قصة جديدة ..قديمة..مكررة أبطالها أطفال وشباب قرية دست الأشراف التابعة لمركز كوم حمادة بمحافظة البحيرة. المشهد الأول أطفال وشباب فى عمر الزهور يخرجون يومياً للعمل بالمزارع فى النوبارية مشحنون فى عربات نصف نقل حيث المزارع الواسعة المشتاقة إلى الأيدى العاملة لزرعها وحصادها، فيكون الأطفال هم الأداة التى ترتوى بها الأرض لتشرب من طفولتهم وأجسادهم النحيلة وعيونهم البريئة.
المشهد الثانى أطفال فى أعمار النمو بدءاً من سن السابعة منحنيون على الأرض يعزقون الارض أو يلمموا الحشائش أو يحصدون المحصول أو يبذرونه طوال ساعات العمل الطويلة التى لا تقل عن 10 ساعات تتخلها أو-لا تتخلها- نصف ساعة للراحة وتناول طعام الغذاء الفقير( جبنة وعيش وطماطم أو بطاطس مهروسة فى احسن الاحوال) . فى يوم العمل الطويل القاسى تحت الشمس الحارقة أو البرد القارس غير مسموح لهؤلاء الأطفال-الشغيلة- الالتفات أو الكلام أو التباطىء فى العمل ومن يفعل ذلك لا يجد أمامه سوى الضرب بالخرطوم والإهانة بأفظع الألفاظ خاصة الفتيات اللاتى يتعرضن للإهانة بألفاظ نابية. وكأننا عدنا إلى عصر العبيد واصبح الأطفال عبيداً لدى مالك الأرض مسخرون بكل قطرة فى دمائهم للعمل فى ارضه مقابل حفنة من الجنيهات لا تكفى شقاء وعناء اليوم الطويل، وهنا لا مجال للحديث عن عقود عمل أو تأمين صحى وإجتماعى أو وجبه غذائية أو عدد ساعات عمل معين أو أجر واضح.
المشهد الثالث الإنتهاء من العمل والشحن مرة أخرى فى نفس العربة النصف نقل للرجوع إلى بيوتهم وعلى وجوههم ملامح الإرهاق والتعب والفرح الخفى فبإنتهاء وقت العمل والعودة للبيت وطعام العشاء والجلوس مع الأسرة والتى تعتبر بمثابة عودة مرة اخرى من رحلة الموت الى الحياة.
المشهد الرابع العربة المحملة بإثنان وعشرون زهرة بريئة تأخذ طريقها إلى طريق كوم حمادة-مركز بدر، هذا الطريق الضيق الذى يربط بين قرى كوم حمادة ومركز بدر..وفجأة تتقابل عربتان فى الطريق الضيق فتسقط أحداهما فى ترعة النوبارية وهى محملة بالأطفال وتتلوث الترعة والمياه بدمائهم …ولا احد يدرى من القرية الا بعد عدة ساعات .
المشهد الخامس تقع العربة النصف نقل بحمولتها من الأطفال وتتوالى الصرخات طلباً للإغاثة فيسرع الناس لنجدتهم وبالفعل يستطيعون إخراج ثمانى منهم..والباقى يتعرض للغرق.
المشهد السادس تخرج قرية دست الأشراف برمتها إلى مكان الحادث للإطمئنان على أطفالهم فيجدون أن 14 طفل وشاب غرقوا ولا يجدون جثثهم … يومان متواصلان يفتشون عن أطفالهم جالسون بجوار ترعة النوبارية حتى استطاعوا إخراج الجثث الغارقة على التوالى خلال اليومين.
المشهد السابع تساقط الدموع والنحيب والحزن فى أغلب بيوت قرية دست الأشراف.
المشهد الثامن الصحف تعلن عن الحادثة..ويصرح المسئولين أن الحكومة ستدفع للمصاب ثلاثة الاف جنية، ولأسرة المتوفى خمسة آلاف جنية ….
وبعد الحادثة يفاجئ الاهالى بأن المبالغ المنصرفة تقل عن ما ذكرته الجرائد وبالطبع لا يسألون فأى مبلغ لا يمكن ان يعوض اسرة الطفل الفقيد .
المشهد الثامن والأخير قامت قوات الأمن بحصار القرية وعمل كردون أمن حولها ومنع القنوات الفضائية من تغطية الحادث ومطاردة المصورين فى الشوارع الجانبية للقرية.. يقرأ المواطنين فى أرجاء المعمورة الخبر بصفحة الحوادث بشكل عابر ويتحسرون ويمصمصون شفاههم–أو قد لا يفعلون- تعوداً على قراءة مثل تلك الأخبار عن قراهم واطفالهم !!.
