4/6/2009

كان ياما كان فى عزبة بعيدة عن العيون تسمى “الايمان” فلاحين يخرجون فى الصباح يعزقون الارض …. يبذرون البذور ….. يسقون الزرع ….. يحصدون المحصول …… .يناموا اخر الليل سعداء راضيين بناتج عملهم .

كانت الحياة بسيطة فالكائنات الحية تراها وتحس بها كما خلقها الله …الارض خضراء… الماء ازرق… اللبن ابيض… اللحم احمر صابح… الخبز يخرج من الفرن رقيق كالجلاش …. البراءة والبهجة والنضارة تلمحها فى حركة أى انسان أو حيوان أو نبات أو جماد . كانت تلك هى حياة الفلاحين فى عزبة ” الايمان” وكانت الليالى المعدودة التى يسهر فيها الجميع حتى صلاة الفجر معروفة …. ينتظرها الكل مثل ليالى موالد سيدى البدرى وسيدى زلط وست الحياة والامل .

كانت القصص تنتشر كل عام لتعاد وتكرر امجاد اولياء الله وبركاتهم والتى لولاهم لغرقت “الايمان” وحرقت منازلهم .

ظلت العزبة مئات السنين تنعم بهذه الحياة وكما ينقل الاجداد القصص والحكمة لاحفادهم كى يحفظوها ،ينقل الاباء للابناء قيمة العمل والكرامة والامل والكفاح والتعاون ، وتنقل الامهات لابناءها وبناتها معانى التضحية والسلام والود والامان والحب .

قرون عاشت “الايمان” تنعم بالسلام رغم وجود عمى تاضروس ونصحى وزخارى بين الاهالى الا انهم كانوا يعملون فى العمارة والنجارة والحدادة فهم الصنايعية المتعلمين المتسامحين والذين يعبدون الهاً يسمى ” المحبة” جاء من رحم امرأة قديسة طاهرة تسمى “ستنا مريم” .لكن الدنيا تتغير كما تؤكد حكمة الاجداد ، ولم يترك الاحايب للطيبين مكاناً الا وطمعوا فيه .

وكانت “الايمان “مثالاً لذلك فقد فوجئوا بحسان البلغة عائداً بعد ان طرده اهالى العزبة منذ عدة اعوام لانه كذب عليهم و” الايمان” التى لا تعرف معنى الكذب “طردته لخوفها على الابناء والاجيال القادمة من مخاطر انتشار معانى جديدة مدمرة لحياتهم البسيطة كالنفاق والجبن والغش والفساد والرشوة .

لكنهم فوجئوا به ينزل “الايمان” من جديد ومعه عساكر السلطان التى لم يروها منذ مئات السنين/ محملين فى عشر سيارات كبيرة يتقدمهم الاحبة بن البلغة ، وقفت العربات امام منزل العمدة شيخ الجامع الطيب الودود .

ونادوا على حكيم ” الايمان” ياشيخ محروس عايزينك…. نزل العمدة وعلم ان مصيبة سوف تحدث بمجرد أن رأى حسان الكذاب .

قال العمدة خير يا حسان والله سلامات .

قال حسان طيبون يا عمدة عاملة ايه البلد بعد ما طردتنى .

– بخير ومستورة ونحمد ربنا

اقنع عساكر السلطان العمدة بالقوة ان حسان يرغب فى اقامة سوق كبير “بالايمان” لتطويرها قال العساكر ابشر يا شيخ محروس حسان البلغة سوف يقوم برصف الطرق وتوصيل الخدمات للعزبة واقامة مصنع للاعلاف واخر للسماد ومصنع للالبان واخر لتعبئة المنتجات الزراعية وسوف يستصلح اراضى الايمان البور … ضحك الفلاحين الغلابة وقهقهت النساء حين قال العسكر أن حسان البلغة سوف يزيل التخلف والكذب لتلمع “الايمان” .

قال العمدة : البلد فى امان ولا نحتاج الى كل ذلك …. لكن عساكر السلطان هددت العمدة بحرق البيوت وقلع المحاصيل ان لم يتعاون معهم لتنفيذ مخطط تطوير البلدة .

ذهل الاهالى ولم تنم العزبة يومها فالجميع يسأل عن معنى التطوير واين سيكون مكانه فى “الايمان” الجديدة المتطورة … ومن يومها عرفت العزبة الفرقة والاختلاف والمصالح والتنافس والعقود والتزوير والفساد والرشوة والكذب ، ولكن الشئ الذى تؤكده الحكاية ان ” الايمان” اصبحت خلال عامين اشهر عزبة فى البر ومركز للتبادل والتجارة وعرفت العزبة ابناء جدد هجو من العزب والقرى المجاورة للعمل فى مزارع ومصانع واسواق الايمان التى يملكها حسان البلغة وعساكر السلطان .

