20/12/2004

في البداية، فإننا في الوقت الذي نسجل فيه أهمية استشارة وزارة الداخلية للفاعلين السياسيين و مكونات المجتمع المدني فيما يتعلق بهذا المشروع، فإننا نؤكد أن الإشراك القبلي لهؤلاء هو حتما أسلم على المستوى الديموقراطي، و أفيد من حيث الفعالية، و في نفس الوقت، فإننا نلاحظ الطبيعة المزاجية للدولة في عملية الاستشارة هذه، إذ أنها لم تكلف نفسها عناء هذه العملية في مشاريع قوانين أخرى من قبيل قانون الإرهاب، الصحافة، قانون الإضراب… كما أننا نؤكد على ضرورة استشارة المعنيين المباشرين بالمشروع، و نعني الأحزاب لسياسية دون استثناء بعضها…

…من جهة ثانية، فإن كانت هناك أزمة مطروحة في الوقت الحالي بالنسبة للعمل الحزبي السياسي عامة، و التي من أهم مظاهرها عزوف جزء لا يستهان به من المواطنين عن هذا العمل، و تواجد أحزاب سياسية تفتقد لأبسط مبادئ الديموقراطية في تأسيسها و تنظيمها و في شكل اتخاذها لقراراتها و في تسييرها الحالي… فإن الدولة هي التي تتحمل مسؤولية جسيمة في ذلك بحكم السياسة التي نهجتها ضد المعارضة السياسية منذ 1956 و إلى حد الآن، و هي السياسة التي استندت فيها على محاصرة و مواجهة الرأي المعارض بكل أشكال القمع من اعتقال تعسفي و اختطاف و تصفية جسدية و نفي من جهة، و خلق إطارات حزبية فاسدة و موالية للسلطة من جهة ثانية. كما استندت أيضا على التمييز بين الأحزاب السياسية من حيث تمويلها، إذ ربطت ذلك بمشاركة الأحزاب في الانتخابات، و بعدد ممثلي هذه الأحزاب في البرلمان. إن هذه السياسة الرسمية تجاه الأحزاب هي التي تسببت بشكل أساسي في الأزمة السياسية الحزبية الحالية، بالإضافة للدور المنوط بالأحزاب دستوريا و عمليا و لدور ااحكومة ولإفساد الانتخابات.

…. من جهة ثالثة: فإننا نسجل أن المشروع قد أتى و في وقت ينتظر فيه الفاعلون السياسيون و المدنيون الالتفات إلى المسألة الدستورية، و بالتالي إعادة النظر في دستور 1996 لتعويضه بدستور ديموقراطي يؤسس لمرحلة جديدة تجسدها دولة الحق و القانون ، و تعتبر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان من بين منظمات المجتمع المدني المطالبة بوضع دستور ديموقراطي كمدخل أساسي لتأهيل الحياة السياسية العامة مع تسجيل أسبقية تأهيل الدولة. كعلاقات ما بين مختلف السلط التشريعية و القضائية و التنفيذية، و فصل السلطة السياسية عن السلطة الدينية وعلى تأهيل الأحزاب السياسية، من هنا اختيار الجمعية المغربية لحقوق الإنسان شعار مؤتمرها الوطني السابع المنعقد بالرباط في شهر أبريل 2004: “من أجل دستور ديموقراطي في خدمة حقوق الإنسان، و مغرب بدون انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان”.

لذا ينبغي التأكيد على أن القراءة الحقوقية للمشروع تستلزم ما يلي:
? ضرورة الاستناد إلى المواد الواردة في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية: 18 – 19 – 22 – 25 و التي تنص على تباعا على: الحق في حرية الفكر و الوجدان و الدين، والحق في حرية الرأي و التعبير، والحق في تكوين الجمعيات، و حق المشاركة في إدارة الشؤون العامة إما مباشرة أو بواسطة ممثلين يختارون بحرية، دون إغفال المادة 22 التي تنص على الحق في تكوين الجمعيات و التي جاء في فقرتها 2:”لا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي ينص عليها القانون و تشكل تدابير ضرورية في مجتمع ديموقراطي”.

  • الإقرار بحرية تأسيس الأحزاب السياسية على قاعدة التصريح بالتأسيس و ليس الترخيص
  • الإقرار باستقلالية الأحزاب السياسية في تسيير شؤونها الداخلية و نسج علاقاتها على قاعدة الديموقراطية و الشفافية مع اعتبار أي تدخل فيها من طرف أية سلطة، جريمة يعاقب عليها القانون.
  • الإعتراف للقضاء وحده بالبث في المنازعات التي تنشأ بين ألأحزاب و الدولة.
  • عدم تمييز الدولة ما بين الأحزاب السياسية على جميع المستويات، بما في ذلك التمييز بينها من حيث التمويل، و اتخاذ المواقف بما يخدم استقلاليتها عن السلطة الحكومية.