والمشهد المتكرر يومياً بهذه المنطقة يخرج ما لايقل عن عشرة آلاف طفل وطفلة وشاب وإمرأة من قرى مركز كوم حمادة للعمل فى المزارع الموجودة على طريق النجاح ومركز بدر والطريق الصحراوى والشركات الزراعية الكبرى واهمهم شركة بيكو البالغة مساحتها 50 فدان وتحتاج إلى أكثر من ألفين يد عاملة فى اليوم. ومركز كوم حمادة يحتوى على 66 قرية وبفرض خروج 100 طفل وعامل من كل قرية سنجد أن أكثر من عشرة آلاف طفل وشاب يخرجون من قرى مركز كوم حمادة يومياً ويمرون على نفس الطريق الضيق الموازى لترعة النوبارية حيث تتوالى الحوادث على هذا الطريق، فلا تمر السنة إلا ويكون هناك غرقى ومصابون فى أكثر من حادثة بنفس هذا الطريق.
طريق كوم حمادة الذى يربط بين قرى مركز كوم حمادة ومركز بدر ومديرية التحرير، هذا الطريق الطويل الضيق (طريق الموت) الذى يمر منه يوميا كم هائل من الجرارات وعربات النقل الثقيل المحملة بالمحاصيل والفاكهة المختلفة بالاضافة إلى الأيدى العاملة، وخاصة فى الجزء البالغ حوالى 4 كيلو من قرية دست الأشراف وحتى قرية خنيز تتكرر فيه حوادث طرق للآف العاملين من الأطفال والشباب والنساء العاملين بالزراعة وبالرغم من الحوادث المتكررة لم يتم رصف هذا الطريق وتوسعته حتى الان .
فبالرغم من الحوادث المتكررة على هذا الطريق لم ينتبه حتى الآن المسئولين لخطورة هذا الطريق الذى لا توجد عليه إنارة، ولا يوجد رصيف على حافة ترعة النوبارية يقوم بحجب السيارات التى تنجرف إلى الترعة بسبب ضيق الطريق الذى لا يسع عربتان كبريتان معاً للمرور مما يؤدى إلى وقوع أحدهما فى الترعة.
وتنتهى قصتنا بقيام مجلس محلى محافظة البحيرة بعد تكرار الحوادث بتقديم مذكرة لتوسيع الطريق، قام المحافظ مشكوراً بتحويل المذكرة لهيئة الطرق والكبارى لتقدير ميزانية توسيع الطريق. وحتى الآن لم ترسل هيئة الطرق والكبارى الميزانية لتوسيع الطريق ومن ثم لم يتم تطوير الطريق حتى الآن …مما يعنى توالى الحوادث الجديدة القديمة المكررة.
والمركز يتسأل أين أدوار الهيئات والوزارات المعنية بمثل تلك الحوادث التى يموت في كل واحدة منهم العشرات من الأطفال، أين أدوار وزارة التربية والتعليم ووزارة الصحة ووزارة التضامن الاجتماعى والمجلس القومى للطفولة والامومة وماذا يمكن ان يقال عن التصريحات اليومية للمسئولين فى هذه الهيئات الحكومية عن تحسين وضع الاطفال وكفالة حقوقهم؟
والمركز اذ يتقدم بشكاوى الاهالى للمسئولين فانه يطالب وزير النقل والمواصلات ومحافظ البحيرة بسرعة التدخل وتوسيع طريق الموت حماية لأرواح الاطفال والنساء والشباب العاملين بالمزارع من استمرار ازهاقها بنفس الطريق والطريقة.
كما يطالب المحافظ ووزير التضامن والمجلس القومى للامومة والطفولة بالتحقيق فى المبالغ التى لم تصرف لاسر الضحايا المتوفين والمصابين وتعويض الاهالى وايجاد فرص عمل شريفة لوقف عمالة الاطفال بمركز كوم حمادة وفى النهاية لاهالى الضحايا الحسرة والمتوفين الرحمة ولمجتمعنا خالص العزاء.
لمزيد من المعلومات رجاء الاتصال بالمركز
البريد الإلكتروني:Lchr@thewayout.net – lchr@lchr-eg.org
الموقع : www.Lchr-eg.org