14/11/2008

شهد العام الجاري، وبشكل ملحوظ، اعتداءات متكررة على حرية الراي والتعبير من قبل الحكومة السودانية. فقد تعرضت الصحف اليومية للمنع أو الحجب عن الصدور عن طريق تعريض معدات الصحف وطبعات كاملة منها للمصادرة، فضلا عن تزايد حالات المضايقة والاعتقال والتحقيق مع الصحفيين(ات) بقصد التجريم الجنائي والمدني.

لقد لجاءت السلطات السودانية لاستخدام آليات وممارسات تعود الى حقبة ماقبل توقيع اتفاق السلام الشامل في 2005 بغرض تقويض وتحجيم دور الاعلام والصحافة المستقلة. فقد عادت السلطات الى انتهاج سياسية الرقابة القبلية ممثلة في تعيين ضابط يتبع لجهاز الامن والمخابرات السودانية للمتابعة والمراقبة اليومية للصحف، ومنحه صلاحيات غير محدودة في السماح بالنشر أو الحجب للاخبار والأعمدة والموضوعات، أو اعادة الصياغة، بما فيها حجب صفحات كاملة، ويتم كل ذلك دون وجود أي معايير محددة لعملية الرقابة والحجب من قبل ضابط جهاز الأمن أو سلطات الرقابة تحاط بها علما المؤسسات الصحفية. وفي بعض الحالات أُضطرت بعض الصحف الى عدم الصدور بسبب منع العديد من المواد من النشر بواسطة ضابط الأمن، وفي توقيت متأخر من الليل، بما يحول دون أضافة مواد جديدة أو اعادة التصميم، وترتب على ذلك خسائر مادية فادحة، بالاضافة الى الخسارة المعنوية المتعلقة بسمعة الصحيفة والتزامها تجاه قرائها.

بداء التصعيد الحالي في الاجراءات التعسفية ضد الصحف المستقلة في فبراير 2008 عقب المحاولة الانقلابية في انجمينا، والتي قادتها المعارضة التشادية، واتهمت فيها الحكومة التشادية حكومة السودان بالتواطؤ ودعم المتمردين. وقد مثل اجتماع مدير جهاز الامن والمخابرات السوداني مع رؤساء تحرير الصحف نقطة البداية لعودة الرقابة على الصحف. حيث وُجِه رؤساء الصحف بتوخي الحذر في تناول أحداث تشاد، في اشارة واضحة لعدم التناول النقدي للدور الحكومي في تلكم الاحداث. وتعرضت الصحف التي تجاهلت تلك التوجيهات للاجراءات الرقابية التعسفية، بل أن بعضها تعرض للايقاف المؤقت.

المحطة الثانية في التصعيد ضد الصحافة المستقلة جاءت في أعقاب هجوم حركة العدل والمساواة المعارضة على العاصمة السودانية في العاشر من مايو. حيث منعت الصحف عبر الرقابة من التعليق والكتابة حول طبيعة الهجوم أو رد الفعل الحكومي على ذلك الهجوم، وبصورة خاصة منعت الصحف من ايراد أي تقارير حول عمليات القتل خارج نطاق القضاء، والاعتقالات الواسعة والحبس الانفرادي ضد المدنيين من الدارفوريين(ات)، اضافة للمحاكمات غير العادلة التي تلت ذلك. ولم تنجى من الرقابة حتي الكتابات حول الاحتياجات الانسانية للمتأثرين(ات) بتلك الأحداث. وخير مثال لذلك تعمد السلطات الرقابية عدم السماح بنشر تقارير حول الانشطة والمؤتمرات الصحفية للهيئة الوطنية للحماية والدفاع عن المتأثرين بأحداث 10 مايو، بما فيها الأنشطة الأنسانية، وهي التقارير التي وجدت حظها في أولية النشر من قبل وسائل الأعلام الدولية الاخري.

ذروة التصعيد، وأشدها وطأة على الصحف المستقلة، تمثل في الاجراءات التعسفية في عملية الرقابة، حيث بداءت في اعقاب تقديم المدعي العام العام للمحكمة الجنائية الدولية لصحيفة اتهاماته في مواجهة الرئيس السوداني عمر البشير في يوليو المنصرم. فقد أصبحت الرقابة على الصحف لا تستهدف أحداث أو مواقف بعينها، بل تشمل كافة الأخبار والتقارير والأراء التي تنحو الى الكتابة النقدية ضد حزب المؤتمر الوطني، الحزب الرئيسي الحاكم. وتشمل عملية الرقابة هذه معظم الكتابات الناقدة للمسؤولين الحكوميين، والتحليلات الناقدة لمبادرة أهل السودان بشأن دارفور، اضافة لقضايا الفساد، مثلها مثل النقد لسياسات التعليم العالي حيث لم تفلت ايضا من الرقابة والحجب من النشر. يمكن القول أن التصعيد الحالي والرقابة ضد الصحافة المستقلة في السودان أصبحت مطلقة لا تحكمها ضوابط، تبدأ من تناول قضايا العدالة- بما فيها التناول الموضوعي- مرورا بانتقاد للرئيس، وتشمل حتي حملات التشريد التي يواجهها مواطني شمال السودان من المتضررين من مشاريع التنمية واقامة السدود.