لكن دوام الحال من المحال فيؤكد الجد الوحيد الباقى بعد معركة “الايمان “الشهيرة بأنه فى يوم لم تكن له ملامح وكانت الشمس تتوسط النهار والسوق ملئ بالبشر والبضائع جاءت عساكر السلطان لتقاسم حسان البلغة ربح اليوم واختلف التجار مع بعضهم البعض على حصة العساكر من ايراد السوق وربح المصانع والمزارع .

قذف احد العساكر التاجر الغشاش برصاص بندقيته فهاج اهل التاجر ووقفوا جميعاً امام العساكر كى يأخذوا دية المقتول ….خرج الاهالى مسرعين الى جوانب الطريق يتفرجون على مشهد لم تتعود عيونهم عليه منذ عشرات السنين .

المجرمين يتعاركون مع بعضهم البعض ….. وقع ضحايا منهم … منظر دمهم الفاسد يملئ جرن العزبة الواسع .

لكن رصاصة طائشة جاءت الى صدر الشيخ الحكيم عمدة “الايمان” وسرى الخبر بين حوارى العزبة الضيقة فما كان من الاهالى المتفرجين الا ان تحولوا الى كائنات اخرى متوحشة تنهش لحم التجار وذيولهم امثال البلغة والجحش ودقة والزعبلاوى والجبلى وهندوسة المرتشين الفاسدين كما نهشت الاهالى رقاب عساكر السلطان الظلما .

قام رئيس العسكر باستدعاء كتائب اخرى مدججة بالسلاح وقتلت كل من قابلته فى العزبة من الاهالى الذين تعاطفوا مع موت عمدتهم الحكيم غدراً .

تقول الحكاية ان عشرين الف ماتوا فى هذا اليوم من الاهالى والعسكر والتجار ولم يتبقى فى العزبة الا خمسين رجل ومئات النساء والاطفال وشيخ واحد مسن هؤلاء جميعاً تعهدوا على طرد حسان البلغة والتجار الفاسدين وعساكر السلطان من عزبتهم الامنة .

خرج الرجال الخمسين من ” الايمان” بعد ان حلفوا اليمين على تحريرها….واستوطن البلغة وكبير العسكر ومن معهم باسلحتهم فى مداخل وحوارى العزبة واحاطوها بسلك شائك حتى لا يهرب منها احد ليلتحق بالرجال الخمسين الذين وهبوا حياتهم لتحرير “الايمان” من القيود واعادة الهدوء والامان مرة اخرى لحياة الاهالى .

ويحكى الجد الوحيد الباقى “كان لا يمر اسبوع الا ويقوم الرجال الخمسين بخطف احد العساكر أو الغشاشين “حتى حبسوهم كلهم فى الجبل انتظاراً ليوم سيحاكمون فيها امام الاهالى …..سوف يتم تجريدهم من ملابسهم ويجبروا على العمل مدى الحياة دون التمتع بثمار ونتاج هذا العمل كما كانوا يفعلون بالبشر…..استولى الرجال الخمسين على كل البنادق والذخيرة من معسكرات البلغة وعساكره وانصاره .

وفى يوم مشهود اضاءت فيه “الايمان” انوارها حتى الصباح جاء الرجال الخمسين وقد نقص عددهم الى ثلاثين رجل بعد ان اغتالت يد العسكر الظالمة قلوب عشرين منهم فى معارك كتبت على جدران الجبل الذى حوله الرجال المتبقين الى متحف يحكى حكاية الكفاح والتعاون والتضحية لبشر وهبوا حياتهم لتحرير “الايمان” من جبروت وتوحش حسان البلغة وعساكره الظالمين .

