون الذي من أجله جائت الدعوة لإلغاء عقوبة الإعدام قد تم شطبه ولا يصح فيما بعد إعادة طرحه كمضمون ودليل من أجل إلغاء عقوبة الإعدام. وهذا يضعف الرسالة ويجعلها تنطوي على تناقض واضح، ويضعف أيضاً من تكوين رأي عام مناهض لعقوبة الإعدام.
وما دام هناك فرصة لإمكانية التأثير في عملية إلغاء عقوبة الإعدام في الوقت الراهن فيجب حشد كل الطاقات من أجل تحقيق هذه الغاية والتي هي إلغاء عقوبة الإعدام التي يتعارض وجودها في قوانيننا مع واقع تطورنا وحاضرنا ومستقبلنا الإنساني والاجتماعي.