خلال شهر نوفمبر الجاري، بدأت مجموعة من الصحفيين(ات) المستقلين وقيادات المجتمع المدني، بقيادة صحفية أجراس الحرية في تنظيم حملة لمواجهة التدابير والممارسات الامنية والرقابة المستمرة ضد الصحف. بدأت مقاومة ما اصبح يعرف بالرقابة القبلية على الصحف تأخذ شكل الاحتجاجات والاضراب عن الاصدار حيث نظمت صحيفة أجراس الحرية مؤتمرا صحفيا تضمن اضرابا عن الطعام لمدة 24 ساعة، مصحوبا بالتوقف عن الصدور لمدة ثلاثة أيام شاركت فيه صحف رأي الشعب، الميدان، خرطوم مونتر وسيتذن الناطقتين باللغة الانجليزية، وذلك رفضا للممارسات الأمنية والرقابة على الصحافة.
وقد تمثل رد فعل السلطات الحكومية والامنية أن قامت بتطويق الطرقات المؤدية ومحاصرة مقر صحيفة أجراس الحرية بغرض منع والحيلولة دون وصول وسائل الاعلام العالمية والمراسلين الاجانب والمصورين لتغطية وقائع المؤتمر الصحفي والأعتصام.

يذكر أن حملة الصحف المستقلة الحالية في مقاومة تصعيدات الرقابة والتدابير الأمنية ضد الصحف تتضمن دعوى دستورية تم تقديمها وما تزال معلقة منذ شهر أمام المحكمة الدستورية في السودان مفداها أن الاجراءات التعسفية ضد حرية التعبير والرقابة على الصحف تتعارض مع اتفاق السلام الشامل والدستور الانتقالي للعام 2005، اضافة لتعارضها مع عمليات اصلاح قوانين، خاصة القوانين ذات الصلة مثل قانون الصحافة والمطبوعات، قانون الأمن الوطني والقانون الجنائي السوداني، هذا فضلا عن تناقض هذه التدابير الأمنية مع التزامات السودان الدولية بالمواثيق ومعاهدات حقوق الأنسان العالمية، بما الميثاق الأفريقي لحقوق الأنسان والشعوب.

ان التضيقات المستمرة فى الخرطوم في محاصرة حرية التعبير والصحافة ذات تأثير خطير على مبدئيّ استقلالية ومهنية الصحافة واجهزة الاعلام فى السودان، وهى محاولات تأتى فى ظروف سياسية معقدة ودقيقة يمر بها السودان مما سيكون لها أثرها الضار جدا على مستقبل السودان. فالتدابير الامنية والرقابة المفروضة على الصحف يتجاوز أثرها السالب ليشمل قضايا اخرى تتطلب التناول والتحليل الاعلامي الصحفي مثل حماية حقوق الانسان، قضايا التحوّل الديمقراطى، والتعاون مع المجتمع الدولى وهذا من شانه التاثير سلبا ايضا في التعامل مع مجمل الملفات الملحة مثل الصراع فى دارفور، الصراعات الاخري في السودان، مراقبة مدى الالتزام بتطبيق اتفاقية السلام، نزاهة الانتخابات المرتقبة فى العام القادم.

أخيرا، ففي ظل توقيت وسياق سياسي تعمل فيه الحكومة السودانية بادواتها كافة لاظهار جديتها أمام المجتمع الدولى فيما يتعلق بمحاولة ايجاد حلول مقبولة للصراع والمأساة الانسانية الدائرة فى دارفور، فان مدى التزام الحكومة بحماية حرية التعبير والصحافة يعتبر مؤشرا هاما لقياس مدى جديتها وصدق نواياها في تحركاتها الأخرى.

قدمت الافادة الى اللجنة الأفريقية لحقوق الأنسان والشعوب بواسطة التجمع الأفريقي للدفاع عن حقوق الانسان (RADDHO ) معبرة كذلك عن المنظمات المشاركة في اجتماعات اللجنة الأفريقية:

  • مركز الخرطوم لحقوق الانسان وتنمية البيئة ( KCHRED )
  • المبادرة الأستراتيجية لنساء القرن الأفريقي ( SIHA Network )
  • هيئة محامي دارفور ( DBA )
  • المركز السوداني للعدالة والسلام ( SCJP )
  • تحالف المنظمات الأفريقية من أجل دارفور ( Darfur Consortium ).

التجمع الأفريقي للدفاع عن حقوق الانسان (RADDHO )