جاء الرجال المنتصرين عائدين من المعركة وقيدوا كل العساكر والتجار الغشاشين فى قيود حديدية ووضعهم فى جرن “الايمان” وطلبوا منهم ان يركعوا لكل النساء الذين قتلت رصاصاتهم الطائشة ازواجهم واباءهم وابناءهم …ان يبوسوا اقدام كل الاطفال والشباب الذين حرموا من حنان الاب وعطف الاخ والجد ونعمة الامان…. ان يطلبوا من الاهالى الرحمة والمغفرة والتسامح ….. كانت المحاكمة اشبه بمأساة تاريخية للتدليل على توحش التجار وجبروت العسكر وانتزاع الرحمة من قلوبهم….. فى الوقت دللت فية على انسانية الاهالى وبراءة النساء والاطفال وحكمة الاجداد . كانت المحاكمة طويلة استغرقت اياماً ونادى الاهالى بضرورة عقاب كل المجرمين

بعقوبات كثيرة أولها العمل مدى الحياة والحرمان من ناتج عملهم

نفس العقوبة التى فرضها حسان البلغة ومرتشية على العاملين فى المصانع والمزارع بالعمل طوال النهار مع الحرمان من ناتج عملهم .

اما العقوبة الثانية التى نادو بفرضها عليهم كانت تشويه مشاعرهم وتزييفها بالخوف والجبن والنذالة نتيجة تأمرهم على قلوب نساء وبنات ” الايمان ” والتى كانت تنبت فى الزمن الجميل بجوار الاسوار والحوائط والبلكونات ومداخل البيوت والشوارع والحوارى وعلى ضفاف الترع والنهر ….. كل انواع الورود …. لكن سياسات البلغة الكريهة وعسكره شوهت كل هذه المشاعر الرقيقة وحولتها بقوانين سوقهم الى رقم وحساب وضاعت بسببها قيم النبل والعرفان والمودة والحب فى غياهب النسيان .

وكانت العقوبة الثالثة هى النوم اقل من ثلاث ساعات فى اليوم كى يعطوا للبلغة وعساكر السلطان درس فى الانهيار العصبى الذى بلو به الناس لبحثهم عن لقمة العيش فى عصرهم الاصلاحى التحررى.

وقبل انتهاء المحكمة فوجئ الناس بخروج الشيخ محروس ملتفاً بسرب حمام ابيض وذهل الناس ووقفوا حائرين كيف صحا الشيخ من الموت ، كيف استطاع ان يأتى بحكمتة مرة اخرى ونادى فى الجميع .

ايها الناس يا اهل ” الايمان” هل تعاقبوا القتلى بنفس الطريقة التى حرموا بها عزبتنا واهاليها من الحياة الجميلة ….هل تريدون ان يضيع معنى الزمن الجميل الذى عاشت فيه العزبة وكافحنا ومتنا جميعاً من اجله كى نعيده من جديد .

ان اقسى عقاب لهم ان نتركهم يعيشون بيننا كأى شخص فينا ليس لهم علامات مميزة ـ كالفى أى بى – حتى اسماءهم لا تغيروها اتركوهم يعيشون ويتعلمون من جديد … كيف يمكن لعزبة “الايمان” ان تقوم على معانى اخرى اكثر انسانية معانى جديدة تختلف عن حسابات الربح والخسارة التى فلقوا بها رأسنا وادت لحرق العزبة فى النهاية ….ونهبوا بسببها الثروات وخربوا بها نوادى الانتاج التى كانت تكفى احتياجاتنا وكنا ننعم باللعب فيها … اتركوهم يتعلموا كيفية العمل الجماعى من اجل السعادة والرضا والاستمتاع وسد الاحتياجات الاساسيةوالحب … اصرخوا فيهم كلما شاهدتم احد منهم فى اى حارة بأن عمل “الايمان ” الجديد ليس لكسب اوراقاً مزيفة تسمى النقود أو لعمل عقود مسجلة لمصانع واراضى تتراكم بها ثروات المتوحشين من عرق وجهود العمال ويستأثر البلغة والفاسدين وحدهم بكل شئ …. عمل الايمان الجديدة مبنى على دفئ المشاعر والعطاء من أجل كل اهالى العزبة…..

دعوهم يتعلموا منا هدفنا من الحياة لاستكمال بناء الزمن الجميل الذى لا تظهر فى اطاره الا صور الاهالى الجماعية وبشر يضحكون ويعرقون ويزرعون الارض ويحصدون المحاصيل ويوزعوها على الاهالى حسب احتياجات كل شخص ويودون ويحترمون بعضهم …اتركهم علهم يتعلموا اخر درس قبل رحيلهم بعيداً عن العزبة … بأن الكفاح والحب قيم حياتنا الجديدة …اتركوهم لاننا نحتاج الى الوقت لبناء العزبة من جديد وزراعة اراضيها بالورود والقاء كل زبالة حسان البلغة وعساكر السلطان بعيداً عنا ….اتركوهم …اذا كان لى عندكم أى خاطر …رد الحزين كيف نتركهم يا شيخ وهم الذين قاموا بالقاء اللبن الحليب الطاهر فى عين الماجور كى يحرمونا من شربه وكى يرتفع سعره فى السوق على الرغم من ان ابناءنا الصغار كانوا يحتاجونه حتى لا يموتوا من الجوع ؟

كيف نتركهم وهم الذين خزنوا الخبز واللحوم فى مخازنهم كى يزيد الطلب عليهم ويربحوا اكثر ثم القوه فى الترع حتى لا يخسروا اموال ضاقت خزائنهم منها …، فى نفس الوقت الذى كانت نساءنا تموت من الجوع .

