17/3/2007

تابعت المؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان أعمال استكمال المؤتمر الرابع للحزب الناصري والذي انعقد بمقر حزب التجمع يوم الخميس 15/3/2007 ، والذي تم تحديد ميعاده بعد مداولات استمرت ثلاثة شهور منذ انعقاده في 23 /12/2006 ، وفشله في انتخاب كل من الأمين العام و4 نواب لرئيس الحزب ، بسبب وقوف أغلب أعضاء المؤتمر العام مع وجهة النظر القاضية باستحداث منصب نائب أول للرئيس ومطالبتهم بتولي سامح عاشور نقيب المحامين هذا الموقع . ورقم قيامهم بالتصويت أكثر من مرة على هذا المطلب في اجتماع 23/12/2006 ، الا أن أنصار الأمين العام السابق(أحمد حسن) أفشلوا المؤتمر ، وهو ما قاموا به للمرة الثانية يوم الخميس الماضي. وحدد يوم 8 مارس الماضي لاستكمال أعمال المؤتمر ، الا أنه تم تأجيله إلى 15 مارس.

وقد تابعت المؤسسة الانتخابات التي بدأت أعمالها منذ التاسعة صباحا ، بحضور ما يزيد على 425 عضوا من أعضاء المؤتمر العام البالغ عددهم 530 عضوا ، وظهر خلال المؤتمر سيطرة أنصار الأمين العام السابق(أحمد حسن ) قاعة الانتخاب من خلال توليهم لجنة النظام ، وسط تواجد لبعض مؤيدي الأمين العام السابق من صحفيي جريدة العربي لسان حال الحزب ، ووجود عدد من الأشخاص يمثلون أحدى شركات الأمن وهم من ذوي الأجساد المفتولة أمام مقر الانعقاد . ومنع انصار الأمين العام السابق أي تواجد للصحفيين ووسائل الأعلام ، كما رفضوا دخول مراقبي منظمات حقوق الإنسان لقاعة انعقاد المؤتمر الذين نجح بعضهم في دخول المكان من خلال علاقاتهم ببعض الأعضاء . وقد قام عدد من الصحفيين بالاعتصام أمام مقر حزب التجمع احتجاجا على هذا المنع .

منذ بداية اليوم بدا الخلاف حول جدول أعمال للجلسة ، حيث حاول الأمين العام السابق فرض جدول يتضمن انتخاب الأمين العام والنواب الأربعة ، وتصديق المؤتمر على تشكيل اللجنة المركزية ، فيما رفض أغلبية أعضاء المؤتمر المقترح ، وصاغوا جدول أخر يتضمن الطلب من أعضاء المؤتمر التصويت على وضع بند جديد في لائحة الحزب في المادة 31 مكرر ، واستحداث موقع النائب الأول لرئيس الحزب وله صلاحياته في حال غيابه ثم انتخاب الأمين العام ثم الثلاثة نواب .

وظل المؤتمر حتى الساعة الثانية عشر ظهرا في خلاف حول جدول الأعمال ، حتى قامت اللجنة الخاصة برئاسة المؤتمر بالاجتماع منفردة لمدة ساعتين حتى الساعة الثانية ظهرا ، بين الفرقاء (أحمد حسن الأمين العام السابق وسامح عاشور وضياء الدين داود رئيس الحزب وسيد شعبان عضو المكتب السياسي ، والدكتور حسام عيسى ) الذي تولى رئاسة المؤتمر.

وحاول الدكتور رفعت السعيد رئيس حزب التجمع التوسط بين الفرقاء للخروج باتفاق موحد ، الذين وافقوا باللجوء لأعضاء المؤتمر العام بالتصويت على جدولي الأعمال المقترحين، محافظة محافظة ، وتولى كل من الدكتور حسام عيسى والسفير أمين يسري عضوية لجنة التصويت والفرز ، واستمر التصويت لمدة 4 ساعات تقريبا ، وانتهى بانتصار وجهة النظر المؤيدة لاستحداث منصب النائب الأول لرئيس الحزب (241 صوتا ) ، فيما وافق (181صوتا ) على جدول الأعمال الأخر المعد من الأمين العام السابق ، وقبل إنتهاء التصويت انسحب الدكتور حسام عيسى من المؤتمر ، وبعد ظهور النتيجة السابقة ظل الفرقاء في اجتماعهم المنفرد ، للخروج بالتوافق على انتخاب الأمين العام السابق أحمد حسن على منصب الأمين العام بالتزكية دون وجود مرشحين آخرين له ، باعتبار أن الأغلبية جاءت لصالح وجهة النظر الأخرى المعارضة لجدول الأعمال الذي طرحه منذ البداية ، بينما رفض أغلب أعضاء المؤتمر مبدأ التوافق ، مرتكزين على أن المؤتمر العام هو صاحب السلطة الوحيدة في الحزب ، وأنه طالما قد تم الموافقة على مبدأ التصويت ، فعلى الجميع احترامه .

