2/4/2006

ما حدث يوم السبت الأول من ابريل في مقر حزب الوفد حدث مأساوي بكل المقاييس ويمكن اعتباره بمثابة الرصاصة الأخيرة في جسد الحياة الحزبية في مصر ، والتي وصل وضعها إلى حال مزرية ، فما الذي يجعل رئيس حزب وأستاذ قانون كبير مثل الدكتور نعمان جمعة يحشد أنصاره لاقتحام الحزب بالقوة ، ويستخدم الرصاص بشكل عملي و ليس لإرهاب خصومه ، بل قام هو وأنصاره الذين اقتحموا الحزب بإخراج صحفيي بالجريدة والعاملين فيها في مشهد مأساوي وهو ما ادى إلى إصابة العشرات من الصحفيين بالجريدة و العاملين بالحزب عندما حاولوا الدخول مرة أخرى، في ظل دور سلبي لأجهزة الأمن ظلت تشاهد ما يحدث دون أن يتحرك لها جفن. وازاء تصاعد هذه الأحداث قام النائب العام امرا بضبط وإحضار جمعة وعدد من انصاره وحبسهم على ذمة التحقيق لمدة 4 أيام .

وتعرب المؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان عن إدانتها البالغة لهذه الأحداث والمتسبب فيها باعتبارها قد تؤدي إلى انهيار الحياة الحزبية المصرية. وتدعو إلى التحقيق فيها ومحاسبة مرتكبيها . وللأسف هذا المشهد لا ينفرد به حزب الوفد بل سبقه نفس الأحداث في بعض الأحزاب الأخرى مثل الناصري في عام 2002 والعمل في نهاية الثمانينات ،كما حدث في بعض النقابات مثل نقابة المحامين النقيب الراحل احمد الخواجه . والمفترض ان الأحزاب السياسية هي أرقى مؤسسات المجتمع المدني، و تمثل قمة العمل التنظيمي والسياسي والإداري ، وهي مؤسسات من المتصور أن تعتمد منطق الحوار بالكلمة والفكر ووجهات النظر بين أعضائها في حال الاختلاف، وليس الرصاص او مطاوي قرن الغزال او القاء الحجارة بينهم ، وثانيا هي يجب أن ترجع إلى الجمعيات العمومية في حال عدم الوصول إلى حل .

والأحزاب في المجتمعات الديمقراطية هي مؤسسات تعتمد منهج التنشئة السياسية لأعضائها والمتعاطفين معها سعيا وراء هدف أسمى هو اقتراح سياسات لحل مشاكل المجتمع وتطبيقها في حال الوصول إلى السلطة . لكن يبدو انه لدينا مفهوم مختلف تماما في إدارة الأحزاب في مصر ، والذي يرجع لعدة أسباب: ـ إن قانون الأحزاب السياسية في مصر حتى بعد تعديله الأخير، لا يفي بمتطلبات حياة سياسية محترمة ، إذ انه يجعل من لجنة الأحزاب هي المحور الوحيد في الموافقة على أحزاب من عدمه وفي النهاية تؤدي إلى هيمنة حزب واحد هو حزب الحكومة. .

ـ قصور لوائح الأحزاب الداخلية اذ إنها تعطي لرئيس الحزب صلاحيات مطلقة في فصل وعزل معارضيه ولا تقرر طرق سلمية محددة لحل النزاعات داخل الحزب .

ـ تهميش دور الجمعيات العمومية وتغييبها عن الانعقاد لفترات طويلة .

ـ عزلة الأحزاب السياسية عن الجماهير وعجزها عن مخاطبتهم بسبب عجز قياداتها والتي بدأت ممارسة العمل السياسي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية..

ـ ان الأحزاب السياسية المصرية أصبحت طاردة لأعضائها وقيادييها لأنها غير قادرة على تحمل اي خلاف في وجهات النظر وهو ما يظهر في حجم الانشقاقات الضخم فيها . .

ـ وصول الصيغة السياسية المصرية إلى طريق مسدود حتى بعد تعديل المادة 76 التي لم تغير شئ من قواعد اللعبة في المضمون وان غيرته في الشكل .

ـ اختراق الجهات الأمنية لكل الأحزاب السياسية ومؤسساتها بما يضمن لها وصول قيادات لا تخرج عن الخطوط التي وضعها الحكم ، ويدفع بمن تريده هذه الجهات إلى المناصب العليا للحزب .

ـ ارتضاء الأحزاب السياسية المصرية لتهميش دورها وعدم قيامها بأي محاولات جادة للخروج من سقف الحصار المفروض عليها ، وهو الذي جعل الأرض خصبة لقيام حركات سياسية جديدة .

ان ما حدث في حزب الوفد ومن قبله في حزب الغد هو انعكاس لما تعيشه الحياة السياسية المصرية من تخبط وارتباك وعجز ، وانعكاس لما حدث من فشل مزري للأحزاب المصرية في انتخابات مجلس الشعب الماضية . بالإضافة إلى ما حدث فيها من أساليب تزوير وعنف ضد القضاة والناخبين بهدف تكريس الهيمنة المطلقة للحزب الحاكم .

ومن جانبها تدعو المؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان كل الأطراف المتنازعة في حزب الوفد إلى الاحتكام إلى القانون والقضاء وإرادة الجمعية العمومية بوصفهم السبيل الوحيد والسلمي لإحياء الحياة الحزبية من مواتها .