لم يهمهم وقتها احتياجاتنا ولا مرضنا ولا جهل ابناءنا ولا تدهور صحتنا أوسد طرقنا وانهيار منازلنا …لم يهمهم ضياع مستقبل الشباب فنشروا المخدرات والعنف والانهيار الاخلاقى كى تزيد ارباحهم … فكيف نصفح عنهم ؟كيف نغفر لهم كل هذه الجرائم ؟

هاج اهالى ” الايمان” وانتشر الهرج بين الصفوف … صرخ بعض الناس يجب ان نقتلهم دون محاكمة…. قال اخر لا نحاكمهم صورياً ونصدر احكاما بالاعدام…. صرخت أم وزوجة اعتقلوهم دون محاكمات مدى الحياة …….هتف اخرون طبقوا عليهم قوانين الطوارئ والاحكام العسكرية

هتف الصبية احرموهم من الطعام والشراب واللعب والسعادة ……صرخ العمال والفلاحين نعاقبهم بالعمل اكثر من عشرين ساعة فى اليوم بلا اجر …….

هتف صانع الالعاب والاراجوز نفقدهم الهوية والمشاعر ونجعلهم يتمنوا الموت ويتقبلوا الانتحار اختيارياً……. لكن صوت محاسن “المحروسة من كل عين” كان كفيل باصدار الحكم النهائى على حسان البلغة والخونة والغشاشين والعساكر المجرمين ….. بايداعهم مزرعة “العلاج البرية “كى تتطهر نفوسهم من الجشع والغل والحقد والكره …يعملون بالزراعة والصناعة داخل المزرعة كل يوم سبع ساعات ويأخذون ناتج عملهم ليبدؤا مثل كل البشر فى بناء حياة جديدة تقوم على الود والامل …..وحينما تفقد ذاكرتهم كل التوحش وقيم السوق البالية نفرج عنهم ليعيشوا معنا بيننا كجزء منا … صرخت محاسن بعد ان اختفى الشيخ …اننا نريد “الايمان “عزبة خالية من كل هذه الامراض …عزبة يمرح فيها الامان والسلام …يستمتع فيها الاهالى بالعدل والمساواة …ولا يوجد فيها أى مكان حتى داخل نفوسنا لما يسمونه الكذب والحقد والكره وقيم السوق المتوحشة ….

نادت محاسن مرة اخرى بأعلى صوتها بعد تقسيم العمل بين الاهالى لاعادة البناء الجديد “للايمان “وكان هذا اليوم الذى تحرر فيه الناس من قيود العبودية والخوف…. ايها الاصدقاء والرجال والنساء والاطفال هذا يوم الانطلاق نحو حياتنا الجديدة …. صرخوا جميعاًَ معها الامان والحرية والمساواة والحب والامل تكتمل صورة الايمان كأجمل قرية يعيش أهلها نضارة الحياة وبكارتها صرخت فيهم وبهم ومعهم فلنبدأ… لان هذه القيم اغلى من كنوز الدنيا ….اغلى من الحياة

ونحن من جانبنا نصرخ معهم …….ونأمل ان نكون بينهم فى هذا اليوم…….. لنشهد أغلى لحظة تمناها الشيخ قبل موته…… لحظة النجاح والانتصار لتسود “الايمان “من جديد قيم الرضا والسلام والود البهجة والحب والامان كما عاشها أبناءهم وأجدادهم فى الزمن الجميل .

المركز يقدم الدعم القانونى مجاناً ويتلقى كافه الشكاوى المتعلقة بحقوق الفلاحين والعمال
والصيادين والمرأة والأطفال فى الريف المصرى على العنوان التالى :
76 شارع الجمهورية شقة 67 – الدور الثامن
بجوار جامع الفتح – الازبكية- القاهرة

ت: 27877014- 202+ ف: 25915557-202+
البريد الإلكتروني:Lchr@thewayout.net – lchr@lchr-eg.org
الموقع : www.Lchr-eg.org