10/12/009

مر واحد وستون عاماً على إصدار الإعلان العالمي لحقوق الانسان والذي أصبح ، بعد مرور هذا الزمن الطويل ، نبراساً يهتدى به من قبل كافة المهتمين والمنظمات الحقوقية لقياس درجة احترام حقوق البشر في أي بلد من العالم .. لقد أصبح الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أساساً صالحاً لكشف التجاوزات والإنتهاكات التي يواجهها الأفراد والجماعات البشرية في العديد من بلدان العالم .. واذا كانت الأنظمة الديمقراطية في البلدان المتقدمة قد استوعبت مبادئ ونصوص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في دساتيرها وقوانينها فإن الأهم من ذلك أن حكومات تلك البلدان ومؤسساتها السياسية وأحزابها وشعوبها قد أصبحت تؤكد احترامها لحقوق الإنسان تلقائياً وبموجب ثقافتها المجتمعية ومنظومة قيمها التي تراكمت على مدى العقود السبعة الماضية .. وقد ناضلت شعوب العالم الثالث من أجل نيل حريتها من الإستعمار خلال عقود القرن العشرين وأقامت أنظمتها الوطنية إلا أن مايؤسف له أن الإستقلال الوطني لم يقترن بتحقيق العدالة الإجتماعية والرفاه الاقتصادي ، وأهم من ذلك بتوفير أرضية قانونية وثقافية تؤكد إحترام حقوق الإنسان .. وكما هو معلوم أن حقوق الإنسان في زمننا الراهن لم تعد تقتصر على حقوق الممارسة السياسية والحريات المدنية ، على أهميتها وضرورة توفرها ، بل تعدى ذلك ليشمل حقوق المجتمع بالبيئة النظيفة والصحية والحقوق الفردية المتمثلة بحرية التعبير والاعتقاد والتمتع بالحياة .. هناك مؤشرات تدعو للتفاؤل برزت في الاعوام الماضية تمثلت بنهاية العديد من الأنظمة الديكتاتورية والشمولية وقيام أنظمة ديمقراطية تؤكد على تداول السلطة في بلدان عديدة في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية .. لكن بالرغم من هذه المؤشرات الإيجابية إلا أن الانتكاسات التي تواجه عملية التحول الديمقراطي في بلدان في العالم الثالث ، ومنها بلدان عربية ، تدعو للحذر في التعامل مع هذه المؤشرات وتحد من

درجة التفاؤل ، هناك أنظمة تستخدم آليات الديمقراطية من أجل تكريس أنظمة الحزب الواحد بأشكال وألوان مختلفة وتستمر القيادات السياسية في مواقعها دون تغيير ولا تتبدل إلا بقدرات إلهية.

نحن في الكويت نحمد الله على نعمة الحياة الدستورية وتوفر آليات الديمقراطية ، ولا بد أن نؤكد أن حقوق الإنسان لدينا تتعزز بزيادة المهتمين بها .. وقد تأكد تحقيق مشاركة المرأة في الحياة السياسية بعد ان نتج عن الانتخابات النيابية التي جرت في مايو (أيار) من هذا العام 2009 نجاح أربع سيدات لعضوية مجلس الأمة .. لكن هناك قضايا هامة تتطلب الإهتمام من المجتمع السياسي وقوى المجتمع المدني لكي نستطيع أن نزعم بأن مسيرة حقوق الإنسان في الكويت آخذة بالتعزز والتوفيق .. لا بد من إنهاء ملف “البدون” بصورة سريعة والتأكيد على الحقوق الأساسية لأفراد هذه الفئة .. وقد تطور الموقف السياسي من هذه القضية بشكل إيجابي بعد إقرار لجنتي “التشريعية” و”البدون ” في مجلس الأمة لمشروع قانون يؤكد على حق أفراد هذه الفئة بالتمتع بحقوق العمل وتعليم الأبناء والحصول على الرعاية الصحية والحصول على هويات رسمية ثبوتية مثل شهادات الميلاد والبطاقات المدنية وعقود الزواج والطلاق وشهادات الوفاة وجوزات السفر .. ونأمل أن تتأكد هذه التوجهات المنصفة في جلسة مجلس الأمة المؤمل عقدها اليوم العاشر من ديسمبر( كانون الأول ) .

أيضا لا بد من الإشارة إلى توفير بيئة تحترم حقوق الإنسان تستوجب الإنتهاء من إقرار قانون العمل في القطاع الأهلي وتعديلاً للقانون 38 لسنة 1964 وبما يزيد من الضمانات والحقوق للعمالة الوافدة في الكويت .. ويعلم المسؤولون والمهتمون بحقوق الإنسان أن العمالة الوافدة تتعرض بإستمرار لإنتهاكات غير مقبولة مثل عدم صرف الرواتب والأجور ولمدد طويلة من قبل أرباب العمل .. ثم هناك مشكلة الكفلاء الذين يقومون بالإتجـــار

بالبشر وفرض أتاوات على العاملين مقابل توفير الإقامات الشرعية لهم بما يستوجب انجاز تعديلات على القانون ويضع حداً لنظام الكفيل ، كما تطالب منظمة العمل الدولية بذلك ومثل ما قامت به مملكة البحرين وغيرها من بلدان الخليج في محاولات جادة لإصلاح سوق العمل ، ويؤدي إلى السيطرة على إنتهاكات أرباب العمل لحقوق العاملين .