    إن المشروع في أحكامه العامة لا ينص صراحة على أن الهدف الجوهري لأي حزب سياسي في إطار التنافس لتدبير الشأن العام هو الوصول إلى السلطة من أجل تطبيق برنامجه العام، بل يكتفي بحصر دور الحزب السياسي في تنظيم المواطنين و تمثيلهم و في المساهمة في نشر الثقافة السياسية ومشاركة المواطنين في الحياة العامة مما يجعل من الحزب مجرد “شريك” ينفذ التوجهات العامة لسياسية الدولة.

    إن تأسيس الأحزاب على مبادئ عنصرية أمر منبوذ، إلا أن تأسيسها على أساس جهوي لا يمكن أن ينزل منزلة النزعات العنصرية، بل ينبغي تشجيعه فقط لكون ذلك مرتبط بحرية الرأي و التعبير، والحق في التنظيم على أساس جهوي، و إنما أيضا انسجاما مع سياسة الجهوية التي تبنتها الدولة المغربية.

    على مستوى آخر المشروع يحرم المتجنسون بالجنسية المغربية خلال السنوات الخمس التالية لحصولهم عليها من الإنخراط في حزب سياسي و هو ما يعتبر تمييزا ضدهم، كما أن المشروع لا يفسح المجال لفئات أخرى من المواطنين الكاملي الأهلية للإنخراط الحزبي، و بالتالي للتعبير عن آرائهم السياسية كحراس السجون و الجمركيون…..

    أما في الباب الثاني المتعلق بتأسيس الأحزاب السياسية فإن المشروع يفرض شروطا تعجيزية في التاسيس تتمثل من جهة في تقديم تصريح مكتوب ضمن الملف المودع من طرف الأعضاء المؤسسين لوزارة الداخلية، تحمل التوقيعات المصادق عليها ألف عضو مؤسس على ألأقل، كما تتمثل من جهة أخرى في اشتراط أن يكون هؤلاء الأعضاء موزعين حسب مقراتهم الفعلية على نصف عدد الجهات المغربية على الأقل، دون الحديث عن كثرة المعلومات و الوثائق التي يطالب بها الأعضاء المؤسسون، و الاشتراط فيهم أن يكون مسجلين في اللوائح الانتخابية العامة، و هذا يكبل هذه الحرية مما يستلزم رفع هذه القيود على حرية الرأي و التعبير.

    و في نفس الباب يمنح المشروع لوزارة الداخلية صلاحيات و اختصاص البث في حالة عدم تسوية وضعية ملف تأسيس الحزب، كما أنه يجيز لها الإنحشار في الشؤون الداخلية لحزب ما في حالة عدم انعقاد المؤتمر التأسيسي للحزب داخل أجل سنة ابتداءا من تاريخ نشر مستخرج طلب التأسيس بالجريدة الرسمية، أو في حالة عدم حضور 1500 على الأقل في اجتماع المؤتمر التأسيسي، و تمكينها أيضا من إيقاف نشاط الحزب في حالة رفع طلب إبطال تأسيسه إلى المحكمة، و هو ما يضفي صبغة قضائية على سلطة وزارة الداخلية سابقة من السلطة القضائية الفعلية المتجسدة في حكم المحكمة.

    إن فر ض شروط تعجيزية أمام تأسيس الحزب السياسي، و استبدال التصريح بتأسيسه بالترخيص لذلك، ليعتبر انتهاكا صارخا لحرية تأسيس الأحزاب السياسية، و يفسح المجال لإفساد الحياة السياسية عبر تنشيط هذه الشروط لظاهرة شراء التوقيعات مثلا. كما أن السماح بالانحشار في الشؤون الداخلية للحزب ليعتبر خرقا لاستقلالية الأحزاب في تسيير شؤونها الداخلية وفق نظامها الداخلي أيضا فإن اشتراط التسجيل في اللوائح الانتخابية للأعضاء المؤسسين هو إكراه لهم إذ أن ذلك يتعارض مع حرية الرأي والتعبير، و ينقل المشاركة الانتخابية في العمق من مستوى التقدير السياسي الحر إلى مستوى الإكراه وهو بذلك يتعارض أيضا مع المقتضيات الديموقراطية. و أن حضور وزارة الداخلية بقوة في الحياة الداخلية للأحزاب حسب المشروع يؤكد استمرار الثقل الذي يشكله الهاجس الأمني في المشروع.

    و فيما يتعلق بالأبواب (الثالث،الرابع، الخامس و السادس)فإن أهم الملاحظات نسجلها كما يلي:
    ? تزكية – مرة أخرى – للتدخل السافر في الشؤون الداخلية للأحزاب السياسية، و هو ما تعكسه المواد من 22 إلى 24.