وقام السيد أحمد حسن بإعلان النتيجة بحضور كل من رئيس الحزب ضياء الدين داود وسامح عاشور ، وسيد شعبان عضو المكتب السياسي ، وبعدها انسحب خارجا ، بعد ذلك تم فتح الباب للترشيح على مختلف المواقع بداية من موقع النائب الأول للرئيس الذي ترشح له بجانب سامح عاشور كل من الأعضاء طلعت حسانين ، محسن عطية ، محمد سيد محمد ، محمد البدوي ) كما ترشح على موقع الأمين العام كل من أحمد حسن ، فاروق العشري أمين التثقيف السابق ، محمود العسقلاني المتحدث باسم جبهة الإصلاح والتغيير والذي قام بالتنازل بعد ذلك ) فيما ترشح على مواقع النواب الثلاثة 9 أعضاء هم ( سيد شعبان ، أحمد بعد الحفيظ ، حسام عيسى ، محمد سنوسي ، د. محمد أبو العلا ، منصور الشتري، محمد عبد الدائم، صبري عتمان، جمعة حسن جمعة ) وجهزت جبهة سامح عاشور قائمتها للانتخاب التي ضمت كل من (سامح عاشور نائبا أول للرئيس ، فاروق العشري أمينا عاما ، صبري عتمان ومحمد سنوسي وجمعة حسن جمعة نوابا) وقبل استكمال أعمال المؤتمر بانتخاب المواقع المختلفة وتصميم ورقة التصويت ، قام أنصار الأمين العام السابق بعشرات المحاولات لإفساد المؤتمر ـ بعدما وضحت تراجع كفتهم ـ بدءا من افتعال المشاجرات مع الأعضاء ، إلى إرهاب الأعضاء الآخرين ، وآخر ما قاموا به هو سرقة كشوف أعضاء المؤتمر العام ، وقام رئيس الحزب بالانسحاب مع السيد أحمد حسن من قاعة المؤتمر ، ورفض بعض الأعضاء المحسوبين على الأمين العام السابق استكمال الانتخاب بأية كشوف أخرى ، او انتقال أي مسئول لمقر الحزب الناصري المجاور لتجهيز نسخة أخرى من الكشوف ، فيما قام العضو سامح عاشور أحد المتنافسين على موقع النائب الأول بقوة ، بإعطاء مهلة لمدة نصف ساعة للجبهة الأخرى لإحضار نسخة الكشوف العضوية ، بعدها قام أعضاء المؤتمر بانتخابه نائبا أول لرئيس الحزب ، وتأجل انتخاب الأمين العام والنواب الآخرين وتفويض المؤتمر العام للجنة المركزية للقيام بذلك . ويبدو أن هذه الخطوة جاءت لإعطاء الفرصة للفريق الآخر للتراجع عن موقفهم الرافض لرأي الأغلبية .

ويبدو أن الحزب بين احتمالين الأول، الدخول إلى نفق التجميد والدعاوى القضائية المتبادلة ، بين الفرقاء ، ليستمر الصراع لمدة طويلة من الزمن ، والذي جاء بسبب تجاهل رأي أغلبية أعضاء المؤتمر العام ، والاحتمال الآخر أن يسعى (أولاد الحلال) للتوفيق بين وجهة النظر المختلفة .

فيما لو فشل ذلك ربما تتصاعد الخلافات بين أعضاء الحزب لتصل إلى القيام بمحاولات لدخول المقر المركزي أو مقر الجريدة بالقوة كما حدث مع حزب الوفد .

في هذا السياق تلاحظ (المؤسسة العربية) غياب أي نظام موضوعي للتصويت داخل الحزب وهو الأمر الذي يثبته نقاش قيادات الحزب لساعات طويلة للخروج بجدول أعمال متفق عليه، كما أن نصوص اللائحة غير واضحة في وضع إجراءات الترشيح والتصويت لمستويات الحزب الداخلية ، والمعمول به أن يتم ذلك كله في اليوم المخصص للمؤتمر ، وهو الأمر الذي يتسبب في خلافات حادة في ذات اليوم.

