13/9/2007

يبدو أن شهر سبتمبر سيبقى علامة سوداء في تاريخ انتهاك حريات وحقوق المواطن المصري ، فكما حدث منذ 26 عاما وضع الرئيس السادات ـ قرابة 1536 من معارضيه على امتداد الساحة السياسية من اليسار إلى اليمين خلف قضبان السجون ، وما أشبه الليلة بالبارحة حيث يطيح النظام الحالي بما تبقى من هامش الحريات والحقوق ، وهو ما يحدث على أكثر من صعيد ، حيث حكمت محكمة جنح العجوزة اليوم الخميس 13/9/2007 بالحبس سنة مع الشغل وغرامة 20 ألف جنيه وكفالة 10 ألاف جنيه لإيقاف التنفيذ على أربعة صحفيين من رؤساء التحرير لأربعة من الصحف الخاصة والمستقلة وهم : إبراهيم عيسى رئيس تحرير جريدة الدستور ، عادل حمودة رئيس تحرير صحيفة الفجر ، عبد الحليم قنديل رئيس تحرير جريدة الكرامة السابق ، وائل الابراشي رئيس تحرير جريدة صوت الأمة ، لإدانتهم فيما أسماه الحكم إهانة رئيس الجمهورية ورموز الحزب الوطني ، وهي الدعوى التي رفعها أحد المحامين الأعضاء بالحزب الوطني منذ شهور ضد الصحفيين الأربعة ، في ضرب لكل قواعد القانون التي لا تعطيه حق التقاضي في دعوى لا يملك لا صفة ولا مصلحة في رفعها .

ولتضيع آلاف المبادئ التي سبق أن رسخها القضاء المصري بأهمية حرية الرأي والتعبير والنقد المباح لمسئولي الدولة، وتؤكد تلك الأحكام أن عدد من القيود التي ما زالت موجودة بقانون العقوبات ما يزال بالإمكان استغلالها لحبس الصحفيين والعصف بأقلامهم .

وتشبه تلك الإحكام ذلك الحكم الصادر منذ شهور ضد الصحفي إبراهيم عيسى بالحبس سنة من قبل محكمة جنح الوراق بجلستها 26/6/2006 ، بتهمة إهانة رئيس الجمهورية .

وتؤشر تلك الأحكام على مكارثية جديدة تنهي على الرمق الأخير من حرية الرأي والتعبير التي طالما كانت شعارا لمسئولين حكوميين ، وهذا المناخ الذي ساهم في إشاعته صحفيين وكتاب ومسئولين محسوبين على الحزب الحاكم ، يبدو أنه سيتم استغلاله في إنهاء أي صوت معارض خارج عن السرب .

وتأتي هذه الأحكام القضائية التي ما يزال يمكن استئنافها بعد ، في ظل مناخ حكومي معادي لكافة الحريات بما فيها حرية التعبير ، حيث امتلأت فيه الصحف الحكومية بمزيد من التحريض على الصحافة المستقلة عن الدولة ، واتساع نطاق المطالبة حتى من جانب بعض الهيئات التي يدخل حماية حرية الصحافة ضمن أهدافها مثل المجلس الأعلى للصحافة ، باتخاذ إجراءات قانونية وردعية ضد الصحفيين تصل إلى حبسهم وإغلاق صحفهم ، بعد انتشار شائعات عن صحة رئيس الجمهورية ، واستغلال الحكومة لذلك المناخ لإحالة الصحفي إبراهيم عيسى إلى محكمة جنح بولاق الدكرور لاتهامه بنشر شائعات عن صحة الرئيس وتحديد جلسة أول أكتوبر المقبل لنظر تلك الدعوى . وامتد ذلك المناخ المعادي للحريات إلى العصف ببعض منظمات حقوق الإنسان بعد صدور قرارات إدارية بإغلاق جمعية المساعدة القانونية لحقوق الإنسان ، ودار الخدمات النقابية ، والأولى لها دور مهم في فضح جرائم التعذيب في أقسام الشرطة والثانية ساندت العمال في احتجاجاتهم المتوالية لنيل حقوقهم . كما يأتي ذلك في ظل تعديلات مزمعة على قانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية والتي تقيد حرية التنظيم وتطيح بعشرات من منظمات المجتمع المدني .

ولا يمكن فصل هذا المناخ على حملات القبض على أعضاء جماعة الإخوان المسلمين والذين يحاكم بعضهم أمام محاكمات عسكرية تتعارض مع كافة ضمانات المحاكمة العادلة ، أو الإطاحة ببعض رؤساء الأحزاب المعارضين ووضعهم خلف القضبان مثل د.أيمن نور رئيس حزب الغد والحملة الصحفية التي تشنها بعض الصحف ضد أعضاء نادي القضاة الذين يلعبون دورا مهما في حماية استقلال القضاء .

وتؤكد المؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان تضامنها مع الصحفيين الأربعة.

كما تعرب المؤسسة العربية عن قلقها من هذا المناخ المعادي للحريات والحقوق ، وتطالب رؤساء تحرير الصحف الحكومية بالكف عن التحريض على إغلاق الصحف وحبس الصحفيين ، كما تطالب باستكمال العمل من أجل الغاء كافة المواد الواردة في قانون العقوباتو التي تبيح حبس الصحفيين. كما تطالب العقلاء الموجودين في جهاز الدولة وحزبها الحاكم بكبح جماح القوى التي تسعى إلى الإطاحة بما تبقى من مظاهر حريتي التعبير والتنظيم .