  • التأطير القانوني للتمييز ما بين الأحزاب السياسية من خلال ربط منح الدعم السنوي لتغطية مصاريف تسييرها بعدد ضواحيها و ممثليها في البرلمان. وهو إجراء فيه انتهاك لحرية الرأي و التعبير، وخرق سافر للمادة 3 من الدستور المغربي الذي يساوي ما بين الأحزاب السياسية من حيث مساهمتها في تنظيم المواطنين و تمثيلهم دون أن يميز – الفصل 3 – في ذلك ما بين الحزب المؤيد لسياسة الدولة، و الحزب المعارض لها، مع التأكيد و التذكير بأن الدعم المقدم للأحزاب يؤخذ من المالية العامة أي من ضرائب المواطنين… لذا وجب التنصيص على استفادة كافة الأحزاب من الإعانات المقرر صرفها.
  • إعادة التأكيد في الباب (5) المتعلق بالجزاءات على تضخيم دور وزارة الداخلية علىحساب دورالقضاء من حيث الاختصاص في البث في كل المنازعات التي تنشأ بين الدولة و الأحزاب السياسية و هو ما يلاحظ من خلال المادة 45 التي تمنح لوزير الداخلية الحق في توقيف الأحزاب السياسية بمبرر الإخلال بالنظام العام و الكل يعلم العدد الهائل من ضحايا الإعتقال السياسي و النفي و الاختطاف… الذين مورست عليهم أشكال التعسف و الانتهاك تحت ذريعة الإخلال “بالنظام العام”، لذلك فإن كافة النزاعات المرتبطة بالوجود القانوني لأي حزب يختص به القضاء الذي ينبغي أن يكون محايدا، مستقلا و نزيها.

    إن ما يعكس سلبية المادة 53 الواردة في الباب السادس ضمن “أحكام انتقالية ” هي أنها موجهة للأحزاب قبل صدور هذا المشروع – الذي سيتحول فيما بعد إلى قانون – بحيث تقع دعوتها لتتلاءم مع الأحكام المتضمنة فيه، و بالتالي و مضمون هذه المادة 53 يتعارض بالمطلق مع الحق في التنظيم، و يتنافى مع حرية تأسيس الأحزاب السياسية، و مع استقلاليتها في تسيير شؤونها الداخلية، بالإضافة لكونها تتعارض مع مبدأ رجعية القوانين المنصوص عليها في المادة 4 من الدستور المغربي لسنة 1996.

    الخلاصات:

  • الإقرار بأسبقية صياغة دستور ديموقراطي ينسجم في المضمون مع مبادئ وقيم و معايير حقوق الإنسان الكونية و يحترم شكلا إشراك ممثلي الشعب في صياغته بشكل ديموقراطي… و أن يؤكد على أن الشعب هو أساس و مصدر كل السلطات و على الفصل بين السلطات التشريعية و التنفيذية والقضائية و بين السلطة السياسية و السلطة الدينية… و بالتالي فالدستور – أسمى قانون في البلاد – هو الكفيل بتحديد الإطار العام لعمل المؤسسات و التي من ضمنها الدولة و الأحزاب السياسية.
  • اعتبار مسودة قانون الأحزاب تراجعية بالنسبة للقانون الحالي أي ظهير 1958 المنظم لتأسيس الجمعيات، بحكم مخالفة بعض أحكامه لقواعد دستورية، و للمقتضيات الدولية الديموقراطية و حقوق الإنسان.
  • منح المشروع صلاحيات واسعة لوزارة الداخلية قبل و اثناء و بعد تأسيس الأحزاب السياسية تتعارض مع مبادئ الديموقراطية و حقوق الإنسان التي تخول للقضاء المستقل، النزيه و الكفء كل السلطات اللازمة لكي يكون مرجعا. و حكما بالنسبة لكل المنازعات التي تنشأ بين الدولة و الأحزاب السياسية.
  • إن فرض الدولة لشروط تعجيزية أمام تأسيس الأحزاب السياسية بمقتضى هذا المشروع، و دعوة الأحزاب المؤسسة بعد صدور المشروع لتتلاءم مع مقتضياته، و اشتراطها لإعانة الأحزاب ماليا في انخراطها في العمليات الانتخابية … ليؤكد من جهة حضور الهاجس الأمني وراء هذا المشروع و ليست الغاية هي الانشغال الفعلي بتأهيل الأحزاب السياسية، كما يؤكد من جهة ثانية إرادة الولة في تنميط و تدجين الأحزاب السياسية المؤسسة أو التي ستؤسس.

    لكل هذا و غيره فالمشروع لن يطور المشهد الحزبي المغربي بما يخدم الديموقراطية و حقوق الإنسان وسلطة القضاء كسلطة فاصلة للمنازعات في ميدان حرية الفكر و الرأي و التعبير.
    لذا فالجمعية المغربية لحقوق الإنسان تعبر عن رفضها لهذا المشروع في صيغته الحالية.
    عن المكتب المركزي