في انتظار ذلك ينبغي الا تبالغ الأحزاب السياسية المصرية ومنها الحزب الناصري كثيرا في مطالبتها بالديمقراطية وتداول السلطة خاصة أن بعضهم يقدم نموذجا في غاية السوء لتداول السلطة داخل أحزابهم ، بعد رفضهم مبدأي التصويت والاحتكام للأغلبية ، خاصة عندما يرى البعض أن حجمهم لا يؤهلهم للاستمرار في مقاعدهم فترات أخرى.

وعلي قيادات الحزب الناصري ، أحد الأحزاب الموصوفة بالأحزاب الكبيرة أن تتأني قليلا في دعواتها لتداول السلطة وتحديد مدد انتخاب رئيس الجمهورية بمدتين فقط ، خاصة أن معظم لوائحهم الأحزاب باستثناء حزب التجمع تطلق مدد رئاسة الحزب . كما تتصف صياغة هذه اللوائح بالتفصيل لأشخاص معينين وتؤدي إلى تهميش المستويات التنظيمية للأحزاب كافة لصالح رئيس الحزب وبعض نوابه .

على سبيل المثال يبقى ضياء الدين داود رئيسا للحزب الناصري منذ عام 1992 وحتى الآن أي لمدة 15 عاما ، ولا يسمح بأي تغيير في هذا الموقع ، كما لم يتضح أي موقف لرئيس الحزب من أقرار المبدأ الديمقراطي داخل الحزب ، حيث أستمر طوال يوم إجراء الحزب صامتا لم يتحدث بكلمة ، كذلك استمر السيد أحمد حسن في موقعه كأمين عاما للحزب منذ دورة 2001 ، ونفس الوضع ينطبق على الأحزاب الأخرى .

وبذلك يبقى الوضع داخل للحزب الناصري مؤجلا حتى التوفيق بين وجهتي النظر ، وفي حال رفض المنسحبين ما تم ، يبقى الحزب في مأزق تنظيمي بغياب مواقع الأمين العام والنواب الثلاثة ، كما يتجمد تشكيل اللجنة المركزية والتي تخول بدورها بانتخاب الأمانة العامة التي تنتخب هي الأخرى المكتب السياسي .

وفي ظل انتظار الحل لأزمة الحزب الناصري تبقى وجهة نظر الحزب غائبة فيما يتعلق بالتعديلات الدستورية المطروحة حاليا وموقفه منها ، ناهيك عن التجديد النصفي لانتخابات مجلس الشورى التي ستتم في أبريل القادم .

دون ما حدث من محاولات لعدم قيام المؤتمر بدوره كان يمكن أن تودي الانتخابات الداخلية إلى تفعيل أكثر في الحزب الناصري ، وترسيخ مبدأ الديمقراطية الداخلية ، وهو ما تم في حزب الغد على سبيل المثال الذي نجح في إجراء الانتخاب على موقع الرئيس يوم الثالث من مارس الماضي ، حيث تنافس 4 مرشحين على هذا الموقع منهم إيهاب الخولي المحامي ، ووائل نواره ، ومحمد أبو العزم ، وفاز الأول برئاسة الحزب متفوقا على نوارة بـ 18 صوتا.

وبذلك تستمر الأحزاب المصرية في نفق أزماتها الداخلية ، ولتبقى دون فاعلية بسبب عجز قياداتها عن تقديم القدوة في الممارسة السياسية الموضوعية التي تعنى التعايش بين مختلف أعضاء الحزب ، وممارسة الديمقراطية الداخلية داخل مستوياتها التنظيمية.

يوكد كل ما سبق أن أحزابنا السياسية تحتاج لإعادة النظر في أساليب عملها ولوائحها ، وتحتاج أكثر لحالة من الإصلاح الداخلي الحقيقي وإعطاء الفرصة لكافة الأعضاء لتفعيل مشاركاتهم الجادة والحقيقية ، حتى تكون أكثر فاعلية في تقديم خطاب سياسي مقنع للمواطن يجذبه لدعم دوره السياسي والاجتماعي .
دون ذلك تظل الحياة السياسية المصرية معطلة حتى إشعار أخر ، مفتقدة الشرايين التي تضخ فيها الدماء .