ويهمنا التأكيد على أهمية توفير ضمانات لأعداد كبيرة من العمالة الوافدة وهي العمالة المنزلية ، والتي يقدر عددها بأكثر من ستمئة ألف ، والتي تفتقر لأي ضمانات قانونية .

ولذلك نرى ، نحن في الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان ، أن يتضمن قانون العمل في القطاع الأهلي المؤمل إنجازه خلال دور الإنعقاد الجاري نصوصاً ومواد تؤكد الحقوق المشروعة لهذه الفئة من العمالة .

أما ما يتعلق بالمرأة في الكويت فإنه بالرغم من حصولها على حقوقها السياسية الطبيعية المتمثلة بحقوق الإنتخاب والترشيح في المجالس المنتخبة ، مثل مجلس الأمة والمجلس البلدي ، وتبوئها المناصب الوزارية إلا أن هناك قصوراً في الحقوق الأساسية للمرأة في الكويت .. لا تزال تعاني المرأة الكويتية المتزوجة من غير كويتي مشكلات هامة في حقوق الأبناء وعدم القدرة على تجنيسهم مما يتطلب تعديلاً في قانون الجنسية حتى لا يستمر التعارض مع النصوص الدستورية وقيم حقوق الإنسان التي ترفض التمييز بسبب الجنس . أي أن المطلوب تمكين الكويتية منح أبنائها حقوق المواطنة مثل الحقوق التي يتمتع بها كل كويتي ذكر . هناك ، أيضاً ، مشكلات قوانين الأحوال الشخصية التي لا تزال تتحيز للذكور على حساب الإناث والتي آن الأوان لمعالجتها بما يحد من التمييز ، ومنها ما يتعلق بالطلاق والحضانة وإصدار الهويات للأبناء بواسطة الأم أو فتح حسابات مصرفية لهم . ولا بد هنا من تثمين حكم المحكمة الدستورية الذي أنصف المرأة ومكنها من إصدار جواز السفر دون الحصول على موافقة مسبقة من الزوج بعد أن عانى الكثير من النساء من تعنت الأزواج وحرمان نساء عديدات من حق الحصول على تلك الوثيقة .. كذلك لا بـد من الثناء على حكم المحكمة الدستورية والذي رفض بحيثياته قبول محاولات التيارات المحافظة فرض سلوكيات على المرأة تتعلق بالزي دون موافقتها ، مثل الإلتزام بلبس الحجاب ، وبذلك تتأكد حرية المرأة في ممارسة حقوقها السياسية دون قيود شكلية .

لا يمكن أن تتأكد مبادئ حقوق الإنسان دون الإلتزام بحقوق التعبير وإبداء الرأي بكافة الوسائل ومن خلال كافة الوسائط ولذلك فإن الإجراءات التي قامت بها السلطات الأمنية من إعتقال وتقييد حرية عدد من المرشحين للإنتخابات النيابية وعدد من الكتاب لأسباب تتعلق بالأفكار التي كتبوها والآراء التي عبروا عنها وما صرحوا به أو ما كتبوه من آراء ومعتقدات يتناقض كلية مع مبادئ الحرية وحقوق التعبير ، بصرف النظر عن الإتفاق والإختلاف أو الطرق التي تم التعبير بها ، ما دامت الوسائل سلمية ومشروعة . وإذا كانت هناك قوانين وأنظمة تمنح السلطات لمثل هذه الإجراءات والتصرفات فقد آن الأوان لتغييرها وتعديلها بما يتوافق مع الدستور ومبادئ حقوق الإنسان .

ونود أن نؤكد في هذه المناسبة الهامة أن حقوق الإنسان في الكويت يتم التعدي عليها وبإستمرار ، من قبل فئات مجتمعية متزمتة غير رسمية التي تقوم بمنع المواطنين من ممارسة الحريات الفردية أو الإستمتاع بالحياة .. وقد إبتزت هذه الفئات السلطات الحكومية ودفعتها لإصدار قوانين وأنظمة تحد من الممارسات الفردية والعائلية والتي لا تتناقض مع مبادئ الدستور أو تمثل تعديات على حقوق الآخرين مثل القرارات التي تنظم الحفلات ومراسم الفرح .. كذلك فإن تقييد الجامعات والمدارس في أعمالها وخصوصاً ما يتعلق بالتعليم المشترك يمثل إنتهاكات غير دستورية واضحة على الحكومة ومجلس الأمة مراجعتها وإعادة الأمور إلى نصابها .

وترى الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان أن مناسبة العاشر من ديسمبر ( كانون الثاني ) من كل عام يجب أن تكون فرصة لمراجعة التطورات التي تحدث كل عام في مجال حقوق الإنسان والتأكيد على ضرورة تعزيزها وتجاوز كل ما يؤدي إلى تعثر تطور المسيرة الطبيعية لنيل المواطن والمقيم المزيد من الحقوق والحريات .

الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان